حكايتي مع مناطق النزاع في طرابلس
جميعنا نسمع عن أحداث باب التبانة و جبل محسن و دائما ما نراه من الخارج مختلف جدا عن ما نلمسه عندما نلمسه بالداخل و خصوصا في أوقات المعارك ، خلال عام 2008 حصلت معارك عنيفة بين المنطقتين المتنازعتين و لكن صراحة لم تسن لي فرصة بالدخول إلى المنطقة إلا مرة واحدة فقط و ذلك مع أحد الأصدقاء و تعرضت سيارتنا إلى التقنيص عند مستديرة نهر أبو علي. و لكن وقتها إنصدمت بالواقع على الأرض لأنه مختلف من كافة النواحي إن كان على صعيد المعارك و الحالات الإنسانية و الإجتماعية و الإقتصادية .
من بعدها قررت أنني أريد التواصل مع أبناء مدينتي و إطلاعهم على ما يجري و خصوصا الناشطين و بدأنا بتأسيس بعض اللجان الشعبية لتوعية الناس في هذه المناطق على ما يجري و إجراء دورات تدريبية و نشاطات تنموية و محاربة الأمية و لكن طبعا ذلك يحتاج إلى ميزانيات كبيرة و نحن نعمل ضمن طاقاتنا و قدراتنا.
و لكن بعد بدء الثورة السورية عادت الأمور إلى التوتر و ذلك لأسباب عدة :
– هناك مشاكل قديمة و دم بين أبناء باب التبانة و جبل محسن و خصوصا مجزرة عام 1986 التي سقط فيها 1500 شهيد و كان مسؤول عنها الحزب العربي الديمقراطي و الذي لا يمثل كل أبناء جبل محسن .
– عدم العمل على المصالحة الحقيقية بين أبناء المنطقتين و خصوصا أنه بعد الحرب الأهلية إستعملت سياسة في الوطن على طريقة فرق تسد
– البطالة الكبيرة في المنطقتين
الفقر و الحرمان للمنطقتين و خصوصا لم يعمل على إعمارها منذ الحرب الأهلية و كأنه هناك أمر ببقاء هاتين المنطقين متنازعتين
– إعتماد سياسة بناء مجموعات و دفع لها رواتب من قبل معظم الساسة مما أدى إلى توليد ذهنيات عسكرية و عدم العمل على إيجاد فرص عمل لهم
– التشنج السياسي
– حرب ما بين الأجهزة الأمنية في داخل المنطقتين ، فالنزاع القائم هو سياسي و هذه الأطراف هي من تغذي الأطراف بالسلاح أو على الأقل تغض النظر عنهم
و طبعا هناك أسباب أخرى و لكن هذه أبرزها.
و في هذا العام لاننا كنا منذ عام 2008 على تواصل مع بعض الكوادر و من خلال نشاطنا التنموي و الإنساني قررت دخول المناطق المتنازعة رغم معارضة الحلقة الضيقة لدي و رغم بعض التحذيرات الأمنية بسبب بعض الأعمال الأمنية و بسبب نشاطنا في ملف النازحين فكان هناك خوف من تصفية في ظل الفوضى و شكرا لكل من حذرني و كان إلى جانبي و حرص علي و دعمني.
فعندما دخلت هذه المرة و جلست مع العائلات النازحة اللبنانية و إطلعت على أوضاعهم المأساوية كما زرت مناطق النزاع و المحاور و حاولنا تهدئة النفوس و عملنا على مساعدات الإنسانية و خصوصا أن الدولة كانت شبه غائبة كالعادة.
تعلمت الكثير من هذه التجربة و لمست فعلا لماذا يجب ان نكون ضد العنف و الحرب و ما هي مدى بشاعتها و شناعتها ، و ما لمسته أيضا مدى التفاوت الإجتماعي الحاصل بالمدينة ، فباب التبانة لا تبعد إلا بعض الكيلومترات و لكن عندما ندخلها أشعر أنني أصبحت في وطن آخر و عندما نخرج إلى المناطق الجديدة في المدينة تكون الحياة مختلفة جدا و من هنا قررت العمل على إيجاد التواصل بين المناطق القديمة و الجديدة التي هي من صلب أولوياتي.
و اليوم لا يوجد أدنى الإحترام للدولة اللبنانية و ذلك بسبب تقصيرها و هذا مؤسف جدا لأنني ألمس إنهيار الدولة اللبنانية إن لم يعمد على تمتينها فمؤسساتها منقسمة و حتى الجيش دخل اللعبة بطرق و أخرى فالجيش كان ضامن للمؤسسات و لكن اليوم ثقة فيه تزعزعت لدى بعض الأطراف اللبنانية ، الفقر يزداد و البطالة تزداد و التشنج السياسي يزداد فهل نعمل على حل ؟ و ماذا ننتظر من مواطنون لا تصلهم أدنى حقوقهم ؟ ماذا ننتظر من رجل لديه ثلاثة أولاد و رزقه و منزله إحترق و لا يوجد لمن يعوض عليه ؟ ماذا ننتظر من مواطن تعرضت أمه للإغتصاب من قبل بعض المجموعات المسلحة اللبنانية ؟
الموضوع ليس بسهل و لكن حله ليس بمستحيل
http://www.youtube.com/watch?v=Xgfbf3agXfM&feature=plcp
ويبقى المستحيل هو السهل الممتنع في ظل التركيبة المعقدة لهذا البلد …… الا بلد
للأسف أردوا أن يوصلونا إلى هذه المرحلة … التي يجب أن نعمل جميعا على نبذها