إلى متى إهمال قطاعنا الزراعي؟
يتجه القطاع الزراعي اللبناني إلى مأزق حقيقي ممكن أن يؤدي إلى فناء هذا القطاع الرئيسي، و ليس أقله غياب الدعم والحماية مع بروز الموجة العالمية لارتفاع الأسعار الغذائية في ظل العجز في الاكتفاء الذاتي الغذائي حيث يتعرض الأمن الغذائي في لبنان إلى الانكشاف. ذلك أن الاعتماد على استيراد المنتجات الغذائية يكبح النمو الاقتصادي ويستنزف أرصدة العملات الأجنبية في ضوء التوقعات باستمرار ارتفاع الأسعار لسنوات مقبلة، إضافة إلى توسيع مشاكلنا الإجتماعية و الإقتصادية.
فسياستنا الإقتصادية تؤجج الهجرة الداخلية و يوسعها مما يلعب دورا في غلاء الشقق السكنية و إلى تدهور قطاعنا الزراعي يوما بعد يوم و جيل بعد جيل، و هذا الأزمة تولد أزمة إقتصادية كبيرة، و تقلص اليد العاملة و تخفف من إنتاجنا المحلي و تهدد أمننا الغذائي.
ووفق الاحصائيات المتوافرة عن واقع الزراعة في لبنان يتبين أن هذا الواقع صعب ومعقد، إذ لا تتجاوز نسبة هذا القطاع من مجمل الحركة الاقتصادية العامة 6% وتقارب نسبة العمالة في هذا القطاع 8% في حين ان نسبة الأسر التي تعتمد على الزراعة لتأمين مداخيلها تفوق 25%. .
السياسات الحكومية المتعاقبة
إن غياب البرامج والسياسات الحكومية لرفد هذا القطاع وتنمية وغياب الجدية في التعاطي الرسمي مع واقع القطاع يزيدان في تعقيد الحركة، حيث إن موازنة وزارة الزراعة لا تشكل سوى أقل من 1% من الموازنة العامة في لبنان. إن وجود قطاع زراعي قوي ومريح يساعد على وجود سوق قوية لتصريف المنتجات الصناعية ويؤدي إلى تحديث القطاع الصناعي وتطوير كل القطاعات الاقتصادية المرتبطة به، إذ لا صناعة حديثة ولا قطاع خدمات قوية إلا بوجود قطاع زراعي قوي وحديث يوفر السوق والقوة الشرائية لمنتجات القطاعات الأخرى.
الترابط مع قطاعات عدة
فترابط القطاعات الانتاجية بعضها ببعض وثيق، وأي ضرر يلحق بأحد هذه القطاعات لا بد من أن يصيب القطاعات الأخرى ولذا فإن ترابط القطاع الزراعي بالقطاع الصناعي وخاصة الصناعات الغذائية منه هو ترابط متداخل، كما و أن يرتبط القطاع الزراعي بالواقع البيئي لأن غياب الزراعة سوف يؤدي إلى غياب المساحة أي إتباع سياسة التصحر أو سوف يقل الإهتمام بالإهتمام البئيئ.
إن النمو في الانتاج الزراعي والتجارة الزراعية ضروري لزيادة إجمالي الناتج المحلي وزيادة فرص العمل وتحسين الدخل وزيادة القيمة المضافة وتحسين النوعية وزيادة إنتاجية وحدة المساحة، كما تأتي أهمية هذا القطاع من دوره في تحقيق الأمن الغذائي والاعتماد على الذات، وإيجاد الأصناف الملائمة، والحد من نزوح العاملين فيه إلى أحزمة البؤس حول المدن وهجرة الأرض الزراعية نظراً لعدم مردوديتها.
الظروف المناخية
ومع تغيير الظروف المناخية وسيطرة الجفاف على بعض مناطق العالم، وازدياد الحاجة للمياه في ظل تناقصها أو تأثر الزراعات من جراء ذلك لذلك لا بد من التوجه عمليا تجاه البحث عن بدائل ومنها استنباط أصناف جديدة متحملة لمثل موجات الحر وقلة الهطل المطري وهنا تتوجه الأنظار نحو البحث العلمي لإيجاد الحلول الممكنة، لأنها الأساس في أي حل إلى جانب الإرشاد والتوجيه الزراعي الذي يلزمه الكثير لأخذ دوره بالتعاون بين القطاع الخاص والقطاع العام التنسيق بين البحوث الزراعية والإرشاد الزراعي للتعرف على المشاكل وإيجاد الحلول الممكنة لها من خلال البحث الذي تقوم به البحوث الوطنية مستعين بتجارب وخبرات الآخرين بما يوفر النفقات والوقت والجهود إضافة إلى مسؤولية الوزارة عن تأمين الغذاء اللازم والوصول إلى أمن غذائي سليم تستطيع فيه الدولة توفير العملة الأجنبية كون لبنان يستورد 80% من غذائه ولا يستطيع تأمين سوى 20% من هذا الغذاء، هذا فضلاً عن ضرورة مراقبة الغذاء المستورد والذي لا يخلو من المشاكل والغش.
الأمن الغذائي .
دوره الإقتصادي
تعتبر الزراعة في معظم دول العالم أهم المقومات الرئيسية التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني ككل، لذلك أوجب أن تحظى بالاهتمام الأكبر نظراً لدورها الكبير في عملية التنمية الاقتصادية الشاملة وتوفير الأمن الغذائي التي يعتبر جزءا لا يتجرأ من الأمن القومي للدول. إلى جانب زيادة الناتج الوطني وتشجيع التجارة وتشغيل اليد العاملة وتأمين فرص عمل للمقيمين في الريف.
وأي نظرة لتحسين أوضاع القطاع الزراعي تبدأ بوضع السياسات الزراعية التي تحدد الواقع العملي والفعلي للزراعة من أجل إيجاد الحلول الموضوعية لمعالجة المشاكل التي تعترضها وإيجاد السبل لتطويرها والنهوض بواقعها وتحقيق أهدافها وتأمين متطلبات كل مرحلة من مراحل تقدمها وإجراء التعديلات اللازمة لمواجهة المستجدات المختلفة دون أن يحدث ذلك آثاراً سلبية على الاقتصاد الوطني وعلى المستوى المعيشي للمواطنين وصولا إلى تحقيق الأمن الغذائي، خاصة في ضوء ارتفاع أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم، لذلك فإن هذه السياسات يجب ان توضع وتنفذ على أرض الواقع بشكل تواكب فيه التغيير السريع في مناخ الاقتصاد العالمي من أجل تحقيق الكفاية في المحاصيل الزراعية وبخاصة الاستراتيجية منها والمتعلقة بحياة المواطنين وتنفيذ المشروعات التنموية ذات المردودية العالية وتنمية المجتمعات المحلية وتعزيز دور المرأة الريفية وتبني المشروعات المولدة للدخل وتوفير القروض اللازمة لتأمين مستلزمات الانتاج الزراعي ودراسة الواقع ووضع السياسات الملائمة الهادفة لتعزيز التنمية الزراعية الشاملة.
التكامل مع القطاعات الأخرى
ومما لا شك فيه أن المشاريع التنموية الزراعية تهدف إلى تطوير الواقع المعيشي للمواطنين بالدرجة الأولى وتوفير احتياجاتهم الغذائية بالتوازي مع مستوى الدخل الفردي لهم وتقريب الفارق بالأوضاع المعيشية بين الريف والمدينة وزيادة معدلات الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الرئيسية وتحقيق التكامل بين القطاع الزراعي والقطاعات الأخرى وتأمين متطلبات الصناعة المحلية وتوفير كميات من الفائض للتصدير، وتعتبر هذه الحلقات التي يكمل بعضها بعضا هي المؤشرات الحقيقية التي تدل على نجاح هذا البلد او ذاك في جعل العملية الزراعية في خدمة أغراض التنمية الشاملة وليست عائقا عليها.
حماية حقوق العاملين
لذلك فإن كل إجراءات تطوير الواقع الزراعي وإزالة العقبات التي تقف في وجه تطوير هذا القطاع الحيوي للوطن تهدف في النهاية إلى تحقيق الإصلاح والتطوير في المسيرة التنموية لأي بلد وبخاصة نحن في البلدان النامية، وتحقيق أهداف التطوير الاقتصادي والإصلاحات الاقتصادية وزيادة معدلات النمو الاقتصادي وتحسين استخدامات الموارد الطبيعية وتطوير آلية لتسويق وتحديث وسائل الانتاج وتشجيع الاستثمار في الحقل الزراعي وتطوير نظام التسليف الزراعي والتأمين على الانتاج وحماية وصون حقوق العاملين في القطاع الزراعي وشمولهم في نظام الضمان الاجتماعي، إلى جانب تأمين مستلزمات الانتاج الزراعي وإقرار القوانين التي تكفل سلامة الغذاء وتتيح للمزارع الاستفادة من تجارب وعلوم الأبحاث الزراعية، وتعميم خدمات ومراكز الإرشاد الزراعي، وملء الشواغر في الإدارات، والمضي في سياسة استصلاح الأراضي واعتماد وسائل الري الحديث وترشيد استعمالات المياه.
و كما أن القطاع الزراعي مرتبط بعوامل داخلية و خارجية و لكن هناك هناك سياسات عامة يجب أن نتبعها خلال ممارستنا و تفعيلنا لهذا القطاع و منها :
- زيادة القدرة التنافسية .
- تسريع التحديث .
- تحسين نوعية الغذاء .
- حماية سلامة الغذاء .
- تحقيق الأمن الغذائي .
- إعادة هيكلة الوحدات المزرعية .
- تحسين الدخل المزرعي وتحقيق استقراره .
- تطوير التنمية الريفية .
- دعم اللامركزية .
- ضمان الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية .
أما على الصعيد الخارجي و التنسيق و التكامل فيما بين الدول و خصوصا المجاورة يجب على دول المنطقة بالاستفادة من تجاربها وإنشاء الروابط ضمن المنطقة فيما بين المؤسسات العاملة في مجال تحليل السياسات وبذل أقصى الجهود لتطوير إمكاناتها الفنية والمؤسسية . كما أكدوا على ترحيبهم بإنشاء شبكة السياسات الزراعية لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا .
- الحاجة لبذل الجهود لتطوير الإمكانات المؤسسية والفنية اللازمة لتحديد أولويات بدائل السياسات كجزء من الإطار الاستراتيجي للتنمية الزراعية المستدامة والأمن الغذائي على المستوى الوطني وعلى مستوى الأسرة .
- يطلب من محللي السياسات في المنطقة تحديث معارفهم وإمكاناتهم لتقديم تحليل السياسات حول الأمور المذكورة أعلاه بشكل مناسب وفي الوقت المطلوب . وفي مثل ذلك التحليل يجب أن تدرس المقاييس الحديثة والمعرفة المعاصرة بشكل دقيق ضمن إطار التغيرات الاقتصادية-الاجتماعية والسياسية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي . ويجب أن يتم تنفيذ هذا الأمر من خلال خلق شبكات العمل والتعلم عن بعد وتطوير المهارات من خلال التدريب على الوظيفة .
- يمكن أخذ مخاوف الجهات المعنية بعين الاعتبار من خلال تبني المنهج التشاركي على مدى حلقة صياغة وتحليل ومتابعة السياسات.
- هناك حاجة لضمان التواصل المناسب والكافي بين صانعي السياسات والباحثين ومحللي السياسات . ويجب أن تتم دراسة وسائل التواصل بشكل دقيق.
- يطلب من منظمة الأغذية الزراعة وشركاء التنمية الآخرين متابعة العمل الوثيق مع دول المنطقة في تحديد الاحتياجات وتطوير الإمكانات المؤسسية والفنية للدول والجهات المعنية الأخرى في مجال تحليل السياسات الزراعية . ويكتسب هذا الأمر أهميته الخاصة في المجالات التالية:
- استخدام وإدارة الموارد الطبيعية.
- قضايا الاستدامة والبيئة.
- التحرير التجاري والميزات النسبية وتنافسية القطاع الزراعي.
- الاستثمار الزراعي.
- تغير دور الدولة وتطوير منظمات سكان الريف وتحسين الإطار التنظيمي لتحليل السياسات والأسواق ومؤسسات التسويق وتعزيز توجه الخدمات المالية الريفية باتجاه الفقراء.
- انعكاسات منظمة التجارة العالمية والمفاوضات التي تشمل اتفاقية الزراعة واتفاقية تطبيق المقاييس الصحية والصحة النباتية واتفاقية القيود الفنية على التجارة واتفاقية النواحي المتعلقة بالتجارة لحقوق الملكية الفكرية والتطورات الأخيرة لمؤتمر كانكون وانعكاساتها على التنمية الزراعية .
- تطوير التجارة الزراعية البينية ضمن المنطقة وتسهيل التبادل التجاري .
- الزراعة العضوية.
- برامج شبكة الأمان الزراعية.
أخيرا، إن لبنان يوجد فيه ثروة زراعية كبيرة و لكن علينا أن نحافظ عليها و أن نتدارك كافة الصعاب التي تواجهنا و خصوصا على صعيدي تصريف الإنتاج و مكافحة أزمة شح المياه.
القطاع الزراعي مهم جدا و له أدوارا عدة إجتماعية، إقتصادية و صحية .
أتمنى من جميع المعنيين أن يهتموا أكثر و أكثر بهذا القطاع لأنه فعلا مهمل و هذا الإهمال يولد عقائب كثيرة .