نشابة محاضرا حول المبادرة الإجتماعية

بدعوة من شباب “التحرر العربي” أجرى وزير الشباب و الرياضة في حكومة الظل شادي نشابة دورة تدريبية تحت عنوان المبادرة الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية” في مقر نادي الرياضة والأدب بطرابلس. شارك فيها طلاب من مختلف الجامعات اللبنانية ومن انتماءات سياسية مختلفة ،ومناطق متعددة.

وقد ركز نشابة على عدة مواضيع في محاضرته و  أبرزها موضوع روح المبادرة الإقتصادية و الإجتماعية و السياسية اللذين يشكلون عامل  أساسي في تفعيل التنمية الإقتصادية و الإجتماعية في الوطن. و لقد أثار نشابة مواضيع عدة و منها:

1. أهمية العمل الإجتماعي و التطوعي

2. المبادرة السياسية و مهارات التفاوض

3. المحاسبة و المساءلة

4. من هو صاحب العمل و ما هو دوره

5. الكفاءات التي يحتاجها صاحب العمل

6. مواصفات الرائد في العمل

7. التخطيط

8. الموازنة

9. المتابعة

10. المراقبة و التقييم

و ذكر نشابة خلال المحاضرة أن لبنان يعاني من غياب دولة المؤسسات و التنظيم ،و المعاناة من المحاصصة التي تؤدي إلى ضعف الإنتاجية في العمل، وغياب المحاسبة و المساءلة ، كما و ركز أن لبنان بحاجة إلى  قانون إنتخابي عادل  يفرز نخبة سياسية جديدة .

و تحدث أيضا عن دور الشباب الايجابي والفاعل، وقال: عليهم أن  يعملوا على تنمية قدراتهم ،و أن يؤمنوا  بإستثمار قدراتهم في الوطن لأنها الثروة الأكبر في لبنان. و شدد على ضرورة تكاتف  الشباب اللبناني  من أجل رفعة وطنهم و تطويره .

و أخيرا ركز على ضرورة تفعيل مشاركة الشباب في الحياة العامة و إعتبرها أساساً لايجاد وانجاح “السياسة الشبابية” بشكل عام، وخاصة لناحية تحفيز الاندماج الاجتماعي. فمن هنا تأتي ضرورة ضمان حق الشباب بالمشاركة في العمل المدني والنشاط السياسي بشتى أشكاله .

“نشابة للوسائل الإعلامية” : طرابلس مدينة العيش المشترك و الإعتدال في لبنان

رأى  شادي نشابة أن الشمال لا زال يعاني من النظرة النمطية لأهله، “حيث يصوّر الشمال أنه يحوي ويأوي المتطرفين و المتعصبين، الامر الذي أنعكس سلباً على مجمل نواحي الحياة في المدينة من اقتصادية وتنموية وغيرهما”.

كلام نشابة جاء أمام لجان المناطق خلال الاجتماع الدوري.

اضاف:” تلعب بعض وسائل الاعلام دوراً سلبياً مساعداً في تشكيل وتعزيز هذه الصورة التي لا تشبه واقع الحال في مدينة التعدد الطوائفي والمذهبي والثقافي. ولا شك أنه يوجد أغلبية على أرض الواقع منفتحة و تتقبل الآخر وهي تتعاون مع بقية مكونات المجتمع لاظهار الصورة الحقيقة للمدينة – لا تجميل الصورة- وهناك باستمرار في طرابلس والشمال “منارات على الطريق”، من هيئات مجتمع مدني، وهيئات ومراكز ثقافية وقوى شبابية فاعلة لا علاقة لها بالتطرف، ومن مختلف الطوائف، وهي اذ لا تقف ضد التدين، الا أنها لا توافق أطلاقاً على الطروحات المتطرفة من أية جهة أتـت”.

وتابع: “ولا يفوتكم أن  اعادة طرح هذا الموضوع  في بعض الوسائل الاعلامية  على علاقة مباشرة بالسيناريوهات التي تنشر  عما يمكن أن يحدث في حال صدور القرار الظني”، مشيراً الى أن  ”مثل هذه السيناريوهات  الافتراضية كان سبق زيارة الرئيس الايراني أحمدي نجاد للبنان”.

وقال:”المراد هو تدمير صورة طرابلس للاسف، حتى وصل البعض الى وصفها بـ” قندهار” وهذا بالفعل منتهى الظلم والتضخيم الاعلامي، وهو لا يمت الى واقع المدينة بصلة”.

وشدد على أنه “لا يمكننا أن ننكر واقع الفقر و الحرمان في مدينة طرابلس، ولا بد من معلجة حقيقة لهذا الواقع،وعلى جميع القوى والهيئات والفعاليات في المدينة  أن تتكامل لتحقيق التنمية المستدامة على كافة الصعد في سبيل رفعة مدينتنا إجتماعيا و إقتصاديا،و هذا لا يمكن أن يؤديه فريقا واحدا بل علينا أن نتكامل جميعا .

لأن الفقر و الحرمان ممكن أن يؤدي كما هو معلوم الى نتائج لا تحمد عقباها”.

وختم نشابة كلمته برؤية وصفها بالمتواضعة لابراز الصورة الحضارية والحقيقة للمدينة أوجزها بالنقاط التالية:

–         ضرورة وضع خطة اعلامية شاملة ، طويلة المدى، والتواصل مع الإعلام المرئي و المسموع و المكتوب لأجل إبراز حقيقة طرابلس  انطلاقاً من تاريخ الميدنة وصولاً الى واقعها..

–         خلق فريق من المجتمع المدني الناشط  فعلاً لا شكلاً، لأجل خلق آلية أنشطة في كافة المناطق يكون هدفها إبراز حقيقة طرابلس و وجهها الثقافي و الحضاري و السلمي.

–         التواصل مع كافة القيادات السياسية في المدينة و الفعاليات لأجل عقد مؤتمرا هدفه إبراز حقيقة طرابلس وووضع رؤية لمستقبل المدينة واستنهاضها، و وضع خطة عمل تلتزم بها كافة الفعاليات..

–         إعداد وثائقي عن طرابلس  يبرز فيها حضارتها و تاريخها و بنيتها الإجتماعية و الإقتصادية و الثقافية وتعميمها على كافة الوسائل الاعلامية، وتنظيم خطة لعرضة في أوقات مميزة..

–         الدخول الى  المؤسسات التربوية لإعلامهم بالحملة التي نؤسسها أو بالنشاط الذي نقوم به لأجل مشاركة أكبر عدد من المواطنين في المدينة و الذي يعطي الخطة  قيمة إضافية و دفع لتنفيذها..

” نشابة” محاضرا في منظمة الأمم المتحدة لتنمية الصناعات

تنظم منظمة الأمم المتحد لتنمية الصناعات برنامج تدريبي لرواد أعمال ، وقد كان شادي نشابة ضيفا محاضرا لمدة يومين و ذلك نهاري الخميس 11 و الجمعة 12 تشرين الثاني في غرفة التجارة و الصناعة في الشمال .

وقد ركز نشابة على عدة مواضيع في محاضرتيه و كانت أبرزها موضوع روح المبادرة الإقتصادية و الإجتماعية و اللذان هما مورد أساسي في تفعيل التنمية الإقتصادية و الإجتماعية في الوطن. و لقد أثار نشابة مواضيع عدة و منها:

  1. من هو صاحب العمل و ما هو دوره
  2. الكفاءات التي يحتاجها صاحب العمل
  3. مواصفات الرائد في العمل
  4. التخطيط
  5. الموازنة
  6. المتابعة

كما و ذكر أن الاقتصاد اللبناني لا يؤمن فرص العمل الكافية  التي تغطي طلب الشباب الوافدين الى سوق العمل سنوياً، لذا يجب ايلاء الاهتمام اللازم بالقطاعات الأكثر توظيفاً والواعدة، على ضوء التغيرات في أوضاع أسواق العمل الداخلية والخارجية، والقيام باجراءات من شأنها تحفيز القطاعات المختلفة.

و نوه بأن هناك تفاوت في التنمية بين المناطق، الذي يشهده لبنان، دوراً حاسماً في زيادة حدة النزوح من الريف والمناطق البعيدة  الى المدن أو الهجرة الى الخارج. لذا، من الضروري إنشاء وزارة التخطيط اوالتصميم، على أن يُعهد اليها إعداد ووضع دراسات لمشاريع تتعلق بالتجهيز والتنمية، والعمل على تنفيذها بالتعاون مع مختلف إدارات الدولة ومؤسساتها العامة في إطار سياسة عنوانها : “التوازن التنموي المناطقي العادلمع إعطاء دور للجماعات المحلية على مستوى الشورى والتنسيق والمشاركة بالتنفيذ، لذا هنا دور كبير على رواد الأعمال لكي نتخلص من هذه الأزمة.

و ركز أيضا على تفعيل مشاركة الشباب في الحياة العامة و إعتبرها  أساساً لايجاد وانجاح السياسة الشبابية بشكل عام، وخاصة لناحية تحفيز الاندماج الاجتماعي. فمن هنا تأتي ضرورة ضمان حق الشباب بالمشاركة في العمل المدني والنشاط السياسي بشتى أشكاله .

أهمية المبادرة الإجتماعية و الإقتصادية و تأثيرهم في سياسات الدول

إن تفعيل المبادرة والقيادة لدى الطالب من خلال نظريات القيادة الحديثة وسمات الشخصية الحديثة، وتنمية شخصية الشباب بإتجاه روح التفاعل مع المجتمع وسوق العمل، وإيجاد بيئة للإبداع تجعله قادراَ على إتخاذ القرار الصحيح، وتفعيل روح المبادرة ضماناَ للإستقرار والنجاح.

كما إن أعدادا كبيرة من الحاصلين على شهادات التعليم العالي ،لا تجد منافذ لسوق الشغل، بسبب التباعد الحاصل بين التكوينات المدرسة، وحاجيات سوق العمل

المبادرة الإجتماعية :

يعتبر العمل التطوعي في هذه المرحلة مزدهرا وفي أوج قوته، إلا أن العمل التطوعي يواجه تحديات منها إيجابية وأخرى سلبية، فالإيجابية منها هو مشاركة أكبر عدد من المواطنين والمؤسسات في العمل الأهلي التطوعي مما يشجع على التنافس والتطوير وإثراء المجتمع بأفكار متميزة لتنمية المجتمع ودخول دماء جديدة للعمل التطوعي، و إنخراط الفرد في العمل العام يمتن الديمقراطية و يبني شخصية الفرد.

ولكن في الناحية السلبية منها شكوى العديد من الجمعيات الكبرى حول تشتيت العمل التطوعي وتجزيئه الى مؤسسات صغيرة قد لا تحظى بالموارد المالية والبشرية الكافية لتفعيل مشروعاتها التطوعية واستدامتها، كما و أن هناك مشكلة جزرية في المجتمع المدني أي أن البعض منها دخل الفساد بدلا من أن يحاربوا الفساد.

المبادرة الإقتصادية :

إن المبادرة الإقتصادية و الإجتماعية مرتبطين بشكل جزري بينهما البعض و أعتبرهم أنهم متكاملين لأنني أعتبر أن كلاهما يدعما البعض بسبب إرتباط التطور الفكري و الإداري خلالهما.

إن روح المبادرة في ظل التباطؤ الاقتصادي، إمكان المشروعات الفردية الخاصة على دفع وتحفيز التنمية الوطنية، بالإضافة إلى كيفية استطاعة الدولة تشجيع المشروعات الفردية الخاصة، والعوائق التي تحول دون ذلك، إضافة إلى كيفية أن يتعاون القطاعان العام والخاص للمساعدة في التغلب على هذه المعوقات.
فوصول أصحاب المشروعات الفردية الخاصة إلى رؤوس الأموال في عالم مقيد مالياً، وأفضل وأنجح الطرق التي يجب استكشافها من أجل تحقيق الازدهار والرخاء الاقتصادي، فالأزمة الاقتصادية أثرت على الجميع، وننظر نظرة إبداعية اجتماعية لحلها عن طريق الجمع بين الأفراد والشركات، وهو أمر لابد من حدوثه”.

فليس كل شخص مهيئاً لاتخاذ المبادرات في العمل. لكن من المؤكد أن يتخذون المبادرات يكونون دوماً في الطليعة. امتناع الكثير من الناس عن اتخاذ المبادرات ليس مرده لامكانياتهم المحدودة وإنما لاعتبارات اجتماعية وتكوين نفسي خاص. حب المبادرة موجود بالفطرة لدى كل الناس لكن لا بد من افساح المجال أمامه كي يأخذ مجاله.
فالانسان بطبعه يحب اكتشاف كل شيء جديد ويحب أن يجرب بنفسه لكي يقتنع بكثير من الأمور. مثلاً، جميع الناس يحبون السياحة والسياحة هي بشكل ما مبادرة لاكتشاف شيء مجهول يبدو أنه جميل وممتع
لماذا إذا يمتنع الكثير من الناس عن المبادرة في العمل؟ هناك عدة أسباب:
الخوف والخجل من الخطأ هو العامل الأساسي الذي يمنع معظم الناس من المبادرة

تحمل مسؤولية المبادرة له دور كبير في الابتعاد عنها
العمل تحت اشراف رئيس غير منفتح يسد كل امكانيات المبادرة
العمل في مجال لا يحبه الانسان يجعله غير قادر على المبادرة
بالطبع هناك أسباب أخرى تتعلق بحالات خاصة لا مجال لذكرها هنا. لكن بالمحصلة لاتخاذ المبادرة لا بد أن يعمل الانسان في مجال يحبه تحت اشراف شخص يقبل المبادرات. أما الخوف من الفشل والخجل من الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الشخص فهو أمر يمكن التخلص منه بالتجربة.
بالمقابل إذا كانت البيئة المحيطة من حيث نوع العمل أو طبيعة من نعمل معهم لا تسمح بالمبادرة فالتجربة لن يكون لها نتائج ايجابية.
في كل الأحوال تشير نتائج الدراسات المتعلقة بالنجاح العملي أن من يتخذون المبادرات هم فقط القادرون على الوصول إلى أعلى المراتب المهنية. إذا كانت طموحاتك كبيرة فلا بد لك من أن تدرب نفسك على المبادرة.

فالمبادرة تسمح بنمو الاستثمار الخاص، وتوفر فرصة اجتماعية سيكون لها عائد اجتماعي ومادي، فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا يوجد لديها طريق سهل للحصول على القروض والتسهيلات المالية، مؤكدة على أنه لا يمكن تسهيلها إلا عن طريق تغيير الأنظمة المصرفية في بعض الدول.
يجب على الرواد تحمل المخاطر، إن الأزمة الاقتصادية لم تكن متوقعة وكل يوم تقدم لنا مفاجآت جديدة ويجب على الدول أن تتوحد لمواجهتها”، فقطاع التصنيع والإنتاج يعد قطاعاً مزدهراً.

أخيرا، لكي نؤمن مبادرة سليمة و ناجحة علينا الإلتزام باللنود التالية :

  • برنامج تدريب الريادة
  • خلق مناخ لتسليط الضوء على الممارسات السليمة لتعليم رواد الأعمال المستقبليين ومساعدة الشركات على إعداد حلول اجتماعية جماعية للمشكلات المتعلقة بالفساد
  • تشجيع روح المبادرة الاجتماعية وإطلاق مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات
  • إعداد مبادرات لتشجيع روح المبادرة الاجتماعية وثقافة الأعمال الخيرية الذكية المستدامة لدى شركاء الأعمال للمساعدة على إعادة تعريف نماذج الأعمال بما يخلق تأثيراً اجتماعياً إيجابياً.
  • منح قروض ميسرة و مدروسة لرواد الأعمال
  • تحفيز الدولة على المبادرة الإجتماعية و الإقتصادية
  • تسويقها من خلال الإعلام و البرامج المدرسية
  • حوار بناء للسياسة العامة، استضافة حوارات أعمال/ استثمار لتوضيح القضايا والتحديات ذات الأولوية لدى أوساط الأعمال والاستثمار كأداة لتحفيز الإصلاح ومساعدة الجهات المنظمة على تحديد الأولويات. وحوكمة الشركات، العمل مع الجهات المنظمة ومجالس إدارات الشركات على تعزيز بنى المساءلة.

سياسة إحتكار القطاع الخاص تؤدي إلى رفع نسبة الفقر و الحرمان

خلال الحرب الأهلية المديدة، ورغم سيطرة الميليشيات على معظم أرض لبنان، ورغم الاحتلال الإسرائيلي وسيطرته على أجزاء واسعة من الأرض، فإن سلطة الدولة المركزية انحسرت كثيراً ولم تسقط نهائياً.

لقد بقي مجلس النواب الذي تم انتخابه في أوائل السبعينيات قائماً حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، دون تجديد شرعيته عبر انتخابات عامة، بالرغم من كل المتغيرات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي مرّ بها لبنان.

وكانت الحكومات المتتالية تجدد ولاية المجلس النيابي، ويجدد المجلس النيابي شرعية الحكومة، بعيداً عن هموم الجماهير ومتغيرات السياسة وموازين القوى الداخلية والخارجية. وبقيت الحكومات المتتالية تدفع رواتب وأجور موظفيها العاملين وغير العاملين، من عسكريين ومدنيين، مَن كان منهم فوق الأرض اللبنانية أو خارجها. وبقيت الطبقة الحاكمة، المتمثلة سياسياً بمؤسسات السلطة القائمة ورموزها، بفكرها وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية، وكأنها خارج إطار الصراع الداخلي أو الصراع ضد العدو المحتل.

إن الطبقة الحاكمة تاريخياً في لبنان والمتمثلة بالمجلس النيابي الذي تلون كثيراً وتمايل مع متغيرات الرياح السياسية في ظل الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي، أعادت تجديد النظام اللبناني ذاته، وبإشراف وتدخل قوى إقليمية ودولية عملت على وضع حد للحرب المديدة، وذلك في مؤتمر الطائف.

فالتعديلات الدستورية التي أدخلت على النظام اللبناني كانت تمثل فعلاً فكر ومصالح الطبقة الحاكمة اللبنانية، ضمن تبدل موازين القوى الطائفية، أكثر مما مثلت إرادة القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المؤتمر.

وبعد استقرار نسبي في الوضع الداخلي اللبناني، وبعد إعادة توحيد المناطق اللبنانية التي تشظت، وربما كادت تتبلور ككيانات طائفية في ظل حكم الميليشيات، تم تجديد الطبقة الحاكمة بانضمام شرائح برجوازية كبيرة إليها، بنت ثرواتها بأشكال مشبوهة خارج لبنان في قطاعات الخدمات والمقاولات والسمسرات، أو في داخله عبر سلطة الميليشيات أبان الحرب الأهلية. لم تكن هذه الشرائح الجديدة غريبة عن فكر وارتباطات شرائح الطبقة البرجوازية الحاكمة، بل كانت منسجمة كل الانسجام معها، وسرعان ما احتلت مواقع أساسية في الحكومات أو في مجلس النواب. وأصبح بعض رموزها من ثوابت السلطة اللبنانية الحاكمة.

فالطبقة الحاكمة في لبنان كانت تدعو دائماً إلى رفع كل العقبات أمام التجارة الخارجية خاصة- ما عدا بعض القطاعات الاحتكارية للإنتاج في الداخل مثل الإسمنت والكابلات- كما تدعو إلى خفض الضرائب المباشرة أو إلغائها على الأرباح والمداخيل الرأسمالية والريعية. وكانت هذه الطبقة، وما زالت، ترفض رفضاً قاطعاً فرض ضريبة على الثروة، تلك الضريبة التي كثيراً ما تلجأ إليها الدول التي تتفاوت فيها المداخيل والثروات بشكل واسع، وخاصة بعد الحروب، لتعيد توزيع أعباء الحروب بشكل عادل. وتجربة ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية مثال جيد على ذلك.

وكانت هذه الطبقة وما زالت ضد قطاعات الإنتاج السلعي، وخاصة الزراعة والصناعة، إذ يمكن لنمو هذين القطاعين أن يقلص من أعمال وأرباح أصحاب الوكالات الحصرية في الاستيراد ولو على المدى المتوسط والقصير. فلبنان “جمهورية التجار” كما سماه “ألبرت حوراني”، يقوم على “الأعمال في الخارج وعلى العلاقات مع الخارج” كما رءاه وأراده ميشيل شيحا، وليس على الإنتاج المحلي.

كانت المصارف التجارية وما زالت تحتل موقعاً أساسياً ومهيمناً في “جمهورية التجار”. ففي الثلاثينيات من القرن الماضي “كان بنك فرعون وشيحا… يمثل سلطة المال الفعلية في المدينة (بيروت)، كما يمول الحملات الانتخابية للكتلة الدستورية، إلى حد أن اسكندر الرياشي اتهمه بأنه يعين ثلاثة أرباع المجلس النيابي تعييناً، ويسيطر على كتلة من 24 نائباً يتقاضون منه جميعاً المرتبات الشهرية. كما اتهم الرياشي نفس المصرف بأنه كان المسيّر الفعلي لسياسة الدولة الاقتصادية، ومقرر تشريعاتها الضريبية، أيام تولي بشارة الخوري رئاسة الحكومة في الثلاثينيات” كما يذكر فواز طرابلسي. وفي الستينيات من القرن الماضي، احتل بنك أنترا موقعاً مماثلاً في الحياة السياسية والاقتصادية اللبنانية، قبل أن يعلن إفلاسه القسري بأمر وتحريض من قوى فاعلة أجنبية. فقد كان هذا المصرف يدفع رواتب شهرية لأكثر من 65 نائباً ووزيراً.

طور ربحية المصارف وأموالها الخاصة خلال التسعينيات

(بملايين الدولارات)

السنة 1993 1994 1995 1996 1997 1998 1999
ربحية المصارف السنوية 99 182 206 314 429 503 437
الأموال الخاصة 260 410 718 1252 1958 2400 2660

هنا نرى الأرباح التي تجنيها المصارف و التي يحميها الساسة من خلال عدم وضع نظام ضرائبي يمكن المواطنين جميعا الإستفادة من هذه الأرباح و ذلك من خلال إستثمارها في إنماء الوطن، إنني مع أن نرى قطاعاتنا تنهض و تزدهر و تربح و لكن في الوقت عينه يجب وضع قسم من هذه الأرباح لأدل التنمية و مساعدة الفقير … و لكن إرتباط مصالح السياسيين بالإقتصاد الداخلي جعلهم يتغاضون النظر عن هذا القطاع.

نسبة الإنفاق (بالمئة) على بعض الوزارات من مجمل الإنفاق الحقيقي

(مجمل الإنفاق ناقص خدمة الدين)

السنة 1993 1995 2001
وزارة الزراعة 0.293 0.479 0.602
وزارة الصناعة 0.029 0.039 0.052
وزارة الداخلية 12.601 12.027 9.637
وزارة الدفاع الوطني 27.341 28.99 23.017

إن الإنفاق على قطاعي الزراعة و الصناعة ضئيل جدا و هذا ما يعزز الإتجاه إلى القطاعات الأخرى و إضعاف الإنتاج الداخلي و ذلك يعزز بقاء لبنان في الإعتماد على القطاع الخدماتي و ذلك لا يكفي فلبنان بحاجة إلى إستراتيجية إقتصادية تعزز مختلف القطاعات و ذلك يؤدي إلى تعزيز فرص العمل و إلى تطوير قطاعاتنا الزراعية و الصناعية و يخفف من المشاكل الإجتماعية الموجودة لدينا و من الهجرة الداخلية.

أين الإنماء المتوازن؟؟

(بالدولار الأميركي)

المحافظة الاستثمار المقدر الاستثمار المصحح نسبة التصحيح (بالمئة)
بيروت 1515.5 2183 +44
ضواحي بيروت 1948.3 1365.1 -31.2
جبل لبنان 1460.8 1526.2 +4.5
الشمال 1647.5 1408.3 -14.5
الجنوب 1861.1 1419.2 -23.7
النبطية 2391.9 1719.9 -28.1
البقاع 2117.1 1609.1 -24
لبنان 1770.6 1544.3 -12.78

هنا نرى عدمية الإنماء المتوازن و التركيز على محافظات من دون أخرى مما يؤدي إلى الفقر و الحرمان في بعض المناطق و إلى إزدهار مناطق أخرى على حساب المناطق المهمشة، و ذلك من أسبابه إرادة بعض الساسة في مركزي و الإزدهار و التحكم بالإقتصاد اللبناني.

تحكم الساسة بالإقتصاد الوطني

ختاما، للأسف لقد إندمج الإقتصاد في لبنان مع المصالح السياسية مما يؤدي إلى هيمنتهم عليه و هذه الهيمنة تلعب دورا في تفقير و تجويع الناس، نطالب الحكومة اللبنانية بالوقوف أكثر إلى جانب الفقير و إلى فصل المصالح الشخصية و الآنية عن مصلحة الوطن العليا الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية.

يجب أن تعامل كافة القطاعات بالتساوي و ذلك حسب مصلحة الوطن ، و نرفض سياسة  إحتكار الموارد، نريد بقاء أدمغتنا في وطننا الحبيب و ليس تصديرهم إلى الخارج.

إلى متى إهمال قطاعنا الزراعي؟

يتجه القطاع الزراعي اللبناني إلى مأزق حقيقي ممكن أن يؤدي إلى فناء هذا القطاع الرئيسي، و ليس أقله غياب الدعم والحماية مع بروز الموجة العالمية لارتفاع الأسعار الغذائية في ظل العجز في الاكتفاء الذاتي الغذائي حيث يتعرض الأمن الغذائي في لبنان إلى الانكشاف. ذلك أن الاعتماد على استيراد المنتجات الغذائية يكبح النمو الاقتصادي ويستنزف أرصدة العملات الأجنبية في ضوء التوقعات باستمرار ارتفاع الأسعار لسنوات مقبلة، إضافة إلى توسيع مشاكلنا الإجتماعية و الإقتصادية.

فسياستنا الإقتصادية تؤجج الهجرة الداخلية و يوسعها مما يلعب دورا في غلاء الشقق السكنية و إلى تدهور قطاعنا الزراعي يوما بعد يوم و جيل بعد جيل، و هذا الأزمة تولد أزمة إقتصادية كبيرة، و تقلص اليد العاملة و تخفف من إنتاجنا المحلي و تهدد أمننا الغذائي.
ووفق الاحصائيات المتوافرة عن واقع الزراعة في لبنان يتبين أن هذا الواقع صعب ومعقد، إذ لا تتجاوز نسبة هذا القطاع من مجمل الحركة الاقتصادية العامة 6% وتقارب نسبة العمالة في هذا القطاع 8% في حين ان نسبة الأسر التي تعتمد على الزراعة لتأمين مداخيلها تفوق 25%. .

السياسات الحكومية المتعاقبة
إن غياب البرامج والسياسات الحكومية لرفد هذا القطاع وتنمية وغياب الجدية في التعاطي الرسمي مع واقع القطاع يزيدان في تعقيد الحركة، حيث إن موازنة وزارة الزراعة لا تشكل سوى أقل من 1% من الموازنة العامة في لبنان. إن وجود قطاع زراعي قوي ومريح يساعد على وجود سوق قوية لتصريف المنتجات الصناعية ويؤدي إلى تحديث القطاع الصناعي وتطوير كل القطاعات الاقتصادية المرتبطة به، إذ لا صناعة حديثة ولا قطاع خدمات قوية إلا بوجود قطاع زراعي قوي وحديث يوفر السوق والقوة الشرائية لمنتجات القطاعات الأخرى.

الترابط مع قطاعات عدة
فترابط القطاعات الانتاجية بعضها ببعض وثيق، وأي ضرر يلحق بأحد هذه القطاعات لا بد من أن يصيب القطاعات الأخرى ولذا فإن ترابط القطاع الزراعي بالقطاع الصناعي وخاصة الصناعات الغذائية منه هو ترابط متداخل، كما و أن يرتبط القطاع الزراعي بالواقع البيئي لأن غياب الزراعة سوف يؤدي إلى غياب المساحة أي إتباع سياسة التصحر أو سوف يقل الإهتمام بالإهتمام البئيئ.

إن النمو في الانتاج الزراعي والتجارة الزراعية ضروري لزيادة إجمالي الناتج المحلي وزيادة فرص العمل وتحسين الدخل وزيادة القيمة المضافة وتحسين النوعية وزيادة إنتاجية وحدة المساحة، كما تأتي أهمية هذا القطاع من دوره في تحقيق الأمن الغذائي والاعتماد على الذات، وإيجاد الأصناف الملائمة، والحد من نزوح العاملين فيه إلى أحزمة البؤس حول المدن وهجرة الأرض الزراعية نظراً لعدم مردوديتها.

الظروف المناخية
ومع تغيير الظروف المناخية وسيطرة الجفاف على بعض مناطق العالم، وازدياد الحاجة للمياه في ظل تناقصها أو تأثر الزراعات من جراء ذلك لذلك لا بد من التوجه عمليا تجاه البحث عن بدائل ومنها استنباط أصناف جديدة متحملة لمثل موجات الحر وقلة الهطل المطري وهنا تتوجه الأنظار نحو البحث العلمي لإيجاد الحلول الممكنة، لأنها الأساس في أي حل إلى جانب الإرشاد والتوجيه الزراعي الذي يلزمه الكثير لأخذ دوره بالتعاون بين القطاع الخاص والقطاع العام التنسيق بين البحوث الزراعية والإرشاد الزراعي للتعرف على المشاكل وإيجاد الحلول الممكنة لها من خلال البحث الذي تقوم به البحوث الوطنية مستعين بتجارب وخبرات الآخرين بما يوفر النفقات والوقت والجهود إضافة إلى مسؤولية الوزارة عن تأمين الغذاء اللازم والوصول إلى أمن غذائي سليم تستطيع فيه الدولة توفير العملة الأجنبية كون لبنان يستورد 80% من غذائه ولا يستطيع تأمين سوى 20% من هذا الغذاء، هذا فضلاً عن ضرورة مراقبة الغذاء المستورد والذي لا يخلو من المشاكل والغش.
الأمن الغذائي .

دوره الإقتصادي
تعتبر الزراعة في معظم دول العالم أهم المقومات الرئيسية التي يقوم عليها الاقتصاد الوطني ككل، لذلك أوجب أن تحظى بالاهتمام الأكبر نظراً لدورها الكبير في عملية التنمية الاقتصادية الشاملة وتوفير الأمن الغذائي التي يعتبر جزءا لا يتجرأ من الأمن القومي للدول. إلى جانب زيادة الناتج الوطني وتشجيع التجارة وتشغيل اليد العاملة وتأمين فرص عمل للمقيمين في الريف.
وأي نظرة لتحسين أوضاع القطاع الزراعي تبدأ بوضع السياسات الزراعية التي تحدد الواقع العملي والفعلي للزراعة من أجل إيجاد الحلول الموضوعية لمعالجة المشاكل التي تعترضها وإيجاد السبل لتطويرها والنهوض بواقعها وتحقيق أهدافها وتأمين متطلبات كل مرحلة من مراحل تقدمها وإجراء التعديلات اللازمة لمواجهة المستجدات المختلفة دون أن يحدث ذلك آثاراً سلبية على الاقتصاد الوطني وعلى المستوى المعيشي للمواطنين وصولا إلى تحقيق الأمن الغذائي، خاصة في ضوء ارتفاع أسعار المواد الغذائية على مستوى العالم، لذلك فإن هذه السياسات يجب ان توضع وتنفذ على أرض الواقع بشكل تواكب فيه التغيير السريع في مناخ الاقتصاد العالمي من أجل تحقيق الكفاية في المحاصيل الزراعية وبخاصة الاستراتيجية منها والمتعلقة بحياة المواطنين وتنفيذ المشروعات التنموية ذات المردودية العالية وتنمية المجتمعات المحلية وتعزيز دور المرأة الريفية وتبني المشروعات المولدة للدخل وتوفير القروض اللازمة لتأمين مستلزمات الانتاج الزراعي ودراسة الواقع ووضع السياسات الملائمة الهادفة لتعزيز التنمية الزراعية الشاملة.
التكامل مع القطاعات الأخرى
ومما لا شك فيه أن المشاريع التنموية الزراعية تهدف إلى تطوير الواقع المعيشي للمواطنين بالدرجة الأولى وتوفير احتياجاتهم الغذائية بالتوازي مع مستوى الدخل الفردي لهم وتقريب الفارق بالأوضاع المعيشية بين الريف والمدينة وزيادة معدلات الاكتفاء الذاتي من السلع الغذائية الرئيسية وتحقيق التكامل بين القطاع الزراعي والقطاعات الأخرى وتأمين متطلبات الصناعة المحلية وتوفير كميات من الفائض للتصدير، وتعتبر هذه الحلقات التي يكمل بعضها بعضا هي المؤشرات الحقيقية التي تدل على نجاح هذا البلد او ذاك في جعل العملية الزراعية في خدمة أغراض التنمية الشاملة وليست عائقا عليها.

حماية حقوق العاملين
لذلك فإن كل إجراءات تطوير الواقع الزراعي وإزالة العقبات التي تقف في وجه تطوير هذا القطاع الحيوي للوطن تهدف في النهاية إلى تحقيق الإصلاح والتطوير في المسيرة التنموية لأي بلد وبخاصة نحن في البلدان النامية، وتحقيق أهداف التطوير الاقتصادي والإصلاحات الاقتصادية وزيادة معدلات النمو الاقتصادي وتحسين استخدامات الموارد الطبيعية وتطوير آلية لتسويق وتحديث وسائل الانتاج وتشجيع الاستثمار في الحقل الزراعي وتطوير نظام التسليف الزراعي والتأمين على الانتاج وحماية وصون حقوق العاملين في القطاع الزراعي وشمولهم في نظام الضمان الاجتماعي، إلى جانب تأمين مستلزمات الانتاج الزراعي وإقرار القوانين التي تكفل سلامة الغذاء وتتيح للمزارع الاستفادة من تجارب وعلوم الأبحاث الزراعية، وتعميم خدمات ومراكز الإرشاد الزراعي، وملء الشواغر في الإدارات، والمضي في سياسة استصلاح الأراضي واعتماد وسائل الري الحديث وترشيد استعمالات المياه.

و كما أن القطاع الزراعي مرتبط بعوامل داخلية  و خارجية و لكن هناك هناك سياسات عامة يجب أن نتبعها خلال ممارستنا و تفعيلنا لهذا القطاع و منها :

  • زيادة القدرة التنافسية .
  • تسريع التحديث .
  • تحسين نوعية الغذاء .
  • حماية سلامة الغذاء .
  • تحقيق الأمن الغذائي .
  • إعادة هيكلة الوحدات المزرعية .
  • تحسين الدخل المزرعي وتحقيق استقراره .
  • تطوير التنمية الريفية .
  • دعم اللامركزية .
  • ضمان الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية .

أما على الصعيد الخارجي و التنسيق و التكامل فيما بين الدول و خصوصا المجاورة يجب على  دول المنطقة بالاستفادة من تجاربها وإنشاء الروابط ضمن المنطقة فيما بين المؤسسات العاملة في مجال تحليل السياسات وبذل أقصى الجهود لتطوير إمكاناتها الفنية والمؤسسية . كما أكدوا على ترحيبهم بإنشاء شبكة السياسات الزراعية لمنطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا .

  • الحاجة لبذل الجهود لتطوير الإمكانات المؤسسية والفنية اللازمة لتحديد أولويات بدائل السياسات كجزء من الإطار الاستراتيجي للتنمية الزراعية المستدامة والأمن الغذائي على المستوى الوطني وعلى مستوى الأسرة .
  • يطلب من محللي السياسات في المنطقة  تحديث معارفهم وإمكاناتهم لتقديم تحليل السياسات حول الأمور المذكورة أعلاه بشكل مناسب وفي الوقت المطلوب . وفي مثل ذلك التحليل يجب أن تدرس المقاييس الحديثة والمعرفة المعاصرة بشكل دقيق ضمن إطار التغيرات الاقتصادية-الاجتماعية والسياسية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي . ويجب أن يتم تنفيذ هذا الأمر من خلال خلق شبكات العمل والتعلم عن بعد وتطوير المهارات من خلال التدريب على الوظيفة .
  • يمكن أخذ مخاوف الجهات المعنية بعين الاعتبار من خلال تبني المنهج التشاركي على مدى حلقة صياغة وتحليل ومتابعة السياسات.
  • هناك حاجة لضمان التواصل المناسب والكافي بين صانعي السياسات والباحثين ومحللي السياسات . ويجب أن تتم دراسة وسائل التواصل بشكل دقيق.
  • يطلب من منظمة الأغذية الزراعة وشركاء التنمية الآخرين متابعة العمل الوثيق مع دول المنطقة في تحديد الاحتياجات وتطوير الإمكانات المؤسسية والفنية للدول والجهات المعنية الأخرى في مجال تحليل السياسات الزراعية . ويكتسب هذا الأمر أهميته الخاصة في المجالات التالية:
  • استخدام وإدارة الموارد الطبيعية.
  • قضايا الاستدامة والبيئة.
  • التحرير التجاري والميزات النسبية وتنافسية القطاع الزراعي.
  • الاستثمار الزراعي.
  • تغير دور الدولة وتطوير منظمات سكان الريف وتحسين الإطار التنظيمي لتحليل السياسات والأسواق ومؤسسات التسويق وتعزيز توجه الخدمات المالية الريفية باتجاه الفقراء.
  • انعكاسات منظمة التجارة العالمية والمفاوضات التي تشمل اتفاقية الزراعة واتفاقية تطبيق المقاييس الصحية والصحة النباتية واتفاقية القيود الفنية على التجارة واتفاقية النواحي المتعلقة بالتجارة لحقوق الملكية الفكرية والتطورات الأخيرة لمؤتمر كانكون وانعكاساتها على التنمية الزراعية .
  • تطوير التجارة الزراعية البينية ضمن المنطقة وتسهيل التبادل التجاري .
  • الزراعة العضوية.
  • برامج شبكة الأمان الزراعية.

أخيرا، إن لبنان يوجد فيه ثروة زراعية كبيرة و لكن علينا أن نحافظ عليها و أن نتدارك كافة الصعاب التي تواجهنا و خصوصا على صعيدي تصريف الإنتاج و مكافحة أزمة شح المياه.

القطاع الزراعي مهم جدا و له أدوارا عدة إجتماعية، إقتصادية و صحية .

أتمنى من جميع المعنيين أن يهتموا أكثر و أكثر بهذا القطاع لأنه فعلا مهمل و هذا الإهمال يولد عقائب كثيرة .

تفعيل روح المواطنية هي الحل في لبنان

لا يزال مفهوم المواطنية في الدول العربية مفهوما “هلاميًا” تحيط به الضبابية الكثيفة ، فالمفاهيم تتكون و تتبلور عبر تراكم التجارب الإنسانية، و هي تخضع لقانون تطور المجتمعات و الثقافات، و هي ترتبط بشكل مباشر و عضوي بمنظومة القيم و الأعراف السائدة فيها ، علاوةعلى بنية النظام السياسي الخاص بكل دولة و مجتمع .

فرغم أنّ مفهوم المواطنية يخضع لتفسيراتٍ عدّة، ويحتمل كاصطلاحٍ غير تعريف، فهذا المنهاج التدريبي سيقدّم تعريفاً عملياً لمفوم المواطنية، وكذلك بضعة أمثلة عن سبل تفعيلها ضمن النظام الديمقراطي.

تشير المواطنية إلى عضوية الفرد في مجموعةٍ أو مجتمع، على نحوٍ يؤهّله إلى التمتع ببعض الحقوق وإلى تحمّل بعض المسؤوليات. فالمواطنية، والحال هذه، تدلّ في آنٍ واحد على وضعية ومسيرة ارتباط هذا الفرد بالعالم الاجتماعي. أما المواطنية كمفهومٍ، فتعود جذورها إلى فكرة “المواطن العالمي” أو، بكلّ بساطة، إلى فكرة الفرد الذي يشارك في مؤسسات صنع القرار في الحياة العامة.

ويقوم مفهوم المواطنية على ثلاثة عناصر أساسية. يتناول أولى هذه العناصر المواطنية كوضعٍ شرعي، تحدده الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية. فالمواطن، في هذا السياق، يرمز إلى شخص قانوني، يحق له أن يتصرف بحرية وفقاً لأحكام القانون، وأن يطالب بحماية القانون ضمن الجماعة؛ بينما يتناول العنصر الثاني المواطن كفاعل سياسي، يشارك في المؤسسات السياسية العاملة ضمن المجتمع، ويؤثّر، أو قل يحاول التأثير، على قيم المجتمع المحلي. أما العنصر الثالث، فيشير إلى المواطنية على أنها حسّ الانتماء إلى جماعةٍ سياسية، تحمل هوية تميزها عن سائر الجماعات. إلا أن هذه العناصر التي تعكس جوانب نفسية واجتماعية معاً، تبقى دوماً موضعَ تفاوض ما بين أبناء المجتمع المحلي على مرّ الزمن.

زِد على أنّ عناصر المواطنية الثلاثة هذه تتفاعل مع بعضها البعض. فعلى سبيل المثال، تحدد الحقوقُ التي يتمتع بها المواطن، نوعاً ما، مختلفَ النشاطات السياسية المتوافرة التي يمكنه أن يشارك فيها. ونسجاً على المنوال نفسه، يمكن للهوية المدنية القوية أن تشكل، بحدّ ذاتها، حافزاً يحثّ المواطنين على المشاركة بشكل ناشط في الحياة السياسية ضمن مجتمعهم.

و هناك أسباب عديدة تزعزع فكرة المواطنية و هي :

المواطنية والطائفية:
إن معالجة مفهوم المواطنية في مجتمع طائفي، تُعد من أعقد الأمور لا سيما في الدول التي تشهد تنوعًا عرقيًّا ودينيًّا ومذهبيًّا كلبنان..، فالتصوّر السائد عن الطائفية فيها يُعد مكمن الفساد، لأنه يُكرس مفهوم أن الطائفية داخل الدولة هي انعكاس للطائفية داخل المجتمع، وعلى الأفراد القبول بالتعايش داخل الدولة مع ممارسات طائفية عديدة، الأمر الذي أدَّى مع مرور الوقت إلى شرعنة قيام الدولة الطائفية نفسها، بوصفها حتميّة اجتماعية أو تعبيرًا عن خصوصية محلّية لا يمكن التجاوز عنها، من دون ارتكاب مخاطر السير في اتجاه اقتسام غير عادل للسلطة والثروة المرتبطة بها.
هذه المعطيات أفرزت حكومات تخلَّت عن مسؤولياتها في بناء دولة حديثة حقيقية قوامها مفهوم الحق والقانون، وأصبح دورها محصورًا في تقاسم السلطة بين نخب الطوائف وأرباب الكراسي والعشائر القائمة، كما أدّى إلى رفع الممارسات الطائفية عن طاولة النقد واصبحت “الطائفية ” ذلك “اللاهوت المحرم” الذي ينبغي ألا نقترب منه، وهذا التصور وَحَّد تمامًا بين منطق عمل الدولة ومنطق عمل المجتمع الأهلي، ملغيا بذلك أي إمكانية لبناء دولة سياسية ديموقراطية.

لذلك يجد المحلل نفسه أمام إشكالية معقدة ومركبة ومتشعبة في آن، فمعالجة موضوع المواطنية يرتبط قبل كل شيئ بمسألة الهوية عند الكائن الانساني نفسه والخلفية الثقافية والحضارية، كما يرتبط بالديمقراطية والحريات من جهة أخرى.
وكثيرا ما يدور التساؤل حول التناقض بين ثقافة المواطنية و وجود طوائف ومذاهب، وفي واقع الأمر لا يوجد اي تناقض بين المواطنية والطوائف شرط توسيع المجال العام والقضايا المشتركة و توحيد الهمّ والأهداف الوطنية وتحييد الخصوصيات وعدم تسليط الضوءالسلبي على الاختلافات الثقافية، لأن تعدد الثقافات يثري التجربة الإنسانية، فالمواطنية طرح يحتوي الطوائف والتيارات الفكرية جميعها و يتجاوزها في آن من خلال توسيع مجال المشترك العام بين ابناء الوطن الواحد.

لذلك فإن عملية تكوين المواطنية الحقيقية في مجتمع متعدد، تبدأ من إيجاد صيغة ثقافية وتربوية قائمة على أسس فلسفية إنسانية تؤدي الى صهر الطوائف في بوتقة الوطن الواحد دون تلغي دور الأديان في حياة الأفراد، او ان تمس بالحريات الفردية للأشخاص.

فالطائفية السياسية هي ليست مجرد شعور عدائي لأفراد من طائفة نحو طائفة أخرى، بل هي أيضًا استراتيجية موازية تستخدمها بعض فئات النخبة السياسية في التنافس على السلطة أو سياسة منهجية تتبعها سلطة معينة في سبيل تأمين قاعدة اجتماعية شعبية او إثنية أو مذهبية تعزز مواقعها الاستراتيجية وهو ما تعمد إليه “الأحزاب الطائفية المؤدلجة في لبنان “لتكريس الطائفية كحتمية اجتماعية وتاريخية لا ترد.

ويزعم”ملوك الطوائف” اليوم أنهم يريديون تطبيق اتفاق الطائف، بالرغم من ان اتفاق الطائف ليس “مقدسًّا ” وبالرغم من أنه كرّس التمثيل الطائفي في الفئات الأولى، فاتفاق الطائف يطالب ب” إلغاء الطائفية “وفق صيغة نُقلت إلى الدستور اللبناني بعد تعديله بناءً على مضمون وثيقة الوفاق الوطني.
وذلك عبر المادة 95 من الدستور التي ورد فيها:” إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء الفئة الأولى من الموظفين وما يعادل الفئة الأولى، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيّد بمبدأ الاختصاص والكفاءة“.
و في المادّة نفسها ورد ايضًا: “على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية“.

هذه الهيئة لم تشكَّل حتّى الآن، و هذه النصوص لم توضع موضع التطبيق بعد اكثر من سبعة عشر عامًا على إعلان اتفاق الطائف، وفي هذا مخالفة للدستورمع العلم أنه كان من الواجب تشكيلها من اوائل التسعينيات وكان بالامكان تجاوز الحالة الطائفية واعتبار هذه الهيئة مرجعية و منبراً للحوار المنتظم في كل شأن وطني، وتسخير السياسات التربوية والانمائية لها.

الديموقراطية والمواطنية الحرة في ظل المتغيرات العصرية:
ساهمت القفزة النوعيّة في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصال السريع، الى زعزعة ممالك الأنظمة الشمولية التوتاليتارية المنتشرة في العالم لا سيما العربي منه، وفتحت الأفاق أمام الشعوب في الاطلاع على المعلومات كافّة بما فيها السياسية بطبيعة الحال، فلم تعد الأنظمة الرسمية هي مصدر المعلومات الوحيد، بل على العكس فإن وكالات الانباء الرسمية في هذه الانظمة لم تعد تلقى أي متابعة شعبية على الاطلاق.


فأركان المواطنية ومكوناتها هي:


يمكن ان نستخلص العلاقات المكونة للمواطنية ونحصرها بنقاط أهمها:


العلاقة المكانية: المرتبطة بالأبعاد الجغرافية والتاريخية للوطن.
العلاقة الإنسانية المجتمعية: المتعلقة بالأفراد الذين يعيشون في هذه البقعة الجغرافية.
العلاقة بالسلطة التي ترعى الشؤون العامة في هذا المكان ومع هؤلاء الرعايا الذين ينتمون ويعيشون فيه.
وبالرغم من أهمية العلاقات تلك الا ان المكون الأساسي للمواطنية يبقى مكونًّا فكريًّا قبل كل شيئ يرتكز في الخلفية الذهنية المنغرزة في اللاوعي المجتمعي.


ولعل أهم أركان المواطنية تتحدد بالتالي:


المواطن هو مصدر السلطة وهو الذي يمنحها الشرعية لذلك فهي مرتبطة بالديموقراطية الفعلية قبل كل شيئ.
أن المواطن هو المستند الشرعي للحكومة والقوانين التي تصدر عنها.
يتمتع جميع المواطنين بنفس الحقوق كما يتساوون تمامًا بالواجبات، ودون تمييز سواء كان تمييز عشائري ام طبقي ام مذهبي ام ديني، وذلك وفق المعايير التي حددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و وفق معايير المواثيق الدولية.

أمام العناصر والمعطيات الآنفة الذكر نجد ان هناك خللا فادحًا ، في بنية الأنظمة القائمة فالمواطن الحالي “غير تامّ”، سواء على المستوى النظري او في مجال التطبيق والممارسة العملية والعلاقات.
فالسلطة في مجتمعاتنا الطائفية العنصرية منبع قيم سلبي، والمواطن حاليًّا لا مكان له في السلطة التشريعية على الاطلاق لان هذا الامر موكل لأفراد يعملون على تملق الزعيم ووضع القوانين التي تلاءمه وتشرع وجوده وتمنحه الإستمرارية، فالدساتير والقوانين مفصّلة على مقاس المسؤول”…لذلك فإن الاصلاحات الدستورية ووضع قانون إنتخابات عادل يؤدي الى ديموقراطية حقيقية تضمن التنوع الثقافي وأطياف الشعب كافة تعد من أولى الأولويات.

اما على صعيد العلاقة الحالية بين المواطن بالسلطة فهي علاقة مأزومة تاريخيا، ومفهوم المعارضة مرتبط في الاذهان بالطامعين، وهو مفهوم خاطئ، علما ان المعارضة في الدول العصرية لا علاقة لها بالطمع على السلطة، فالمعارضة في الدول الحديثة هي جزء من مكونات المنظومة الديموقراطية والعمل المؤسساتي الذي يضمن الحق القانوني للمواطن بالمسائلة والمحاسبة على المشاريع التي تتبناها الحكومة، ومعالجة قضايا الرشوة والهدر والفساد.. فالمعارضة لا تعني الطمع بالسلطة لان مفهوم الدولة مرتبط بالتداول أصلا ولا وجود لسلطة ابدية.

بعض الاجراءات العملية:

بناء الثقة وعدم التخوين بين أفراد الشعب الواحد:
هذا يتطلب قبل كل شيئ بناء ذاكرة جماعية وطنية تنبذ العنف والعنصرية وتحذر من مخاطر الانقسام وفوائد التضامن، و التحذير من خطورة تكرار التجارب العبثية والحروب الأهلية بحيث يتولد عند الأجيال ” توبة ” تجاه الصراعات الدموية. من خلال ترسيخ المبادئ العامة للحريّات وحقوق الانسان وحمايتها وان يضمن ذلك الدستور كما اقرته المواثيق الدولية وشرعة الأمم المتحدة.
وان يُصاحب كل ذلك توسيع الأمل وترسيخ ايمان عميق بضرورة التغيير والاصلاح والقدرة والارادة الكامنة بأن الوضع ليس ميؤس منه.
ويساهم في ذلك إعادة قراءة جادة للسياق التاريخي الحضاري للمجتمع والوطن من خلال امتدداته الثقافية ومن منطلقات انسانية تدافع عن الانسان وحقوقه وحريته ويُعد لبنان مثالا رائعا وغنيًّا لتاريخ الحريات.

ثقافة المواطنية والديموقراطية:
إن الديمقرطية السليمة هي أكثر من أبنية ومؤسسات، إنها تعتمد بالدرجة الأولى على الخلفية الفكرية والثقافية المنبنية على تطوير ثقافة ديمقراطية ومواطنية، وفي هذا السياق فإن الثقافة المقصودة بالمعنى العام فهي ليست مجموع الاداب والموسيقى والفن… وإن كانت هي امور تعد من الثقافة، بل تعني كافة التركيبات الثقافية والمرتكزات المؤسسة للسلوك والتصرف والممارسات والأعراف التي تتبلور من خلالها قدرة الأفراد الناس على أخذ قراراتهم و حكم أنفسهم بأنفسهم وتحمل تبعات ذلك، فالثقافة بهذا المعنى تعني الوعي المجتمعي والخلفية الذهنية والفكرية المحركة للسلوك عند الأفراد والمجتمعات..

لذلك نجد ان الانظمة التي تكرس سياسة العقل الواحد انما تشجع الثقافة قائمة على الإذعان والخنوع والطاعة العمياء لما يسمى ب”الزعيم ” او “ولي الأمر”..، وذلك بهدف تنشئة أفراد تسهل قيادتهم ويكونوا طيعين فنجد ان القمع مرتكز أساسي في التربية والقيم داخل تلك المجتمع مستخدمين لأجل تكريسه كل المفاهيم المؤدلجة بما فيها النصوص اللاهوتية.
فالأطفال يتربون على القمع بحجة التأديب والمرأة تُقمع بحجة الدين وطاعة ولي الأمر، والرجل يُقمع من قبل مسؤوليه وهكذا في سلسلة لا متناهية من تكريس ثقافة العصا وان كانت هذه العصا معنوية..

وعلى نقيض ذلك فإن ثقافة المواطنية في مجتمع ديمقراطي تشكل بالفعل النشاطات التي تنمي عملية صنع القرار عند الأفراد من جهة وتحترم خياراتهم من جهة اخرى. فالمواطنون في مجتمع حر يعملون لتحقيق أهدافهم ويمارسون حقوقهم ويتحملون مسؤولية حياتهم و خياراتهم إنهم يقررون بأنفسهم من ينتخبون في صناديق الاقتراع وهم يعون ابعاد البرامج التي يطرحها المرشح الذي ينتخبونه ومن ثم فهم يحاسبوه على ما انجز من التزامات تجاه من منحوه أصواتهم.
لذلك فإن الديموقراطية والمواطنية متلازمة بشكل مباشر مع قانون محاسبة المسؤول على كافَّة الصُعد، وهي متلازمة مع مبدأ تكافؤ الفرص، لذلك فإنها تتلازم مع تمثيل شعبي حقيقيّ، وما تنتجه الانتخابات الحالية نظامًا شبه أوتوقراطيّ، تكون قرارات السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية فيه رهن باتفاق أصحاب المحادل الانتخابية.

فالمواطنية هي من صميم الإرادة الحرة والحرية الفردية وهي بشكلها البراغماتي اتقان مهارة صنع القرار؛ وهو أمر تربوي ثقافي يبدأ منذ الصغر في المناخات البيتية والمدرسية ويمتد الى سائر مؤسسات المجتمع التي تعتبر ان الاختلاف حق مشروع للكائن وان خيارات انسان بحق نفسه ليست خيارات ملزمة بحق الآخرين، وفي هذه المجتمعات يكون “الدين ” هو مجرد علاقة روحية حميمية بين الانسان وربه لا يتدخل فيها أحد، و من حق كل كائن أن يعبر- أو لا يُعبر – بها على طريقته وبالشكل الذي يختاره ويريحه…ويصبح دور المرجعيات الدينية دور تنويري يحترم الاختلاف ويعزز الحريات الدينية…في أجواء تسود فيها الديموقراطية الروحية أو حريّة الروح كما أحب ان اسميها.
الديمقراطية والعملية التربوية:
إن العملية التربوية هي عنصر حيوي لأي مجتمع خصوصًا المجتمع الديمقراطي، فإن هدف التربية في في نظام الديموقراطي الحر،هو إيجاد مواطنين مستقلين يتميزون بنزعة المساءلة والتحليل في نظرتهم للأمور، و يتحلون بفهم عميق لمبادئ وممارسات الديمقراطية وذلك بخلاف الانظمة التي تسعى الى تمجيد قائد تذعن له الافراد في كل الاوقات.

إذن فالعملية التربوية من الاهمية بمكان، ان لم تكون المحور الأساس التي من خلاله يتم ترجمة فلسفة المواطنية الى مناهج تعليمية تنمي مهارات التحليل النقدي وتساهم في ارساء الممارسات الديموقراطية وتساهم في صهر ابناء الوطن الواحد، فالمؤسسة المدرسية هي التي تجعل أنواع المعرفة وطبيعة القيم والمبادئ التي يتوقع أن يحملها الناشئ قابلة للترجمة والتحقيق على ارض الواقع، وذلك وفق اعتماد مناهج تربوية وطنية تراعي كافة الشروط المتعلقة بمستويات نمو الناشئة وطبيعة الحياة المدرسية والوسائل التعليمية المتاحة وغير ذلك
فالعلاقات التربوية القائمة يجب ان تنبني على الحرية وتلقائية مرسّخة بالحوار الهادف الحر والمسؤول، واعمال العقل والفكر فيما يتعلمه التلاميذ ضمانًا لتحقيق الوئام وتبادل التقدير داخل المجتمع الصغير. لأن ذلك من شأنه أن يعزز في نفوس التلاميذ الإيمان بحق الاختلاف والتنوع كما يرسخ مبادئ الحوار وجدواه وقيمة التواصل الحضاري مع الآخر ويساهم في التبادل المعرفي المجرد من كل تعصب وأنانيةأو انغلاق او ادعاء مبرم بامتلاك الحقيقة
فالتربية على المواطنة تبدأ من هذه النقطة وتتأسس عليها. ولا يمكن للعلاقات التربوية المدرسية التلقينية المنغلقة على نفسها واللامبالاة بالآخر وبحقوقه وبثقافته أن تدّعي القدرة على التنشئة الحضارية والسياسية التي نسعى تحقيقها.
إن إثارة الأمل والطموح لدى التلاميذ المواطنين الصغار يؤثر في تعزيز صورة الذات الوطنية لديهم، كما يؤثر في مستوى طموحاتهم المستقبلية وذلك من خلال تنشئة تعتمد بث روح المسؤولية وإحاطة الفرد بالمثل العليا والنماذج الوطنية المشرفة.
كما ان تعزيز الاحترام لاختيارات التلاميذ وأذواقهم، وقبول الاختلافات يساهم في خلق أجواء التسامح في فصولنا الدراسية، فالتربية على التسامح لا تعني قبول ان يكون الفرد مختلف  بل أن يقبل تفرد غيره واختلاف الآخرين معه، بحيث يكون منفتحًا عليهم ومدافعًا عن حقهم في الاختلاف.

محاربة التعصب:
التعصب هو ترجمة لاتجاه شعوري نفسي جامد تصاحبه مواقف انفعالية، ويتبلور من خلال إطلاق الأحكام المسبقة على الآخرين، والادعاء المبرم بامتلاك الحقائق المطلقة؛ والتعصب نقيض الديمقراطية وآفة المواطنية لأنه شعور مرَضي يفتك بالمجتمع ويدمر فيه روابط الألفة والمحبة والتعايش.
فالوضع السياسي والثقافي القائم حاليًّا،يساهم في اشاعة مناخات نفسية مشحونة بالبغضاء تجاه عدو” او اعداء قد يكونوا حقيقين او مُتخَيلين، وترويج أحكام مسبقة ضد أشخاص أو أفكار دون أن تقوم تلك الأحكام على حجة معقولة أو سند منطقي مقبول.
وكثيرًا ما يتعلم الأطفال التعصب من ذويهم والمجتمع المحيط فيهم، فالفضائيات التي تنقل خطابات الساسة المتشنجة وحين لا نبدي احترامًا للأفراد ولاختيارات الآخرين، ينتقل هذا الأمر الى الاطفال فيشوّه براءتهم.
ترسيخ فلسفة الصفح والتسامح :
إن الصفح ليس فكرة طوباوية، بقدر ماهو قوة روحية كامنة في شيفرة تراكم سيرورة الروح الانسانية في رحلة حياتها، ويكمن دور الكائن الانساني في تحويل تلك القوة الكامنة فيه أصلا من وجود كامن الى وجود بالفعل، وترجمة قدرات الروح الصفحية والتسامحية الى سلوك ظاهر يتجلى من خلال انفتاح حتى على من يُصنف انه “عدّو”، وليس مصادفة أن تصل الثقافات العالمية الكبرى في مجرى تطورها إلى الانفتاح الداخلي والخارجي، لأنها تدرك بفعل منطق التطور الروحي إلى ضرورة تجاوز الحدود التي تفرضها نفسية الغريزة، أو ما كانت بعض الفلسفات القديمة تطلق عليه اسم القوة الغضبية.
إن هذه الحالة لا تبلغها إلا الحضارات المزدهرة دون شك، لأنها تكون قد ارتقت في ذروة إدراكها الروحي حيث يصبح الصفح جزء من حقيقة منظومة تكامل الانسان.
بطبيعة الحال لا يمكن الارتقاء الى هذا المستوى من التسامح بين ليلة وضحاها ما لم يتم تعزيز ذلك بالتربية ومؤسسات المجتمع المدني كافّة.
وترسيخ هذه الفلسفة يكون عبر تقوية النزعة الروحية لحقيقة تساوي الكائنات امام المكون وامام الكون وذلك عبر ترسيخ الآداب الرفيعة والفنون الراقية ولا يمكن ان نغفل دور الفن والتمثيل والمسرح…في تعزيز ثقافة التسامح والرقي بالكائن من طور الغريزة والانانية والجشع إلى مصافي الابداع الروحي والعطاء الوجداني

الأسس الثقافية والفكرية لبناء المواطنية في مجتمع متعدد:
بناء الهوية الوطنية: فالمواطنية هي في الواقع سؤال الهوية، والهوية هي في الحقيقية سؤال الثقافة والحضارة، لذلك لابد من الارتكاز على فلسفة إنسانية وجودية منفتحة قوامها المحبة والسلام والعدل والانفتاح وقبول التنوع واحترام الاخر، وعندها يكون الدين هو مجرد علاقة خاصة بين الانسان وربه أما علاقة المواطن بأخيه فيحددها الانتماء الوطني.

الانفتاح والتسامح هي الخصائص الأساسية للموقف الوطني الجامع، وذلك ينبي من خلال حريّة الفكر ويشتمل على الاعتراف بحق الآخر في تبني أفكار وحقائق قد تكون مخالفة لحقائقنا وأفكارنا. فالرؤية الوطنية للطوائف هي رؤية متسامحة بحيث إنها تتخطى مجال الخلافات وتجعلها تتحاور وتتصالح، ليس فيما بين المذاهب والاديان وحسب بل حتى مع سائر التيارات العلمانية والفكرية.

ترتكز ثقافة المواطنية على مرتكز اساسي مفاده أنه لا يوجد فضاء ثقافي منزه يمكن من خلاله إطلاق الحكم على الآخرين ولا يجوز الحكم على ثقافة ما او فئة ما، لذلك فإن ثقافة المواطنية تقف موقف منفتح إزاء الأديان جميعها و تحترمها.

إن الأخلاق التي تؤسس لمواطنية حقة هي التي تستنكر كل موقف رافض للحوار وللمناقشة، سواء أكان رفض الحوار ذو منشأ سياسي أم حزبي ام عقائدي أم فلسفي…. فالحياة المشتركة تنبني عن توسيع القضايا المشتركة العامة والفهم المشترك المنبني على الاحترام المطلق لكافة التنوعات الاثنية والدينية للجماعات والافراد والتي تجمع فيما بينها الحياة المشتركة على الأرض الواحدة نفسها

المواطنية محورها الإنسان لذلك فهي تقتضي صياغة سياسة اقتصادية تكون في خدمة الكائن الانساني لا العكس، فالاقتصاد ينبغي ان يكون لحماية البشر من خلال تبني فلسفة اقتصادية تحترم الفرد ومتطلبات الشعب.

المواطنية الحقة تقتضي الاعتراف بحق المواطن في اختيار دينه او تغييره  ومن واجب الدولة تأمين نظام مدني للمعاملات لأولئك الذين لا يرغبون باللجوء الى المرجعيات الطائفية في معاملاتهم الخاصة.

إن فلسفة المواطنية تفترض ذهنية منفتحة بعيدة عن التصورات النمطية والاحكام المسبقة عبر اعتماد رؤية ترتكز على نسبية الموضوعية والحقائق فلا يوجد شيئ مطلق من شأنه أن يستبعد الآخر ويقصيه.

فلسفة المواطنية تقوم على الإعتراف بوجود مستويات متعددة للحقائق وأبعاد متعددة القيم وللواقع ايضا، وان كل مستوى قد يحكمه أشكال متنوعة من المنطق، و بناء عليه كل محاولة لاختزال الواقع إلى مستوى واحد ومصادرة الحقائق ببعد واحد من شأنه ان يقوض مفهوم المواطنية نفسه.

كل محاولة لاختزال المواطن الإنسان بدينه او انتمائه او مذهبه وتحويله إلى مجرد رقم انتخابي طائفي وإلى تقليصه في بنى شكلانية، أياً كانت، تتناقض مع مفهوم المواطنية.

الطروحات العملية للاسس النظرية:
بناء الوسائل العمليّة لدعم المشاعر الوطنية المشتركة بين جميع الطوائف والأعراق والمذاهب والتيارات والأحزاب، تكون بمثابة الحصن الثقافي الحامي لمبدأ المواطنية ووعاء قابل لاستيعاب التبعات القانونية والسياسية للمواطنة.

دعم التنوع الثقافي وحرية الرأي والتعبير، فالوحدة الوطنية تكون بدعم التعددية  بوصفها إثراء للتجربة الانسانية.

هذا الأمر يحتاج لآليات تترجم عمليا من خلال إعداد قادة ونخب فكرية ومراكز بحوث ودراسات تساعد في ارساء المفهوم الكوني المنفتح للانسان.

دعم الخطاب الاعلامي المنفتح وتشجيع الكتّاب والمفكرين والأدباء الذين يتبنون افكار تساهم في ارساء فلسفة التسامح والانفتاح.

إنشاء مراكز ثقافية وطنية تهتم بالأطفال والشباب وبناء مكتبات عامة تعني بالمواطنة وتنظيم ندوات وفعاليات تعزز الانتماء الوطني.

المساهمة في توجيه طلاب الدراسات العليا لاختيار أبحاث علمية ودراسات ميدانية تعزز الانتماء الوطني وتساهم في تقديم افكار مبتكرة وآليات لتعزيز مبادئ الديموقراطية والحرية ونبذ العنف.

محاولة تحييد وعزل الخطابات الانعزالية التي من شأنها تكريس العنصرية والطائفية والدعوات المغرضة التي تقضي على وحدة النسيج الوطني وترفض قبول الآخر وذلك من خلال تهميشها إعلاميا ومحاولة محاصرتها وتسليط الضوء على أضرارها.

إعداد خطة تربوية لتنقية الكتب الدراسية من كل ما من شأنه إثارة النزعات الطائفية والمذهبية دون ان يمس بحرية التعليم، أو يحط من شأن طائفة معينة و يطعن فى معتقداتها، مع ضرورة تسليط على تاريخ الليبراليات والحريات والديموقراطية في محاولة لبناء تربية مستدامة قوامها المشاركة العامة والتعاون وبناء الوطن.

التنسيق مع المراجع الدينية والطائفية كافة لبناء خطاب وطني خالي من شحنات التحريض والكراهية ضد الآخر، و استبعاد كل ما يدعو فيه إلى التعصب، وضرورة إحداث تجديد في مستوى الخطاب الديني ، وليس المقصود هنا الخطاب المعلن في المنابر والكنائس وحسب بل الخطاب المؤسِّس للممارسات الدينية، فتجديد الخطاب الديني يعني إعادة قراءة النصوص اللاهوتية المؤسسة للأفعال وتقديم رؤية منفتحة تتلاءم مع العصر الراهن.

جعل مادة حقوق الإنسان فى الكليات الدينية المسيحية والإسلامية والحوزات العلمية مادة الزامية، وتوضيح العلاقة بين مبادئ حقوق الإنسان والعقائد الدينية.

استغلال المناسبات الوطنية العامة والاعياد لتعزيز الوحدة الوطنية:مثل عيدالاستقلال وعيد العلم وعيد الجيش…كما يمكن استحداث مناسبات لها علاقة بالبيئة والاخوة والوحدة والمحبة.

دعم جمعيات المجتمع المدني التي هدفها التنوير، وتوفير الفرصة في الإعلام للمتنورين ودعاة التنوير والانفتاح.

في الختام نود الاشارة الى أن كل الطروحات المذكورة هي طروحات انتقالية بهدف الوصول الى مرتكزات دولة علمانية كاملة و قوامها الديموقراطية وحرية الكائن الانساني و احترام حرمته وحقوقه بغض النظر عن الاعتبارات الاخرى

أما الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المواطن فهي كالآتي:

الحقوق المدنية؛ والسياسية؛ وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

الحقوق المدنية:

– الحق في الحرية والتعبير عن الرأي قولاً وكتابة

– الحق في الحرية طالما أنّ ممارستها لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية الآخرين

– الحق في حرية التنقل واختيار مكان الاقامة داخل حدود الدولة ومغادرتها والرجوع اليها

– الحق في الملكية الخاصة

– الحق في العدالة والمساواة أمام القانون والحق في الحماية القانونية

– الحق في الحياة وعدم إخضاع المرء للتعذيب ولا للمعاملة السيئة أو العقوبة القاسية واللاانسانية

– الحق في التجمّع السلمي

– الحق في الهوية والانتماء واكتساب الجنسية

– الحق في المحاكمات العادلة والأمان وعدم الاعتقال أو التوقيف التعسفي

الحقوق السياسية:

– الحق في الترشح والانتخاب دون ضغط أو اكراه

– الحق في المشاركة في تكوين السلطة التشريعية والسلطات المحلية تشريعاً وتصويتاً

– الحق في الاشتراك مع آخرين في جمعيات سلمية

– الحق في الانتساب إلى الأحزاب وتنظيم تحركات وتجمّعات ومحاولة التأثير على القرار السياسي

وأشكال اتخاذه

– الحق في التجمّع السلمي

– الحق في تقلّد الوظائف العامة في الدولة

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

– الحق في الأمان الاجتماعي والاقتصادي والثقافي

– الحق في مستوى معيشي لائق

– الحق في الضمان الاجتماعي

– الحق في العمل وفي ظروف منصفة

– الحق في الحماية من البطالة

– الحق في الأجر العادل

– الحق في الصحة والراحة والرفاهية

– الحق في التعليم

– الحق في الخدمات الاجتماعية الضرورية

– الحق في تشكيل النقابات والمشاركة الحرة فيها والحق في الإضراب

– الحق في المشاركة في الحياة الثقافية

– الحق في الغذاء الكافي

– الحق في بيئة نظيفة وغير ملوّثة

– الحق في التنمية المتوازنة

و لكن كما لدينا حقوق فعلينا واجبات تجاه الدولة و هي :

–         التعاطي مع الموظفين بإحترام و تهذيب على أساس أنهم يؤدون خدمة عامة تتطلب درجة عالية من المسؤولية و هي ذات مردود وطني شامل.

–         عدم اللجوء إلى إستغلال النفوذ أو الجوء إلى وسائل و أساليب ضغط على الموظفين لتجاوز القوانين و الأنظمة، أو الرشوة  أو دفع مبلغ غير متوجب عليه على سبيل الرشوة، أو أن يدلي بتصاريح ملغوطة، أو يقدم مزورة أو أن يشجع موظفا من خلال  بدل أو هدية ، أو وعد أو منفعة، للقيام بما هو مناف للوظيفة العامة.

–         فضح أي مخالفة أو عملية إحتيال أو فساد حتى لا يكون متواطئا في أداء الإدارة العامة و هدر المال العام.

–         دفع كل الضرائب و الرسوم حسب القوانين و الأنظمة، و تقديم الوثائق و المستندات المتعلقة بمعاملاته كافة ، و تسهيل عمل الموظفين في القيام بواجباتهم الوظيفية. كما عليه واجب التقيد بقوانين و أنظمة الإدارة العامة، و إحترام المهل المحددة لتقديم الطلبات أو التصاريح، و تسديد الرسوم المتوجبة عليه.

–         المساهمة في تخفيف الأعباء المالية عن الإدارات العامة من خلال حرصه على الملكية العامة و المال العام و حست إستعماله للمنشآت العامة و تقيده بقواعد السلامة العامة و البيئة و الصحة العامة، و المساهمة مع مؤسسات المجتمع المدني و الجمعيات الأهلية و وسائل الإعلام في تعبئة الجهود ، للحؤول دون التعدي على الملكيات العامة.

في النهاية كان واجب المسؤولين أن يعملوا بعد إنتهاء الحرب الأهلية على تطبيق مبدأ المواطنة لكي نتمكن من الحفاظ على دولة المؤسسات و بناء دولة حضارية سيادية مستقلة مبنية على مبدأ المواطنة و ليس التطرف و العصبية المذهبية ، و ذلك فقط لأجل المحافظة على مواقع الساسة. فلنضع المصلحة العامة قبل المصلحة الشخصية.

قصة شادي نشابة و الإنتخابات البلدية….. هذه القصة قد نشرت لدى منظمات محلية و دولية عدة…. و حرصا مني على مبدأ الشفافية

شادي نشابة

المرشح عن عضوية مجلس بلدية طرابلس

لقد خضت تجربة الانتخابات البلدية في طرابلس وأنا أعلم سلفاً أن النتائج لن تكون لصالحنا -وأعني هنا الفوز حصراً. كان هذا واضحاً من جراء الواقع الذي رسمه السياسيون، كما بسبب الوضع الذاتي الذي لم يمنحني الوقت الكافي لخوض هذه التجربة بقوة.

بدأت الفكرة تتراودني منذ صيف الـ2009، وذلك انطلاقاً من اعتقادي بأن العمل البلدي أو الانمائي بحاجة إلى دم جديد وأفكار جديدة وطاقات وكفاءات جادة لديها رغبة حقيقية بخدمة الوطن ككل والمدينة بشكل خاص. ويضاف ذلك إلى كوني ناشطاً اجتماعياً من خلال جمعية “إنجاز” التي تعمل على تنمية قدرات الشباب وربطهم بسوق العمل.

في أيلول 2009 تلقيت دعوة  من المعهد الديمقراطي الوطني، لحضور دورات حول العمل البلدي في لبنان. وقد ضمت هذه الدورات الشباب المقدم على الترشح بالانتخابات البلدية، وتتراوح أعمارهم بين 25 و35 عام، وتركّزت حول التعريف بالقانون البلدي وواجبات المجالس البلدية، إلى جانب بعض الجوانب اللوجستية كوسائل عرض البرامج الانتخابية. وفي الأيام الأخيرة للدورة كنت قد انتهيت من إعداد برنامجي الانتخابي الذي عنيَ بمواضيع السياحة والتنمية الاقتصادية والتواصل مع المغتربين.

وبعد استشارة عدد من شركائي في المجتمع المدني ومن العائلة،  إتخذت قراراً بالترشح، ولكن كلّ من كان يقف إلى جانبي كان خائفاً من الواقع الانتخابي، بسبب مواجهة لائحة مدعومة من أغلب القوى السياسية.

وقبل تلك الفترة، كنت قد أعددت دراسة حول إحتياجات المدينة. اعتمدت فيها على عدة مصادر، كمقابلات مع الأهالي وناشطين سياسيين وأعضاء في المجلس البلدي وقمت كذلك باستطلاعات رأي واطّلعت على دراسات أخرى. انطلاقا من هذه النشاطات، وضعت برنامجي الإنتخابي، وهذا ما ميزني ربما، عن باقي المرشحين. وكنت في لقاءاتي في المدينة أركز على الموضوع التنموي ووقفت ضد “الكلام السياسي” في تلك المعركة لأنها معركة إنمائية، كما نفهمها ونريدها بإمتياز. ولكن الساسة إعتبروها معركتهم، وجاء اختيار الأسماء انطلاقاً من هذه النظرة. فبعض المرشحين الذين اختاروهم كانوا يتمتعون بكفاءة عالية، أما البعض الآخر فقد تم اختياره لاعتبارات سياسية بحتة لا علاقة لها بالكفاءة.

سريعاً،  قمت بتحضير قائمة من المستقلين، كان من بينها ناشطون في المجتمع المدني، وضمت 15 مرشحاً. لكن عدم معرفتنا المسبقة ببعضنا، وضيق الوقت، ساهما في تفريق أعضاء اللائحة، وعدم التزامهم بها. وكان هذا سبب أساسي لخسارة كافة الأعضاء. لكن وبالعودة إلى نتائج الانتخابات، ومع العلم أنني حصلت على 4261 صوت، فأنا أعتبر أنني استطعت في وقتٍ ضيق الوصول لنسبة جيدة من الأهالي.

وفي مراجعة سريعة لتلك المرحلة أو التجربة، أرى أني أخطأت عندما تأخرت  بالترشح وبإعلان ترشحي الذي أتى قبل الإنتخابات بعشرة أيام فقط. فعلى الرغم من قيامي بخمس مهرجانات شعبية لم يعلم الكثير من الناس بأمر ترشحي إلى الانتخابات.

أمواج البحر أفضل مصدر للطاقة

إن الطاقة الكهربائية لها مصادر عدة و لكن ما هو مهم المصدر الذي يولد طاقة أكبر بكلفة أقل و ما هو مهم أيضا الطاقة التي تحافظ على البيئة .

يستفيد اليوم علماء الطاقة من أمواج البحر، ويصنعون معدات خاصة تمكنهم من وضعها على سطح الماء حيث تقوم الأمواج برفعها وخفضها باستمرار. وهذا يؤدي إلى توليد حركة ميكانيكية يمكن تحويلها إلى طاقة كهربائية تُنقل عبر أسلاك للاستفادة منها.

إن أول من خطرت بباله فكرة الاستفادة من الأمواج هو رجل فرنسي يدعى Monsieur Girardحيث حاول مع ابنه عام 1799 الاستفادة من حركة الأمواج في إمداد الطاحونة والمضخة بالطاقة.

طاقه الامواج الداخليه:

المدّ. ويعتبر هذا المصدر للطاقة المتجددة من المصادر النظيفة والآمنة. وتستخدم التقنية مراوح أو توربينات تثبت تحت سطح البحر وتدور بسبب تيارات المد، وبالتالي تتحول فيها الطاقة الميكانيكية التي تولدها الأمواج إلى طاقة كهربائية يمكن الاستفادة منها.

ويعتقد العلماء بأن هذا المصدر أفضل من طاقة الرياح، بسبب انتظام الأمواج وإمكانية دراستها بشكل جيد وتوقع حجمها وطاقتها، مما يتيح تصميماً أفضل للتوربينات المولدة للطاقة الكهربائية.

إن قطر المروحة هو 20 متراً، وتثبت على مسافة تحت سطح الماء بـ 30 متراً. وقد بلغ استهلاك الطاقة الكهربائية بالوسائل المختلفة في بريطانيا عام 2001:

الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة نسبة 2 بالمئة. أما الطاقة الكهربائية من الفحم فقد بلغت نسبة 33 % والطاقة الكهربائية من الغاز الطبيعي 37 % والطاقة الكهربائية النووية 22 %.

فكرة جديدة لإنشاء مراوح أو توربينات تعمل على توليد الطاقة الكهربائية والاستفادة من التيارات تحت سطح البحر.

مستقبل هذا المصدر الجديد:
1 تعتبر هذه الطاقة آمنة وليس لها أية مخاطر.

2- طاقة أمواج البحر أكبر بكثير من طاقة الرياح.

3- طاقة أمواج البحر ثابتة على مدار 24 ساعة وطيلة أيام السنة تقريباً، بينما طاقة الشمس يستفاد منها أثناء النهار، وطاقة الرياح يستفاد منها في فترات متقطعة.

4- الكهرباء الناتجة عن طاقة الأمواج أكثر ثباتا.

تعتمد الطاقة التي تحملها الموجة على طولها وارتفاعها وسرعتها وكثافة الماء الذي تحمله. وهذا يتعلق بسرعة الرياح ودرجات الحرارة فوق سطح الماء.

الطاقه الناتجه عن اختلاف الحراره:

لقد استفاد من هذه الظاهرة المهندس الفرنسي George Claudeحيث صنع وحدة لتوليد الكهرباء استطاعتها 22 كيلو واط وذلك عام 1929 بالاستفادة من فارق درجات الحرارة بين سطح البحر وبين عمق محدد.

يقول الباحثون اليوم: إن موجة طولها ارتفاعها 15 متراً وزمنها 15 ثانية، سوف تحمل طاقة تقدر ب 1700 كيلو واط لكل متر مربع من جبهتها. وأن طاقة الأمواج أكبر بكثير من طاقة المد والجزر.

طاقه تيارات المحيط:

إذا ما نزلنا تحت سطح البحر وبدأنا نغوص شيئاً فشيئاً، فإننا نرى عالماً يعجّ بالحركة والأمواج والتيارات، وهنالك تيارات حتى في أعمق نقطة من البحر! وهذا ما دعى العلماء لمحاولة الاستفادة من هذه الأمواج.

وتتم الاستفادة من هذه الطاقة المجانية والنظيفة من خلال وحدات تتوضع تحت سطح البحر، وهي عبارة عن توربينات توضع على أعماق مختلفة تحت سطح البحر، وتدور بسبب التيارات المتولدة تحت سطح الماء. وتتميز هذه التوربينات بصغر حجمها مقارنة بالتوربينات الهوائية، وذلك بسبب أن كثافة الماء أكبر ب 835 مرة من كثافة الهواء.

تعتبر الطاقة المتوافرة في البحر والمحملة على أمواجه من أفضل أنواع الطاقة الطبيعية، فهي آمنة ونظيفة ولا تنضب وليست مهددة بالنفاذ مثل البترول مثلاً،

فالبحر اللجي هو العميق، وفيه موج داخلي من فوقه موج على السطح من فوقه سحاب.

الطاقه الزرقاء:

وهي الطاقة المتولدة في مصب النهر في البحر، حيث تتدفق كميات كبيرة من المياه العذبة في مياه البحر المالحة، ويمكن الاستفادة من هذه الطاقة في توليد الكهرباء.

التلوث الناتج عن وسائل توليد الطاقة التقليدية

أخيرا إن الطاقة المولدة من أمواج البحر هي تعد من أفضل المصادر للطاقة ، فيا ليت يأتي يوما و نتمكن من توليد هكذا نوع من الطاقة في بلدنا الحبيب لبنان …. فهذه المشكلة التي نعاني منها منذ عقد من الزمن .

واقع السجون المأساوي… رغم أننا ممكن أن ندعم إقتصادنا من خلاله

سجن رومية

إن وضع السجون في لبنان لا يتطابق أبدا مع حقوق الإنسان ، و المواطن اللبناني و خاصة السجين اللبناني يعاني من هذا الواقع المؤسف.

و مما لا جدال حوله ، أن السجون اللبنانية بحالتها الراهنة ، تنظيماً وواقعاً ، بحاجة لإعادة نظر شاملة وجذرية ، نظراً لحالة التردي التي تعانيها في مختلف المجالات .

فهذا الواقع يلزم بوضع نظام جديد للسجون في لبنان يراعي النظريات الحديثة للعلم الجنائي والهادفة الى تطبيق العقوبة العادلة والضرورية لردع الإجرام وإصلاح مرتكب الجريمة من خلال الأخذ بعين الإعتبار شخصيته الإجتماعية  والإقتصادية والثقافية وظروف إرتكابه لجريمته ، وتوفير التلازم بين العقوبة المقضي بها والتنفيذ من خلال منح سلطة كافية للقضاء لتكييف العقوبة ، وتيسير الوسائل والسبل المناسبة في مكان تنفيذها لإصلاح السجين وإعادة تأهيله تمهيداً لعودة اندماجه في المجتمع عوضاً عن الإقتصاص منه والقضاء عليه معنوياً وجسدياً .

إستند الباحثون في هذا الحقل والساعون لتحقيق هذه الوجهة الى جملة الشرائع الدولية والمواثيق ، من بينها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ” 1948 ” والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ” 1966 ” والإتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملات القاسية واللا إنسانية والمهينة ” 1984 ”  ومبادىء الأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية ” 1985 ” وبشأن دور المحامين ” 1990 ” ووضع مبادىء وقواعد اعتبرت معايير للمحاكمة العادلة . . . وربما أخيراً وليس آخراً اعتماد الدليل لتفعيل القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ، المقرر من قبل المجلس الإقتصادي والإجتماعي عام 1984 ن بناءً على توصيات الأمم المتحدة ، واللجنة الدولية لمنع الجريمة ومكافحتها  .

وبحكم كون لبنان قد ابرم العديد من المواثيق الدولية وأقرّ الفقرة ( ب ) من مقدمة الدستور ” 1990 ” ، يعلن فيها أنه ” عضو مؤسس وعامل في منظمة الأمم المتحدة وملتزم مواثيقها والإعلان العالمي لحقـوق الإنسان . وتجـسد الدولة هذه المبادىء في جميع الحقوق والمجالات دون إستثناء “

علماً بأن المشرع اللبناني كان قد سبق له ووضع نص المادة الثانية من قانون أ . م .م والتي أوجبت

على المحاكم ان تتقيد بمبدأ تسلسل القواعد . عند تعارض أحكام المعاهدات الدولية مع أحكام القانون العادي تتقدم في مجال التطبيق الأولى على الثانية”

بناءً على هذه المعطيات يجب إعادة تنظيم السجون ،و وضع تشريع جديد لها يتلاءم مع المواثيق والتشريعات الدولية وإنشاء هيئة لإدارة السجون مرتبطة بوزير العدل ، تنفيذاً لللمرسوم رقم / 17315 / تاريخ 28/8/1964 القاضي بإنشاء هذه الهيئة وللمادة /29/ من المرسوم الإشتراعي رقم /151/ تاريخ 16/9/1983 ” تنظيم وزارة العدل ”  التي نصت على ان تعنى مديرية السجون بشؤون السجناء وبرعايتهم وتأهيلهم . وقد عوّل الإقتراح كثيراً على انشاء هذه الهيئة والحاق السجون بوزارة العدل بدلاً من وزارة الداخلية لغايات وأهداف عدة من بينها الإرتقاء في مجال احترام وتنفيذ حقوق الإنسان والمواثيق الدولية والمستوى الذي يليق بلبنان كدولة ذي نظام ديمقراطي متحضر .

إن بحث موضوع السجون وتدخل المشترع لوضع صياغة جديدة للقانون لايمكنها ان تكون بمنأىً عن وضع تشريع جديد لأصول المحاكمات الجزائية ، يستوحي بدوره المواثيق الدولية التي ترعى حرية الإنسان وحقوقه ، ويضع حداً للعديد من النصوص في القانون القديم التي تشكل إنتهاكاً لهذه الحقوق .

أحد الزنزانات

فلم تشهد السجون اللبنانية في تاريخها حالة اكتظاظ بالموقوفين والمساجين ، قياساً على ما هو حاصل الأن . وبالعودة الى الإحصاءات المقدمة من وزارة الداخلية الى لجنة حقوق الإنسان النيابية في نهاية تشرين الثاني سنة 2000 ، يتبين وجود 7287 سجيناً في داخلها ، وبتقدير الوزارة أن السعة الإجمالية للسجون بواقعها الراهن هي 3840 شخصاً . ويرى المعنيون بهذا الشأن أن كافة العلاجات الجزئية بتوسيع هذا السجن أو ذاك أو إخلاء جناح يشغله الجيش في سجن روميه ، لا يشكل حلاً بديلاً عن تطبيق المرسوم رقم /8375/ الصادر في 7/5/1996 لبناء ثلاثة سجون في زحلة وطرابلس وصيدا تناهز الكلفة 80 مليار ليرة . وهذا المشروع يحتاج لفترة تنفيذ لا تقل عن اربع سنوات حتى يبصر النور ، عدا عن عدم توفر الأموال لإطلاقه .

وبالعودة الى جدول وزارة الداخلية المنوه عنه اعلاه يتبين انه قسّم السجون على المحافظات الخمس كالآتي :

_ في جبل لبنان :هناك ستة سجون هي سجن روميه وفيه 4760 سجيناً ، سجن

جبيل وفيه 31سجيناً  ، سجن عاليه وفيه 73 سجيناً ، سجن نساء بعبدا وفيه 81 سجينة ، معهد الإصلاح في بعاصير وفيه 55 ومعهد الإصلاح في الفنار وفيه 24. فيكون عدد السجناء في جبل لبنان 5024 سجيناً .

_ في الشمال : ستة سجون هي سجن طرابلس وفيه 755 سجيناً ، سجن حلبا وفيه سجناء 104 ، سجن البترون وفيه 85 سجيناً ، سجن زغرتا وفيه  94سجيناً ، سجن اميون وفيه 70 سجيناً ، وسجن نساء طرابلس وفيه41  سجينة ، فيكون المجموع 1149 سجيناً .

_ في البقاع : خمسة سجون هي سجن زحلة وفيه 204 سجناء ، سجن نساء زحلة وفيه 34 سجينة ، سجن جب جنين وفيه 90سجيناً ، سجن بعلبك وفيه  75سجيناً ، وسجن رأس بعلبك وفيه 54   سجيناً ، فيكون المجموع 457 سجيناً .

_ في الجنوب : اربعة سجون هي سجن صور وفيه 112 سجيناً ، سجن النبطية وفيه 65 سجيناً ، سجن تبنين وفيه 101 سجيناً ، وسجن جزين وفيه  47 سجيناً ، فيكون المجموع 325 سجيناً .

_ في بيروت : سجن واحد هو سجن نساء بيروت او سجن بربر خازن وفيه 72 سجينة .  فيكون المجموع العام 7027 سجيناً .

أما الموقوفون ، فموزعون على ثماني نظارات في لبنان هي :

قصر العدل في صيدا حيث هناك 99 موقوفاً ، قصر العدل في النبطية وفيه 37 موقوفاً ، قصر العدل في بعلبك وفيه موقوفان ، قصر العدل في زحلة وفيه 19 موقوفاً ، قصر العدل في طرابلس وفيه 45 موقوفاً ، قصر العدل في بيروت وفيه 10 موقوفين ، قصر العدل في بعبدا وفيه 40 موقوفاً ، وثكنة الحلو وفيها ثمانية موقوفين ( 1 ).وفي تصريح لقائد الشرطة القضائية ورد فيه أنه تمّ توقيف ما مجموعه 566 شخصاً بجرائم مخدرات مختلفة ( 2) . ويتبين مما هو منسوب لمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية ، أن عدد الموقوفين الإجمالي من ( عناصر ميليشيا لحد) بلغ 2973 موقوفاً حتى 21/12/2000 ، وصدرت أحكام في حق 1788 منهم في حين لا يزال 1185 موقوفاً قيد المحاكمة . ( 3)

فيكون المجموع العام للموقوفين في النظارات 260 موقوفاً .

واقع الحال يثبت ان السجون في لبنان هي بمنتهى السوء وهي بحاجة لإصلاح فعلي على كل الصعد والمستويات . وإن بعض الأماكن المبنية اصلاً كسجون قليلة ” كسجن رومية مثلاً ” اما البقية خاصةً سجون المحافظات فهي عبارة عن نظارات تستعمل كسجون .وتتصف عموماً بأن  الأماكن فيها ضيقة ، يوضع فيها اضعاف سعتها ، وينقصها الكثير من المواصفات : نظافة ، حدائق للتنزه واحياناً مراحيض. وليس هناك من فرز للمساجين : بين المرضى والأصحاء وبين الأعمار وحسب العقوبة الجرمية .

اما المولجون بإدارة السجون فتنقصهم الخبرة المطلوبة وهم في غالبيتهم في حالة من الترهل والتعامل المزاجي في التعاطي . وهناك ايضاً ، خاصةً خارج سجن رومية نقص في التأهيل ويكاد يكون معدوماً : تأهيل مهني أوتعليمي أو إنتاجي .

وهناك من يرى أن الإزدحام في السجون هو اكثر من ثلاثة اضعاف قدرة استيعابها مما يؤثر سلباً على الصحة العامة لجهة انتقال الأوبئة والأمراض المعدية بين السجناء وبينهم وبين رجال الأمن العاملين . وإن مجمل الحالة تؤدي الى تفاعل التأثير السلبي على اوضاع المساجين الذي يطاول الأخلاق والسلوك وظهور حالات شذوذ جنسي وعراك ، مما يجعل حرم السجن خارج دائرة الإنضباط وعرضة لحالات التمرد والشغب .

(1 ) الأرقام مأخوذة عن عدد النهار بتاريخ 30/11/2000.

(2)  النهار بتاريخ 23/12/2000 .

(3) النهار بتاريخ 23/12/2000.

أما بشأن الأحداث المنحرفين فإن الضرورة تقتضي فصلهم عن البالغين بتشييد مباني اضافية خاصة بهم ، لأن المبنى الخاص بالأحداث في سجن رومية لا يحل المشكلة ، كما ان إصلاحيتي بعاصير والفنار لا تستوعبان الأعداد الكبيرة منهم .

ومما يزيد من كثرة ازدحام السجون وجود الأعداد الكبيرة من الموقوفين الذين ينتظرون المحاكمة لمددٍ طويلة ، بسبب بطء التقاضي ، وخلافاً لشرعة حقوق الإنسان ، ويقتضي توقيفهم في اماكن خاصة بهم .

إن هذا الوضع يشكل انتهاكاً لكرامة المساجين ، وهم اناس اذنبوا فعوقبوا بحكم قضى بسجنهم . لكن في الواقع انه نتيجة هذا الوضع سوف يتعلم المساجين ما نقصهم من اساليب المخالفات والرذيلة بالإضافة الى الحقد الذي سوف يمتلكهم نتيجة الظروف المريرة التي يعيشون فيها . وحقدهم سينصب على المجتمع والدولة وكل ما هو محيط بهم بحيث يتحول البعض منهم الى محترف جرمي ما إن يخرج من السجن حتى يعود ليدخله بجرم اكبر .

إن أي معالجة لوضع السجن والمساجين من منطلق حقوق الإنسان يعني ايضاً بالإضافة للسجناء رجال الأمن والمواطنين نظراً لعلاقة الإرتباط والتلازم بين الفئات المذكورة ، ويفترض بالمعالجة ان تأخذ هذا الأمر بعين الإعتبار .

نظم المشترع اللبناني السجون واماكن التوقيف ومعاهد إصلاح الأحداث بالمرسوم رقم /143110 / بتاريخ 11/2/1949 . ولحظ هذا المرسوم فقط مسألة تقسيم السجون وكيفية ادارتها . إذ قسمها الى سجون مركزية وسجون مناطق ، وبدون ان يعير أي اهتمام  لشخصية المحكوم عليه او الموقوف ودرجة خطورته وماضيه الجنائي وظروف ارتكاب الجريمة ومدى خطورتها لتكون معياراً للتقسيم .

وقد قضت المادة الثانية من هذا المرسوم على انه “ يوضـع الموقوفـون والمتهمون والمحكومون مهما كانت مدة الحكم

في سجن رومية المركزي.”

إن هذا النص يشكل مخالفةً قانونية ، واعتداءً على حقوق الإنسان ، لأنه لا يجوز وضع الموقوفين والمحكومين في مكان واحد ، لأن الموقوف يتمتع حتى تاريخ صدور الحكم ضده بمبدأ البراءة المفترضة ، ولأن زج مختلف الفئات المذكورة مع بعضها ، ومن دون التفريق بينهم على اساس الفعل الجرمي المرتكب ومدى خطورته ، لا يراعي الأساس الشخصي لمرتكب الفعل الجرمي .

أما المادة الثامنة من المرسوم فقد نصت على انه ” يوضـع القاصـرون موقوفيـن او محكومين في اماكن خاصة بهم حسب

نصوص قانون العقوبات “

والتطبيق العملي لا يراعي هذا النص ، إذ ان انشاء معهد إصلاحي للأحداث المحكوم عليهم ولتربيتهم ولرعايتهم بقي في الجانب النظري ، بإستثناء المكان الخاص الذي انشىء في سجن رومية لسجن وتوقيف الأحداث . بالإضافة لإصلاحيتي بعاصير والفنار ، وبقيت السجون اللبنانية مزدحمة ايضاً بالقاصرين مع الراشدين والى جانب مرتكبي الأفعال الجرمية من مختلف الأنواء .

ومع ان المشترع قضى بموجب المادة التاسعة على ان “ يوضع النساء المحكوم عليهن في سجون خاصة بهن

الا انه تغاضى عن تحديد مكان خاص لتوقيف النساء الموقوفات احتياطياً على ذمة التحقيق .

وبقي التطبيق العملي لنص المادة /108/ ، التي قضت بمكافأة السجين على حسن السيرة، معدوماً ، لإفتقار المرجعية المعنية و الآلية القانونية لوضعه موضع التنفيذ ، وبقي حتى تاريخه حبراً على ورق .

إن التعاطي بموضوع السجون في لبنان حتى تاريخه قد بقي قاصراً دون مستوى نطاق النص النظري ولم يدخل حقل التطبيق الواقعي . وإن ما يجري على ارض الواقع من انتهاكات واعتداءات على حقوق الموقوفين والمساجين ، ليس فقط يتعارض مع الشرائع الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان ، بل مع نص المادتين /20/ و /52/ من المرسوم المذكور والمتعلقة بالرقابة الصحية اللازمة والمطلوبة ، وغير المتوفرة في كثير من السجون ، بشكل خاص سجون المحافظات والمناطق .

وإذا كان قانون السجون الحالي قاصراً عن اداء دوره التشريعي بمنحاه الإجتماعي ، فإن قانون اصول المحاكمات الجزائية لم يتطرق الى مسألة التوقيف والسجون الا عرضاً وفي المواد / 424/ الى /426/ بالنص على ان قاضي التحقيق يتفقد مرة واحدة في الشهر الأشخاص الموجودين في محال التوقيف والسجون .

بإختصار كلي ان نظام السجون في لبنان مع مختلف النصوص المتفرقة من هذا القانون اوذاك ، ليس من شأنه الحرص على حماية حقوق المساجين والموقوفين بالمقارنة مع الشرائع الدولية بمجملها ، ويقتضي المقام الإستنارة ببعض ما نصت عليه تلك الشرائع .

أحد الزنزانات

السجون وأماكن الإحتجاز في الشرائع الدولية :

اولت الشرائع الدولية هذا الجانب الأهمية القصوى ، إنسجاماً منها مع توجهات المؤوسسات الدولية الضامنة لكرامة الإنسان وحقوقه المحفوظة . وسنستعرض هذا الجانب في الأقسام التالية :

لقد بات من الثابت ، ان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، يشكل المرجعية الأساسية والرئيسة لمختلف المواثيق الدولية ، والتي وضعت انسجاماً مع روحية ما نص عليه من حقوق إنسانية ثابتة ، لا تقبل التنازل عنها ، لكونها ترتبط ارتباطاً وثيق الصلةبكرامة الإنسان الشخصية المتأصلة في ذاته البشرية .وقد اتت المواثيق التالية لهذا الإعلان لتعمق من مفهوم هذه الحقوق وتحدد آليات حمايتها ، وفي هذا السياق جاءت التشريعات الدولية التالية ، خاصة تلك التي لها علاقة بموضوعنا ومن بينها _ العهد الدولي الخاص للحقوق المدنية والسياسية_ اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية _ المبادىء الأساسية للأمم المتحدة بشأن استقلال السلطة القضائية _ المبادىء الأساسية للأمم المتحدة المتعلقة بدور المحامين _ مجموعة القواعد النوذجية الدنيا لمعاملة السجناء التي وضعتها الأمم المتحدة _ . . .

إن بحث قضية السجون لا يكون بمنأىً عن التشريعات الدولية المذكورة وما كرسته من حقوق ثابتة تعتبر مقياساً حقيقياً لمدى التعامل الإنساني .

وتلافياً للخوض في التفاصيل ، من المفيد جداً حصر منظومة الحقوق في موضوعنا هذا بالخلاصة التي توصلت اليها مجموعة القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء ، والمستخلصة من حقوق الإنسان العالمية عامةً ، والتي تنطبق على الأفراد جميعاً . وتضمنت هذه الحقوق في القاعدة الأولى ما يلي :

_ الحق في الحياة وسلامة الفرد .

_ الحق في عدم التعرض للتعذيب أو المعاملة السيئة .

_ الحق في الصحة .

_ الحق في احترام الكرامة الإنسانية .

_ الحق في التنفيذ العادل للقوانين .

_ الحق في عدم التعرض للتمييز والتفرقة من أي نوع كانت .

_ الحق في التحرر من الإستعباد .

_ الحق في حرية الرأي والفكر .

_ الحق في احترام الحياة العائلية .

_ الحق في التنمية الذاتية .


الطابع الإلزامي لتطبيق القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء

إن لبنان بات ملزماً دستورياً ومعنوياً بتطبيق القواعد النموذجية ، خاصةً بعد ان أدخل الفقرة ( ب ) في مقدمة الدستور التي تقضي بإلتزامه بالمواثيق الدولية ، وقضى المجلس الدستوري ، بدوره ، بموجب قراريه رقم ( 1 ) و ( 2 ) بتاريخ 12/9/97 بإبطـال القانونيـن رقـم /654 / و /655/ مستنداً في تقرير الإبطال الى تعارضهما مع  فقرة في الإتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية الصادرة عام 1966 والتي انضم اليها لبنان عام 1972 .

في جانب آخر ، ارفق بمجموعة القواعد الدنيا ، مجموعة اجراءات متخذة من قبل الأمم المتحدة ،  ترتب التزامات محددة على دول العالم ، تقضي بما يلي :

_ ادراج القواعد في صلب التشريع الوطني ” اجراء 2 ” .

_ اتاحة اضطلاع  المكلفين بالتنفيذ والسجناء عليها ” اجراء 3 _ 4 “

_ ابلاغ الأمين العام للأمم المتحدة كل خمس سنوات عن مدى الإلتزام بها ” اجراء 5 “

_ تزويد المرجع المذكور بالتشريعات الوطنية الصادرة تنفيذاً وتطبيقاً لذلك “اجراء 6 “

_ استناد هذا المرجع لما يقدم له لإعداد تقاريره السنوية ” اجراء 8 “

_ تقديم الأمم المتحدة العون التقني والتنموي  لتدعيم نظم اصلاحية شاملة تتسم بطابع

انساني ” إجراء رقم 10 ” . ولتفعيل هذا الإجراء قررت الأمم المتحدة في الدورة

54 / 99 ( قرار 52 /124 ) بشأن موضوع حقوق الإنسان في مجال إقامة العدل،

تنفيذا للإجراء المذكور ، دعوة ( المجتمع الدولي الى الإستجابة على نحوٍ مؤاتٍ

لطلبات الحصول على المساعدة المالية والتقنية من أجل تحسين إقامة العدل وتعزيزه )

ودعت الدول المعنية الى الإستفادة من برامج الأمم المتحدة ( بغية تعزيز القدرات

والهياكل الأساسية الوطنية في مجال إقامة العدل )

والإجراء الأخير ، في حال تقيد لبنان بإلتزاماته ، له اهمية قصوى ، إذ انه يتيح المجال لتطوير صيغة التعاون القائمة بين الأمم المتحدة ووزارة العدل والمقتصرة فقط على الأحداث وكيفية اصلاحهم ، بينما يفترض ان يشمل هذا التعاون كامل حقل السجون وكافة السجناء في لبنان .


ميزات نظام السجون في ظل القواعد النموذجية

وفرت القواعد جملة من الميزات تتجلى بتقسيم السجون الى فئات متعددة ، وبإخضاع السجون واماكن التوقيف لأنظمة خاصة ، وبإتباع سياسة اصلاح وتأهيل المسجونين والمحافظة على صحتهم ومعاملتهم معاملة انسانية ، من أجل إعادة دمجهم في المجتمع البشري كأفراد صالحين ومسالمين .

تقسيم السجون الى فئات مختلفة :

استندت القواعد الى عدة معايير شخصية لتقسيم السجون واماكن التوقيف ، الى فئات مختلفة ، تتناسب مع وضع كل سجين محكوم عليه وموقوف احتياطياً على ذمة التحقيق .

أ _ معيار التقسيم واماكن السجون :

تأخذ نصوص القواعد من شخص المحكوم عليه او الموقوف معياراً اساسياً، لتقسيم السجون واماكن التوقيف الى فئات مختلفة، تتناسب مع شخصية كل سجين او كل موقوف، وتعير اهميةً لمدى المعاملة الإنسانية للمسجونين والموقوفين بإعتبارهم افراداً قابلين لإعادة التأهيل والإصلاح ، والحيلولة دون استعبادهم وممارسة التعذيب بحقهم والنظر اليهم كمنبوذين. ترسيخاً لهذا المعيار ولإمكان تطبيقه عملياً ، جرى الفصل بين فئات السجناء وفقاً لما يلي :

_ الفصل بين الذكور والإناث ، وبين الموقوفين والمحكومين ، وبين المسجونين     لإرتكاب جرم جزائي وبين المحبوسين لأسباب مدنية ، وبين اصحاب السوابق الجرمية وسواهم ، وفي مطلق الحالات يتم فصل الأحداث عن البالغين .ويكون الفصل         بوضعهم في مؤسسات مختلفة أو اقسامٍ مختلفة ضمن المؤسسة الواحدة ” قاعدة 8 “.

_ وعلى قاعدة الفصل المذكور وضعت قواعد خاصة بالفئات التالية :

السجناء المدانون ” قاعدة 56 _ 64 ” _ السجناء المصابـون بالجنـون والشذوذ

العقلـي ” قاعدة 82 ” _ الموقوفـون والمحتجزون رهن المحاكمة ” قاعدة 84 _

93 ” _ السجناء المدنيون ” قاعدة 94 ” .الأشخاص الموقوفون او المحتجزون دون

تهمة ” قاعدة 95 ” .مقاصد التصنيف الفئوي وأغراضه العلاجية  ” قاعدة 67 ” .

ب_ إدارة السجون واماكن التوقيف :

خصصت لها مجموعة من القواعد تؤكد على اهمية نزاهتهم وإنسانيتهم واعتبار عملهم خدمة اجتماعية ” قاعدة 46 ” يتمتعون بمستوى كافٍ من الثقافة والذكاء وتدريبهم على مهامهم ” قاعدة 47 ” وتنوع الإختصاص في جهاز الموظفين ” قاعدة 49 “

ج _ تزويد السجناء بالمعلومات وحقهم في الشكاوى ” قاعدة 35 _ 36 ”

د _  الإتصال بالعالم الخارجي” قاعدة 37 _ 40 ”

هـ  الخدمات الطبية والإحتياجات الشخصية ” قاعدة 22 _ 26 ”

و _ المعالجة واعادة التأهيل ” قاعدة 65 ” المكافأة ” قاعدة 70 “

ز _ التشجيع على حسن السلوك وتنمية الحس بالمسؤولية من خلال العمل اللائق داخل السجن ” قاعدة 70 _ 78 ”

ح _ الرعاية المطلوبة من هيئات المجتمع المدني والحكومية بعد السجن ” قاعدة 79 _ 81″ .

خلاصة :

يتبين ان نظام السجون اللبناني الراهن قاصر عن مواكبة ، حتى حركة التشريع اللبناني وتحديث القوانين . هذا النقص التشريعي يناقض المبادىء الدستورية ، التي تصون كرامة الإنسان وشخصيته ، وتترك المجال مفتوحاً على حصول انتهاكات لحقوق الإنسان ، تتنافى مع الأنظمة والقوانين المرعية الإجراء . ويتعارض هذا الأمر ايضاً ، خاصةً الجانب المتعلق بالسجون وأماكن التوقيف مع مجمل الشرائع الدولية الحامية لحقوق الإنسان .

ويقتضي الملاحظة ان المعالجة في هذه الدراسة ،  اقتصرت على قضية السجون التي تستقبل موقوفين على ذمة التحقيق ، نسب اليهم ارتكاب افعال جرمية او محكومين بإرتكابهم قضايا من هذا النوع من قبل القضاء العدلي الجزائي ، ولم تتطرق الى تناول سجون اخرى، خارجة راهناً عن نطاق صلاحية مديرية السجون في وزارة الداخلية ، من بينها سجن الأمن العام وسجن وزارة الدفاع .

ومن الأهمية بمكان في هذه العجالة ان نشير الى ان ما يحصل مع الأجانب المحتجزين في سجن الأمن العام ، تمهيداً لترحيلهم ، يتعارض ايضاً مع المواثيق الدولية والإتفاقية الدولية لقضايا اللاجئين الصادرة عام 1951 رغم ان لبنان لم ينضمّ اليها لإعتبارات معروفة .

في جانب آخر ، لابد من تغيير السياسة الجنائية المتبعة والمبنية على النظرة العقابية والإقتصاص من الفاعل ، واستبدالها بسياسة قضائية اصلاحية ، تأخذ في الإعتبار ظروف الفعل الجرمي ودوافعه، وإعتبار الفاعل إنساناً ، يقتضي معاملته بإحترام ، عملاً بالمبادىء الدستورية والقيم البشرية والشرائع الدولية ، التي تحرص جميعها على صون كرامة الإنسان وحقوقه .

والحديث عن إصلاح السجون ووضع قانون جديد ، لا يمكنه ان يكون بمنأىً عن التسريع بحسم مشروع قانون أصول المحاكمات الجزائية المقدم للمجلس النيابي منذ عام 1995 ، وذلك لوجود علاقة ترابط وتلازم بين القانونين المذكورين ، وما يتركه هذا الأخير من تأثيرٍ على الأعداد الكبيرة التي تكتظ بها السجون . خاصةً وأن المشروع المذكور قد قطع شوطاً متقدماً في بحثه ومناقشته ، لجهة سد الثغرات التشريعية والأخذ بما استقر عليه اجتهاد المحاكم ورأي اصحاب الفقه الجزائي ، والإنسجام مع قواعد الشرائع الدولية الحامية لروحية ومضامين حقوق الإنسان .

إن أي تشريع جديد للسجون ، يفترض به ان يلحظ ما تقدم ويأخذ بروحيتها ، كما عليه ان يتناول مايلي :

1_ التأكيد على  إنشاء هيئة لإدارة السجون مرتبطة بوزارة العدل ، تنفيذاً للمرسوم رقم /17315/ تاريخ 28/8/64 القاضي بإحداثها ، وللمادة 290 من المرسوم الإشتراعي رقم /151/ تاريخ 16/9/83 ( تنظيم وزارة العدل ) على ان يرأسها قاضٍ متمرس بالحقوق الجزائية ، ويمتلك خبرة واسعة في التعاطي مع المنحرفين إجتماعياً ويحوز ثقافة تؤهله للقيام بالدور المطلوب ، وبشكل خاص ثقافة حقوق الإنسان .

وتضم هذه الهيئة الى جانبه مندوباً عن جمعية معنية بحقوق الإنسان ، يمتلك خبرة وتجربة في هذا المجال ، لا سيما الجانب الحقوقي منه . وتضم ايضاً مندوباً عن وزارة العمل والشؤون الإجتماعية وأخصائياً في علم النفس الإجتماعي .

تعمل الهيئة على إيجاد صندوق للسجين يلبّي متطلبات إجتماعية ورعائية معينة ، تؤمن موارده وكيفية الإنفاق وفق معايير محددة .

يكلف رئيس الهيئة بدور القاضي المشرف على تنفيذ العقوبات ، وعليه ان يأخذ بالرأي الإستشاري لأعضاء الهيئة .

2_ تصنيف السجون وأماكن التوقيف بالإستناد الى وضع المحكوم عليه او الموقوف ، مع الأخذ بالإعتبار السوابق الجرمية ، ومدى خطورته على المجتمع وشخصيته وعمره وجنسه .

3_ إيجاد سجون وأماكن توقيف جديدة قادرة على استيعاب العدد الكافي من المحكوم عليهم، وتمكين هؤلاء من تأمين غرف إنفرادية ، يمارسون فيها حياتهم الخاصة ، والإستفادة من تقديمات الأمم المتحدة الوارد في الإجراء رقم 10 ضمن صيغة التعاون ليشمل كل السجون وكافة السجناء وعلى ان تكون السجون وفق المعايير الدولية المحددة .

4_ اعداد سجون عصرية قادرة على اعادة تأهيل المحكوم عليه وإصلاحه ، بصرف النظر عن خطورة فعله الجرمي ، واعداده لإعادة دمجه في المجتمع كمواطن صالح .

5 _ التأكيد على ضرورة  تطبيق المادة /108/ من قانون السجون وتفعيلها بإيجاد مرجعية قانونية لتقريرها وآلية عمل لتنفيذها .

6_ تدريب السجين على المهارات المهنية وتمكينه من متابعة عمله داخل السجن ، أو اكتساب مهنة جديدة تتناسب مع مؤهلاته الشخصية ، في منحى اشعاره بقيمة ذاته الإنسانية وفعاليتها ، وتمكينه من أداء العمل المنتج والمفيد له بعد خروجه من السجن .

7_ تمكين السجين من متابعة دراسته في مختلف مراحلها .

8_ توطيد علاقة السجين بأسرته للمحافظة على الأواصر التي تربطه بها وتسهيل الزيارات معها  وفي غرف انفرادية .

– امكان اجراء عقد الزواج داخل السجن والقيام بمراسيم هذا الزواج بناءً على ترخيص

النائب العام .

– السماح للسجين بمغادرة السجن تحت الحراسة في الظروف الصعبة التي تلمّ بعائلته

كحادث وفاة أو مرض شديد .

9_ توطيد علاقة السجين بالعالم الخارجي من خلال :

_ القيام بنشاطات إجتماعية عن طريق الإتصال بجمعيات مرخص لها ، وبإذنٍ من إدارة

السجن .

_ تمكينه من المراسلة والتلقي مع معارفه وأصدقائه حرصاً على حفاظه لعلاقاته العامة .

10_ العمل بسياسة إذن الخروج من السجن المعمول بها في فرنسا ، على ان يمنحها رئيس هيئة إدارة السجون ، بصفته القاضي المشرف على  تنفيذ العقوبات ، لمن تطبق بحقهم عقوبة تقل عن أربع سنوات ، أو من يطبقون عقوبة تزيد عن أربع سنوات بعد تنفيذهم نصف العقوبة. والعمل بنظام الحرية المنتقصة التي تمنح لمن لم يبق لهم سوى مدة سنة على انهاء العقوبة .

11_ وضع إدارة السجون في عهدة من تتوفر فيهم المزايا وا لمعايير المحددة في القواعد النموذجية ، 46 وما يليها .

12_ مراعاة التشريع الجديد للمعايير الدولية فيما يتعلق بالخدمات الطبية ” قاعدة 28 ومايليها الطعام _ النظافة _ الملابس _ لوازم السرير _ الترفيه . . .

13_ ممارسة الرقابة القضائية الفعلية على السجون .

14_ حفظ حق الموقوفين إحتياطياً بالإتصال ،  ضماناً لحريته وإحتراماً لمبدأ البراءة المفترضة.

_ حق الدفاع بما في ذلك الإتصال بحرية ومباشرة مع موكله بمنأى عن أي رقابة . وممارسة الموكل لحقه في الإتصال ومراجعة الوكيل بدون إذن مسبق وبناء على بطاقته المهنية في المواعيد المحددة للمقابلات اليومية .

_ منع موظفي السجون من التدخل لدى الموقوف لإقناعه بإختيار هذا المحامي أو ذاك تحت طائلة الملاحقة الجزائية ، وإعتماد قائمة من المحامين المتبرعين في مقر كل سجن بالمرافعة المجانية، يتم اختيارهم من قبل هيئة رعاية السجين ، يتم ترشيحهم من جمعيات حقوق الإنسان ولجنة المعونة القضائية في نقابة المحامين .

16_ وضع صندوق شكاوى في كل سجن يتم فتحه اسبوعياً من قبل مندوب من هيئة رعاية السجين شخصياً .

17_ تمكين مؤسسات المجتمع المدني وهيئات حقوق الإنسان في تأدية الدور المطلوب لمساعدة السجناء ورعايتهم .

أتمنى أن نتمكن من نحسين أوضاع السجون في لبنان و ممكن أن يلعب ذلك دورا في تعزيز إقتصادنا و في تعزيز التنمية الإجتماعية في الوطن ، أليس حقوق الإنسان في بلد يتغانى بديمقراطيته و في الحضارة، أليس ممكن أن نتمكن من إستخدام المساجين في تنمية إقتصادنا من خلال عمالتهم في معامل و في إنتاج بأسعار متدنية، كيف ممكن للسجين أن يتعافى و يتوب في ظل الظروف التي نعاني منها اليوم.

أتمنى أن نأخذ هذا الموضوع على محمل الجد لأنه مهم جدا.