واقع السجون المأساوي… رغم أننا ممكن أن ندعم إقتصادنا من خلاله
إن وضع السجون في لبنان لا يتطابق أبدا مع حقوق الإنسان ، و المواطن اللبناني و خاصة السجين اللبناني يعاني من هذا الواقع المؤسف.
و مما لا جدال حوله ، أن السجون اللبنانية بحالتها الراهنة ، تنظيماً وواقعاً ، بحاجة لإعادة نظر شاملة وجذرية ، نظراً لحالة التردي التي تعانيها في مختلف المجالات .
فهذا الواقع يلزم بوضع نظام جديد للسجون في لبنان يراعي النظريات الحديثة للعلم الجنائي والهادفة الى تطبيق العقوبة العادلة والضرورية لردع الإجرام وإصلاح مرتكب الجريمة من خلال الأخذ بعين الإعتبار شخصيته الإجتماعية والإقتصادية والثقافية وظروف إرتكابه لجريمته ، وتوفير التلازم بين العقوبة المقضي بها والتنفيذ من خلال منح سلطة كافية للقضاء لتكييف العقوبة ، وتيسير الوسائل والسبل المناسبة في مكان تنفيذها لإصلاح السجين وإعادة تأهيله تمهيداً لعودة اندماجه في المجتمع عوضاً عن الإقتصاص منه والقضاء عليه معنوياً وجسدياً .
إستند الباحثون في هذا الحقل والساعون لتحقيق هذه الوجهة الى جملة الشرائع الدولية والمواثيق ، من بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” 1948 ” والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ” 1966 ” والإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملات القاسية واللا إنسانية والمهينة ” 1984 ” ومبادىء الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية ” 1985 ” وبشأن دور المحامين ” 1990 ” ووضع مبادىء وقواعد اعتبرت معايير للمحاكمة العادلة . . . وربما أخيراً وليس آخراً اعتماد الدليل لتفعيل القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ، المقرر من قبل المجلس الإقتصادي والإجتماعي عام 1984 ن بناءً على توصيات الأمم المتحدة ، واللجنة الدولية لمنع الجريمة ومكافحتها .
وبحكم كون لبنان قد ابرم العديد من المواثيق الدولية وأقرّ الفقرة ( ب ) من مقدمة الدستور ” 1990 ” ، يعلن فيها أنه ” عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقـوق الإنسان . وتجـسد الدولة هذه المبادىء في جميع الحقوق والمجالات دون إستثناء “
علماً بأن المشرع اللبناني كان قد سبق له ووضع نص المادة الثانية من قانون أ . م .م والتي أوجبت
” على المحاكم ان تتقيد بمبدأ تسلسل القواعد . عند تعارض أحكام المعاهدات الدولية مع أحكام القانون العادي تتقدم في مجال التطبيق الأولى على الثانية”
بناءً على هذه المعطيات يجب إعادة تنظيم السجون ،و وضع تشريع جديد لها يتلاءم مع المواثيق والتشريعات الدولية وإنشاء هيئة لإدارة السجون مرتبطة بوزير العدل ، تنفيذاً لللمرسوم رقم / 17315 / تاريخ 28/8/1964 القاضي بإنشاء هذه الهيئة وللمادة /29/ من المرسوم الإشتراعي رقم /151/ تاريخ 16/9/1983 ” تنظيم وزارة العدل ” التي نصت على ان تعنى مديرية السجون بشؤون السجناء وبرعايتهم وتأهيلهم . وقد عوّل الإقتراح كثيراً على انشاء هذه الهيئة والحاق السجون بوزارة العدل بدلاً من وزارة الداخلية لغايات وأهداف عدة من بينها الإرتقاء في مجال احترام وتنفيذ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية والمستوى الذي يليق بلبنان كدولة ذي نظام ديمقراطي متحضر .
إن بحث موضوع السجون وتدخل المشترع لوضع صياغة جديدة للقانون لايمكنها ان تكون بمنأىً عن وضع تشريع جديد لأصول المحاكمات الجزائية ، يستوحي بدوره المواثيق الدولية التي ترعى حرية الإنسان وحقوقه ، ويضع حداً للعديد من النصوص في القانون القديم التي تشكل إنتهاكاً لهذه الحقوق .
فلم تشهد السجون اللبنانية في تاريخها حالة اكتظاظ بالموقوفين والمساجين ، قياساً على ما هو حاصل الأن . وبالعودة الى الإحصاءات المقدمة من وزارة الداخلية الى لجنة حقوق الإنسان النيابية في نهاية تشرين الثاني سنة 2000 ، يتبين وجود 7287 سجيناً في داخلها ، وبتقدير الوزارة أن السعة الإجمالية للسجون بواقعها الراهن هي 3840 شخصاً . ويرى المعنيون بهذا الشأن أن كافة العلاجات الجزئية بتوسيع هذا السجن أو ذاك أو إخلاء جناح يشغله الجيش في سجن روميه ، لا يشكل حلاً بديلاً عن تطبيق المرسوم رقم /8375/ الصادر في 7/5/1996 لبناء ثلاثة سجون في زحلة وطرابلس وصيدا تناهز الكلفة 80 مليار ليرة . وهذا المشروع يحتاج لفترة تنفيذ لا تقل عن اربع سنوات حتى يبصر النور ، عدا عن عدم توفر الأموال لإطلاقه .
وبالعودة الى جدول وزارة الداخلية المنوه عنه اعلاه يتبين انه قسّم السجون على المحافظات الخمس كالآتي :
_ في جبل لبنان :هناك ستة سجون هي سجن روميه وفيه 4760 سجيناً ، سجن
جبيل وفيه 31سجيناً ، سجن عاليه وفيه 73 سجيناً ، سجن نساء بعبدا وفيه 81 سجينة ، معهد الإصلاح في بعاصير وفيه 55 ومعهد الإصلاح في الفنار وفيه 24. فيكون عدد السجناء في جبل لبنان 5024 سجيناً .
_ في الشمال : ستة سجون هي سجن طرابلس وفيه 755 سجيناً ، سجن حلبا وفيه سجناء 104 ، سجن البترون وفيه 85 سجيناً ، سجن زغرتا وفيه 94سجيناً ، سجن اميون وفيه 70 سجيناً ، وسجن نساء طرابلس وفيه41 سجينة ، فيكون المجموع 1149 سجيناً .
_ في البقاع : خمسة سجون هي سجن زحلة وفيه 204 سجناء ، سجن نساء زحلة وفيه 34 سجينة ، سجن جب جنين وفيه 90سجيناً ، سجن بعلبك وفيه 75سجيناً ، وسجن رأس بعلبك وفيه 54 سجيناً ، فيكون المجموع 457 سجيناً .
_ في الجنوب : اربعة سجون هي سجن صور وفيه 112 سجيناً ، سجن النبطية وفيه 65 سجيناً ، سجن تبنين وفيه 101 سجيناً ، وسجن جزين وفيه 47 سجيناً ، فيكون المجموع 325 سجيناً .
_ في بيروت : سجن واحد هو سجن نساء بيروت او سجن بربر خازن وفيه 72 سجينة . فيكون المجموع العام 7027 سجيناً .
أما الموقوفون ، فموزعون على ثماني نظارات في لبنان هي :
قصر العدل في صيدا حيث هناك 99 موقوفاً ، قصر العدل في النبطية وفيه 37 موقوفاً ، قصر العدل في بعلبك وفيه موقوفان ، قصر العدل في زحلة وفيه 19 موقوفاً ، قصر العدل في طرابلس وفيه 45 موقوفاً ، قصر العدل في بيروت وفيه 10 موقوفين ، قصر العدل في بعبدا وفيه 40 موقوفاً ، وثكنة الحلو وفيها ثمانية موقوفين ( 1 ).وفي تصريح لقائد الشرطة القضائية ورد فيه أنه تمّ توقيف ما مجموعه 566 شخصاً بجرائم مخدرات مختلفة ( 2) . ويتبين مما هو منسوب لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ، أن عدد الموقوفين الإجمالي من ( عناصر ميليشيا لحد) بلغ 2973 موقوفاً حتى 21/12/2000 ، وصدرت أحكام في حق 1788 منهم في حين لا يزال 1185 موقوفاً قيد المحاكمة . ( 3)
فيكون المجموع العام للموقوفين في النظارات 260 موقوفاً .
واقع الحال يثبت ان السجون في لبنان هي بمنتهى السوء وهي بحاجة لإصلاح فعلي على كل الصعد والمستويات . وإن بعض الأماكن المبنية اصلاً كسجون قليلة ” كسجن رومية مثلاً ” اما البقية خاصةً سجون المحافظات فهي عبارة عن نظارات تستعمل كسجون .وتتصف عموماً بأن الأماكن فيها ضيقة ، يوضع فيها اضعاف سعتها ، وينقصها الكثير من المواصفات : نظافة ، حدائق للتنزه واحياناً مراحيض. وليس هناك من فرز للمساجين : بين المرضى والأصحاء وبين الأعمار وحسب العقوبة الجرمية .
اما المولجون بإدارة السجون فتنقصهم الخبرة المطلوبة وهم في غالبيتهم في حالة من الترهل والتعامل المزاجي في التعاطي . وهناك ايضاً ، خاصةً خارج سجن رومية نقص في التأهيل ويكاد يكون معدوماً : تأهيل مهني أوتعليمي أو إنتاجي .
وهناك من يرى أن الإزدحام في السجون هو اكثر من ثلاثة اضعاف قدرة استيعابها مما يؤثر سلباً على الصحة العامة لجهة انتقال الأوبئة والأمراض المعدية بين السجناء وبينهم وبين رجال الأمن العاملين . وإن مجمل الحالة تؤدي الى تفاعل التأثير السلبي على اوضاع المساجين الذي يطاول الأخلاق والسلوك وظهور حالات شذوذ جنسي وعراك ، مما يجعل حرم السجن خارج دائرة الإنضباط وعرضة لحالات التمرد والشغب .
(1 ) الأرقام مأخوذة عن عدد النهار بتاريخ 30/11/2000.
(2) النهار بتاريخ 23/12/2000 .
(3) النهار بتاريخ 23/12/2000.
أما بشأن الأحداث المنحرفين فإن الضرورة تقتضي فصلهم عن البالغين بتشييد مباني اضافية خاصة بهم ، لأن المبنى الخاص بالأحداث في سجن رومية لا يحل المشكلة ، كما ان إصلاحيتي بعاصير والفنار لا تستوعبان الأعداد الكبيرة منهم .
ومما يزيد من كثرة ازدحام السجون وجود الأعداد الكبيرة من الموقوفين الذين ينتظرون المحاكمة لمددٍ طويلة ، بسبب بطء التقاضي ، وخلافاً لشرعة حقوق الإنسان ، ويقتضي توقيفهم في اماكن خاصة بهم .
إن هذا الوضع يشكل انتهاكاً لكرامة المساجين ، وهم اناس اذنبوا فعوقبوا بحكم قضى بسجنهم . لكن في الواقع انه نتيجة هذا الوضع سوف يتعلم المساجين ما نقصهم من اساليب المخالفات والرذيلة بالإضافة الى الحقد الذي سوف يمتلكهم نتيجة الظروف المريرة التي يعيشون فيها . وحقدهم سينصب على المجتمع والدولة وكل ما هو محيط بهم بحيث يتحول البعض منهم الى محترف جرمي ما إن يخرج من السجن حتى يعود ليدخله بجرم اكبر .
إن أي معالجة لوضع السجن والمساجين من منطلق حقوق الإنسان يعني ايضاً بالإضافة للسجناء رجال الأمن والمواطنين نظراً لعلاقة الإرتباط والتلازم بين الفئات المذكورة ، ويفترض بالمعالجة ان تأخذ هذا الأمر بعين الإعتبار .
نظم المشترع اللبناني السجون واماكن التوقيف ومعاهد إصلاح الأحداث بالمرسوم رقم /143110 / بتاريخ 11/2/1949 . ولحظ هذا المرسوم فقط مسألة تقسيم السجون وكيفية ادارتها . إذ قسمها الى سجون مركزية وسجون مناطق ، وبدون ان يعير أي اهتمام لشخصية المحكوم عليه او الموقوف ودرجة خطورته وماضيه الجنائي وظروف ارتكاب الجريمة ومدى خطورتها لتكون معياراً للتقسيم .
وقد قضت المادة الثانية من هذا المرسوم على انه “ يوضـع الموقوفـون والمتهمون والمحكومون مهما كانت مدة الحكم
في سجن رومية المركزي.”
إن هذا النص يشكل مخالفةً قانونية ، واعتداءً على حقوق الإنسان ، لأنه لا يجوز وضع الموقوفين والمحكومين في مكان واحد ، لأن الموقوف يتمتع حتى تاريخ صدور الحكم ضده بمبدأ البراءة المفترضة ، ولأن زج مختلف الفئات المذكورة مع بعضها ، ومن دون التفريق بينهم على اساس الفعل الجرمي المرتكب ومدى خطورته ، لا يراعي الأساس الشخصي لمرتكب الفعل الجرمي .
أما المادة الثامنة من المرسوم فقد نصت على انه ” يوضـع القاصـرون موقوفيـن او محكومين في اماكن خاصة بهم حسب
نصوص قانون العقوبات “
والتطبيق العملي لا يراعي هذا النص ، إذ ان انشاء معهد إصلاحي للأحداث المحكوم عليهم ولتربيتهم ولرعايتهم بقي في الجانب النظري ، بإستثناء المكان الخاص الذي انشىء في سجن رومية لسجن وتوقيف الأحداث . بالإضافة لإصلاحيتي بعاصير والفنار ، وبقيت السجون اللبنانية مزدحمة ايضاً بالقاصرين مع الراشدين والى جانب مرتكبي الأفعال الجرمية من مختلف الأنواء .
ومع ان المشترع قضى بموجب المادة التاسعة على ان “ يوضع النساء المحكوم عليهن في سجون خاصة بهن “
الا انه تغاضى عن تحديد مكان خاص لتوقيف النساء الموقوفات احتياطياً على ذمة التحقيق .
وبقي التطبيق العملي لنص المادة /108/ ، التي قضت بمكافأة السجين على حسن السيرة، معدوماً ، لإفتقار المرجعية المعنية و الآلية القانونية لوضعه موضع التنفيذ ، وبقي حتى تاريخه حبراً على ورق .
إن التعاطي بموضوع السجون في لبنان حتى تاريخه قد بقي قاصراً دون مستوى نطاق النص النظري ولم يدخل حقل التطبيق الواقعي . وإن ما يجري على ارض الواقع من انتهاكات واعتداءات على حقوق الموقوفين والمساجين ، ليس فقط يتعارض مع الشرائع الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، بل مع نص المادتين /20/ و /52/ من المرسوم المذكور والمتعلقة بالرقابة الصحية اللازمة والمطلوبة ، وغير المتوفرة في كثير من السجون ، بشكل خاص سجون المحافظات والمناطق .
وإذا كان قانون السجون الحالي قاصراً عن اداء دوره التشريعي بمنحاه الإجتماعي ، فإن قانون اصول المحاكمات الجزائية لم يتطرق الى مسألة التوقيف والسجون الا عرضاً وفي المواد / 424/ الى /426/ بالنص على ان قاضي التحقيق يتفقد مرة واحدة في الشهر الأشخاص الموجودين في محال التوقيف والسجون .
بإختصار كلي ان نظام السجون في لبنان مع مختلف النصوص المتفرقة من هذا القانون اوذاك ، ليس من شأنه الحرص على حماية حقوق المساجين والموقوفين بالمقارنة مع الشرائع الدولية بمجملها ، ويقتضي المقام الإستنارة ببعض ما نصت عليه تلك الشرائع .
السجون وأماكن الإحتجاز في الشرائع الدولية :
اولت الشرائع الدولية هذا الجانب الأهمية القصوى ، إنسجاماً منها مع توجهات المؤوسسات الدولية الضامنة لكرامة الإنسان وحقوقه المحفوظة . وسنستعرض هذا الجانب في الأقسام التالية :
لقد بات من الثابت ، ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، يشكل المرجعية الأساسية والرئيسة لمختلف المواثيق الدولية ، والتي وضعت انسجاماً مع روحية ما نص عليه من حقوق إنسانية ثابتة ، لا تقبل التنازل عنها ، لكونها ترتبط ارتباطاً وثيق الصلةبكرامة الإنسان الشخصية المتأصلة في ذاته البشرية .وقد اتت المواثيق التالية لهذا الإعلان لتعمق من مفهوم هذه الحقوق وتحدد آليات حمايتها ، وفي هذا السياق جاءت التشريعات الدولية التالية ، خاصة تلك التي لها علاقة بموضوعنا ومن بينها _ العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية_ اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية _ المبادىء الأساسية للأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية _ المبادىء الأساسية للأمم المتحدة المتعلقة بدور المحامين _ مجموعة القواعد النوذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي وضعتها الأمم المتحدة _ . . .
إن بحث قضية السجون لا يكون بمنأىً عن التشريعات الدولية المذكورة وما كرسته من حقوق ثابتة تعتبر مقياساً حقيقياً لمدى التعامل الإنساني .
وتلافياً للخوض في التفاصيل ، من المفيد جداً حصر منظومة الحقوق في موضوعنا هذا بالخلاصة التي توصلت اليها مجموعة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ، والمستخلصة من حقوق الإنسان العالمية عامةً ، والتي تنطبق على الأفراد جميعاً . وتضمنت هذه الحقوق في القاعدة الأولى ما يلي :
_ الحق في الحياة وسلامة الفرد .
_ الحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة السيئة .
_ الحق في الصحة .
_ الحق في احترام الكرامة الإنسانية .
_ الحق في التنفيذ العادل للقوانين .
_ الحق في عدم التعرض للتمييز والتفرقة من أي نوع كانت .
_ الحق في التحرر من الإستعباد .
_ الحق في حرية الرأي والفكر .
_ الحق في احترام الحياة العائلية .
_ الحق في التنمية الذاتية .
الطابع الإلزامي لتطبيق القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء
إن لبنان بات ملزماً دستورياً ومعنوياً بتطبيق القواعد النموذجية ، خاصةً بعد ان أدخل الفقرة ( ب ) في مقدمة الدستور التي تقضي بإلتزامه بالمواثيق الدولية ، وقضى المجلس الدستوري ، بدوره ، بموجب قراريه رقم ( 1 ) و ( 2 ) بتاريخ 12/9/97 بإبطـال القانونيـن رقـم /654 / و /655/ مستنداً في تقرير الإبطال الى تعارضهما مع فقرة في الإتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية الصادرة عام 1966 والتي انضم اليها لبنان عام 1972 .
في جانب آخر ، ارفق بمجموعة القواعد الدنيا ، مجموعة اجراءات متخذة من قبل الأمم المتحدة ، ترتب التزامات محددة على دول العالم ، تقضي بما يلي :
_ ادراج القواعد في صلب التشريع الوطني ” اجراء 2 ” .
_ اتاحة اضطلاع المكلفين بالتنفيذ والسجناء عليها ” اجراء 3 _ 4 “
_ ابلاغ الأمين العام للأمم المتحدة كل خمس سنوات عن مدى الإلتزام بها ” اجراء 5 “
_ تزويد المرجع المذكور بالتشريعات الوطنية الصادرة تنفيذاً وتطبيقاً لذلك “اجراء 6 “
_ استناد هذا المرجع لما يقدم له لإعداد تقاريره السنوية ” اجراء 8 “
_ تقديم الأمم المتحدة العون التقني والتنموي لتدعيم نظم اصلاحية شاملة تتسم بطابع
انساني ” إجراء رقم 10 ” . ولتفعيل هذا الإجراء قررت الأمم المتحدة في الدورة
54 / 99 ( قرار 52 /124 ) بشأن موضوع حقوق الإنسان في مجال إقامة العدل،
تنفيذا للإجراء المذكور ، دعوة ( المجتمع الدولي الى الإستجابة على نحوٍ مؤاتٍ
لطلبات الحصول على المساعدة المالية والتقنية من أجل تحسين إقامة العدل وتعزيزه )
ودعت الدول المعنية الى الإستفادة من برامج الأمم المتحدة ( بغية تعزيز القدرات
والهياكل الأساسية الوطنية في مجال إقامة العدل )
والإجراء الأخير ، في حال تقيد لبنان بإلتزاماته ، له اهمية قصوى ، إذ انه يتيح المجال لتطوير صيغة التعاون القائمة بين الأمم المتحدة ووزارة العدل والمقتصرة فقط على الأحداث وكيفية اصلاحهم ، بينما يفترض ان يشمل هذا التعاون كامل حقل السجون وكافة السجناء في لبنان .
ميزات نظام السجون في ظل القواعد النموذجية
وفرت القواعد جملة من الميزات تتجلى بتقسيم السجون الى فئات متعددة ، وبإخضاع السجون واماكن التوقيف لأنظمة خاصة ، وبإتباع سياسة اصلاح وتأهيل المسجونين والمحافظة على صحتهم ومعاملتهم معاملة انسانية ، من أجل إعادة دمجهم في المجتمع البشري كأفراد صالحين ومسالمين .
تقسيم السجون الى فئات مختلفة :
استندت القواعد الى عدة معايير شخصية لتقسيم السجون واماكن التوقيف ، الى فئات مختلفة ، تتناسب مع وضع كل سجين محكوم عليه وموقوف احتياطياً على ذمة التحقيق .
أ _ معيار التقسيم واماكن السجون :
تأخذ نصوص القواعد من شخص المحكوم عليه او الموقوف معياراً اساسياً، لتقسيم السجون واماكن التوقيف الى فئات مختلفة، تتناسب مع شخصية كل سجين او كل موقوف، وتعير اهميةً لمدى المعاملة الإنسانية للمسجونين والموقوفين بإعتبارهم افراداً قابلين لإعادة التأهيل والإصلاح ، والحيلولة دون استعبادهم وممارسة التعذيب بحقهم والنظر اليهم كمنبوذين. ترسيخاً لهذا المعيار ولإمكان تطبيقه عملياً ، جرى الفصل بين فئات السجناء وفقاً لما يلي :
_ الفصل بين الذكور والإناث ، وبين الموقوفين والمحكومين ، وبين المسجونين لإرتكاب جرم جزائي وبين المحبوسين لأسباب مدنية ، وبين اصحاب السوابق الجرمية وسواهم ، وفي مطلق الحالات يتم فصل الأحداث عن البالغين .ويكون الفصل بوضعهم في مؤسسات مختلفة أو اقسامٍ مختلفة ضمن المؤسسة الواحدة ” قاعدة 8 “.
_ وعلى قاعدة الفصل المذكور وضعت قواعد خاصة بالفئات التالية :
السجناء المدانون ” قاعدة 56 _ 64 ” _ السجناء المصابـون بالجنـون والشذوذ
العقلـي ” قاعدة 82 ” _ الموقوفـون والمحتجزون رهن المحاكمة ” قاعدة 84 _
93 ” _ السجناء المدنيون ” قاعدة 94 ” .الأشخاص الموقوفون او المحتجزون دون
تهمة ” قاعدة 95 ” .مقاصد التصنيف الفئوي وأغراضه العلاجية ” قاعدة 67 ” .
ب_ إدارة السجون واماكن التوقيف :
خصصت لها مجموعة من القواعد تؤكد على اهمية نزاهتهم وإنسانيتهم واعتبار عملهم خدمة اجتماعية ” قاعدة 46 ” يتمتعون بمستوى كافٍ من الثقافة والذكاء وتدريبهم على مهامهم ” قاعدة 47 ” وتنوع الإختصاص في جهاز الموظفين ” قاعدة 49 “
ج _ تزويد السجناء بالمعلومات وحقهم في الشكاوى ” قاعدة 35 _ 36 ”
د _ الإتصال بالعالم الخارجي” قاعدة 37 _ 40 ”
هـ الخدمات الطبية والإحتياجات الشخصية ” قاعدة 22 _ 26 ”
و _ المعالجة واعادة التأهيل ” قاعدة 65 ” المكافأة ” قاعدة 70 “
ز _ التشجيع على حسن السلوك وتنمية الحس بالمسؤولية من خلال العمل اللائق داخل السجن ” قاعدة 70 _ 78 ”
ح _ الرعاية المطلوبة من هيئات المجتمع المدني والحكومية بعد السجن ” قاعدة 79 _ 81″ .
خلاصة :
يتبين ان نظام السجون اللبناني الراهن قاصر عن مواكبة ، حتى حركة التشريع اللبناني وتحديث القوانين . هذا النقص التشريعي يناقض المبادىء الدستورية ، التي تصون كرامة الإنسان وشخصيته ، وتترك المجال مفتوحاً على حصول انتهاكات لحقوق الإنسان ، تتنافى مع الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء . ويتعارض هذا الأمر ايضاً ، خاصةً الجانب المتعلق بالسجون وأماكن التوقيف مع مجمل الشرائع الدولية الحامية لحقوق الإنسان .
ويقتضي الملاحظة ان المعالجة في هذه الدراسة ، اقتصرت على قضية السجون التي تستقبل موقوفين على ذمة التحقيق ، نسب اليهم ارتكاب افعال جرمية او محكومين بإرتكابهم قضايا من هذا النوع من قبل القضاء العدلي الجزائي ، ولم تتطرق الى تناول سجون اخرى، خارجة راهناً عن نطاق صلاحية مديرية السجون في وزارة الداخلية ، من بينها سجن الأمن العام وسجن وزارة الدفاع .
ومن الأهمية بمكان في هذه العجالة ان نشير الى ان ما يحصل مع الأجانب المحتجزين في سجن الأمن العام ، تمهيداً لترحيلهم ، يتعارض ايضاً مع المواثيق الدولية والإتفاقية الدولية لقضايا اللاجئين الصادرة عام 1951 رغم ان لبنان لم ينضمّ اليها لإعتبارات معروفة .
في جانب آخر ، لابد من تغيير السياسة الجنائية المتبعة والمبنية على النظرة العقابية والإقتصاص من الفاعل ، واستبدالها بسياسة قضائية اصلاحية ، تأخذ في الإعتبار ظروف الفعل الجرمي ودوافعه، وإعتبار الفاعل إنساناً ، يقتضي معاملته بإحترام ، عملاً بالمبادىء الدستورية والقيم البشرية والشرائع الدولية ، التي تحرص جميعها على صون كرامة الإنسان وحقوقه .
والحديث عن إصلاح السجون ووضع قانون جديد ، لا يمكنه ان يكون بمنأىً عن التسريع بحسم مشروع قانون أصول المحاكمات الجزائية المقدم للمجلس النيابي منذ عام 1995 ، وذلك لوجود علاقة ترابط وتلازم بين القانونين المذكورين ، وما يتركه هذا الأخير من تأثيرٍ على الأعداد الكبيرة التي تكتظ بها السجون . خاصةً وأن المشروع المذكور قد قطع شوطاً متقدماً في بحثه ومناقشته ، لجهة سد الثغرات التشريعية والأخذ بما استقر عليه اجتهاد المحاكم ورأي اصحاب الفقه الجزائي ، والإنسجام مع قواعد الشرائع الدولية الحامية لروحية ومضامين حقوق الإنسان .
إن أي تشريع جديد للسجون ، يفترض به ان يلحظ ما تقدم ويأخذ بروحيتها ، كما عليه ان يتناول مايلي :
1_ التأكيد على إنشاء هيئة لإدارة السجون مرتبطة بوزارة العدل ، تنفيذاً للمرسوم رقم /17315/ تاريخ 28/8/64 القاضي بإحداثها ، وللمادة 290 من المرسوم الإشتراعي رقم /151/ تاريخ 16/9/83 ( تنظيم وزارة العدل ) على ان يرأسها قاضٍ متمرس بالحقوق الجزائية ، ويمتلك خبرة واسعة في التعاطي مع المنحرفين إجتماعياً ويحوز ثقافة تؤهله للقيام بالدور المطلوب ، وبشكل خاص ثقافة حقوق الإنسان .
وتضم هذه الهيئة الى جانبه مندوباً عن جمعية معنية بحقوق الإنسان ، يمتلك خبرة وتجربة في هذا المجال ، لا سيما الجانب الحقوقي منه . وتضم ايضاً مندوباً عن وزارة العمل والشؤون الإجتماعية وأخصائياً في علم النفس الإجتماعي .
تعمل الهيئة على إيجاد صندوق للسجين يلبّي متطلبات إجتماعية ورعائية معينة ، تؤمن موارده وكيفية الإنفاق وفق معايير محددة .
يكلف رئيس الهيئة بدور القاضي المشرف على تنفيذ العقوبات ، وعليه ان يأخذ بالرأي الإستشاري لأعضاء الهيئة .
2_ تصنيف السجون وأماكن التوقيف بالإستناد الى وضع المحكوم عليه او الموقوف ، مع الأخذ بالإعتبار السوابق الجرمية ، ومدى خطورته على المجتمع وشخصيته وعمره وجنسه .
3_ إيجاد سجون وأماكن توقيف جديدة قادرة على استيعاب العدد الكافي من المحكوم عليهم، وتمكين هؤلاء من تأمين غرف إنفرادية ، يمارسون فيها حياتهم الخاصة ، والإستفادة من تقديمات الأمم المتحدة الوارد في الإجراء رقم 10 ضمن صيغة التعاون ليشمل كل السجون وكافة السجناء وعلى ان تكون السجون وفق المعايير الدولية المحددة .
4_ اعداد سجون عصرية قادرة على اعادة تأهيل المحكوم عليه وإصلاحه ، بصرف النظر عن خطورة فعله الجرمي ، واعداده لإعادة دمجه في المجتمع كمواطن صالح .
5 _ التأكيد على ضرورة تطبيق المادة /108/ من قانون السجون وتفعيلها بإيجاد مرجعية قانونية لتقريرها وآلية عمل لتنفيذها .
6_ تدريب السجين على المهارات المهنية وتمكينه من متابعة عمله داخل السجن ، أو اكتساب مهنة جديدة تتناسب مع مؤهلاته الشخصية ، في منحى اشعاره بقيمة ذاته الإنسانية وفعاليتها ، وتمكينه من أداء العمل المنتج والمفيد له بعد خروجه من السجن .
7_ تمكين السجين من متابعة دراسته في مختلف مراحلها .
8_ توطيد علاقة السجين بأسرته للمحافظة على الأواصر التي تربطه بها وتسهيل الزيارات معها وفي غرف انفرادية .
– امكان اجراء عقد الزواج داخل السجن والقيام بمراسيم هذا الزواج بناءً على ترخيص
النائب العام .
– السماح للسجين بمغادرة السجن تحت الحراسة في الظروف الصعبة التي تلمّ بعائلته
كحادث وفاة أو مرض شديد .
9_ توطيد علاقة السجين بالعالم الخارجي من خلال :
_ القيام بنشاطات إجتماعية عن طريق الإتصال بجمعيات مرخص لها ، وبإذنٍ من إدارة
السجن .
_ تمكينه من المراسلة والتلقي مع معارفه وأصدقائه حرصاً على حفاظه لعلاقاته العامة .
10_ العمل بسياسة إذن الخروج من السجن المعمول بها في فرنسا ، على ان يمنحها رئيس هيئة إدارة السجون ، بصفته القاضي المشرف على تنفيذ العقوبات ، لمن تطبق بحقهم عقوبة تقل عن أربع سنوات ، أو من يطبقون عقوبة تزيد عن أربع سنوات بعد تنفيذهم نصف العقوبة. والعمل بنظام الحرية المنتقصة التي تمنح لمن لم يبق لهم سوى مدة سنة على انهاء العقوبة .
11_ وضع إدارة السجون في عهدة من تتوفر فيهم المزايا وا لمعايير المحددة في القواعد النموذجية ، 46 وما يليها .
12_ مراعاة التشريع الجديد للمعايير الدولية فيما يتعلق بالخدمات الطبية ” قاعدة 28 ومايليها الطعام _ النظافة _ الملابس _ لوازم السرير _ الترفيه . . .
13_ ممارسة الرقابة القضائية الفعلية على السجون .
14_ حفظ حق الموقوفين إحتياطياً بالإتصال ، ضماناً لحريته وإحتراماً لمبدأ البراءة المفترضة.
_ حق الدفاع بما في ذلك الإتصال بحرية ومباشرة مع موكله بمنأى عن أي رقابة . وممارسة الموكل لحقه في الإتصال ومراجعة الوكيل بدون إذن مسبق وبناء على بطاقته المهنية في المواعيد المحددة للمقابلات اليومية .
_ منع موظفي السجون من التدخل لدى الموقوف لإقناعه بإختيار هذا المحامي أو ذاك تحت طائلة الملاحقة الجزائية ، وإعتماد قائمة من المحامين المتبرعين في مقر كل سجن بالمرافعة المجانية، يتم اختيارهم من قبل هيئة رعاية السجين ، يتم ترشيحهم من جمعيات حقوق الإنسان ولجنة المعونة القضائية في نقابة المحامين .
16_ وضع صندوق شكاوى في كل سجن يتم فتحه اسبوعياً من قبل مندوب من هيئة رعاية السجين شخصياً .
17_ تمكين مؤسسات المجتمع المدني وهيئات حقوق الإنسان في تأدية الدور المطلوب لمساعدة السجناء ورعايتهم .
أتمنى أن نتمكن من نحسين أوضاع السجون في لبنان و ممكن أن يلعب ذلك دورا في تعزيز إقتصادنا و في تعزيز التنمية الإجتماعية في الوطن ، أليس حقوق الإنسان في بلد يتغانى بديمقراطيته و في الحضارة، أليس ممكن أن نتمكن من إستخدام المساجين في تنمية إقتصادنا من خلال عمالتهم في معامل و في إنتاج بأسعار متدنية، كيف ممكن للسجين أن يتعافى و يتوب في ظل الظروف التي نعاني منها اليوم.
أتمنى أن نأخذ هذا الموضوع على محمل الجد لأنه مهم جدا.