العمل البلدي في لبنان و كيفية تطويره

إن وجود البلديات في لبنان يعود إلى القرن التاسع عشر. خلال فترة الإحتلال المصري، في العام ١٨٣٣ تشكّل مجلس إستشاري في بيروت. حصلت أول تجارب للحكم المحلّي في فترة التنظيمات في ظلّ الحكم العثماني. بعد أن أصبحت بيروت عاصمة لولاية، خصّصها الوالي بمجلسٍ يتولّى شؤون الصحة العامة، الأمن و الإنارة.

تشكّلت أوّل بلديّة في لبنان في دير القمر عام ١٨٦٤ بعد اندلاع الحرب الأهليّة و إثر أعلان النظام العضوي لجبل لبنان، في حين أنّ بلديّة بيروت تمّ تشكيلها عام ١٨٦٧ في ظلّ الحكم العثماني. في السنوات الللاحقة، تشكّلت بلديّات في مدن لبنان الرئيسيّة لا سيّما صيدا و طرابلس وذلك خلال موجة التنظيمات. عرفت البلديّات نهضة جديدة خلال فترة الإنتداب الفرنسي الّذي تمكّن، جرّاء نفوذه، تطوير الإدارات العامّة.

غير أنّ دور هذه الإدارات لم يصبح فعّالاً إلاّ في عهد اللواء شهاب الّذي أقرّ قانوناً حديثاً ساعد على إنشاء العشرات من البلديّات الجديدة. نتيجة الإضطرابات السياسيّة الّتي حصلت عام ١٩٥٨، طلب اللواء شهاب من معهد البحوث و الإعداد في سبيل التنمية إجراء إحصاءٍ شامل عن مشاكل التنمية في لبنان علماً أنّ هذا المعهد فرنسيّ، يديره الأباتي لويس لوبريه المعروف بأعماله في مجال التنمية الكاملة و المنسّقة الّتي تأخذ بعين الإعتبار تلبية الحاجات الإنسانيّة. بعد إجراء تحقيق في كافّة المناطق حول المستويات المعيشيّة المستنفذة، تمكّن هذا المعهد من تقدير وضع الإقتصاد اللبناني الّذي بيّن عن ضعفٍ شامل، ممّا دفع المعهد إلى التوصية بتعزيز الأقطاب المناطقيّة.

بالمقابل، شهدت الحقبة المقبلة تراجعاً في دور السلطات المحليّة: و لم يتمّ إجراء أية إنتخابات بلديّة بعد عام ١٩٦٣. ثمّ أتت فترة الحرب لتزيد الوضع تفاقماً، فتمّ تجديد ولايات المجالس البلديّة (حتّى عام ١٩٩٨) و فقدت البلديّات مواردها الأساسيّة.

يدير البلديّات قانون أُقرّعام ١٩٧٧ و عُدّل عام ١٩٩٧. عام ٢٠٠١، تمّ طرح مشروع قانون لكنّه ما زال قيد الدرس في البرلمان حتّى الآن. ينصّ البند الأوّل من المرسوم التشريعي رقم ١١٨ الصادر في ٣٠ حزيران عام ١٩٧٧ على ما يلي:

“البلديّة هي إدارة محليّة تمارس الصلاحيّات المعطاة لها من القانون ضمن إطار أراضيها”. ” تتمتّع البلديّة بشخصيّة معنويّة، بإستقلاليّة ماليّة و بقدرة على إدارة مصالحها المحليّة”. و لكنّها تبقى تحت مراقبة و تدقيق السلطة المركزيّة . وهي الطريقة الوحيدة التّي تتمّ من خلالها عمليّة الّلا مركزيّة الإقليميّة.

إنّ مهارات البلديّة و إهتماماتها هي ذات طابع إجتماعي و إقتصادي أيضاً. و هي تختلف حسب البلاد و الأنظمة و تظهر مدى تطبيق اللاّ مركزيّة الإداريّة. في لبنان، وفقاً للبند الثالث من قانون عام ١٩٧٧،يمكن لأي محلّة يزيد عدد سكّانها عن٣٠٠ و يزيد دخلها عن ١٠٠٠٠ ليرة لبنانيّة أن تشكّل مجلساً بلديّاً. تمّ إلغاء هذا البند بقانون رقم ١٩٧٧\٦٦٥ و لكنّ لم يتمّ إستبداله بعد.

تقوم البلديّة بوظائف عديدة أهمّها:

إدارة الشؤون الصحيّة و الصحّة العامّة، التمدّن، البناء، الخدمات العامّة، الأمن، تنظيم الطرقات، التخلّص من النفايات و تنظيف الطرقات ، يتمّ إنشاء البلديّة بقرار من وزير الداخليّة و البلديّات. و يحدّد هذا القرار مدى صلاحيّات البلديّة الّتي ليست بالضرورة مرتبطة بالمساحة الجغرافيّة أو بالسجلّ العقاريّ للمحلّة. يمكن أن تحظى القرى المجاورة، و الّتي تتمتّع بخصائص جغرافيّة، إقتصاديّة و حضريّة متشابهة، بمجلس بلدي واحد (البنود ٤ و ٥ من قانون عام ١٩٧٧ الّتي تمّ إلغاؤها من خلال قانون

رقم ١٩٧٧\٦٦.)

و يتألف المجلس البلدي حسب المادة 9 من القانون البلدي كالآتي:

 

أ‌-        9 أعضاء للبلدية التي يقل عدد أهاليها المسجلين عن 2000 شخصا.

ب‌-    12 عضوا للبلدية التي يتراوح عدد أهاليها المسجلين بين 2001 و 4000 شخصا.

ج- 15 عضوا للبلدية التي يتراوح عدد أهاليها المسجلين بين 4001 و 12000 شخصا.

د-  18 عضوا للبلدية التي يتراوح عدد أهاليها المسجلين بين 12001 و 24000 شخصا.

ه- 21 عضوا للبلدية التي يزيد عدد أهاليها المسجلين عن 24000 شخصا، بإستثناء ما هو وارد في الفقرة “و” من هذه المادة.

و- 24 عضوا لبلديتي بيروت و طرابلس.

و يبلغ عدد البلديات في لبنان 957 بلدية و لكن تختلف الوسائل الإدارية فيها حسب حجمها، فعلى سبيل المثال مجلس الخدمة المدنية يجري مباريات التوظيف فقط  لعشر بلديات في لبنان، و ديوان المحاسبة يراقب 49 بلدية.

يستلزم حل المجلس البلدي إصدار مرسوم من قبل مجلس الوزراء بناءً على إقتراح مفصل من وزير الداخلية أو نتيجة فقدان اقله نصف أعضاء المجلس لأسبابٍ مختلفة  تدوم ولاية المجلس البلدي ستة سنوات (البند ١٠). في اجتماعه الأول، يقوم المجلس بإنتخاب أمين السر ونائب الرئيس بالإقتراع بين اعضائه. ينعقد المجلس البلدي، بدعوةٍ من رئيسه، اقله مرة في الشهر وكل ما لزم الأمر لذلك (البند ٣٢٬٣٣). يحدد الرئيس في الدعوة جدول الجلسة.

لا تؤخذ مشاورات المجلس بعين الإعتبار إلا في حال حضور الأغلبية المطلقة في الجلسات غير العامة. يتم إتخاذ القرارات نتيجة تصويت الأكثرية. تكون جلسات المجلس البلدي مغلقة إلا أنه بإستطاعة الرئيس دعوة موظف وأي شخص اخر لمناقشة موضوعٍ معين. يتضمن محضر الجلسة القرارت المتخذة التي يجب أن تدون في سجلٍ خاص يكون متوفراً في حال أراد أي مواطن من المحلة أن يأخذ نسخةً عنه بعد تقديم طلبٍ رسمي. يحق للناخب ولأي شخصٍ مهتم أن يستحصل، و على نفقته الخاصة، على نسخةٍ عن القرارات موقعةً من قبل الموظف المؤهل لذلك (البند ٤٥). يراقب المجلس السلطة التنفيذية و يحرص على حسن سير الأعمال في ارجاء البلدية.

المواجهة بين السلطة التنفيذية و السلطة التقريرية

فتتألف قيادة البلدية من الرئيس الذي يمثل السلطة التنفيذية لأنه ينفذ ما يقرره  أعضاء المجلس الذين يمثلون السلطة التقريرية، إلا أن هذه العلاقة بين السلطتين تشوبها بعض الإلتباس في العلاقة فيما بينهما.

فمن جهة يعتقد بعض رؤساء البلدية أنه محكوم من الأعلى و الأدنى منه سلطة و ليس لديه الحرية الكافية في التصرف. فهو خلال تنفيذ المهام البلدية عليه أن يحصل على الموافقة من أجهزة السلطة المركزية، أما إذا كان عملاً ضمن سلطته، فهو عليه أن يحصل على الموافقة من الأعضاء. فحتى في أعمال الصيانة، على الرئيس أن ينتظر توقيع الفاتورة من الأعضاء. فإذا امتنع بعض الأعضاء عن التوقيع فان العمل يتوقف.

فهنا يوجد إتجاها لدى بعض رؤساء البلديات يعتبر أن رئيس البلدية هو “عصب البلدية” وهو “ربان السفينة” ولذلك فعليه أن يتمتع بحرية التصرف وعدم العرقلة من أعضاء المجلس. ويعود بنا هذا الاتجاه إلى طرح السؤال حول نظام المجلس البلدي، هل هو رئاسي أم مجلسي؟ كما يقودنا إلى طرح السؤال عن رؤية أعضاء المجلس البلدي لدورهم وعملهم مع الرئيس.

إذ تختلف الصورة أحيانا عندما يسعى أعضاء المجلس إلى تشخيص العلاقة بين الرئيس والأعضاء فيرى الفريق الثاني تفرداً من قبل الرئيس.

فأهم ما نص في المادة 74  :

يتولى رئيس السلطة التنفيذية على سبيل التعداد لا الحصر، الأعمال التالية:

–          تنفيذ قرارات المجلس البلدي

–          وضع مشروع موازنة البلدية

–          إدارة دوائر البلدية و الإشراف عليها

–          إدارة أموال البلدية و عقاراتها و القيام بالتالي بجميع الأعمال اللازمة لصيانة حقوقها

–          إدارة مداخيل البلدية و الإشراف على حساباتها

–          الأمر بصرف ميزانية  البلدية و القيام بإنفاق المصاريف و الإشراف عليها و إعطاء حوالات بصرفها

–          إجراء عقود الإيجار و القسمة و المقايضةو قبول الهبات و الأشياء الموصى بها و الشراء و المصالحات بعد أن تكون هذه الأعمال قد رخص بإجرائها وفقا لأحكام هذا القانون

–          القيام بشروط نفسها بالمشتريات و الإتفاقات و الصفقات و الإلتزامات و مراقبة الأشغال التي تنفذ لحساب البلدية و إستلامها

–          تمثيل البلدية أمام المحاكم وفقا للشروط

–          إستلام الهبات و الأموال الموصى بها إلى البلدية إذا كانت معرضة للتلف أو الضياع و حفظها إلى أن يبت بشأنها

–          تعيين موظفي البلدية وفقا لأنظمة البلدية و كلاكاتها و إنهاء خدماتهم و تعيين العمال و الأجراء المياومين في حدود الإعتمادات المخصصة لهم في الموازنة.

و لكن هنا أود أن أذكر أنه فقط في بلدية بيروت و ذلك لأسباب طائفية و سياسية يعتبر المحافظ هو السلطة التنفيذية.

المؤسسات البلدية:

يواجه اليوم القيّمون على العمل البلدي تحدي النهوض بالبلدية إلى مستوى المؤسسة العصرية القادرة على تقديم الخدمات بسرعة وكفاءة والقادرة على التخطيط والاستشراف.

ويتطلب هذا التحدي وجود جهاز إداري ذات خبرة وكفاءة يعتمد في عمله على التقنيات الحديثة كالمكننة والمعلومات. إذ أن هذه التقنيات تساعد على تبسيط وتسريع الإجراءات كما تساعد البلدية على الإلمام بالواقع الديمغرافي والاجتماعي والثقافي والبيئي والاقتصادي للنطاق البلدي مما يسهل بالتالي عملية التخطيط للمستقبل.

و لكن للأسف الواقع البلدي في لبنان كالواقع السياسي فيدخل فيه المحاصصة و الهدر و الفساد كما من يصل إلى السلطة فيها المحسوبيات مما يؤدي إلى القضاء على المحاسبة و المساءلة.

فالمادة 43 من القانون البلدي تقول: أنه لا يجوز أن يشترك في المناقشة و الإقتراع عضو له مصلحة خاصة.

و لكن للأسف هذه المادة لا تطبق فعلى سبيل المثال أحد أعضاء المجلس البلدي في طرابلس ربح مناقصة إحدى الحدائق العامة و هذا مخالف للقانون، رغم أن أحد المناقصات الأخرى كانت بسعر أفضل و لكنه ليس من ضمن المحاصصة التي يريدونها.

 

الموظفون:

تختلف البلديات في تقييم واقع جهازها البشري من حيث العدد والكفاءة والحاجة الى التوظيف والحاجة الى تحديث الملاك البلدي. بالنسبة لعدد الموظفين، فإن نسبة البلديات المكتفية بعدد موظفيها لا تتعدى ال30% في حين ان هناك نحو 35% من البلديات تعاني نقصاً طفيفاً في عدد الموظفين مقابل نحو 32% تعاني نقصاً حاداً في عدد الموظفين.

إلا إننا نلاحظ أن البلديات الكبيرة هي التي تعتبر أن نقص الموظفين هو عائق أساسي أمام عملها. أما البلديات الأخرى، فبعضها يعتقد أن عدد الموظفين كاف للقيام بالمهام البلدية الأساسية. البعض الآخر لديه نقص في الموظفين لكنهم يعتقدون أن هذا ليس عائقاً أساسيا.

ففي بلدية طرابلس مثلا، نجد أن 60 إلى 65% من الوظائف ما زالت شاغرة. وفي بلدية زحلة تأسس ملاك البلدية عام 1963 وكان عدد الموظفين 199. لدى البلدية اليوم من اصل هذا العدد 6 موظفون في الملاك، 8 موظفون بالتعاقد، 30 عامل تنظيفات. ويعتقد رئيس بلدية بعلبك أن النقص في الموارد البشرية هو “هائل”. فعام 1972 كان عدد الموظفين 54 موظفاً. حالياً، يوجد 13 موظف،  لدى البلدية شرطي واحد. ويتساءل رئيس البلدية كيف يمكنه اخذ قرارات تنفيذية بشرطي واحد؟

على صعيد آخر، يلاحظ أن البلديات في لبنان بدأت تعي ضرورة تحسين أداء الجهاز البشري وذلك من خلال تحديث الملاك البلدي وتدريب وتأهيل موظفيها. ففي الوقت الذي يرى 42,57% من البلديات أن مهارات الموظفين مناسبة بوجه عام، يرى نحو 40% أن هذه المهارات ناقصة بنسبة متوسطة في حين يشكو 9,43% منها أن هذه المهارات ضعيفة وغير مناسبة.

فيظهر مما سبق أن نقص الموظفين يشكل مشكلة أساسية لبعض البلديات وخاصة الكبيرة منها. ويزيد من حدة هذه المشكلة عدم إمكانية التوظيف وعدم إمكانية تحديث الملاك البلدي لإضافة وظائف جديدة تلبية لحاجات جديدة. ويبدو أن الجسم البلدي يتضمن موظفين قدماء بحاجة إلى تدريب وتأهيل.

في ظل هذا الواقع، تلجأ البلديات أحيانا إلى مخارج كإعتماد الأجراء والتكليف أو التوظيف تحت تسمية أخرى لتلبي حاجتها الماسة إلى بعض الكفاءات. ويقوم أعضاء المجلس البلدي أحياناً ببعض المهام الإدارية لتعويض النقص في الموظفين. فكيف ممكن لأي بلدية أن تتطور و أن تلبي حاجات المجتمع من دون وجود كادر بشري كافي و كفوء.

 

التخطيط:

يلاحظ أن معظم البلديات ما زالت تعمل وتخطط على المدى القصير وذلك إما للكم الهائل من المهام والمسؤوليات التي كان عليها تنفيذها منذ إستلامها المسؤولية وإما لأن المشاريع القصيرة المدى توفر مردوداً إنتخابياً أكبر للمسؤولين أو لإفتقارها القدرة التقنية لصياغة استراتيجيات مستقبلية.

هذا بالنسبة للمؤسسة البلدية، أما بالنسبة لإدارة الموارد البلدية، فقد ورد الكثير من الملاحظات ندرجها في الأبواب التالية: الإكتفاء المالي، وإدارة المداخيل البلدية، وإدارة النفقات البلدية وإقتراحات باتجاه تحسين مالية البلديات.

و لكن لكي نخطط بطريقة مجدية و فعالة يتطلب معرفة إحصائية لواقع النطاق البلدي الديمغرافي والإجتماعي والإقتصادي. فالمعطيات الإحصائية تساعد المجلس البلدي على إتخاذ قرارات تتناسب مع حاجات المواطنين كما أنها تساعد في عملية التخطيط على المدى البعيد.

فللأسف هل يحصل ذلك في بلديات لبنان؟

 

 

ادارة الموارد البلدية

 

كفاية الموارد المالية:

تختلف البلديات في تقييم وضعها المالي ومدى كفاية مواردها المالية للقيام بالمهام البلدية. هناك الكثير من البلديات تعتقد أن مواردها المالية كافية بينما توجد بلديات أخرى ترى أن العائق الأساسي أمام عملها هو عائق مالي.

قد يفسر هذا الاختلاف في تقييم الواقع المالي للبلديات بحجم البلدية حيث أن البلديات الكبيرة قد تعاني أكثر من البلديات الصغيرة بسبب حجم الخدمات والمشاريع التي تنفذها إلى جانب عدد موظفيها. قد يرتبط أيضاً بنوع المشاريع التي تقوم بها أو تنوي البلدية القيام بها. يشير أحد رؤساء البلديات أن موارد بلديته كافية لتنفيذ أعمال الصيانة والبنى التحتية إلا أنها لا تكفي لتنفيذ خطة مستقبلية أو مشاريع إنمائية.

مصادر الموارد البلدية:

 

فحسب المادة 86 من قانون المجلس البلدي تتكون مالية البلديات من :

–          الرسوم التي تستوفيها البلدية مباشرة من المكلفين.

–          الرسوم التي تستوفيها الدولة أو المصالح المستقلة أو المؤسسات العامة لحساب البلديات و يتم توزيعها مباشرة لكل بلدية.

–          الرسوم التي تستوفيها الدولة لحساب جميع البلديات.

–          المساعدات و القروض.

–          حاصلات الأملاك البلدية، بما في ذلك كامل إيرادات المشاعات الخاصة بها.

–          الغرامات.

–          الهبات و الوصايا.

فيتفق معظم رؤساء البلديات على إعتبار حصة الصندوق البلدي المستقل الدخل الأساسي للبلديات. ويظهر الإستبيان أن نحو 86% من البلديات تعتبر أن الرسوم المحولة من الدولة تشكل دخلها الأساسي.أما الرسوم المباشرة التي تجبيها البلدية فهي ما زالت تشكل نسبة ضئيلة من مجموع الموارد البلدية.

وفي هذا الإطار، يورد رؤساء البلديات بعض العوامل التي تساهم في تقليص نسبة الرسوم المباشرة من إجمالي الموارد البلدية ويسجلون ملاحظاتهم على آلية توزيع وإحتساب حصص البلديات من الصندوق البلدي المستقل.

 

العوامل المؤثرة في تقليص الرسوم المباشرة:

تتأثر عملية جباية الرسوم المباشرة بالركود الاقتصادي الذي ينعكس سلباً على قدرة المواطنين على دفع مستحقاتهم كما ينعكس على نشاط القطاعات الاقتصادية كقطاع البناء والفنادق والمحلات التجارية في النطاق البلدي.

فمن ناحية المواطنين، تضطر البلديات أحيانا إلى مراعاة أوضاعهم  المعيشية فتتوصل الى تسويات معهم على الرسوم المتراكمة من السنوات الماضية وتلجأ إلى تقسيط المتأخرات كما تتردد في إلزام المكلف دفع الرسوم الجديدة  المترتبة عليه. ومن ناحية أخرى، تراجعت نسبة الرسوم المباشرة بسبب جمود القطاعات الاقتصادية.

ففي بلدة ضهور الشوير مثلاً، كان يوجد من قبل تسعة فنادق كانت تدر مئات الألوف، كما يقول رئيس البلدية، أما في هذه الفترة “فقد أنشئ فندق واحد كما أن البلدية لا تضغط كثيراً على الناس فالظروف المالية سيئة لذا تلجأ إلى التقسيط. كما تتأثر عملية الجباية سلبياً بنزوح وهجرة السكان من البلدات.

ويرى البعض أن الضعف في جباية الرسوم المباشرة مرتبط بغياب وسيلة لإلزام المواطن دفع المستحقات. ففي إحدى البلديات، تبلغ نسبة الجباية 30_35% ويعود ذلك الى “عدم قدرة البلدية على إلزام المواطن على الدفع مع العلم انه من حق البلدية أن تحجز العقار أو أن تضع إشارة على ممتلكات المواطن.

وفي غياب مسح سكاني وتجاري شامل، يصعب تحديد وتوسيع قاعدة المكلفين مما يجعل عملية الجباية غير شاملة وبالتالي يؤثر سلباً على موارد البلدية.

هذا بالنسبة للموارد المتعلقة بالرسوم المباشرة، أما بالنسبة لأموال الصندوق البلدي المستقل، فكان لرؤساء البلديات بعض الملاحظات على إدارة هذه الأموال من حيث عملية إحتساب وتوزيع حصص البلديات.

أموال الصندوق البلدي المستقل:

يعترض بعض القيمين على العمل البلدي على آلية توزيع هذه الأموال إذ أنها  لا توزع بانتظام بالرغم من أن القانون ينص على ضرورة توزيع هذه الأموال في أيلول من كل سنة بموجب مرسوم. كما أن البلديات لا تعرف ما هي حصتها قبل الحصول عليها مما يعرقل صياغة موازنة البلدية.

فعندما لا تعلم البلدية ما هي حصتها بدقة من الصندوق البلدي فهي بالتالي لا تستطيع إعداد الموازنة على نحو واقعي وتكون موازنتها تقديرية وبعيدة عن الواقع. كما يعتقد البعض أن الاعتبارات الخاصة تلعب دورها بحصول البلدية على الأموال بحسب علاقتها بالوزير.

إلى جانب هذه العوامل، فإن إقدام الحكومات السابقة على التصرف ب 75% من عائدات الصندوق البلدي المستقل وتحويلها الى مجلس الإنماء والإعمار لتمويل بعض المشاريع أدى أيضا إلى تقليص واردات البلديات.

الموارد الأخرى:

و مما تشكو منه معظم البلديات هو عدم حصولها على ال10% من فواتير الهاتف والكهرباء والمياه. فبلدية صيدا، مثلاً، لم تحصل على حصتها من رسوم الهاتف منذ 1992 وحصلت فقط على قسط واحد عن أول ثلاثة اشهر في عام 1999. ولم تحصل على حصتها من رسوم الكهرباء منذ 1995 بالرغم من أن مدينة صيدا تدفع ما لا يقل عن 95% من الجبايات المستحقة عليها، كما يقول رئيس بلديتها.

ومن العوامل الأخرى التي تعيق زيادة الموارد البلدية، يشير بعض رؤساء البلديات الى منع الفوائد على أموال البلديات وإلغاء براءة الذمة من بعض المعاملات. و يشرح أحد رؤساء البلديات متعجباً كيف ان البلدية ملزمة ان تضع الفائض من اموالها في المصرف المركزي دون الحصول على الفوائد، بينما اذا اضطرت البلدية على الاستدانة من الدولة كان عليها ان تدفع فائدة 5،22%. (الغيت اليوم). ويعتقد أحد رؤساء البلديات أن إلغاء براءة الذمة البلدية من بعض المعاملات تساهم أيضا في تقليص الموارد البلدية إذ أن هذه الوثيقة تفرض على المواطن دفع رسومه للبلدية وتؤمن لهذه الأخيرة مورداً إضافيا منتظماً.

النفقات البلدية:

يجمع معظم رؤساء البلديات على أن زيادة سقف الإنفاق لرئيس البلدية إلى 3 ملايين والمجلس البلدي إلى 20 مليون هو إنجاز مهم. إلا أن بعض البلديات وخاصة الكبيرة منها، ما زالت تعتقد أن هذا السقف ما زال منخفضاً إذ لا يمكن اعتبار البلدية الكبيرة كالبلدية الصغيرة. سقف الإنفاق هذا حمل بعض البلديات إلى الالتفاف حول القانون أو إلى تجزئة النفقات لتسريع أعمالها وتنفيذها بعيداً عن إجراءات الروتين الإداري.

أما بالنسبة لتوزيع النفقات البلدية، تشير بعض البلديات إلى أن القسم الأكبر من نفقاتها يعود للنفقات الإدارية كالرواتب والأجور والتعويضات على أنواعها والمساعدات والمنافع والخدمات العائدة لموظفي البلدية والأجراء والتجهيزات الإدارية المتنوعة. ففي حين يبلغ إجمالي مدخول إحدى البلديات 5،4 مليار، يذهب منها 3،5  للموظفين والأجراء. وشكلت هذه النفقات حوالي 66.5% من موازنة بلدية بيروت لعام1999.

وبالنسبة لتقدير النفقات، وكما يؤكد عضو في مجلس بلدية طرابلس، تبين الإحصاءات أن هناك تفاوتاً كبيراً بين الاعتمادات المرصودة والنفقات المصروفة فعلاً الأمر الذي يشير إلى عدم صحة تقدير البلديات لأنشطتها وأعمالها المستقبلية من جهة وعدم قدرتها على صرف اعتماداتها نظراً الى ضعف إمكانياتها الإدارية والفنية.

 

إقتراحات:

·        ادخال حصة البلدية في الموازنة العامة بحيث تكون كل بلدية قادرة على معرفة حصتها ويصبح الحصول عليها امراً منتظماً.

  • تمثيل البلديات في أي جهة معنية بأموال البلديات.ويقترح احد القيمين على العمل البلدي ضرورة ان تكون البلديات طرفاً مع الذين يقومون بتوزيع اموال الصندوق وطرفاً من الذين يتحققون من دقة الارقام. اذ لا يجوز للبلدية، وهي صاحبة هذا المال، ان لا تعلم كيف يتم توزيع هذا المال على البلديات. وكما يشير هذا المسؤول البلدي “هذا ليس تخويناً لاحد، بل انه تأكيد على ان هذا المال الذي يأتينا من الصندوق المستقل هو مال بلدي وبالتالي يحق للبلدية ان تعرف على أي اسس حددت حصتها من هذا المال…وهذا الامر ينطبق على الصندوق البلدي المستقل كما ينطبق على وزارات وادارات المياه والهاتف والكهرباء.”
  • إيجاد وسيلة تكفل إلزام دوائر ومصالح ومؤسسات الدولة العامة بتحويل مستحقات البلديات كل ثلاثة أشهر.

وفيما يتعلق بتحسين الموارد المباشرة للبلدية:

  • العودة إلى اعتماد براءة الذمة البلدية في كافة المعاملات العائدة للمواطنين.
  • ضرورة ايجاد وسيلة لالزام المواطنين دفع المستحقات، مثل وثيقة براءة الذمة التي لا تعطى للمواطن قبل أن يكون قد دفع كل ما يتوجب عليه.
  • تقييم القاعدة الضريبية الحالية ومكننة قاعدة معلومات للقاعدة الضريبية. فمعظم البلديات ليس لديها فكرة واضحة عن القاعدة الضريبية في نطاقها وليس لديها طريقة سهلة وممكنة لتقييم وإصدار الفواتير الضريبية.
  • تطوير طرق لتسهيل جباية الضرائب البلدية كإشراك الفروع المحلية للمصارف في العملية كما هو حاصل بالنسبة إلى جباية فواتير الهاتف الخليوي.
  • تقديم المساعدة الى البلديات لتقييم عقاراتها ومعاينتها ولتطوير أفكار يمكن أن تحول هذه العقارات إلى مشاريع رابحة وتنموية للبلدة كالمرافق الرياضية والثقافية والمناطق التجارية والمتاحف والمسارح…
  • البحث عن موارد جديدة للبلديات تصبح فيما بعد موارد دورية. إلا ان هذا الأمر منوط بالاصلاح المالي على مستوى البلديات. فبموجب القانون الحالي، لا تملك البلدية صلاحية التشريع المالي. واي ضريبة جديدة تتطلب مشروع قانون مع الاسباب الموجبة.
  • إستحداث دائرة متخصصة في الجهاز البلدي تنحصر أعمالها بتحضير الموازنة في البلديات الكبرى أو في اتحادات البلديات لتساعد رؤساء البلديات الأخرى في اعتماد المنهجية العلمية لوضع مشاريع الموازنات.
  • إلغاء ازدواجية النظام المالي واعتماد نظام مالي موحد للبلديات الكبرى والصغرى معاً

 

علاقة البلديات بالمواطنين

ممكن أن يطرح سؤالا لماذا إشراك المجتمع الأهلي و المدني طالما جرت إنتخابات أفرزت مجلس بلدي للإهتمام في شؤون الناس و يمثل الرأي العام؟

اولاً، إن المشاركة تؤمن التواصل بين المجلس البلدي والمواطنين. لو تم انتخاب افضل مجلس بلدي، لا يلبث ان ينفصل عن المواطنين اذا لم يكن هناك آلية مستمرة وتشاور مستمر ويصبح له توجه وتفكير منفصلين عن هموم المواطن. المشاركة هي نوع من “الاستفتاء الدائم” للمواطنين لتصحيح المسار او لتحديد الاولويات وتوجيه العمل البلدي.

ثانياً، إن المشاركة الاهلية تعزز المبادئ التي توجه العمل البلدي ومنها توطيد الروابط الاجتماعية وتفعيل العمل الديمقراطي واطلاق العجلة الاقتصادية وتطوير المشاريع الانمائية. ثالثاً، إن المواطن هو طرف في آلية العمل البلدي وبالتالي فإن تجاوبه ومشاركته وتفاعله مع القرارات والسياسات المحلية هي ضرورية لانجاح العمل البلدي. وكما يقول احد رؤساء البلديات ان “العمل البلدي هو عقد شراكة بين البلدية والمواطنين فاذا اخلّ أي طرف بواجباته لا ينجح العمل”.

تحديد المشاركة الاهلية :

يتجلى دور المواطن في العمل البلدي من جهة من خلال المشاركة في صنع القرارات و بلورة أولويات العمل البلدي وطرح الملاحظات والانتقادات والمطالب. ومن جهة ثانية، يساهم المواطن في انجاح العمل البلدي من خلال تجاوبه مع والتزامه بالقرارات البلدية.

في هذا القسم أحاول تسليط الضوء على هذين الوجهين للعلاقة مع المواطنين وهما المشاركة والتجاوب وذلك من خلال إلقاء الضوء على آليات التواصل والمشاركة الكفيلة  بارساء الثقة بين السلطة البلدية والمواطنين التي تؤدي بدورها الى تجاوب والتزام المواطنين بقرارات السلطة البلدية.

تجاوب المواطنين:

تشكو بعض البلديات غياب الثقة بين المواطنين والبلدية. ويتجلى غياب الثقة في عدم تجاوب المواطنين مع القرارات البلدية. ففي احدى البلديات، يرفض المواطنون التقيد بقرار المجلس البلدي الذي قرر اعتماد القرميد الاحمر في البناء في البلدة. او يمتنع المواطنون في بعض الاحيان عن التعاون مع البلدية في مسائل مثل استملاك او اقتطاع بعض الاراضي.

وفي احيان أخرى، يرفض المواطنون دفع الرسوم البلدية وذلك لانهم يعتبرون “ان قسماً منها سيسرق والقسم الثاني لن ينفق بشكل سليم” كما يقول احد رؤساء البلديات. وهناك من يقول ان المواطن يريد كل شيء من البلدية في الوقت الذي لا تعنيه البلدية اطلاقاً ولا يتعامل معها كمؤسسة تعمل لمصلحته والدليل على ذلك الرسوم المتراكمة المستحقة على المواطنين التي باتت تبلغ المليارات والتي لا يقومون بتسديدها الامر الذي يساهم في شل العمل البلدي.”

تكثر الامثلة التي يذكرها رؤساء البلديات للدلالة على المصاعب التي يواجهونها مع المواطنين. وقد تتعدد ايضاً الاسباب التي يوردونها لتفسير عدم التجاوب الا ان اهمها تعوّد الناس على غياب السلطة وعدم اعتيادهم على تطبيق القانون. ومن اهم الاسباب وكما ورد اعلاه عدم ثقة الناس بأن البلدية ستنتج شيئاً. لذلك، يؤكد البعض ان ثقة المواطنين تعود عندما يبدأون بلمس إنجازات البلدية.

إلا ان أجدى وسيلة لاعادة الثقة بين المواطن والبلدية تكون في خلق اقنية للتواصل بين الطرفين وانشاء آليات مشاركة منتظمة ودورية.فما هو واقع المشاركة على المستوى البلدي في لبنان؟

مواقف من المشاركة والتواصل:

برز توجهان يتعلقان بالتواصل مع المواطنين وإشراكهم في عملية إتخاذ القرار . التوجه الاول يحذر من مخاطر الانفتاح ومنها احتمال زيادة مطالب المواطنين التي قد تفوق امكانيات البلدية. فالخوف من الانفتاح على المواطنين ليس بالضرورة نتيجة نظرة دونية بل نتيجة خوف من المجلس البلدي بانه لن يستطيع تلبية كل المطالب. اما التوجه الثاني فيقول ان التواصل بين البلدية والمواطنين قد يؤدي الى تفهم المواطنين لحدود موارد البلدية كما يؤدي الى اعادة صياغة الاولويات كما يراها المواطنون وليس فقط كما يرتئيها المجلس البلدي، وهذا قد يؤدي احياناً الى تغليب المشاريع الطويلة الامد على المشاريع القصيرة الامد كما تظهر تجربة بلدية شحيم في المشاورة المحلية.

آليات المشاركة والتواصل:

 

تتعدد الآليات التي تعتمدها البلديات للتواصل مع المواطنين:

 

  • اللجان البلدية وهي الأكثر اعتماداً من قبل البلديات وهي تتضمن احياناً اشخاصاً من خارج المجلس البلدي*.
  • اجتماعات مع اهالي البلدة. تقوم بعض البلديات بتقسيم المجتمع الى شرائح حيث تعقد اجتماعات مع كل شريحة على حدة ( مثلاً، المزارعون، التربويون…) هذا بالإضافة إلى  اجتماعات مع الجمعيات الاهلية الموجودة ضمن النطاق البلدي.
  • تكليف الاعضاء بمسؤولية الأحياء
  • الاعتماد على المخاتير لمعرفة آراء الناس
  • المراجعات اليومية في مقر البلدية_صندوق شكاوى
  • توزيع إستمارات لمعرفة آراء الناس في مشاريع معينة
  • لقاءات في مناسبات عامة
  • زيارات شخصية
  • · وسائل اعلامية واعلانية. فبعض البلديات تصدر نشرات بلدية تطلع المواطن من خلالها على انجازات البلدية.

 

و لكن للأسف حتى اليوم البلديات في لبنان لم تصل إلى النهج المؤسساتي الذي يسمح لها بالتواصل مع الناس بطريقة أفضل، فالبنسبة إلي أفضل طريقة تمكن البلدية بتواصل فعال مع الناس إلى جانب التواصل المباشر هو عبر المؤسسات الأهلية التي على تواصل مباشر مع الناس و تعلم أكثر ما هي حاجيات المواطن، فإنني أتمنى لو نصل إلى هذا اليوم.

علاقة البلديات بالدولة:

 

يرتبط عمل المؤسسة البلدية إرتباطاً وثيقاً بعدد من أجهزة الدولة التي تمارس الرقابة المالية والادارية على عمل البلديات. وتتوزع هذه الأجهزة على وزارات الداخلية والبلديات والأشغال والقضاء ومجلس الخدمة المدنية والتفتيش المركزي وديوان المحاسبة. كان للبلديات بعض الملاحظات المشتركة حول شبكة العلاقات التي تربطها بمؤسسات الدولة.

فمن الناحية الادارية والمالية، تشكو معظم البلديات من الروتين الإداري والرقابة المسبقة. ومن الناحية الفنية، كان لبعض البلديات بعض الملاحظات حول علاقتها بمديرية التنظيم المدني. ومن ناحية اخرى، اعتبر البعض ان التنسيق غائب بين البلديات وبعض المؤسسات الرسمية العاملة ضمن النطاق البلدي.

فتنص المادة 56 من القانون البلدي: تمارس الرقابة الإدارية على قرارات المجلس البلدي السلطات التالية:

–          القائمقام

–          المحافظ

–          وزير الداخلية

 

الروتين الإداري :

تعتبر معظم البلديات ان الروتين الاداري هو العائق الرئيسي امام عملها وانه يدفعها احياناً للالتفاف حول القانون لتنفيذ اعمالها بسرعة ولتوفير الدورة الطويلة التي تمر بها المعاملات.

وشرح رئيس بلدية طرابلس عن الدورة التي تمر بها المعاملة. “فاذا ارادت البلدية تلزيم ارصفة، يبدأ اتخاذ القرار في المجلس البلدي ثم يعد دفتر الشروط ويعرض على المجلس ويحال الى اللجنة القانونية واللجنة الفنية ثم يصدق من المجلس البلدي، ثم يصدق من قبل سلطة الرقابة المتمثلة بالمحافظ، ثم يعود المشروع الى البلدية التي عليها ان تعلن التلزيم، ويجري الاعلان في ثلاث صحف محلية وفي الجريدة الرسمية. ثم نتسلم العروض. هناك لجنة تدرس العروض وتضع تقريراً عنها ثم ترفعه الى المجلس لكي يوافق عليها. ثم يتحول المشروع الى المراقب المالي للموافقة عليه ثم يرسله المراقب المالي الى المالية لكي يرصد المبلغ ثم يرسل المشروع الى ديوان المحاسبة، فيوافق على المشروع او تكون لديه ملاحظات عليه فيرده الى البلدية. فتعيد البلدية المناقصة مجدداً وكانها لم تفعل شيئاً. وهذا الامر حصل معنا بالفعل فهناك مشروع اعيد الينا بعد 9 اشهر بحجة انه لم يستكمل الشروط”.

الرقابة المسبقة:

وتعترض الكثير من البلديات على تعددية الرقابات على العمل البلدي وخاصة الرقابة المسبقة. وينبع هذا الاعتراض من كون المجلس البلدي هو هيئة منتخبة. فكيف لهيئة منتخبة ان تخضع لقرار موظف؟ وتفضل العديد من البلديات الرقابة اللاحقة. فلتحاسب البلديات على اعمالها بعد القيام بها وليسمح لها الحرية في تنفيذ قراراتها.

فالمادة 61 تنص:

 

–          تخضع لتصديق المحافظ القرارات الآتية:

–          إجازة صفقات اللوازم و الأشغال و الخدمات عندما تزيد قيمتها عن ثمانين مليون ليرة، و تصديق دفاتر الشرو الخاصة.

–          إجازة الأشغال بالأمانة و شراء اللوازم بالفاتورة عندما تتجاوز قيمتها خمسين مليون ليرة.

–          شراء العقارت أو بيعها التي تزيد قيمتها عن مائة مليون ليرة و دفاتر الشروط الخاصة العائدة لها.

–          تخصيص ملك بلدي لمصلحة ما ، بعد أن يكون مخصصا لمصلحة عامة.

–          عقود الإيجار التي تزيد بدلاتها السنوية عن أربعين مليون ليرة.

–          إنشاء الأسواق و أماكن السباق و المتاحف و المستشفيات و المساكن الشعبية و مصارف النفايات أمثالها.

من خلال هذه المادة رأينا فقط الأمور التي يجب تصديق المحافظ فقط ، فهناك أيضا بعض الأمور التي يصدق عليها وزير الداخلية و القائمقام أيضا.

 

غياب التنسيق:

تعاني البلديات من غياب التنسيق بينها وبين المؤسسات الرسمية وخاصة الوزارات فيما يتعلق بالمشاريع المنفذة داخل النطاق البلدي.

مثلاً، حين تقوم وزارة الأشغال بتزفيت طريق ما فهي لا تعلم البلدية بذلك قبل المباشرة بالعمل، مع العلم ان منشآت المياه والمجارير تحت الطريق تكون بحاجة الى صيانة او تغيير فتفاجأ البلدية أن الوزارة تعبّد الطريق من دون التنسيق مع البلدية.

فهذا أمر مسيء أولا بالمواطن الذي أعطى ثقته لبلديته و تأتي وزارة ما و تتعدى عليها… فغياب التنسيق يؤخر أعمال البلدية و تؤثر على منهجية عملها.

البلديات والتنظيم المدني:

هناك سؤالا يطرح حول دور البلدية في وضع المخططات التوجيهية؟

فبعض المخططات تسقط أياما على البلديات من قبل التنظيم المدني من دون الأخذ برأيهم. فهناك خلل كبير في العلاقة في ما بينهما  .

فالمخطط التوجيهي يعطي عادة الى البلدية وهي لديها الصلاحية لمدة شهر لتسجيل ملاحظاتها عليه واذا لم تفعل خلال المهلة المعينة يحول المخطط التوجيهي للمجلس الاعلى للتنظيم المدني ثم يتم توقيعه من قبل رئاسة الوزراء ويصبح نافذاً.

تنص المادة 11 من قانون التنظيم المدني على أن تعرض التصاميم وأنظمة المدن والقرى على المجالس البلدية المختصة لابداء الرأي فيها وفقاً لقانون البلديات وعلى هذه المجالس ان تبدي رأيها فيها خلال مهلة شهر من تاريخ عرضها عليها، واذا انقضت هذه المهلة دون ذلك، اعتبرت حكماً موافقة عليها. وثم تعرض التصاميم والانظمة على المجلس الاعلى للتنظيم المدني الذي يملك حق تعديلها.

فحسب وجهة نظري يجب أن يجري تنسيق أوسع بين البلدية و السلطة المركزية و التنظيم المدني، و في حال عدم وجود كفاءة لدى السلطة المحلية يجب أن يجرى لها بعض التدريبات لأعضائها و موظفيها فلا يمكن لبلدية أن تخطط لبلدة أو منطقة ما من دون وجود الكفاءة المطلوبة.

و لكي نطور دور البلدية في عملية التنظيم المدني يجب أن نتبع التالي:

  • § ضرورة وجود آلية لإشراك البلديات في وضع المخططات التوجيهية.
  • § تعزيز القدرة الفنية للبلديات كي تستطيع ابداء ملاحظاتها على المخططات التوجيهية.

وجود مكتب فني

وجود تصور اقتصادي لمستقبل البلدة

مسح امكانيات البلدية (زراعة، اراضي، سكان)

القدرة على ادارة المشاريع

  • ضرورة الأخذ بعين الاعتبار انه من الأفضل وضع مخططات توجيهية على رقعة اوسع من نطاق البلدية . من هنا، تظهر اهمية الاتحادات البلدية حيث يتم وضع المخططات التوجيهية على صعيد اتحادات تفكر على رقعة جغرافية اوسع من النطاق البلدي لمنع الهدر ومنع تكرار الوظائف في بعض القرى.

العلاقة مع البلديات:

الى جانب علاقتها العامودية مع السلطة المركزية من جهة والمواطنين من جهة اخرى، تلجأ البلديات الى إرساء علاقات أفقية مع البلديات المجاورة لتحقيق مشاريع ذات امكانات تفوق امكاناتها المحدودة ولتشكل مع مجموعة البلديات الاخرى مجتمعة قوة ضاغطة تستطيع تنظيم وملاحقة حقوقها ومطالبها.

فيتألف اتحاد البلديات من عدد من البلديات و يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي.ويمارس الصلاحيات المنصوص عليها في قانون البلديات.(المادة 114 )

ينشأ اتحاد البلديات بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية.تنظم المادة 115 كيفية إنشاء الاتحاد و تنتهي ولاية مجلس الاتحاد بانتهاء ولاية المجالس البلدية التي يتالف منها(المادة 117 ))

 

جهاز الاتحاد:

يتالف جهاز الاتحاد من:

• سلطة تقريرية

• سلطة تنفيذية

السلطة التقريرية:

تتالف السلطة التقريرية من مجلس الاتحاد الذي يضم رؤساء البلديات المنتسبة للاتحاد أو من ينوب عنهم طيلة مدة ولاية الاتحاد

اختصاص مجلس الاتحاد على سبيل التعداد وليس الحصر.

• يتداول مجلس الاتحاد بالمشاريع العامة ذات المنافع المشتركة بين بلديات الاتحاد

• التخطيطات والاستملاكات ودفاتر الشروط وكل ما يلزم لتنفيذ المشاريع المشتركة بينها.

• إقرار موازنة الاتحاد

• إقرار الحساب القطعي ونظام و ملاكات و موظفي الاتحاد

• إقرار الخطة الإنمائية ضمن نطاق الاتحاد و صلاحياته (مادة 126)

إن جميع القرارات التي يتخذها مجلس الاتحاد ضمن نطاق صلاحياته لها صفة الإلزام القانوني للبلديات الأعضاء،المادة 128

يعتمد مجلس اتحاد البلديات نفس الأصول و القواعد المعتمدة لسير العمل في المجالس البلدية و المنصوص عليها في هذا القانون المادة 129 ).)

السلطة التنفيذية:

يتولى السلطة التنفيذية رئيس مجلس الاتحاد و يعاونه جهاز موظفين يرأسه مدير و يتألف من الجهاز الصحي والهندسي،الجهاز الإداري و المالي،جهاز الشرطة.المواد( 121 و 130 )

مالية الاتحاد:

تتكون مالية الاتحاد من:

• عشرة بالمئة من الواردات الفعلية للبلديات الأعضاء

• نسبة مئوية إضافية من موازنة البلديات الأعضاء المستفيدة من مشروع معين ذو نفع مشترك،على أن تخضع لموافقة وزير الداخلية.

• المساعدات و القروض و عائدات المشاعات الداخلة في اختصاص مجلس الاتحاد.

• ما يخصص للاتحاد من عائدات الصندوق البلدي المستقل

• مساهمة الدولة

• الهبات و الوصاية (المادة 133)

و لكن لا تزال تجربة العمل البلدي تعاني من محدودية التعاون بين البلديات، إذ أن البلديات التي تتعاون في حالات عديدة لا تتجاوز ال18%، مقابل 41% تعرف تعاوناً في بعض الحالات في حين لا توجد فرص للتعاون لدى 40% من البلديات.

يعتبر الإتحاد اطاراً مهماً لعمل البلديات من حيث الامكانات المادية والقدرة الفنية للتخطيط وتنفيذ المشاريع على مستوى المنطقة. وبالرغم من ان معظم البلديات تعي اهمية وجود هذا الاطار، الا ان 37% منها فقط ينتمي إلى إتحاد. فإنني أقترح فكرة تعميم الاتحادات البلدية، بحيث يصبح الانتساب الى الإتحاد الزامياً.

فهناك  ضرورة تجمع وتكتل البلديات بهدف العمل كقوة ضاغطة في سبيل تحقيق مطالب تهم العمل البلدي. ففي هذا الاطار، هناك تجربة “تجمع رؤساء البلديات” الموجود في الولايات المتحدة، فيقوم هذا التجمع على حل ومعالجة المشاكل المشتركة بين المدن. وتكون هذه الهيئة غير سياسية ولا تتوخى الربح.

ففي حال استياء البلدية من موضوع معين يرفع رئيسها شكواه الى هذا التجمع الذي يقوم بدراسة الموضوع ثم يعود فيرفعه بدوره الى اللجان النيابية بعد اشباعه درساً ومناقشة. ثم تقوم اللجان النيابية بادخاله بشكل قانون. فممكن تشكيل هكذا تجمع في المناطق اللبنانية يكون هدفه تطوير القوانين البلدية من خلال مجلس النواب.

و أيضا ممكن تقسيم بعض المدن الكبيرة الى بلديات عدة لكن في المقابل يمكن تجميع بعض القرى الصغيرة في بلدية واحدة ويعتبر ان البلدية لا يفترض ان يقل عدد سكانها عن 25 الف نسمة. وهذا امر مطبق في العالم . فباريس مثلاً لم تعد بلدية واحدة ومدينة الجزائر ليست بلدية واحدة.يلاحظ معاناة البلديات الكبيرة في هذا المجال في لبنان وتفضيل بلديتي صيدا وطرابلس لوجود بلديات اصغر.

إلا أن هذا الاقتراح يطرح مسألة البلديات الصغيرة. هل يجب تشجيعها على الاندماج بالبلديات الأكبر ام العمل على إحيائها كبلديات صغيرة لكل منها خصوصيتها. في هذا الاطار، أقترح تشجيع هذه البلديات على الانضمام الى اتحادات بلدية اذ ان الاتحاد يحافظ على شخصية كل بلدية ويجعل العمل البلدي يصب في اعمال تنموية ضمن النطاق الجغرافي المعين. كما ان للاتحاد القدرة على وضع الخطط والموارد المشتركة والقدرات البشرية المشتركة في مشاريع على صعيد المنطقة.

 

البلديات والجمعيات:

تتعاون البلديات أحياناً مع مؤسسات المجتمع الأهلي والمجتمع المدني ومؤسسات دولية وذلك من خلال تلقي مساعدات مادية او دعم تقني منها او الدخول في شراكة معها في تنفيذ مشاريع انمائية.

نلاحظ ان معظم البلديات لديها علاقات متينة مع الجمعيات الاهلية التي تعمل ضمن النطاق البلدي. فمن جهة، تقوم البلديات احياناً بتقديم المساعدات الى الجمعيات. وأحياناً تقوم الجمعيات التي تتمتع بامكانات مادية، بدعم مشاريع البلدية،كما نرى في بلدية طرابلس حيث تقوم مؤسسات خاصة مثل جمعية العزم و السعادة ومؤسسة الصفدي بتمويل بعض المشاريع البلدية.

وتتعاون البلديات مع منظمات غير حكومية تعنى بالتنمية المحلية. وقد لاحظنا مثلاً ان العديد من البلديات تتعاون في هذا المجال مع جمعية الشبان المسيحية. بالإضافة الى ذلك، بدأت البلديات بالتعاون مع مؤسسات دولية وإقليمية مثل الاتحاد الدولي للمدن المتحدة ومنظمة المدن العربية وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومنظمة اليونيسيف.

فهناك دور كبير للمؤسسات الأهلية و المجتمع المدني و واجب البلدية تفعيل هذا الدور لأن هذا القطاع على تواصل مباشر مع الناس و لديه إحتكاك كبير معهم و يوجد لديه الكوادر البشرية فممكن الإستفادة من طاقاتهم لكي نحسن و نطور مجتمعنا. و ممكن للبلديات أن تدخل المؤسسات الأهلية في مشاريعها و بذلك يصبح لدى المواطن ثقة أكبر بالعمل البلدي و يصبح أكثر تعاونا معها و ذلك التعاون يعطي أكثر إنتاجية و فعالية على الأرض و ممكن أن يؤدي إلى مشاريع جديدة و متتالية. فمن خلال هذا التعاون نبدأ بإلغاء الزبائنية في العمل البلدي فنخطوا خطوة نحو العمل لمصلحة المواطن و ليس لمصلحة الفرد و يصبح وجود أكثر شفافية في العمل.

أخيرا، لقد حاولت في هذه الورقة إلقاء الضوء على واقع العمل البلدي في لبنان، وبما أن للعمل البلدي جوانب مختلفة، فقد حاولت تسليط الضوء على كل جانب على حدة، محاولا التعرف على أهم العوائق والإنجازات والتحديات التي تواجه البلديات في هذا الجانب. تم النظر أولاً إلى البلدية كوحدة إدارية من مقومات نجاحها واستمرارها علاقة سليمة بين المجلس البلدي والرئيس، وجهاز بشري قادر على القيام بمهامه، وإدارة سليمة وشفافة للموارد المالية، وقاعدة معلومات تساعد على الاستشراف والتخطيط. ولهذه الوحدة الإدارية شبكة علاقات أفقية وعامودية مع البلديات الأخرى والمجتمع المدني من جهة ومع السلطة المركزية والمواطنين من جهة أخرى.

فعلى صعيد الإدارة البلدية، تبين لي أولاً أن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتقريرية يشوبها أحياناً بعض الالتباس الناتج عن إلتباس في تحديد ومعرفة الصلاحيات. كما ان موضوع قيادة البلدية يطرح مسألة خبرة المسؤولين المحليين في العمل البلدي ومدى ضرورة تفرغ الرئيس للمهام البلدية. بالنسبة للموارد البشرية للبلديات،لاحظت ان البلديات تختلف في تقييم حاجتها للموظفين إلا ان هناك وعياً لدى معظمها إلى ضرورة تحسين أداء الجهاز البشري وذلك من خلال تحديث الملاك البلدي وتدريب وتأهيل موظفيها.  كما بدأت بعض البلديات تعي أهمية وجود معلومات لديها ومعطيات إحصائية حول النطاق البلدي الديمغرافي والاجتماعي والاقتصادي مما يساعد المجلس البلدي على اتخاذ قرارات تتناسب مع حاجات المواطنين كما انها تساعد في عملية التخطيط على المدى البعيد. إلا ان التجارب في هذا المجال ما زالت بنسب ووسائل مختلقة. وبالنسبة للموارد المالية، نجد ان الرسوم المحولة من الدولة ما زالت تشكل الدخل الأساسي للبلديات في حين تبقى هذه الأخيرة عاجزة عن تعزيز الرسوم المباشرة مما يشكل أحد أهم التحديات أمامها. وفي الإطار نفسه، أجد أن البلديات تقف أمام تحدي صياغة الموازنة البلدية وما تعني من تقدير النفقات والواردات.

هذا بالنسبة للإدارة البلدية، أما بالنسبة للعلاقة مع المواطنين، فإننا نقع على وسائل متعددة تعتمدها البلديات للتواصل وإشراك المواطنين، إلا ان التحدي يكمن في مأسسة عملية المشاركة وتحويلها الى عملية منتظمة ودورية.

وبالنسبة لعلاقة البلديات بالسلطة المركزية، نجد ان عمل المؤسسة البلدية يرتبط إرتباطاً وثيقاً بعدد من الأجهزة المركزية التي تمارس الرقابة المالية والإدارية المسبقة. وتطمح معظم البلديات إلى تخفيف الروتين الإداري والرقابة المسبقة عن بعض أعمالها، مما يؤدي الى طرح السؤال حول مستقبل اللامركزية الإدارية في لبنان.

أما بالنسبة لعلاقة البلديات فيما بينها وعلاقتها بالمجتمع المدني، فانني ألاحظ محدودية التعاون بين البلديات فيما بينها وخاصة في ظل انخفاض نسبة البلديات المنتسبة الى اتحاد بلدي. الا ان البلديات تتعاون في معظم الأحيان مع مؤسسات المجتمع الأهلي والمجتمع المدني والمؤسسات الدولية وذلك من خلال تلقي مساعدات مادية او دعم تقني او الدخول في شراكة معها لتنفيذ مشاريع إنمائية.

وبين هذه العوائق التي ذكرنا والتحديات التي تقابلها، يبقى ان بعض البلديات في لبنان تسعى اليوم الى تحقيق الإنجازات بالرغم من هذه العوائق كما اننا نجد بحثاً دائماً من قبل المجتمع المدني واهتماماً من قبل السلطة المركزية لتطوير العمل البلدي في لبنان من خلال البحث عن الأطر القانونية المناسبة لتفعيل وتمكين السلطات المحلية.

فعسى أن نتمكن من تطوير العمل البلدي الذي هو بالنسبة إلي مهم جدا فإن بدأنا من الإطار البلدي نكون خطونا خطوة مهمة نحو إنماء الوطن و إيصال حاجيات المواطن التي اليوم تعتبر شبه مفقودة لأسباب عديدة، فإنني أعتبر دائما و دوما أن الإنماء يولد الإنتماء إلى الوطن و عند وجود الإنتماء نبدأ بالمواطنة الفعلية.

 

 

السياسة الضرائبية في لبنان و نتائجها الإجتماعية و الإقتصادية

إن أزمة لبنان الرئيسية اليوم هي الأزمة الإقتصادية و سياستنا الإقتصادية التي تؤدي إلى أزمة إجتماعية و سياسية . و طبعا هذه الأزمة هي نتيجة السياسات الحكومية المتعاقبة التي ثبتت موضوع التمايز الإجتماعي. و طبعا ليس موضوع الضريبة فحسب و لكن هناك سياسات و مواضيع متعددة ساهمت في ذلك .

القسم الأول: مفهوم الضريبة والمسائل الرئيسية التي يطرحها بشكل عام

 الضريبة بتعريفها العام هي مبلغ معين من المال، يدفعه المكلفون إلى السلطات العامة (الدولة أو السلطة المحلية) بصورة إلزامية ونهائية، دون مقابل مباشر. وذلك من أجل تغطيـة ما يترتب على هذه السلطات القيام به من نفقات عامة(1). والضريبة بهذا المعنى، تطرح العديد من المسائل على بساط البحث، نتوقف بشكل خاص عند ثلاث مجموعـات منها: الأولى تتعلق بوظيفة الضريبة والثانية بالمبادئ أو القواعد التي تقوم عليها والثالثة بكيفية فرض الضريبة.

1 وظيفة الضريبة

          بوصفها المورد المالي الرئيسي للدولة في الأحوال العادية، فقد ارتبطت وظيفة الضريبة بدور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للبلد المعني. ففي المراحل الأولى للنظام الرأسمالي في البلدان الصناعية وحتى أواخر القرن التاسع عشر عندما كان على الدولـة أن تلتزم الحياد تجاه النشاط الاقتصادي ونتائجه الاجتماعية، أي عندما كان دورها  يقتصر على دور “الشرطي” الذي يقوم بتوفير المناخ اللازم لعمل قوى السوق (العرض والطلب) بحرية تامة وكانت الوظيفة الرئيسية للضريبة أن تقوم بتغطية النفقات المرتبطة بشكل أساسي بتوفير سيادة القانون وتأمين الأمن الداخلي والخارجي (القضاء، الشرطة، الجيش، . . .). ولكن تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي أخذت الأنظمة الاقتصادية الرأسمالية المتقدمة تعاني منها بشكل متزايد، والتي بلغت ذروتها في سنة 1929، أخذت الدولـة، بدورها، تخرج عن حيادها وتتدخل لمكافحة هذه الأزمات في بادئ الأمر، وللحؤول دون قيامها فيما بعد. وهكذا أصبح من ضمن مهام الدولة أن تقوم بمكافحة البطالة والتضخم وإنشاء البنى التحتيـة والمرافق العامة، وتقديم الخدمات الاجتماعية. ليس هذا فحسب بل ذهبت أيضاً إلى العمل على تقليص الفروقات الاجتماعية وتوجيه النشاط الاقتصادي للقطاع الخاص. وكانت الأداة الرئيسية لتحول الدولة من الدولة “الشرطي” إلى الدولة “العناية” هي الضريبة. فالضريبة بجانبها الكمي أصبحت هذه هي المورد الرئيسي لتغطية النفقات المترتبـة على الدور الجديد والمتعاظم للدولة بما أن الضريبة، بجانبها النوعي، أصبحت أداة رئيسية لتحقيق العدالة الاجتماعية وتوجيه المبادرة الفردية.

2المبادئ الأساسية التي يقوم عليها فرض الضريبة

          يرتبط قيام الضريبة بوظائفها في الدولة الحديثة بعدد من المبادئ التي يجب توفرها وأهمها:

أ- مبدأ قانونية الضريبة:

 لا ضريبة بدون نص قانوني في الدول الحديثة. ويشكل التشريع الضريبي المهمـة الرئيسية الأولى للمجالس التشريعية في الأنظمة الديمقراطية. وقد شكل ظهور نظام الضرائب الدائمة تاريخياً، أحد المصادر الأساسية للمؤسسات الديمقراطية والبرلمانية(2).

ب- مبدأ عدالة الضريبة:

 في المراحل الأولى لتكون الدولـة الحديثة، كان مفهوم العدالة الضريبية يعني المساواة “الحسابية” للمكلفين في تحمل العبء الضريبي، أي تحمل كل منهم نفس النسبـة لهذا العبء. ولكن في ظل دولة “العناية” أصبح مفهوم العدالة يقتضي “شخصنة”  Personnalisationالضريبة، أي الأخذ بعين الاعتبار الأوضاع المختلفة للمكلفين وقدراتهم، لا سيما أوضاعهم العائلية (حجم الأسرة على وجه الخصوص) وحجم ثرواتهم ومستويات دخولهم.

ج- مبدأ مردودية Rendement الضريبة:

خلاصة هذا المبدأ هي أن الضريبة يجب أن تعود على الدولة بأعلى مردود ممكن. ولكي يتحقق ذلك يجب أن تتوفر في الضريبة ثلاثة شروط رئيسية هي: الإنتاجية، الاستقرار، والمرونة.

1 الإنتاجية: الضريبة الأكثر إنتاجية هي التي تعود بأكبر حصيلة صافية على الدولـة، أي الأخذ بعين الاعتبار تكاليف التحصيل. ويتوقف تحقيق هذا الشرط على عدة عوامل أهمها:

شمولية الضريبة L’universalité: أي أن الضريبة يجب أن تؤدى من قبل جميع المكلفين وعلى كامل المادة الخاضعة للضريبة.

الاقتصاد ما أمكن في المصاريف المترتبة على جباية الضريبة.

حتمية دفع الضريبة: أي أن لا يكون بإمكان المكلف التهرب من دفع الضريبة أو الغش في التصريح عنها.

اعتدال معدل الضريبة: أي أن لا تتجاوز الضريبة حدوداً معينة، لأن الإفراط في زيادة معدل الضريبة يؤدي إلى انكماش المادة الخاضعة للضريبة أو ما يسمى بالوعاء الضريبي.

2الاستقرار: تكون الضريبة مستقرة عندما لا تتأثر بتأثر المادة الخاضعة للضريبة بالتقلبات الاقتصادية.

3 المرونة: تكون الضريبة مرنة عندما لا تتقلص المادة الخاضعة للضريبة (أو الوعاء الضريبي) مع زيادة معدل الضريبـة عليها بحيث يلغي هذا التقلص المفاعيل المرتقبة لزيادة معدل الضريبة.

3كيفية فرض الضريبة

          تجري عملية فرض الضريبة عادة على ثلاث مراحل:

– المرحلة الأولى وجري خلالها تعيين ما يسمى “بالوعاء الضريبي” أو “مطرح الضريبة” L’assiette de l’impôt.

– المرحلة الثانية ويجري خلالها تحديد معدل الضريبة.

– المرحلة الثالثة ويجري خلالها تحصيل أو جباية الضريبة.

أ- تعيين وعاء أو مطرح الضريبة:

يجري تعيين مطرح الضريبة من خلال القيام بعمليتين متتاليتين: الأولى وتتمثل باختيار المادة الخاضعة للضريبة la matière imposable، والثانية تتمثل بتقدير دقيق لقيمة أو كمية المادة المذكورة التي هي بحوزة المكلف.

1اختيار المادة الخاضعة للضريبة: في الدولة الحديثة تتكون المادة الخاضعة للضريبة عادة من الأموال (بمعناها الواسع) Biens التي هي بحوزة المكلف والتي تتشكل  من عنصرين رئيسيين: الأموال التي تأتي للمكلف بصورة منتظمة (عادة سنوية) وهي الدخل، والأموال التي تكونت لدى هذا المكلف نتيجة لادخاره جزءاً من دخله، أو التي انتقلت إليه بالوراثة، وهي الثروة أو رأس المال. ويمكن للضريبة أن تطال هذين العنصرين بطرق مختلفة. ويجري عادة التمييز بين طريقتين رئيسيتين: مباشرة وغير مباشرة.

الضرائب المباشرة: وهي التي تطال مباشرة المبلغ نفسه لدخل المكلف أو قيمة ثروته ورأسماله. ويجري التمييز عادة بين فئتين رئيسيتين من الضرائب المباشرة وهي الضريبة على الدخل، والضريبة على الثروة ورأس المال.

 ضريبة الدخل ويمكن أن تفرض على جميع أشكال الدخل ( رواتب وأجور وأرباح وفوائد وريوع، . . . الخ)، كما أنها يمكن أن تطال الأفراد كما الشركات. وتأخذ ضريبة الدخل عامة شكلين رئيسيين: ضريبة نوعية Cédulaire وهي التي تفرض على كل فئة دخل بحسب مصدره بشكل منفصل (أجر، ربح صافي أو تجاري، ريع عقاري، . . . الخ) وضريبة عامة أو مركبة وهي التي تفرض على مجموع الدخول المكلف مهما كان مصدرها.

 الضريبـة على الثروة أو رأس المال: وهي غير منتظمة وتندرج عادة في ثلاث فئات:

          – الضريبة التي تطال انتقال الثروة (ضريبة الإرث).

– الضريبـة التي تطال الزيادات الاستثنائية في الثروة (أرباح البورصة، أرباح الياناصيب، الزيادة في قيمة الملكية Plus values . . . الخ).

– الاقتطاع من مجمل ثروة المواطن. وهذا لا يحصل عادة إلا في ظروف استثنائية، كالمساهمة في إعادة الإعمار بعد حرب مدمرة.

ب- الضرائب غير المباشرة: وهي التي تطال الدخل أو رأس المال عند استعماله أي التي تطال الإنفاق على السلع والخدمات. وتأخذ هذه الضرائب عادة شكلين رئيسيين، فتكون إما ضرائب خاصة تطال هذا الصنف أو ذاك من المنتجات: محروقات، كحول، سيارات، . . . الخ (وهذه الضرائب يمكن بدورها أن تكون ضرائب على المعاملات الداخلية على السلع والخدمات أو ضرائب التجارة الخارجية (رسوم جمركية))، وإما ضرائب عامة موحدة على جميع المنتجات.

والضرائب غير المباشرة العامـة أو الموحدة يمكن أن تأخذ بدورها ثلاثة أشكال رئيسية:

– الضريبـة على مجمل المبيعات في كل مرحلة من مراحل الإنتاج أو البيع (من الإنتاج إلى البيع بالجملة، إلى البيع بنصف الجملـة، إلى البيع بالمفرق). وهذا ما يجعل الضريبة المذكورة تراكمية، فتلقي بعبئها بشكل خاص على المنتجات التي تصل إلى المستهلك من المنتج عبر وسطاء كثر.

– الضريبة التي تطال المنتجات في مرحلة واحدة. إما في بداية السلسلة التجارية (الرسوم على الإنتاج)، أو في نهايتها (الرسوم على الاستهلاك). وفي هذه الحال يكون معدل الضريبة مرتفعاً نسبياً مما يدفع إلى الغش والتهرب منها.

– الضريبة على القيمة المضافة وهي إلى الآن أفضل الأشكال المعتمدة للضريبة العامة غير المباشرة، لأنها تطال المنتجات في كل مرحلة من السلسلة التجارية كما في الشكل الأول. إلا أنها لا تطال سوى الفرق بين قيمتها عند بيعها في آخر مرحلة معينة، وقيمتها أو قيمة المنتجات الوسيطة الداخلة في إنتاجها، في بداية المرحلة نفسها.

2 تقدير قيمة أو كمية المادة الخاضعة للضريبة:

على أساس قيمة أو كمية المادة الخاضعة للضريبة، يتحدد مبلغ الضريبة الواجب دفعها من قبل المكلف. وهذه العملية هي الأصعب في تقنيات فرض الضريبة. لأن المكلف يحاول عادة وبشتى الطرق إخفاء الحجم الفعلي لدخله أو لثروته. وهناك طريقتان رئيسيتان للتقدير: مباشرة وغير مباشرة.

   الطريقة المباشرة في التقدير: وتعتمد هذه الطريقة على إجبار الإدارة الضريبية من يعرف قيمة أو كمية المادة الخاضعة للضريبة أن يصرح عنها. وعلى هذا الأساس يمكن أن يأتي التصريح من قبل المكلف نفسـه.وعندها ترتبط دقة التقدير بمدى صدق المكلف. وأو أن يأتي التصريح من قبل طرف ثالث، يكون في موقع العارف لقيمة أو كمية المادة، كتصريح رب العمال عن أجور مستخدميه وتصريح المستأجر عن الإيجار الذي يدفعـه للمؤجر . . . الخ، وفي هذه الحال يصعب التهرب والغش.

  الطريقة غير المباشرة في التقدير: وتعتمد هذه الطريقة مؤشرات معينة لتقدير قيمة أو كمية المادة الخاضعة للضريبة، كأن يجري تقدير دخل المكلف بالاستناد إلى القيمة التأجيريـة لسكنه. أو بالاستناد إلى بعض مظاهر أو علامات الثروة الخارجية: امتلاك منزل أو سيارة . . . الخ. وفي هذه الحال يأتي التقدير بصورة تقريبية.

   ب- تحديد معدل الضريبة:

   يجري تحديد معدل الضريبة من قبل المشترع على أساس اقتطاع نسبة معينة من المادة الخاضعة للضريبة بصرف النظر عن قيمة أو كمية هذه المادة التي هي بحوزة المكلفين. وبهذا الخصوص يجب أن يراعى في عملية تحديد معدل الضريبـة إلى جانب مبدأ اعتدال الضريبة، “الطاقة التكليفية”. أي النسبة التي يمكن اقتطاعها من دخول الأفراد وثرواتهم دون إلحاق الضرر بهم. وهذه المسألة تتعلق بدورها بمستوى الدخل وكلفـة المعيشة في البلد المعني، وبكيفية توزيع الدخل القومي على مختلف الفئات بشكل عام. لذلك نلاحظ أن الأنظمة الضريبيـة الحديثة تلجأ إلى شخصنة الضريبة على نطاق واسع أي كما سبق وذكرنا، للأخذ بعين الاعتبـار عند تحديد معدل الضريبة الوضع الشخصي للمكلف وبشكل خاص وضعه العائلي ومستوى دخله. فتعتمد التصاعديـة في تحديد معدل الضريبة على الدخل. والتصاعدية في هذا المجال يمكن أن تأخذ أحد شكلين: الشكل الأول وهو التصاعديـة الكلية أو الإجمالية بحيث يطبق على دخل المكلف معدل وحيد للضريبة يرتفع مع ارتفاع حجم هذا الدخل. والشكل الثاني الأكثر شخصنـة، وهو التصاعدية حسب الشطور. حيث يجزأ دخل المكلف إلى شطور. فتطبق على الشطور العليا معدلات ضريبة أعلى من المعدلات التي تطبق على الشطور الدنيا. وفي أغلب الأحيان تعفى الدخول أو الشطور التي لا تتجاوز الحد الأدنى للأجور، من الضريبة بشكل كامل. والتصاعدية يمكن تطبيقها أيضاً على ضريبة الإنفاق، فتفرض معدلات مختلفة على المنتجات حسب ضرورتها. فيكون معدل الضريبة على المنتجات الكمالية مثلاً أعلى من معدلات الضريبة على المواد الغذائية الأساسية.

          كما أن الأنظمة الضريبية الحديثة تلجأ من ناحية ثانية إلى التمييز في فرض الضريبة لاعتبارات اجتماعية أخرى غير مراعاة مستوى الدخل والوضع العائلي، كاعتبار العدالة في توزيع الدخل. فيكون معدل الضريبة على دخول الرساميل مثلاً أعلى منه على دخول العمل. كذلك تتدخل الاعتبارات الاقتصادية، فيقتضي تشجيع الاستثمار في قطاعات ومناطق محددة، تخفيض معدلات الضريبة على الرساميل المخصصة لهذا النوع من الاستثمار أو إعفاءها كلياً من الضريبة.

  ج- جباية الضريبة:

  وهي العملية التي يتم بموجبها انتقال المبلغ المتوجب على المكلف إلى خزينة الدولة. وهنا يجب التركيز بشكل خاص على سبل مكافحة الغش والتهرب من الضريبة وهذا الأمر يرتبط بالدرجة الأولى بأوضاع الإدارة الضريبية خصوصاً لناحية كفاءة وتجرد ونزاهة عناصرها البشرية ودرجة تطور النظم المحاسبية التي تعتمدها والتجهيزات المادية التي تستخدمها.

القسم الثاني: الأنظمة الضريبية

مما تقدم ذكره عن الضريبة بمختلف جوانبها، نستطيع أن نلاحظ بأن هنالك العديد من العناصر التي تدخل في تحديد طبيعة النظام الضريبي في بلد من البلدان. إلا أن هنالك عنصران اثنان رئيسيان يعتمدان عادة في عملية تصنيف الأنظمة الضريبية السائدة في العالم: عنصر كمي ويتمثل بالحجم النسبي للاقتطاع الضريبي أو ما يسمى بالضغط أو العبء الضريبي Pression fiscale، وعنصر آخر نوعي ويتمثل بشكل الضريبـة الأكثر اعتماداً. وبهذا المعنى يكون النظام الضريبي لبلد ما على علاقة وثيقة بالبنى الاقتصادية الاجتماعية السائدة في هذا البلد، أي بالنظام الاقتصادي الاجتماعي السائد فيه من جهة، ودرجة تطور هذا الأخير من جهة ثانية. وعلى هذا الأساس نلاحظ أن هنالك تمايزاً شديد الوضوح بين الأنظمة الضريبية السائدة في البلدان الصناعية المتقدمـة من جهة، والأنظمة الضريبية السائدة في البلدان النامية من جهة ثانية (هذا إذا وضعنا البلدان الاشتراكية جانباً).

1-    الأنظمة الضريبية حسب الحجم النسبي للاقتطاع الضريبي

هنالك مؤشران يعتمدان عادة في قياس الاقتطاع الضريبي: المؤشر الأول وهو عبارة عن نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي والمؤشر الثاني هو عبارة عن نسبة الإيرادات الضريبية إلى مجموع الإيرادات العامة للدولة. وعلى أساس هذين المؤشرين تندرج الأنظمة الاقتصادية في مجموعتين: مجموعة تتميز بضغط ضريبي مرتفع حيث تشكل الإيرادات الضريبية القسم الأعظم من الإيرادات العامة ونسبة مرتفعة من الناتج المحلي أو القومي القائم وهي الأنظمة الضريبية السائدة في البلدان الصناعية المتقدمـة. أما المجموعة الثانية فتتميز بضغط ضريبي منخفض، حيث تشكل الإيرادات الضريبية، مقارنة بالمجموعة الأولى، نسبة قليلة من الإيرادات العامة ومن الناتج المحلي القائم. وهذه هي الأنظمة السائدة في البلدان النامية.

وهكذا نلاحظ أن نسبة الإيرادات الضريبية إلى مجموع الإيرادات العامة العادية، قد بلغت في عام 1985 وكمتوسط، نحو 92 بالمائة في البلدان الصناعية ونحو 85 بالمائة في البلدان النامية ذات الدخل المتوسط و 79 بالمائة في البلدان النامية ذات الدخل المنخفض (3). أما نسبـة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي قد بلغت في العام نفسه وكمتوسط نحو 30 بالمائة في البلدان الصناعية ونحو 20 بالمائة في البلدان النامية ذات الدخل المتوسط ونحو 15 بالمائة في البلدان النامية ذات الدخل المنخفض وعلى صعيد بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نحو 23 بالمائة (4) ويظهر من هذه الأرقام بشكل واضح أن الاقتطاع الضريبي يرتفع مع ارتفاع مستوى الدخل القومي.

2 الأنظمة الضريبية حسب شكل الضريبة المسيطر

          بهذا الخصوص، يمكن تصنيف الأنظمة الضريبية السائدة في العالم بالاستناد إلى ثلاثة أسس:

أ- تصنيف الأنظمة الضريبية على أساس سيطرة الضرائب المباشرة أو الضرائب غير المباشرة:

          على هذا الأساس نجد أن الأنظمة الضريبية تندرج عموماً في مجموعتين رئيسيتين أيضاً: مجموعة الأنظمة التي تهيمن فيها الضرائب المباشرة ومجموعة الأنظمة التي تهيمن فيها الضرائب غير المباشرة.

*الأنظمة الضريبية التي تسيطر فيها الضرائب المباشرة:

 وهي الأنظمة السائدة في البلدان الصناعية المتقدمة، حيث نجد أن الإيرادات من الضرائب المباشرة تشكل الجزء الأكبر من الإيرادات الضريبية. فالضرائب المباشرة بما فيها الاقتطاعات لصالـح الضمان الاجتماعي تشكل كمتوسط عام نحو 69 بالمائة من مجموع الضرائب في البلدان الصناعية. وتشكل الضرائب على الدخل في هذه البلدان نحو نصف الضرائب المباشرة (34 بالمائة من مجموع الإيرادات الضريبية) هذا في حين أن الضرائب غير المباشرة لا تشكل في البلدان المذكورة سوى نحو 29 بالمائة (الجدول رقم1).

* الأنظمة الضريبية التي تسيطر فيها الضرائب غير المباشرة:

  وهي الأنظمة الضريبية السائدة في البلدان النامية. فكما يبين الجدول رقم -1- نلاحظ أن الضرائب غير المباشرة تشكل أكثر من نصف الإيرادات الضريبية في البلدان النامية ذات الدخل المتوسط مقابل 49 بالمائة للضرائب المباشرة. وتبلغ حصة الضرائب على الدخل من هذه الأخيرة نحو 34 بالمائة. أما في البلدان النامية ذات الدخل المنخفض فإن نسبة الضرائب غير المباشرة تتجاوز ثلثي الإيرادات الضريبية.

ب- تصنيف الأنظمة الضريبية على أساس اعتماد الضرائب العامة الشاملة أو الضرائب النوعية الخاصة:

تعتمد البلدان الصناعيـة المتقدمة، فيما يتعلق بضريبة الدخل على الأفراد والتي تبلغ حصتها نحو 27 بالمائة من الإيرادات الضريبية بشكل رئيسي، على الطريقـة الشاملة في فرض هذا النوع من الضرائب. أي أن الضريبـة المذكورة تحسب على أساس مجموع دخول المكلف بمختلف مصادرها. كما أن الضريبـة التي تطال الإنفاق الداخلي على السلع والخدمات، تتشكل بأكثرها من ضرائب عامة مدمجة (ضرائب على المبيعات أو على القيمة المضافة). فهذا النوع من الضريبة يأتي بنحو 17 بالمائة من مجموع الإيرادات الضريبية مقابل 10 بالمائة للضرائب النوعية على المنتجات. أما في البلدان النامية فبالرغم من الاتجاه نحو زيادة الاعتماد على الضرائب العامة المدمجـة، لا تزال الضرائب النوعية الخاصة هي الغالبة في مجموع الضرائب الداخليـة على السلع والخدمات (الجدول رقم -1-). أما ضريبة الدخل على الأفراد في هذه البلدان، والتي لا تتجاوز نسبة 9 بالمائة من مجموع الإيرادات الضريبية، فهي عبارة عن ضريبـة تطال مصادر دخل المكلف كل على حده. هذا في حين أن الضرائب على الشركات تتراوح نسبتها ما بين 15 أو 18 بالمائة  من مجموع الإيرادات الضريبية (الجدول رقم -1-).

ج- تصنيف الأنظمة الضريبية على أساس اعتماد الضرائب الداخلية أو الضرائب على التجارة الخارجية:

يبين الجدول رقم -1- أن الأنظمة الضريبية في البلدان النامية تعتمد كثيراً على الضرائب على التجارة الخارجية (الرسوم الجمركية). فهذه الأخيرة تشكل أكثر من خمس الإيرادات الضريبيـة في البلدان ذات الدخل المتوسط ونحو 38 بالمائة من الإيرادات الضريبيـة في البلدان ذات الدخل المنخفض. في حين أن نسبة الضرائب على التجارة الخارجية لا تتجاوز 2 بالمائة في البلدان الصناعية المتقدمة.

د- تصنيف الأنظمة الضريبية على أساس درجة تصاعدية الضريبة:

 يجري في بعض الأحيان تصنيف الأنظمة الضريبية على أساس درجة تصاعدية الضريبة:

وبهذا الخصوص نلاحظ أن الضريبة على الدخل بشكل عام هي أكثر تصاعدية في البلدان الصناعية منها في البلدان النامية. ففي هذه الأخيرة نادراً ما يتجاوز معدل الضريبة على الشطر الأعلى من الخل 70 بالمائة في حين أنه يتجاوز في معظم البلدان الصناعية نسبة 90 بالمائة (5).

3خصائص الأنظمة الضريبية في البلدان الصناعية المتقدمة والبلدان النامية

مما تقدم ذكره عن تصنيف الأنظمة الضريبية السائدة في العالم، نستطيع أن نستخلص الخصائص الرئيسية للأنظمة الضريبية في كل من مجموعتي البلدان الصناعية والبلدان النامية، على الوجه التالي:

أ- الخصائص الرئيسية للأنظمة الضريبية في البلدان الصناعية:

  أولاً: يعكس ارتفاع نسبة الاقتطاع الضريبي في البلدان الصناعية ارتفاع مستوى الدخل في هذه البلدان من جهة، ومن جهة ثانية مدى تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وخصوصاً الدور الفائق الأهمية الذي تلعبه السلطات العامة في السهر على رفاه مواطنيها. كما يعكس هذا الارتفاع كفاءة الإدارة وقدرتها الفنية المحاسبيـة والرقابية على تأمين مردود ضريبي عالي وخفض هامش الغش والتهرب من الضريبة.

  ثانياً: إن ارتفاع نسبة الضرائب المباشرة في مجموع الإيرادات الضريبية مقارنة بنسبة الضرائب غير المباشرة، وتطبيق معدلات الضريبة على مجموع دخل المكلف من مختلف المصادر والتركيز على شخصنة الضريبة على دخل الأفراد والقدر الكبير من التصاعدية في الضريبة على الدخول بشكل عام، كل ذلك يعكس هم البلدان الصناعية المتقدمة في تحقيق مبدأ العدالة الحقيقية واعتمادها النظام الضريبي كأداة رئيسية للحد من التفاوت في توزيع الدخل القومي على مختلف فئات المواطنين.

  ثالثاً: يعكس اعتماد البلدان الصناعية للضريبة العامة المدمجة على الدخل وعلى الإنفاق والابتعاد قدر الإمكان عن فرض الضرائب الخاصة والنوعية، كفاءة الإدارة الضريبيـة في هذه البلدان وتطور أجهزة المراقبة والتأكد والتدقيق لديها. كما تعكس في الوقت نفسه تطور التجهيزات التقنية والآلية والنظم المحاسبية التي يستعين بها كل من هذه الإدارة والمكلف.

ب- الخصائص الرئيسية للأنظمة الضرائبية في البلدان النامية:

  أولاً: يعكس انخفاض نسبة الاقتطاع الضريبي في البلدان النامية انخفاض مستوى المعيشة في هذه البلدان من جهة، ويعكس من جهة ثانية اعتمادها الكبير نسبياً على الإيرادات غير الضريبية من قروض خارجية وخلق من نقوض من أجل تغطية النفقات العامة مع ما يحمله هذا من ضغوط تضخيمية مستمرة. كما أنه يعكس ضعف الإدارة الضريبية وعدم كفاءتها في محاربة الغش والتهرب من دفع الضريبة بالإضافة إلى ضيق قاعدة المكلفين.

  ثانياً: إن ارتفاع نسبة الضرائب غير المباشرة في مجموع الإيرادات  الضريبية والانخفاض الملحوظ لنسبة الضرائب المباشرة لا سيما ضريبة الدخل، والاعتماد بشكل عام على الضرائب الخاصة والنوعيـة، كل ذلك يعكس جانب عدم العدالة في الأنظمة الضريبية المعتمدة في هذه البلدان ودور هذه الأنظمة الهامشي في الحد من التعاون الكبير في توزيع الدخل القومي على الفئات الاجتماعية في البلدان المذكورة. ذلك أن الضرائب غير المباشرة تطال جميع المواطنين بصرف النظر عن مستويات دخولهم وبذلك فهي تلقي بعبئها بشكل خاص على ذوي الدخل المحدود والفقراء.

  ثالثاً: إن ضعف الإدارة الضريبية بسبب محدودية مواردها البشرية والمادية وعدم كفاءتها من جهة، وتفتيش الطبقات الغنية بالتعاون مع السلطات الحاكمة عن مصالحها الخاصة الآنية من جهة ثانية، بالإضافة إلى عدم توفر المعارف المحاسبية عند المكلفين، كل ذلك يجعل هذه البلدان تستهل فرض الضرائب الخاصة والنوعية غير المباشرة لا سيما الضرائب على التجارة الخارجية، كما يجعل في الوقت نفسه تصاعدية الضريبة على الدخل حبراً على ورق.

  رابعاً: إن الاعتماد الكبير للبلدان الناميـة على الرسوم الجمركية يعود، بالإضافة إلى الأسباب التي سبق ذكرها، إلى عناصر اقتصاديـة بنيوية، منها أن كثيراً من هذه البلدان يعتمد على تصدير عدد محدود من المواد الأولية كمصدر أساسي للدخل وأن قسماً لا يستهـان به من النشاط الاقتصادي المحلي يدخل قي إطار ما يسمى بقطاع الإنتاج غير المنظم أي أنه يبقى بمنأى عن مراقبة الدولة. أضف إلى ذلك كله كون الرسوم الجمركية هي الأداة المفضلة عند البلدان المعنية لحماية إنتاجها الوطني بشكل عام وإنتاجها الصناعي بشكل خاص.

القسم الثالث: النظام الضريبي في لبنان

بالرغم من التعديلات الكثيرة التي أدخلت على النصوص القانونية المتعلقة بالضريبة والتغيير الواضح في تركيب الإيرادات العامـة الذي حدث خلال مرحلة الحرب واستمر حتى الآن، لناحية الاعتماد المتزايد على الإيرادات غير الضريبية، يمكننا القول إن الخصائص الرئيسية للنظام الضريبي في لبنان، بقيت من الناحية العملية، كما هي تقريباً، وذلك طوال ما يقارب الخمسة عقود من الزمن. ذلك أن النظام الضريبي المذكور بقي يتميز، لناحية العبء أو الضغط الضريبي، بانخفاض ملحوظ لنسبة الإيرادات الضريبيـة إلى الناتج المحلي الإجمالي، ولناحية تركيب الإيرادات الضريبية، بغلبة كبيرة للضرائب غير المباشرة، والوزن الراجح داخل هذه الخيرة لرسوم الجمركية، مقابل انخفاض واضح لنسبة الضرائب المباشرة بشكل عام والضرائب على الدخل بشكل خاص. هذا إلى جانب الاعتماد الحصري للضرائب النوعية أو الخاصة فيما يتعلق بضرائب الدخل والإنفاق على حد سواء.

هذه الخصائص، كما أصبح معلوماً، هي الخصائص الرئيسية للأنظمة الضريبية في البلدان النامية وتحديداً في مجموعة البلدان النامية ذات الدخل المنخفض. ولكننا نعلم من ناحية ثانية أن الاقتصاد اللبناني قد حقق خلال الحقبة التي سبقت الحرب الأهلية معدلات نمو مرتفعة نسبياً، بحيث كان لبنان يأتي في عداد البلدان النامية ذات الدخل الأكثر ارتفاعاً. وعليـه يجب التفتيش عن سبب أو أسباب أخرى، تفسر استمرار النظام الضريبي في لبنان على حالـه تقريباً طوال هذه المدة الزمنية. وبرأينا أن هذا الاستمرار يعود – إلى جانب كون لبنان بلداً نامياً واستمرار تردي أوضاع الإدارة العامـة فيه، بما فيها الإدارة الضريبية – إلى طبيعة نظامه الاقتصادي الاجتماعي الذي كان ولا يزال مفرطاً في ليبراليته. وإذا كنا سنتناول النظام الضريبي في لبنان في مرحلة ما قبل الحرب وخلالها، بشيء من التفصيل، فليس فقط بهدف إظهار هذه الاستمرارية، وإنما أيضاً، لا بل خصوصاً، بهدف تسليط المزيد من الأضواء على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية الفعلية للنظام الضريبي في لبنان في حالته الحاضرة.

1 النظام الضريبي في لبنان قبل الحرب الأهلية

أ- خصائص النظام الضريبي في لبنان قبل الحرب الأهلية:

  1.  مستوى الاقتطاع الضريبي: في عقد الستينات، شكلت الإيرادات الضريبية كمتوسط نحو 80.5 بالمائة من مجموع الإيرادات العادية للموازنة العامـة ونحو 11 بالمائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي. وفي عام 1974 انخفضت النسبة الأولى إلى 73.5 بالمائة وارتفعت النسبة الثانيـة إلى 11.5 بالمائة فقط (الجدول رقم 2)، هذا مع العلم أن هذه النسبة الأخيرة كانت في الفترة نفسها نحو 18 بالمائة في البلدان النامية ذات الدخل المتوسط ونحو 13 بالمائة في البلدان النامية ذات الدخل المنخفض. أما في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فكانت نحو 20.5 بالمائة(6).

  .2  تركيب الإيرادات الضريبيـة: في عقد الستينات، شكلت الإيرادات من الضرائب غير المباشرة كمتوسط عام نحو 62.2 بالمائة من مجموع الإيرادات الضريبيـة، مقابل 37.8 بالمائة للإيرادات من الضرائب المباشرة. وفي العام 1974 ارتفعت النسبة الأولى إلى نحو 77.4 بالمائة وانخفضت النسبة الثانية إلى نحو 22.6 بالمائة (الجدول رقم -2-). هذا مع العلم أن النسبتين المذكورتين كانتا في أواسط السبعينات، وتباعاً، 51 بالمائة و49 بالمائة في البلدان النامية ذات الدخل المتوسط، و66 بالمائة و34 بالمائة في البلدان النامية ذات الدخل المنخفض في حين كانتا 33 بالمائة و66 بالمائة في البلدان الصناعية (الجدول رقم –1).

  3.  تركيب الإيرادات من الضرائب غيـر المباشرة: في عقد الستينات شكلت الرسوم الجمركيـة في لبنان كمتوسط عام نحو 40 بالمائة من الإيرادات الضريبيـة، مقابل نحو 22.2 بالمائة للإيرادات من الضرائب غير المباشرة الأخرى التي كانت تأتي بمعظمهـا من الرسوم على المحروقات (بنزين، مازوت، . . .) والرسوم على رخص البناء ورسوم التسجيل. وفي أواسط السبعينات ارتفعت النسبة العائدة إلى الرسوم الجمركيـة إلى نحو 51 بالمائة من مجموع الإيرادات الضريبة كما ارتفعت النسبة العائدة للضرائب غير المباشرة الأخرى إلى نحو 27.4 بالمائة (الجدول رقم -2-) هذا مع العلم أن نسبة الرسوم الجمركية من مجموع الإيرادات الضريبية لم تتجاوز في الفترة الأخيرة نفسها 20 بالمائة في البلدان النامية ذات الدخل المتوسط و25 بالمائة في البلدان الناميـة ذات الدخل المنخفض، و4 بالمائة فقط في البلدان الصناعية المتقدمة (الجدول رقم-1(.

  4.  تركيب الإيرادات من الضرائب المباشرة: في عقد الستينات شكلت الضريبة على الدخل كمتوسط عام نحو 13 بالمائة فقط من الإيرادات الضريبية (ونحو 10.5 بالمائة من مجمـوع الإيرادات العادية للموازنة) مقابل نحو 25 بالمائة للإيرادات من الضرائب المباشرة الأخرى والتي تأتي بمعظمها من الضرائب على العقارات وانتقال الملكيـة والرسوم على السيارات والطوابع. وارتفعت نسبة ضريبة الدخل في أواسط السبعينات إلى 15 بالمائة فقط من مجموع الإيرادات الضريبيـة في حين انخفضت نسبة الضرائب المباشرة الأخرى إلى 7.6 بالمائة من مجموع الإيرادات الضريبية (الجدول رقم -2-). هذا مع العلم أن نسبة الضرائب على الدخل كانت في الفترة الأخيرة نفسها 30 بالمائة في البلدان النامية ذات الدخل المتوسط و29 بالمائة في البلدان الناميـة ذات الدخل المنخفض و34 بالمائة في البلدان الصناعية المتقدمة (الجدول رقم –1(.

ب- الأبعاد الاقتصادية الاجتماعية للنظام الضريبي في لبنان قبل الحرب:

مما تقدم من كلام عن النظام الضريبي في لبنان، يظهر بشكل واضح أن الخصائص الرئيسية لهذا النظام، لناحية الانخفاض الملحوظ في نسبة الاقتطاع الضريبي وعدم عدالته، ليست هي فقط الخصائص الرئيسية للنظام الضريبي في البلدان النامية وإنما هي خصائص الأنظمة الضريبية للبلدان ذات الدخل المنخفض منها. لكننا، نلاحظ من جهة ثانيـة، أن لبنان لا ينتمي إلى هذه المجموعة من البلدان لا من ناحية مستوى الدخل الفردي فيـه ولا من ناحية الاعتماد على الإيرادات الاستثنائية لتمويل النفقات العامة ولا من ناحية هيكله الإنتاجي. وإذا كان هنالك من تفسير لهذه المفارقة يعود، كما سبق ولحظنا، إلى طبيعة النظام الاقتصادي الاجتماعي اللبناني الذي كان مفرطاً في ليبراليته، وتحديداً إلى الدور الضعيف الذي كانت تلعبه الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لهذا البلد.

 1.  دور الدولة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي في لبنان قبل الحرب: حتى أواسط السبعينات بقي لبنان خارج اتجاه اقتصادات السوق (بشقيها الصناعية المتقدمـة والنامية) نحو المزيد من تدخل الدولة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وما استتبعه من ارتفاع مستمر في الإنفاق العام على الشؤون الاقتصادية والاجتماعية. فحتى بداية الستينات اكتفت الدولة في لبنان بلعب دور “الشرطي” الذي تنحصر مهمته بتأمين الأمن وحماية حرية عمل المبادرة الخاصة، بالإضافـة إلى بعض الإجراءات التي تستجيب لحاجة ومصلحة القطاع الخاص، ولا يستطيع هذا الأخير القيام بها بنفسه (الحد الأدنى من البنى التحتية الضروري لنشاط القطاع الخاص). بعبارة أخرى لم يكن للدولة في لبنان من سياسة محددة لا في المجال الاقتصادي ولا في المجال الاجتماعي. حتى أنه لم يكن لديها الحد الأدنى من الوسائل والأدوات التي تتيح لها وضع مثل هذه السياسة. وهكذا بقيت أهمية القطاع العام محدودة جداً. فإلى جانب إدارات الدولة العادية، اقتصر هذا القطاع على عدد من مؤسسات الخدمات والمرافق العامة (كهرباء، مياه، مرافئ). أما بخصوص الدور الاقتصادي والاجتماعي للموازنـة، فنلاحظ أن حجمها قد تراوح ما بين 8 و12 بالمائة من الناتج الإجمالي وبقيت في طابعها الغالب موازنة تصريف أعمال الإدارة العادية، فالنفقات الجارية بلغت نسبتها كمتوسط نحو 85 بالمائة من مجموع النفقات. ونلاحظ من ناحيـة ثانية أن الاعتمادات المخصصة لنفقات السيادة (وزارات الدفاع والداخليـة والخارجية ورئاسة الجمهورية . . . الخ) كانت تستحوذ كمتوسط سنوي على 60 بالمائة من مجموع الاعتمادات. أما الأبواب ذات الطابع الاقتصادي الغالب (الاعتمادات المخصصة لوزارتي الاقتصاد والزراعة تحديداً) فلم تتجاوز نسبتها 4.5 بالمائة، هذا في حين أن الاعتمادات المخصصة للبنى التحتية (وزارات الأشغال العامة والبريد والبرق والهاتف) شكلت نحو 17.5 بالمائة من مجموع الاعتمادات. أما نصيب النفقات الاجتماعية (وتحديداً اعتمادات وزارات التربيـة والصحة والشؤون الاجتماعية) فكان نحو 18 بالمائة من الاعتمادات (وزارة التربية بمفردها 13 بالمائة).

ومع مجيء الرئيس شهاب إلى الحكم في أواخر الخمسينات بدأت أول محاولة جديـة لإحداث تحول في موقع الدولة ودورها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في لبنان، وذلك في ضوء ما أسفرت عنه الدراسة التي قامت بها بعثة ارفد من نتائج أظهرت التفاوتات الاقتصادية الاجتماعية الكبيرة إن كان بين الفئات الاجتماعية أو بين المناطـق. ولكن بالرغم من الإنجازات اللافتة التي تحققت في النصف الأول من الستينات على صعيد إقامة الأطر المؤسسية اللازمة لإطلاق عملية التنمية الاقتصادية الاجتماعية الشاملة (كاستحداث العديد من المؤسسات والمصالح المستقلـة)، فإن الدولة لم تنجح بعد ترك الرئيس شهاب للسلطة في وضع هذه الأطر في خدمة خطط وسياسات تنموية متكاملة تجد طريقها إلى التنفيذ. فباستثناء بعض التوسع في تنفيذ مشاريع البنى التحتية والخدمات الأساسية، نلاحظ أنه لم يلحق بدور الدولة وموقعها الاقتصادي الاجتماعي أيتحول جوهري. وعلى سبيل المثال بقي حجم الإنفاق العام في أواخر الستينات لا يتجاوز نسبـة 13 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، والتعليم الرسمي لا يشمل سوى 45 بالمائة من عدد التلاميذ (هذا مع العلم أن نسبة الأولاد خارج المدارس من فئة الأعمار 6 – 14 سنـة كانت تصل إلى نحو 12.5 بالمائة). وفي المجال الصحي كانت أسرة المستشفيات الحكوميـة لا تتجاوز 12 بالمائة من مجموع أسرة المستشفيات في لبنان. أما مؤسسة الضمان الاجتماعي فكانت في بداية عملها الفعلي (7).

  2النتائج الاقتصادية والاجتماعية لليبرالية اللبنانية قبل الحرب: لقد استطاع الاقتصاد اللبناني، وبفضل عوامل خارجية لا مجال لتناولها الآن، أن يحقق على امتداد ربع قرن (1950 -1974) معدلات نمو مرتفعة نسبياً (بلغت كمتوسط وبالأسعار الحقيقية نحو 5 بالمائة سنوياً) مصحوبة بتوازنات مالية ونقدية، داخلية وخارجية، لافتة. لكن الليبرالية اللبنانية المفرطة حالت دون إدراج حركة النمو الاقتصادي السريع في إضفاء سياسة رسمية مالية اقتصادية اجتماعية متكاملة يكون، كما آلت الأمور في الاقتصادات الحديثـة، للدولة فيها وعبر النظام الضريبي بشكل خاص، دور رئيسي، خصوصاً لناحية معالجة الاختلالات التي تنجم عن إطلاق العنـان لقوى السوق الحرة. وهكذا أصبحت سلسلة التفاوتات البنيوية التي كان يشكو منها لبنان في أواخر الخمسينات (التفاوتات في توزيع الدخل الوطني والخدمات الاجتماعية على مختلف قطاعات الإنتاج والمناطق والفئات)، أصبحت أكثر خطورة في بدايـة السبعينات. فقطاع الخدمات وصلت نسبته من الناتج المحلي الإجمالي إلى أكثر من 70 بالمائة ونسبة الـ4 بالمائة من اللبنانيين الذين كانوا في بداية الستينات يستحوذون على ثلث الدخل الوطني، أصبحت 2.5 بالمائة. كذلك زادت درجة تركيز النشاط الاقتصادي في بيروت وضواحيها. فأصبح هذا المحيط الجغرافي الضيق يستقطب ما لا يقل عن 70 بالمائة من النشاط الاقتصادي. أما على صعيد الخدمات فقد استقطبت بيروت وضواحيها نحو 80 بالمائة من المدارس الخاصة وجميع مؤسسات التعليم العالي و77 بالمائة من أسرة المستشفيات و80 بالمائة من عدد الأطباء. وبالرغم من دفق الهجرة الكثيف نحو الخارج، فإن معدل البطالـة تجاوز 8 بالمائة من مجموع القوى العاملة. هذا كله جعل النصف الأول من السبعينات يتميز بمناخ اجتماعي شديد التوتر بفعل تصاعد الحركة المطلبية التي شملت فئات اجتماعية كثيرة: طلاب، عمال، مزارعون، سكان مناطق محرومـة،  . . . الخ. فلا عجب أن تنفجر الحرب في ظل هكذا مناخ.

  2.  النظام الضريبي في فترة الحرب

  باعتبار أن ظروف الحرب هي ظروف استثنائية على جميع الصعد، فإننا، فيما يتعلق بالنظام الضريبي، سوف لا نتوقف إلا عند أهم التغيرات التي أحدثتها الحرب على هذا الصعيد، والتي كان لهـا تأثير كبير على المرحلة التي تلتها. وعليه، نلاحظ أن نسبـة الإنفاق العام إلى الناتج المحلي الإجمالي استمرت بالارتفاع خلال سنوات الحرب من نحو 15 بالمائة في 1974 إلى نحو 36 بالمائة في 1980 إلى نحو 40 بالمائة في 1989(8). ويعود ذلك، من جهة، إلى التدهور الذي حصل في الناتج المحلي الإجمالي، ومن جهة ثانية، إلى بقاء النفقات العامة على مستوى مرتفع نسبياً، بسبب زيادة الاستخدام في الإدارة العامة ودعم أسعار عدد من السلع الأساسية المستوردة. لكن الإيرادات العامة العادية، وعلى الخصوص الإيرادات الضريبية، وعلى الأخص الإيرادات من الضرائب غيـر المباشرة، استمرت بالانخفاض وذلك بسبب عوامل كثيرة أهمها تدهور الناتج المحلي وما نتج عن قيام الميليشيات وقوى الأمر الواقع بتجريد الدولة من معظم سلطاتها السياسية والأمنية والعسكرية والإدارية، من استيلاء على جزء كبير من الإيرادات العامـة، بوضع اليد على معظم المرافئ والمرافق العامة والتقليل من قدرتها على تحصيل الجزء الباقي. أضف لجوء الدولة نفسها، عندما أخذ سعر صرف الليرة يتدهور بسرعة، إلى احتساب الرسوم الجمركية على أساس سعر صرف ثابت للدولار تجاه الليرة. وهكذا فإن الإيرادات العادية، التي كانت في عام 1974 تفيض عن النفقات، أصبحت لا تغطي سوى 17 بالمائة من هذه الأخيرة في عام 1980 وفقط 9 بالمائة في عام 1989. والباقي أصبحت تغطيه الواردات الاستثنائية (إصدار النقود والاكتتاب في سندات الخزينـة) (9). أما الإيرادات الضريبيـة نفسها التي كانت في عام 1974 تشكل نحو 74 بالمائة من مجموع الإيرادات العادية، أصبحت تشكل نحو 68.5 بالمائة من هذه الإيرادات في 1980 ونحو 27.5 بالمائة في عام 1985 ونحو 17.8 بالمائة فقط في عام 1989. أي أن نسبة الإيرادات غير الضريبية في هذا العام الأخير تكون قد بلغت نحو 82.2 بالمائة من الإيرادات العادية. هذا مع العلم أن الجزء الأعظم من الإيرادات غير الضريبية كان يأتي من الأرباح التي يحققها البنك المركزي على أسعار القطع. وعلى كل يجب أن نلاحظ أن الإيرادات الضريبية لم تعد تغطي في عام 1989 سوى 1.6 بالمائة من مجموع الإنفاق. وفيما يتعلق بتركيب الإيرادات الضريبية، نلاحظ أن الضرائب غير المباشرة التي كانت تشكل في عام 1974 نحو 77.4 بالمائة من مجموع الإيرادات الضريبية (منها نحو 51 بالمائة رسوم جمركية) أصبحت في عام 1980 لا تشكل سوى 52 بالمائة من الإيرادات الضريبية (منها نحو 42 بالمائة رسوم جمركية) أما في سنـة 1989 فقد هبطت هذه النسبة إلى نحو 43 بالمائة (منها نحو 22 بالمائة فقط رسوم جمركية) (الجدول رقم –2(.

3النظام الضريبي في الوقت الحاضر

عملياً، كانت الأوضاع الاقتصاديـة والمالية خلال السنوات الثلاث التي أعقبت اتفـاق الطائف، امتداداً للأوضاع التي سادت في السنوات الأخيرة من الحرب. ولم تبدأ السلطات المسؤولة بمعالجة هذه الأوضاع المتردية بصورة جدية إلا في أواخر عام 1992، وفي إطار ما سمي بخطـة النهوض الاقتصادي وإعادة الإعمار. وقد قامت هذه الخطة على اعتبار أن المشكلـة الأساسية التي يعانيها الاقتصاد اللبناني بعد الحرب. هي مشكلة استئناف عملية النمو التي وضعت هذه الحرب حداً لها. وأن إطلاق عملية النمو تكون، بالدرجة الأولى، من خلال تمكين القطاع الخاص بشقيه المحلي والأجنبي من الاستثمار بكثافـة في مختلف القطاعات الإنتاجية. وعليه، فالمهمة الرئيسيـة المطروحة على الدولة في هذا الإطار هي تحديداً توفير المناخ المناسب الذي يمكن القطاع الخاص من القيام بالاستثمارات اللازمة.

  أما خلق المناخ المطلوب فيقتضي من الدولة أن تقوم بأمور ثلاثة رئيسية:

  أولاً: إعادة إعمار وتحديث ما تهدم وتقادم خلال الحرب من بنى تحتية مادية (كهرباء، ومياه ومواصلات واتصالات ومرافق صحية وتربوية، . . . الخ).

  ثانياً: تحقيق الاستقرار النقدي والمالي من خلال تثبيت سعر صرف الليرة وتقليص العجز في الموازنة تدريجياً وصولاً إلى تحقيق فائض فيها.

  ثالثاً: تحدث بعض الأطر التشريعية والمؤسسية المحفزة لنشاط القطاع الخاص خصوصاً في المجالين المصرفي والمالي.

في هذا الإطار، كان مطلوباً من النظام الضريبي أن يقوم بمهمتين رئيسيتين: الأولى هي توفير ما أمكن من إيرادات للخزينـة بهدف تقليص العجز في الموازنة وفي الوقت نفسه المساهمة في تمويل الإنفاق على إعادة الإعمار. أما المهمة الثانية فهي المساهمة في توفير الحوافز للقطاع الخاص ليقوم بالاستثمار على نطاق واسع. وفي هذا السباق قامت السلطات المسؤولة بتناول النظام الضريبي بعدد من الإجراءات التي لم تمس جوهره، فأبقت على الخصائص الرئيسية التي كانت تميزه قبل الحرب. أضف إلى ذلك أنها لم تعط النتائج المرجوة منهـا، لا بل زادت في حدة بعض المشاكل التي كان يعاني منها لبنان قبلاً، لا سيما على الصعيد الاجتماعي.

   أ- الإجراءات التي تناولت النظام الضريبي:

   تندرج الإجراءات التي تناولت النظام الضريبي في السنوات الأخيرة في مجموعتين رئيسيتين: واحدة تشمل الإجراءات التي تناولت الضرائب المباشرة، والثانية تشمل الإجراءات التي تناولت الضرائب غير المباشرة.

 1.  الإجراءات التي تناولـت الضرائب المباشرة: تتمثل الإجراءات التي اتخذت في هذا المجال، بالتعديلات التي أدخلت في نهاية العام 1993 على قانون ضريبة الدخل الصادر بموجب المرسوم الاشتراعي رقم 144 بتاريخ 12/6/1959 وأهم هذه التعديلات هي:

* التعديلات التي طالت ضريبة الدخل على الرواتب والأجور: بعد أن كان معدل الضريبة على الرواتب والأجور يرتفع تصاعداً من 2 بالمائة إلى 32 بالمائة حسب الشطور (13 شطراً)، تقلصت هذه المروحة إلى 2 – 10 بالمائة وانخفض عدد الشطور إلى خمسة، وألغيت العلاوات التي كانت تطال هذه الضريبة لصالح البلديات والتعمير. كما ارتفع سقف الحد الأدنى الضروري للمعيشة المعفى من الضريبة إلى 3 ملايين ليرة للعازب و6 ملايين ليرة للمتزوج وله خمسة أولاد.

  *التعديلات التي طالت ضريبة الدخل للمؤسسات الفردية وشركات الأشخاص: بعد أن كانت معدلات هذه الضريبـة تتراوح من 6 بالمائة إلى 50 بالمائة موزعة على 12 شطراً، تقلص عدد الشطور إلى أربعة وأصبح المعدل للشطر الأدنى 3 بالمائة وللشطر الأعلى 10 بالمائة.

*التعديلات التي طالت ضريبة الدخل على شركات الأموال: خفض معدل هذه الضريبة المقطوع من 22 بالمائة إلى 10 بالمائة وألغيت علاوة 15 بالمائة التي كانت تطالـه لحساب البلديات والتعمير. كما خفض معدل ضريبة توزيع الأرباح من 12 بالمائة إلى 5 بالمائة وأعفيت من علاوة 3 بالمائة كانت تلحقها لصالح التعمير.

* التعديلات التي طالت بعض الضرائب المباشرة الأخرى: خفضت الضريبة على إيرادات الأموال المنقولة من 12 – 15 بالمائة إلى 5 بالمائة وخفضت الضريبة على ربح التحسين من 15 بالمائة إلى 6 بالمائة. وخفض رسم انتقال الملكية من 6 – 15 بالمائة إلى 3 – 10 بالمائة. أما إيرادات الأملاك المبنية، التي كانت تطالهـا معدلات اقتطاع مختلفة تصل بمجموعها إلى 15 بالمائة لتصبح تصاعدية على الإيرادات التي تزيد عن 350 ألف ليرة، فقد خفضت الضريبة عليها إلى ما بين 4 بالمائة و10 بالمائة دون علاوات.

  وتتلخص الأسباب الموجبة لهذه التخفيضات الكبيرة، من وجهة النظر الرسمية، بأربعة هي التالية:

 –  تبسيط القوانين الضريبية بما يتناسب وأوضاع الإدارة الضريبية ذات الإمكانات البشرية والفنية المتواضعة.

 –  تخفيف عبء الضريبة عن ذوي الرواتب والأجور المنخفضة والمحدودة.

 –  زيادة الإيرادات من هذه الضرائب، فنسبة التهرب من دفعها كانت في الماضي كبيرة جداً ومن شأن هذا التخفيض أن يجعل كلفـة التهرب أو الغش مساوية، إن لم يكن، أعلى من المبلغ المتوجب.

 –  تشجيع وتحفيز الرساميل الخاصة المحلية والأجنبية على الاستثمار في لبنان. وهذا هو السبب الأهم برأي المسؤولين.

ولكن مهما كانت أسباب هذه التعديلات فإن المستويات التي استقرت عليها الضرائب على الدخل في لبنان في الوقت الحاضر وهي لناحية انخفاضها، من الاستثناءات النادرة على الصعيد الدولي، حتى بالنسبة للبلدان الأكثر استدراجاً للاستثمارات الخارجية. فالقليل من البلدان النامية يخفض فيها معدل الضريبة على الشطر الأعلى من الدخول عن 50 بالمائة. والكثرة منها يتراوح فيها هذا المعدل بين 50 بالمائة و70 بالمائة ويزيد عن 70 بالمائة في عدد غير قليل من البلدان المذكورة ومنها مصر وتونس والمغرب (10). أما معدل الضريبة العادي على أرباح الشركات فمن النادر أن ينخفض في البلدان النامية عن 25 بالمائة فهو في مصر 32 بالمائة وفي كل من الأردن وتونس 38 بالمائة وفي تركيا 46 بالمائة وفي المغرب 48 بالمائة (11).

 2الإجراءات التي تناولت الضرائب غير المباشرة: تضمنت قوانين الموازنات منذ 1993 الكثير من التعديلات على معدلات وقيم الضرائب والرسوم غير المباشرة. وفيما عدا بعض الاستثناءات القليلة ذهبت هذه التعديلات بمعظمها نحو زيادة هذه الضرائب والرسوم. ذلك أن فشل السلطات المسؤولة في لجم الإنفاق العام، ومحاولة منهـا للحد ما أمكن من تزايد العجز في الموازنة، دفعها لتضمين قانون الموازنة في كل عام جدولاً ينص على رفع معدلات الضريبة وزيادة الرسوم على قائمـة طويلة من السلع والخدمات ويأتي على رأس هذه القائمة لناحية معدلات الارتفاع في الضرائب والرسوم: المحروقات، الخدمات الحكومية، بعض الرسوم الجمركية (على استيراد السيارات وعدد من السلع الكمالية) بالإضافة إلى الخدمات العامة من كهرباء ومياه وهاتف. وبخصوص الرسوم الجمركية تحديداً فقد أعيد النظر فيها بشكل عام لناحيـة تقليص عدد الشطور وتخفيض عدد فئات التعرفة وتبسيط المعاملات.

  ب- أثر الإجراءات التي تناولت الضرائب على خصائص النظام الضريبي اللبناني:

بالرغم من الزيادة الكبيرة نسبياً التي حققتها الإيرادات الضريبية في السنوات الأخيرة قياساً بالمستوى الذي كانت عليه في السنوات الأخيرة من الحرب، فإن العجز في الموازنة بقي على مستوى مرتفع (نحو 18 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي كمتوسط)، كذلك بقيت خصائص النظام الضريبي اللبناني كما كان قبل الحرب أي خصائص النظام الضريبي للبلدان الناميـة ذات الدخل المنخفض، إن كان لناحية انخفاض الاقتطاع الضريبي، أم لناحية غلبة الضرائب غير المباشرة وداخلها غلبة الرسوم الجمركية، أم للانخفاض الملحوظ في نسبة الضرائب على الدخل، أم أخيراً لناحية الاستمرار في اعتماد الضرائب الخاصة والنوعية. وفيما يتعلق بهذه النقطة الأخيرة نلاحظ أن البلدان النامية بما فيها البلدان ذات الدخل المنخفض قطعت شوطاً بعيداً في اعتماد الضرائب على المبيعات أو القيمة المضافـة. فالإيرادات من هذا النوع من الضرائب شكلت في عام 1985 نسبة 17 بالمائة من مجموع الإيرادات الضريبية في البلدان ذات الدخل المنخفض وهي النسبة نفسها في البلدان الصناعية (12).

 1.  مستوى الاقتطاع الضريبي: لم تتجاوز نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج المحلي الإجمالي في لبنان خلال الفترة  1994 – 1996، 12.3 بالمائة كمتوسط في السنة (13) في حين بلغت نسبة الإيرادات الضريبية إلى الناتج القومي الإجمالي في عـام 1994: 22.2 بالمائة في الأردن و24.3 بالمائة في تونس وأكثر من 26 بالمائة في كل من مصر والمغرب (14). في الفترة 1994 – 1996 نفسها بلغت نسبة الإيرادات الضريبية إلى مجموع الإيرادات العادية للموازنة نحو 75 بالمائة كمتوسط سنوي. غير أن الإيرادات العادية لم تشكل في الفترة المذكورة سوى 48 بالمائة من مجموع النفقات (15)، مما يعني أن أكثر من نصف النفقات العامة كانت تغطية الواردات الاستثنائية (القروض).

 2.  تركيب الإيرادات الضريبية: من الجدولين -1- و -2- نلاحظ أنه في السنوات الثلاث 1996 – 1998 بلغت نسبة الإيرادات من الضرائب غير المباشرة إلى مجموع الإيرادات الضريبية المقدرة في مشاريع الموازنة، نحو 75 بالمائة، كمتوسط سنوي. وهذه النسبة كانت في عام 1985 نحو 70 بالمائة في البلدان ذات الدخـل المنخفض و51 بالمائة في البلدان ذات الدخل المتوسط     و31 بالمائة في البلدان الصناعيـة. وداخل الضرائب غير المباشرة شكلت الضرائب على التجارة الخارجيـة في لبنان (الرسوم الجمركية) نحو 58 بالمائة من مجموع الإيرادات الضريبية. هذا في حين أنها شكلت 38 بالمائة في البلدان ذات الدخل المنخفض    و21 بالمائة في البلدان ذات الدخل المتوسط و2 بالمائة فقط في البلدان الصناعية.

وفي حين لم تشكل الضرائب المباشرة في لبنان سوى 25 بالمائة من الإيرادات الضريبية المقدرة للفترة 1996 – 1996، منها 12 بالمائة فقط للضرائب على الدخل، نلاحظ أن هاتين النسبتين كانتا في عام 1985 وعلى التوالي 29 بالمائة و25 بالمائة في البلدان ذات الدخل المنخفض، 49 بالمائة و32 بالمائة في البلدان ذات الدخل المتوسط، و69 بالمائة و35 بالمائة في البلدان الصناعية.

ج- الأبعاد الاقتصادية الاجتماعية للنظام الضريبي في وضعه الخاص:

تظهر الأبعاد الاقتصادية الاجتماعية التي يأخذها النظام الضريبي في لبنان في الوقت الحاضر، من خلال النتائج التي أسفرت عنها الإجراءات التي تناولت بشكل أو بآخر هذا النظام في السنوات الأخيرة، لا سيما فيما يتعلـق بتحقيق الأهداف التي توختها السلطات العامة من قيامها بهذه الإجراءات.

  وإذا كنا قد رأينا فيما تقدم من كلام على خصائص النظام الضريبي اللبناني في الوقت الحاضر، أن هذه الخصائص قد عادت بشكل عام، إلى ما كانت عليه قبل الحرب خصوصاً لناحية عدم عدالته وضعف فعاليته، فماذا يمكن القول عن النتائج التي أسفر عنها عمل هذا النظام قياساً على ما حددته له السلطات الرسمية من أهداف؟

 1.  النتائج على صعيد معالجـة العجز في الموازنة: من الواضح أن النظام الضريبي قد فشل في تحقيق المطلوب منه على هذا الصعيد، فالعجز لم يقل عن  45 بالمائة من حجم الإنفاق. قد يقال أن تخفيض هذا العجز يتطلـب أيضاً لجم الإنفاق. هذا صحيح، إذا كان المقصود من ترشيد الإنفاق هو إلغاء هامش الإهدار الكبير في النفقات العامة ووضع سلم أولويات واضح على هذا الصعيد. ولكننا نلاحظ بالمقابل أن حجم الحاجات الاقتصادية والاجتماعية لبلد كلبنان يعاني من آثار حرب مدمرة استمرت 16 عاماً، سيبقى كبيراً. وفي جميع الأحوال فإن مستوى التكليـف الضريبي (الاقتطاع الضريبي) لا يزال بجميع المقاييس منخفضاً، فهو كما سبق ورأينا لا يتجاوز نصف ما هو عليه في بلدان كمصر وتونس والمغرب.

 2.  الناتج على صعيد تشجيع الاستثمار: ما يمكن قوله بشكل عام بهذا الخصوص هو أن الدراسات الميدانية لا سيما المتعلق منها بتجارب البلدان الأكثر نجاحاً في استدراج الاستثمارات الخاصـة المحلية والأجنبية، تجمع على مستوى ضريبة الدخل لا يأتي في عداد العوامل الرئيسية المؤثرة في خلق مناخ استثماري مناسب، ويسبقه عل رأس قائمة هذه العوامل حسب أهميتها عوامل كثيرة مثل الاستقرار السياسي، والاستقرار الاقتصادي، ومعدلات الربح، ومستوى البنى التحتية، وأجور اليد العاملة ومستويات تأهيلها، . . . الخ.

أما في ما يتعلق بلبنان تحديداً، نلاحظ أن ندرة الاستثمار في القطاعات الإنتاجية تشكل في الوقت الحاضر أهم المشاكل الرئيسية المطروحة على الصعيد الاقتصادي. وإذا كان من دور قد لعبته ضريبة الدخل على صعيد تشجيع الاستثمارات فهو إقبال الرساميل الخاصة على التوظيف في سندات الخزينـة المعفية من الضرائب والحازمة في الوقت نفسه لهذه الرساميل عن التوظيف في القطاعات الإنتاجية الخالقة لفرص العمل.

 3.  النتائج على صعيد تخفيف العبء الضريبي عن أصحاب الدخل المحدود: لا شك أن الإعفاءات والتخفيضات الضريبية التي لحقت بالرواتب والأجور، قد حـررت جزءاً لا يستهان به من دخول أصحاب هذه الفئة. لكن مما لا شك فيه أيضاً أن ما أعطي للفئة المذكورة من هذه الجهة (بيد) عادت تدفعه مضاعفاً من جهة ثانية (باليد الأخرى). وذلك بسبب الارتفاع المستمر للضرائب والرسوم غير المباشـرة ولأسعار الخدمات العامة الأساسية من كهرباء ومياه وهاتف. زد على هذا الضريبـة الناتجة عن التضخم التي استمرت خلال السنوات الماضية، تنهش من الرواتـب والأجور، خلال السنوات الأربع الماضية بما يقارب 10 بالمائة سنوياً. هذا يعني أم مستوى معيشة أكثر من 75 بالمائة من اللبنانيين (وهم الذين يعيشون من الرواتب والأجور ومصادر الدخل المحدود الأخرى) استمر بالتدهور، وأن شرائح واسعة من الطبقة الوسطى قد هبطت إلى ما دون خط الفقر. وبهذا الخصوص، كانت إحدى الدراسات قد قدرت نسبة الذين يعيشون تحت خط الفقر في أوائل سنة 1996 بنحو 30 بالمائة من مجموع السكان (16).

     محصلة الأمر إذن هي أن النظام الضريبي في لبنان، لا يلعب الدور المفروض أن يلعبه، بشكل عام، على الصعد المالية والاقتصادية والاجتماعية، ولا الدور المفروض أن يلعبه، خصوصاً، في دفع عمليـة النهوض وإعادة الإعمار. طبعاً هذا لا يعني أن النظام الضريبي هو وحده المسؤول عن جميع المشاكـل التي يعاني منها لبنان في الوقت الحاضر، من الركود الاقتصادي إلى اتساع الهوة في توزيع الدخل الوطني، مروراً بارتفاع معدلات البطالة والفقر . . . الخ. فمن البديهي أن تكون هذه المشاكل نتيجة لأخطاء في مجمل السياسة الرسمية بجوانبها المختلف، النقديـة والمالية والاقتصادية والاجتماعية، وإنما يعني أن النظام الضريبي بوضعـه الحالي، قد رفع كثيراً من الكلفة المالية والاقتصادية والاجتماعية لعملية النهوض وإعادة الإعمار. ويتحمل بالتالي جزءاً كبيراً من المسؤولية عن مراوحة هـذه العملية مكانها في الوقت الحاضر. وأنه من الضروري إعادة النظر بهذا النظام بأسرع وقت ممكن.

د- التعديلات الواجب إدخالها على النظام الضريبي في لبنان:

من الواضح أنه لا مجال هنا للدخول في تفاصيل هذا الموضوع من الناحية الفنية أو التقنية. لذلك نكتفي بالتوجهات العامة التي نرى من الضروري أن يأخذها أي إصلاح للنظام الضريبي في لبنان. وهي:

   أولاً: ننطلق من التقديرات الرسمية التي تضع متوسط دخل الفرد في لبنان في الوقت الحاضر في مستوى يقترب من خمسة آلاف دولار، لنلاحظ أن هذا الرقم يضع بدوره لبنان في عداد الشريحة العليا من البلدان النامية وذلك حسب تصنيفات البنـك الدولي. وهذا يدفعنا إلى القول بأن على الإصلاح الضريبي العتيد أن يستهدف جعل الخصائص الرئيسية للأنظمـة الضريبية في الشريحة المذكورة، وتحديداً: أن ترتفع نسبة الاقتطاع الضريبي من مستواها الحالي (نحو 13 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي) أي ما لا يقل عن 20 بالمائة من الناتج. وأن يتغير في الوقت نفسه التركيب الحالي للواردات الضريبية لترتفع حصة الإيرادات من الضرائب المباشرة بما فيها الاقتطاعات لصالح الضمان الاجتماعي، إلى ما لا يقل عن 50 بالمائة من مجموع الإيرادات الضريبية (فتنخفض في المقابل حصة الضرائب غير المباشرة إلى نحو 50 بالمائة من مجموع الإيرادات الضريبية) وأن ترتفع في الوقت نفسه حصة ضريبة الدخل إلى ما لا يقل عن 25 بالمائة من الإيرادات الضريبية. وفيما يتعلق بالضريبة على دخل الأفراد، أن تفرض هذه الضريبـة على مجموع دخول الفرد الواحد مهما اختلفت مصادرها، وأن يرتفع في الوقت نفسه عدد الشطور إلى ما لا يقل عن ثمانية. وتزيد التصاعدية بحيث لا يقل معدل الضريبة على الشطر الأعلى  عن 30 بالمائة. أما الضريبة المقطوعة على أرباح الشركات فيجب أن لا تقل عن 25 بالمائة وزيادة نسبة الضريبة على الأرباح الموزعة إلى ما لا يقل عن 15 بالمائة.

   ثانياً: من الضروري أن يجري توسيع قاعدة المكلفين بالضريبة المباشرة من الناحيتين القانونية والعملية الإجرائية:

من الناحية القانونية، من الضروري أن تشمل الضريبة الدخول من الفوائد على الودائـع في المصارف والفوائد على سندات الخزينـة وأرباح شركة سوليدير. كما أنه من الضروري أن تشمل الضريبة الزيادة في الثروات ورؤوس الأموال المحققة من المضاربات والتحسين العقاري بالإضافة إلى وجوب فرض ضريبة على المظاهر الخارجية للثروة.

ومن الناحية العملية من الضروري أن تطال الضريبة فئات كثيرة لا تطالها إلى الآن لأسباب عملية: أطباء، مهندسون، محامون، فنانون، وغيرهم من أصحاب المهن الحرة.

  ثالثاً: فيما يتعلق بالضريبة غير المباشرة، من الضروري أن يبدأ منذ الآن الإستعاضة عن الضرائب النوعية والرسوم الجمركية بالضريبة المدمجة على الإنفاق، كالضريبة على القيمة المضافة.

  رابعاً: من الواضح أن إصلاح النظام الضريبي من خلال هذه التوجهات لا يمكن أن يعطي النتائج المرجوة منه ما لم يكن في أساسه إصلاح لإدارة الضريبة بحيث يصبـح لديهـا القدرة والكفاءة اللازمتان للحصول على أكبر مردود ضريبي وذلك من خلال رفع مستوى أجهزة المحاسبة والتأكد والمراقبـة والجباية . . . وهذا لا يتـم إلا من خلال تحسيـن الوضع المادي والمعنوي للعنصر البشري فيها ورفع كفاءاته العلمية والفنية من جهة، وتأمين المعدات والتجهيزات التقنية المتطورة من ناحية ثانية.

جدول رقم -1- تركيب الإيرادات الضريبية حسب مجموعات بلدان العالم 1975-1985 بالنسبة المئوية

مجموعة البلدان

 

 

 

               السنة

 

نوع الضريبة                    

البلدان ذات الدخل المنخفض

البلدان ذات الدخل المتوسط

البلدان ذات الدخل المرتفع (البلدان الصناعية(

1975

1985

1975

1985

1975

1985

1-الضرائب على الأشخاص الطبيعيين

2-الضرائب على الشركات

3-الضرائب الأخرى على الدخل

9182

9151

8175

10175

2770

2771

أ-مجموع الضرائب على الدخل 1+2+3

29

25

30

32

34

35

4-اشتراكات الضمان الاجتماعي

5-الضرائب على الثروة

6-غيرها

122

112

1234

1124

2921

3121

ب-الضرائب المباشرة الأخرى 4+5+6

5

4

19

17

32

34

مجموع الضرائب المباشرة  أ+ب

34

29

49

49

66

69

7-الضرائب على المبيعات والقيمة المضافة

8-الضرائب النوعية على المنتوجات

9-غيرها

13132

17132

9125

13125

16102

17102

ج-الضرائب الداخلية على السلع والخدمات 7+8+9

28

32

26

30

29

29

10-الرسوم على الاستيراد11-الرسوم على التصدير12-غيرها

25112

2981

2041

1821

400

200

د-الضرائب على التجارة الخارجية (رسوم جمركية) 10+11+12

38

38

25

21

4

2

مجموع الضرائب غير المباشرة ج+د

66

70

51

51

33

31

مجموع الإيرادات الضريبية أ+ب+ج+د

100

99

100

100

99

100

 المصدر: BANQUE MONDIALE: Rapport sur le développement dans le monde 1988.

  جدول رقم -2- تركيب الإيرادات الضريبية في لبنان 1964 – 1992 بالنسبة المئوية

19641969

1974

1980

1989

19961998

1-الضرائب المباشرة منها الضريبة على الدخل

30.4

10.4

27.8

13

16.7

11.1

22.6

15

32.6

47.7

10.1

56.7

189

24

12

2-الضرائب غير المباشرة منها الرسوم الجمركية

50

32

62.2

39.8

57

37.5

77.4

51

35.8

29

52.3

42.3

7.7

3.9

43.3

22

57

44

76

57

3-مجموع الإيرادات الضريبية 1+2

80.4

100

73.7

100

68.5

100

17.8

100

75

100

4-الإيرادات غير الضريبية

19.6

26.3

31.5

82.2

25

5-مجموع الإيرادات العادية 3+4

100

100

100

100

100

نسبة الإيرادات غير العادية (العجز) إلى مجموع النفقات

83

91

36

المصدر: للفترة 1964 – 1969 احتسبت النسب من الأرقام الواردة في المجموعات الإحصائية للأعوام 1967 – 1970 (المديرية العامة للإحصاء المركزي).

للسنوات 1947 و1980 و1989 أنظر نجيب عيسى، الإصلاح الاقتصادي وإعادة الإعمار في لبنان. منشورات الأمم المتحدة – اسكوا – 1993.

          للفترة 1996 – 1998 احتسبت من الأرقام الواردة في فذلكة الموازنة للعامين 1997 و1998.

1.    M. DUVERGER: “Finances publiques” collection THEMIS. P.U.F. Paris. 1963.

2.    أنظر (1).

3.    BANQUE MONDIALE: ” Rapport sur le Développement dans le Monde 1988″.

4.    أنظر (3).

6.    أنظر (3(.

7.    7- Najib ISSA. Najib: “Structures actuelles et politiques du développement au Liban. Possibilités et limites du développement industriel”. Thèse de Doctorat -ES-Sciences économiques. Université de Paris. 1973

8.    نجيب عيسى: “الإصلاح الاقتصادي وإعادة الإعمار في لبنان” منشورات الأمم المتحدة – اسكوا – 1993.

9.   أنظر فذلكة موازنة 1998 (الإيرادات الفعلية).

10.    -14- BANQUE MONDIALE: “Rapport sur le Développement dans le monde 1996”.

11.   حداد أنطوان: “الفقر في لبنان” منشورات الأمم المتحدة – اسكوا – 1996.

فما هو واضح أن نظامنا الضريبي في لبنان ما زال نظام مجحف و خصوصا بحق الطبقتين الفقيرة و المتوسطة , و ذلك ما يساهم بتعزيز الفقر في لبنان و بالتالي هذه الآفة سوف تكون قنبلة موقوتة إن لم نأخذ أي حركة إصلاحية لأن هذا الإجحاف سوف يأخذنا إلى مزيد من العنف و العنف لن يولد إلا العنف . ممكن من ضمن سياستنا الإصلاحية يجب دعم برامج المبادرات الإقتصادية و الإجتماعيات و بالتالي خلق فرص عمل جديدة للشباب كما تعديل نظامنا الضريبي المجحف … فهل من المقبول أن تكون اليخوت معفاة من الضرائب و حليب الأطفال الذي لا يتمكن من شربه آلاف الأطفال بسبب غلائه عليه ضريبة !! فعن أي عدالة نتحدث ؟

 

مؤسسة كهرباء لبنان بين فسادها و إحتكارالخصخصة


 

مؤسسة كهرباء لبنان هي مؤسسة عامة ذات طابع صناعي وتجاري. أنشئت مؤسسة كهرباء لبنان بموجب المرسوم 16878 بتاريخ 10 تموز 1964 لتتولى أمور إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية على كافة الأراضي اللبنانية .

تقوم المؤسسة بشراء كميات من الطاقة من مصادر محلية مثل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني ، شركة نهر إبراهيم وشركة البارد. وهذه المصادر تمتلك معامل تعمل على إنتاج الطاقة الكهربائية مستخدمة كميات المياه المتساقطة لذلك. وتجدر الإشارة إلى هذه المعامل صغيرة بمعظمها . وتتحكم كميات المياه المخزنة بكميات الإنتاج التي تخف كثيرا” خلال فصل الصيف .

إن شبكة النقل العائدة للمؤسسة تتضمن عدة أنواع من خطوط النقل ، منها ما ينقل الطاقة المنتجة بتوتر 220 ك.ف ، 150 ك.ف و66 ك.ف إلى حوالي 58 محطة تحويل رئيسية  تقوم بتحويل التيار من تيار عال إلى تيار متوسط ليتم بعدها إلى تحويله إلى تيار منخفض لكي يتم إيصاله إلى المشتركين .

يبلغ طول شبكة النقل المستخدمة حاليا” أكثر من 1615 كلم من خطوط النقل ( 1336كلم منها خطوط هوائية و279 كلم عبارة عن كابلات مطمورة) .

إن قسم التوزيع في المؤسسة يتضمن محطات التحويل من تيار متوسط إلى تيار منخفض التي تضم 15000 محول مع كل مستلزماتها وقطع الغيار العائدة لها وذلك بغية إيصال التيار الكهربائي إلى عدادات المشتركين.

إن طاقم الموظفين الحالي يبلغ عددهم الحالي حوالي 2300 موظف من أصل 5020 موظف كما هو وارد في هيكلية المؤسسة.

إن أول مرة تم فيها تأمين خدمة الكهرباء في لبنان كانت في سنة 1885 حيث لم تكن تلك الخدمة تلبي الحاجة المطلوبة ولم يكن بالإمكان الاعتماد عليها .

بتاريخ 1885/12/29 أقرت الامبرطورية العثمانية بإنشاء هيئة منافسة وذلك بغية امتلاك منشآت ومعامل إنتاج بهدف تأمين خدمة التيار الكهربائي بشكل يلبي الحاجات المطلوبة وبسعر منخفض .

أنيرت مدينة طرابلس فيما مضى وسائر محافظة الشمال بموجب إمتياز من قبل المفوض السامي الفرنسي في العام 1926 لنقل وتوزيع القوة الكهربائية وفق إتفاقية أنشئت فيها أربع محطات بخارية ومائية لإضاءة أقضية بشري وزغرتا والكورة و”طرابلس البحر المتوسط”

وضع المؤسسة الإداري و الإنتاجي:

 

الهدر الفني

إن الهدر الفني يقدر بـ15 بالمئة، وغير الفني (السرقات والتعديات) 20 بالمئة، و«المشكلة تتعلق بالهدر الفني الذي يتطلب مؤازرة أمنية لوقف التعديات».

فنسبة الجباية تبلغ 90 بالمئة للطاقة المفوترة (الصادرة قيمتها عن طريق الفواتير(

و أما عجز المؤسسة، فالموازنة العامة 2009 قدرت العجز بقيمة 1.4 مليون دولار على أساس سعر برميل النفط 54 دولاراً، وهذا يعني أن العجز سيتخطى الملياري دولار العام 2009.

ويذكر أن مؤسسة كهرباء لبنان تتولى أمور إنتاج ونقل وتوزيع الطاقة الكهربائية على كافة الأراضي اللبنانية، كما تقوم بشراء كميات من الطاقة من مصادر محلية، مثل المصلحة الوطنية لنهر الليطاني، وشركة نهر إبراهيم وشركة البارد، وهذه المصادر تمتلك معامل تعمل على إنتاج الطاقة الكهربائية باستخدام المياه المتساقطة.

وتجدر الإشارة إلى هذه المعامل معظمها صغير، وتتحكم كميات المياه المخزنة بكميات الإنتاج التي تقل كثيراً خلال فصل الصيف.

مشكلة الجباية و التقنيات المتبعة

«الخصوصيّة اللبنانيّة» في ما يتعلّق بالجباية ومستوى السرقة المتوزّعة في جميع المناطق اللبنانيّة،ّ الناس من كل الفئات، بمن فيهم الفقراء ومتوسّطو الدخل «مستعدّون للدفع في مقابل ضمانات حقيقيّة بحصولهم على الكهرباء». وعموماً فإنّ أيّ هيكلة للقطاع إن كانت على صعيد الإنتاج أو التوزيع «يجب أن تراعي التشطير بحسب الاستهلاك الشهري أو بحسب المناطق» بسبب «الخصوصيّة» نفسها، ومن المعروف أنّ تلك الاعتبارات لا يستطيع القطاع الخاص أن يحترمها، وأن يرتّب حساباته وفقاً للمعايير الاجتماعيّة.

تخفيف التعرفة و الشطور ، إلزام القيادات السياسية على الدفع لتكون قدوة للمجتمع

فالخلل في الفوضى الحالية يعود إلى قصر النظر في اسلوب مؤسسة الكهرباء في إصدار فواتيرها التي يعجز معظم المواطنين عن دفعها وعن دفع قيمة المحاضر والغرامات التعجيزية . وكأنها في طريقة إعدادهما تدعو المواطنين إلى عدم التسديد وعدم الإنضباط واللجؤ الى التعليق . ولنأخذ مثلاً فاتورة ما ، صادرة عن المؤسسة .. فلو استهلك أحدنا بمائة ألف ليرة من الكهرباء خلال شهرين ‘ فإن مؤسسة الكهرباء في لبنان ستستوفيها بفاتورتها مائة وثمانون ألف ليرة بالتمام والكمال،أي بزيادة ثمانين ألف ليرة عن السعر الأصلي ، وفقاً للآتي :
– 43.200 ألف ليرة لبنانية إيجار عداد منزلي( 15 × 3 ) .
– 20000 ألف ليرة لبنانية إعادة تأهيل .
– 100.000 ألف ليرة ثمن استهلاك كهرباء.
– 16000 ألف ليرة لبنانية ضريبة على القيمة المضافة .
– 1000 ليرة طابع غير موجود.
المجموع 180.000 ألف ليرة. أي بزيادة ثمانين ألف ليرة رسوماً وضرائب .
إن هذا التعسف في تسعير الكهرباء بإصدار مثل تلك الفواتير الجائرة يدل على عدم الشعور بالمسؤولية وتحمل إدارة مؤسسة الكهرباء كامل المشاكل التي تعتري هذا المرفق .
فإصلاح مرفق الكهرباء، قبل أي إجراء أو تدبير ، يتطلب إعادة النظر في إعداد فاتورة الكهرباء بشكل عادل يمنع الهدر ويتيح لما يقارب نصف سكان لبنان المشاركة في هذا القطاع بتركيب عدادات الكهرباء وفق قدراتهم وإمكانياتهم المالية. ويكون ذلك كالتالي:
– جعل رسم إيجار العداد خمسة آلآف ليرة كحد أقصى للفاتورة الواحدة.
– إلغاء رسم إعادة التأهيل لأنه تدبير خاطىء وجائر.
– إلغاء الضريبة على القيمة المضافة لأنه تدبير قصير النظر.
– رفع هامش الشطور بسعر 35 ليرة، من مائتي كيلو وات ساعة إلى خمسمائة كيلو وات ساعة، ليتناسب وقدرات ذوي الدخل المحدود بالمشاركة في تركيب العدادات ودفع أثمان الكهرباء بما يتوافق وإمكانياتهم المادية.
إن هذا التدبير يوفر مبالغ طائلة كالآتي :
أ‌– أنه بعملية حسابية بسيطة فإن مبالغ مالية ضخمة ستوفر كل عام . فلو احتسبنا معدلاً وسطياً أن هناك خمساً وعشرون ألف عائلة في الجنوب وبيروت والبقاع والشمال لايستخدمون الكهرباء بصورة شرعية أو لايركبون عدادات فإنهم بالتالي سيستهلكونها بأكثر من حاجاتهم الضرورية الفعلية .أي بمعنى أوضح فإنهم سيبقون السخان الكهربائي متقداً على مدى أربعاً وعشرون ساعة . وكذلك التبريد بالمكيفات ، وقد يطهون على الكهرباء لتوفير
أثمان الغاز ويتدفئون عليها في الشتاء. وقد يضيئون الثريات بدلاً من اللمبات ليلاً نهاراً. أي باختصار طالما أن الكهرباء مجانية فسوف تستباح استعمالاتها بترف وتبذير على غير وجه حق بما تبلغ كلفته ألف دولار شهرياً للعائلة الواحدة ، أي مامجموعه ثلاثمائة مليون دولار سنوياًً فكيف لو كان عدد الممتنعين مضاعفاً؟. ولهذا فإن الكهرباء تنقطع لفترات طويلة بصورة متعمدة توفيراً للمال كما أشار أحد الوزراء الحاليين في وقت سابق ، في مؤتمر صحافي بالأمس القريب ولما يستلم صلاحياته أويدرك مهماته بعد ، فأدلى بتصريحاته تلك وفقاً لرؤيا موظفي الكهرباء . أي أن مؤسسسة الكهرباء مصرة على إبقاء لبنان في العتمة لوقت طويل بدلاً عن استنباط الحلول الملائمة .
ب‌– لمزيد من الضبط لسلامة سير العمل لابد أن تقترن تدابير إصلاح الكهرباء بضبط تسليم واستلام الفيول من المستودعات حتى مؤسسسة الكهرباء ، وذلك بترفيق الشاحنات بقوة أمنية من الجيش ..
ج‌- لمزيد من الضبط لابد من تركيب عدادات رقمية ألكترونية عند مصب التسليم لدى خزانات الفيول، لأن معظم الصهاريج مشكوك في حقيقة سعتها ، مما يتيح لها الإستفادة غير الشرعية من كميات زائدة في حمولاتها. وهذا التدبير سيوفر أيضاً على الدولة عشرات الملايين من الدولارات سنوياً .
لو رفعنا هذا الإقتراح للمرجعيات السياسية التي ذكرناها أنفاً فإنها ، مع تنزيل كلفة فاتورة الكهرباء لمواطنيها إلى سعر متوافق مع إمكانياتها المادية ، فإنها ، أي المرجعيات ، ستجد لها مخرجاً لتدعو أتباعها لتركيب العدادات ووقف التعليق . بل وستدعم هذا التدبير بقوة للإنتهاء من مشكلة الكهرباء الذي يبحث لها الجميع عن الحل الملائم والمقبول لإعادة الإضاءة إلى لبنان بشكل كامل دون انقطاع . وبذلك توفر الخزينة مئات الملايين من الدولارات سنوياً تذهب هدراً بفعل استغلال الكهرباء بأكثر من حاجات المواطنين الذين ليس لديهم عدادات ، بل وقد يتهربون من تركيبها ، ولو بسعر متدن، لينعموا بهذا الإسراف والتبذير الذي لامعنى ولا ضرورة له . وبذلك يتم تقنين حاجة لبنان من الكهرباء وبالتالي ضبط الإنفاق وتخفيض فاتورة الكهرباء وزيادة واردات الخزينة من هذا القطاع أو تخفيض العجز بشكل كبير(د. سويسي) .

 

 

معامل الإنتاج

يوجد في لبنان معامل عدة لإنتاج الطاقة الكهربائية المطلوبة، وتبلغ قدرتها المجهزة 2038 ميغاواط، وتقسم إلى نوعين:

الأول المعامل الحرارية، وهي التي تستخدم المحروقات، مثل الفيول أويل، والديزل أويل، أو الغاز أويل لتوليد الطاقة الكهربائية، ويوجد في لبنان 7 معامل حرارية لإنتاج الطاقة، هي الزوق ويضم أربع مجموعات قدرتها المجهزة مجتمعة 607 ميغاواط، والجية الذي يضم 5 مجموعات بطاقة مجهزة تبلغ 346 ميغاواط، وصور الذي يضم مجموعتين بطاقة مجهزة إجمالية تبلغ 70 ميغاواط، وبعلبك الذي يضم مجموعتين بطاقة مجهزة إجمالية تبلغ 70 ميغاواط، والزهراني ويضم 3 مجموعات بطاقة مجهزة إجمالية تبلغ 435 ميغاواط، ودير عمار الذي يضم 3 مجموعات بطاقة مجهزة 435 ميغاواط، والحريشة الذي يضم مجموعة واحدة بطاقة مجهزة 75 ميغاواط.

وأما المعامل المائية فهي التي تستخدم المياه بهدف توليد الطاقة الكهربائية، وتصل قدرتها المجهزة الإجمالية إلى نحو 220.6 ميغاواط، وهي معامل الليطاني، وهي عبارة عن ثلاثة معامل تابعة للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني، طاقة الأول 108 ميغاواط، والثاني 48 ميغاواط، والثالث 34 ميغاواط، ومعامل شركة نهر البارد، وهي عبارة عن معملين صغيرين، طاقة الأول 13.5 ميغاواط، والثاني 3.7 ميغاواط، إضافة إلى معمل الصفا بطاقة 13.4 ميغاواط.

ولكن نحن ننتج اليوم حوالي 1500 ميغاواط و نحن بحاجة إلى حوالي 3000 ميغاواط و في المستقبل القريب سوف تصبح حاجتنا إلى حوالي 5000 ميغاواط و ذلك حسب دراسة للبنك الدولي.

فالدولة قد أنجزت في العام 1988 إقامة ثلاث مجموعات كهربائية  بخارية وغازية بقوة 435 ميغاوات بما يزيد عن حاجة طرابلس بأضعاف لوقف التقنين وذلك في منطقة دير عمار لسد حاجة طرابلس والمنطقة المحيطة من الكهرباء ، إلا أن الإهمال وعدم المسؤولية من الدولة والفعاليات فإن هذه المحطة الجديدة  لاتنتج حالياً سوى 130 ميغاوات وبالتالي دوام التقنين والإنقطاع

وتستخدم مؤسسة كهرباء لبنان وسيلتين لنقل الطاقة المنتجة من معامل الإنتاج، وهي الخطوط الهوائية والكابلات المطمورة.

وتقسم الخطوط الهوائية حسب التوتر الذي تنقله إلى ثلاثة أنواع، مجموع طولها 1336 كيلومتراً، وهي خطوط نقل التوتر العالي 220 كيلوفولط، بطول 290 كيلومتراً، وخطوط نقل التوتر العالي 150 كيلوفولط، بطول 292 كيلومتراً، وخطوط نقل التوتر العالي 66 كيلوفولط بطول 754 كيلومتراً.

وأما الكابلات المطمورة فتقسم أيضاً حسب التوتر الذي تنقله إلى ثلاثة أنواع، هي كابلات نقل التوتر العالي 220 كيلوفولط بطول 60 كيلومتراً، وكابلات نقل التوتر العالي 150 كيلوفولط بطول 39 كيلومتراً، وكابلات نقل التوتر العالي 66 كيلوفولط بطول 180 كيلومتراً، وكابلات نقل التوتر العالي 150 كيلوفولط بطول 39 كيلومتراً.

وتُعتبر ازمة القطاع الكهربائي في لبنان من اخطر الازمات التي يواجهها هذا البلد، نظرا لانعكاساتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمالية البالغة، اذ ان تقديرات السلطات الرسمية تفيد بان الخزينة العامة انفقت اكثر من 10 مليارات دولار في السنوات الـ 15 الماضية، لاعادة تجهيز البنية التحتية للقطاع، وتمويل عجز مؤسسة الكهرباء التي تعود ملكيتها للدولة بالكامل..

الا ان هذا الانفاق لم يؤد الى معالجة الازمة حيث لا يحصل المواطنون والمؤسسات على تغذية كهربائية مستقرة، كما ان معدّل التغذية يقل عن 15 ساعة يوميا في معظم المناطق، ما عدا العاصمة التي تحصل على تغذية بمعدّل 21 ساعة يوميا.

و عند تخوم صيف 2011، لا تزال الأمور، بشكل أو بآخر، عند الحال نفسها التي كانت عليها غداة أوّل انتخابات نيابيّة مطلع تسعينيّات القرن الماضي. فمعدّل انقطاع الكهرباء يبلغ 8 ساعات يومياً على امتداد المناطق في أحسن الأحوال (ويسوء الوضع على نحو حادّ في أطراف مهملة)، باستثناء العاصمة التي يتركّز فيها معظم النشاط الاقتصادي، والتي تتمتّع بتغذية بنسبة تقارب 90% من ساعات اليوم.
ولكن ما يغفله كثيرون هو معطيات جديدة بدأت تتبلور مع إطلالة هذا العام، حين انطلقت ورش البناء العشوائي و«كسر المشاعات»، بحسب مصادر مؤسّسة كهرباء لبنان. ففي معظم تلك المساحات تظهر الآن أبنية، ضخمة في معظم الأحيان (إذا كنت ستشيّد بناءً على نحو غير قانوني، فلماذا لا تبنيه كبيراً؟!).

وتلك المنشآت تحتاج إلى استهلاك كهرباء، وبالتالي فإنّ الطلب سيزيد. وفيما يتعذّر تركيب عدادات في منشآت غير قانونية، سيلجأ المخالفون إلى سرقة الكهرباء من خلال التعليق على الشبكة. ومن شأن هذا السلوك أن يزيد الوضع سوءاً، أي زيادة الانقطاعات وساعات التقنين.
ويأتي هذا التطوّر مع ارتفاع قياسي في طلب العدادات الجديدة. فالبيانات التي توفّرت لـ«الأخبار» توضح أنّه منذ 20 تشرين الأوّل 2010، تمّ تركيب نحو 60 ألف عدّاد جديد. بمعدّل 7500 عدّاد جديد شهرياً. والواقع أنّ «الاستقرار» في التغذية وجدولة ساعات التقنين هو أقصى ما بمقدور مؤسّسة كهرباء لبنان فعله حالياً.

ولا سيما أن البنك الدولي أشار، في دراسته التفصيليّة عن وضع الكهرباء في لبنان، إلى أنّ حاجة لبنان من الكهرباء سترتفع بنسبة 60 في المئة بحلول عام 2015، لتبلغ حوالى 3000 ميغا واط، ما يعني أن هناك حاجة إلى زيادة الطاقة الإنتاجيّة بواقع 1500 ميغا واط في خلال السنوات الست المقبلة

أقترح عدم حصرية شراء الكهرباء من شركة كهرباء لبنان، بكلام آخر اعتماد الأسلوب المعتمد في بريطانيا اليوم، حيث بإمكان المستهلكين الكبار أن يشتروا كهرباء من عدة مصادر في اليوم الواحد، وخلق تنافسية حقيقية، فالكهرباء سلعة مثلها مثل أي سلعة أخرى، فإذا كان لا بد من الاتجاه إلى الخصخصة، نريدها خصخصة تنافسية لا توزيعاً لقالب الجبن، وكلنا يعرف أن الاحتكارات ستجعل من سعر الكهرباء حتماً الأغلى في المنطقة.

و لكن هنا أود أن أذكر في هذا القطاع ملف مهم جدا و هو موضوع صهاريج و ناقلات النفط البحرية ، لأنه للأسف لا يوجد عدادات إلكترونية و بالتالي هناك تواطىء ما بين موظفي المؤسسة و تجار النفط فنحن ما زلنا نتبع موضوع التسجيل بالخط اليدوي ، فيجرى إحتساب أرقام غير صحيحة و تباع مواد النفط بأسعار سوداء في السوق، فهنا السؤال لماذا لم يلجؤوا حتى اليوم في الوزارة على تركيب العدادات الإلكترونية ؟

المولدات :

فبالرغم من الكلام الكثير عن «كفاءة» الإدارة الحريرية ودورها الكبير في إعادة إعمار لبنان وتجديد بنيته التحتية، ورغم إنفاق أكثر من خمسة مليارات دولار على قطاع الكهرباء، فإن أزمة هذا القطاع آخذة في التفاقم. وما زالت سياسات تقنين الطاقة هي السائدة، المواكبة لتوسيع دور المولدات الخاصة، الأقل كفاءة، والأكثر تلويثاً للبيئة، والتي أصبحت تنتج أكثر من 35% من الطاقة المستهلكة في لبنان، فالمولدات الخاصة في لبنان أصبحت جزءا من اللعبة المافياوية و المسيطرة على قطاع الكهرباء في لبنان.

و حسب دراسة للبنك الدولي من المتوقع أن تصبح المولدات في لبنان تنتج 65% من الكهرباء في لبنان.

و هنا نرى تواطىء للساسة و بعض عمال الشركة مع أصحاب المولدات ففي بعض الأحيان يجرى سحب الكهرباء من الشركة إلى الموترات ، و هذا بغنى عن الضرر البيئي التي تحدثه المولدات و الدولة ساكتة عنهم

الإدارة:

بالرغم من إعادة بناء أجهزة الدولة القضائية والقمعية، لم تظهر الحكومات المتعاقبة أية حماسة لمنع السرقات على الشبكة. فمنذ سنة 2000 بلغت هذه السرقات حوالى 29%، وبلغ الهدر الفني حوالى 15%، أي إن مجمل الهدر كان حوالى 40% ثم ارتفع إلى أكثر من 42% في ما بعد.

ولا تحصل سرقة الطاقة، أو عدم جبايتها في المناطق «الأمنية» العاصية على السلطة فقط، بل أيضاً في أرقى أحياء بيروت، و كما نعلم جميعا أن هناك قسم كبير من الساسة  و رجال الأعمال الواصلين في السلطة لا يدفعون فاتورة الكهرباء مما يعزز العبىء و الدين.

.الحكومات اللبنانية و المؤسسة

تعمل الحكومات اللبنانية المتعاقبة على إضعاف مؤسسة كهرباء لبنان، وإبراز عجزها بوسائل شتى أهمها:
أ. إضعاف الجهاز البشري للمؤسسة:
فالحكومة لا تسمح بتوظيفات جديدة وبديلة من الكفاءات التي جرى «تطفيشها» أو إحالتها إلى التقاعد من فنيين وإداريين. فالجهاز البشري، كما يقول رئيس مجلس الإدارة، يتألف حالياً من 2000 عامل وموظف، مقابل ملاك يتطلب 5020 عاملاً وموظفاً. وبسبب هذه السياسات، ارتفع معدل إعمار العاملين في المؤسسة إلى 57 عاماً. وبالتالي أجبرت المؤسسة على التعاقد مع «متعهدين غب الطلب» يبلغ عددهم حوالى 1800 عامل مياوم (خصخصة جزئية مع «تحرير» سوق العمل

. واستُغني عن العديد من مهندسي المؤسسة وتقنييهم أو دُفعوا إلى الاستقالة بأساليب شتى أهمها نزع صلاحياتهم، وتدني الرواتب. كما أن الشركة لم ترسل مهندسين وتقنيين للتدرب على صيانة المعامل الجديدة التي أُنشئت، رغم ورود هذا الشرط في عقود التلزيم، ثم لُزّمت الصيانة إلى شركات أجنبية (تخصيص جزئي) بأكلاف مرتفعة جداً، لا يمكن مقارنتها بكلفة المهندسين والتقنيين اللبنانيين.

ب. إعاقة الصيانة الضرورية للمعامل:
يقول رئيس إدارة المؤسسة إن الحكومات تعيق أعمال الصيانة والتأهيل الضرورية في أوقاتها، لأسباب تقنية ومالية، وذلك يعيق قدرة المؤسسة على تحسين الإنتاج، إذ يمكن زيادة قدرة الإنتاج بنسبة 20%، إذا توافرت الأموال اللازمة للصيانة. كما أن الشركة الكورية التي أعطيت مهمة تشغيل معملي الزهراني ودير عمار وصيانتهما، لا تقوم بأعمال التشغيل والصيانة كما يجب. وقد دفع ذلك المؤسسة إلى توجيه إنذار لشركة «كييكو» الكورية، بسبب تكرار الأعطال في المصنعين الجديدين نسبياً، وذلك في سنة 2009. والصيانة الملائمة تطيل عمل المحطات في الجية والزوق عشر سنوات حسب تقرير البنك الدولي.
ج. تشجيع الهدر المالي في المؤسسة:
ــــ أعطيت تراخيص الامتياز لبعض الشركات الخاصة، التي تشتري الطاقة الكهربائية بسعر قدره 50 ليرة للكيلووات ــــ ساعة، وتبيعها للمشتركين بمعدل 127 ليرة.

ــــ عدم دفع كامل مستحقات الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والمخيمات الفلسطينية، التي تبلغ حوالى 150 مليار ليرة سنوياً.

ــــ امتناع العديد من القادة السياسيين النافذين عن دفع ثمن الطاقة المستهلكة، وعدم قدرة المؤسسة على قطع التيار عنهم.

ــــ حتى سنة 2003 كان هناك 33 ألف محضر بسبب السرقات والتعديات على الشبكة، ولم يبتّ القضاء بأي منها.

ــــ تأخير إنجاز مد أنابيب الغاز من معمل دير عمار حتى الحدود السورية لربطه بأنبوب الغاز السوري المنجز حتى الحدود قبل نهاية 2005، لتشغيل محطة دير عمار على الغاز، مما يضاعف إنتاجها ويطيل عمرها التشغيلي. ويقول أحد أعضاء مجلس إدارة المؤسسة إن التأخير في التنفيذ من مسؤولية المتعهد، ويبدو أنه ليس هناك بند جزائي على تأخير التنفيذ.

ــــ تلزيم قراءة العدادات وجباية الفواتير للقطاع الخاص (خصخصة جزئية) بأسعار غريبة، مما أثار اعتراض (النائب عن بيروت) محمد قباني، حيث أعطيت شركة الجباية نسبة 2.9% من قيمة الفواتير التي تُجبى، وأعطيت شركة قراءة العدادات نسبة 11% من قيمة الفواتير الصادرة، بالرغم من أن الجباية أصعب من القراءة.

تأخير استجرار الطاقة من الخارج وتعطيله:
طرح موضوع استجرار الطاقة الكهربائية من الخارج منذ أواسط التسعينيات، وكانت الطاقة المستوردة أقل كلفة من توليدها داخل لبنان بنسبة عالية جداً، كان ثمن الكيلووات ساعة المستوردة من تركيا 4.5 سنتات، وهو مبلغ يقل عن كلفة الوقود لتوليدها. وكلفة استجرار الطاقة من مصر أقل من 4.5 سنتات. وعندما يتم الربط مع أعالي النيل، فإن كلفة الطاقة المستجرة ستقل عن 2.5 سنت في بعض الأحيان، وتبعاً لثمن برميل النفط، بينما تصل كلفة الفيول أويل اللازمة لتوليد 1 كيلووات ــــ ساعة إلى أكثر من عشر سنتات.

ولدى تركيا حالياً فائض في الإنتاج يقدر بنحو 5000 ميغاوات، من مجمل الإنتاج البالغ 40 ألف ميغاوات، وسيرتفع هذا الإنتاج التركي إلى 80 ألف ميغاوات حتى عام 2020 عند اكتمال شبكة السدود التركية.

وهناك طاقة تصديرية متنامية في مصر، وفي السعودية ودول الخليج، وخاصة مع استغلال الغاز المصاحب للنفط في توليد الطاقة. كما أن العراق سيصبح مصدِّراً للطاقة الكهربائية بعد ثلاث سنوات.
ولاستجرار الطاقة من الخارج، احتاج لبنان إلى محطات تحويل 400/220 ك. ف. في محطة كساره، وإلى محطة ديرنبوح 220 ك.ف. واستجر لبنان الطاقة من سوريا منذ عشر سنوات، ومن مصر منذ 27/4/2009 عبر محطة كساره غير المكتملة بعد. ولكن محطة كساره تأخر إنجاز بنائها أربع سنوات على الأقل، بحجة تأخر الملتزم في التنفيذ (أيضاً دون بنود جزائية)، ولكن استجرار الطاقة من مصر وسوريا عُلّق منذ أشهر لاعتبارات غير معلنة، كما تقول جريدة السفير (17/3/2010).

ويقول وزير الطاقة جبران باسيل، إن هناك عوائق أمام استجرار الطاقة، تتمثل بعدم استكمال حلقة التوتر العالي غير المكتملة، وخصوصاً في منطقة المنصورية، وعملية توسيع طاقة محطة كساره، بجانب بناء مركز التحكم، الذي «سيؤمن استقراراً عالياً على الشبكة، وسيكون الهدر أقل بكثير». وهذا التأخير غير المبرر في إتمام بناء محطات التحويل وشبكات نقل التوتر العالي يرفع كلفة الطاقة الموزعة ويبقي على سياسة التقنين.
وربما كان التأخير في بناء شبكات الربط الكهربائي يقصد منه إكمال التعاقد لبناء محطات توليد جديدة، ينتفي مبرر بنائها مع اكتمال بنية الربط الثماني. ولإتمام عملية تخصيص جزئي أو كلي لقطاع الطاقة بأسعار متدنية جداً بسبب الخسائر الكبيرة لمؤسسة كهرباء لبنان. وقد نصح خبراء البنك الدولي بعدم تخصيص هذا القطاع، إذ إن تخصيصه سيرفع كلفة إنتاج الكيلووات إلى ثلاثة سنتات على الأقل.

و لكي نتمكن من تحقيق نتيجة سريعة و فعالة يجب على الحكومة أن تأخذ بعض القرارات و منها:
1-   القرار الأول هو إقرار مشروع إنشاء معمل أو معملين بطاقة 1500 ميغاوات ليس المهم المنطقة في طرابلس أو سلعاتا أو الجية شرط أن تبدأ الدراسة والتلزيم من الآن، إضافة إلى استثمارات جديدة في إنشاء وتوسعة بعض محطات النقل من الضاحية الجنوبية والبحصاص في طرابلس والمارينا في ضبية إضافة إلى وسط بيروت الذي يحتاج محطة للأسواق الجديدة بطاقة تصل إلى 13 ميغاوات. هذه المشاريع إذا بدأت اليوم تحتاج إلى سنتين أو سنتين ونصف لإعطاء نتائجها وتوفير الطاقة اللازمة لسد النقص.
2-   القرار الثاني يتعلق بالوضع المالي للمؤسسة، وخصوصاً موضوع التعرفة وارتباطها بكلفة الإنتاج لوقف العجز والخسائر في المؤسسة التي ترهق المواطن والخزينة وتكلف الدولة عجزاً سنوياً يتراوح بين 800 مليون ومليار دولار وفقاً لموازنات السنوات الأخيرة وتبعاً لتطورات أسعار النفط. وهذه الخطوة تحتاج إلى قرار سياسي باعتبار أن أحداً من المرجعيات السياسية لا يستطيع تحمل قرار زيادة التعرفة، على الرغم من أن المواطن يدفع فاتورة ثانية إلى المولدات الخاصة بواقع 50 و60 دولاراً على الخمسة أمبيرات أي ما يوازي خمسة أضعاف سعر تعرفة الكهرباء ولا أحد يعترض. بينما تعديل التعرفة لن يصل إلى هذه الزيادة أو حتى نصفها لقاء تأمين الكهرباء لمدة 24 ساعة يومياً.

تبقى الإشارة الأخيرة وهي أن كل الدراسات المحلية والدولية تضمنت إشارة إلى ضرورة إعادة النظر بالتعرفة على اعتبار أن التعرفة الحالية موضوعة على سعر برميل نفط بحدود الـ20 دولاراً بين 18 و25 دولاراً منذ الثمانينيات. وهناك موضوع إزالة التعليقات والسرقات على الشبكات الذي يؤدي إلى هدر بالعائدات بشكل كبير بسبب الخلافات السياسية ما يزيد التعليق وتخريب المحطات في المناطق البعيدة عن سلطة الدولة، وحتى الواقعة ضمن السلطة باعتبار أن المناطق تغار من بعضها في التخلف عن الدفع وزيادة التعديات.
3- القرارالثالث وهو الأهم يتعلق بتعزيز الجهاز البشري لمؤسسة الكهرباء وتفعيل الإدارة. فالاستثمارات الكبيرة الجدية والقائمة تحتاج إلى جهاز بشري يحميها ويحافظ على تطويرها وعائداتها من جهة، ويمنع التعديات عليها من جهة ثانية. وهذا القرار يحتاج إلى استعادة هيبة الدولة المفقودة في العديد من المناطق، ما يؤدي إلى سرقات الأسلاك وخطوط التوتر العالي والدخول إلى المحطات وفرض أوامر على العاملين بالتغذية لمناطق على حساب أخرى، في ظل أنظمة التقنين القاسية التي يعيشها المواطن والمشترك في كل المناطق تقريباً، بما فيها العاصمة بيروت،

بينما الجهاز في المؤسسة عاجز عن تنفيذ محضر مخالفة أو غرامة على ألاف المخالفين من أصل المليون ومئة ألف مشترك في مؤسسة كهرباء لبنان. تبقى النقطة الأخطر وهي أن العناصر الكفوءة في مؤسسة كهرباء لبنان، إما أنها تغادر المؤسسة الى فرص أفضل أو أنها تطلب إجازات غير مدفوعة لتعمل بالقطاع الخاص وهذا سبب هزالة الصيانة في أجهزة كهرباء لبنان.

هذه قرارات تحتاج لخطوات وقرارات سياسية قبل أي شيء آخر. إذ من دون تفاهم الحد الأدنى لا يمكن لجهاز المؤسسة إزالة التعديات وتحسين الجباية في المناطق المتعددة. مع العلم بأن إزالة التعديات وتحسين الجباية و تخفيف الهدر من 40 إلى 15 في المئة، يزيد الإيرادات حوالى 200 مليار ليرة، أي حوالى 135 مليون دولار وهي تحل جزءاً من العجز.

أما وصول الغاز من مصر والمنتظر منذ سنوات فإنه يساهم في تخفيض كلفة الإنتاج في معمل البداوي بحوالى 100 مليار ليرة، هذا إذا وصل باعتبار أن عمليات التجهيز وتشغيل المعمل على الغاز انتهت منذ نيسان من العام 2005، على أساس انتظار وصول الغاز من سوريا التي تعرضت هي نفسها لنقص في الغاز وعدم توافر كميات للتصدير. المهم أن الغاز يوفر بعض النفقات ويخفف قليلاً من العجز، لكنه لا يؤمن طاقة إضافية لسد النقص.

و لكن هذا بالطبع غير كافي لأنه يوجد لدينا حلول إضافية تعزز قدرة الدولة على تأمين القطاع الكهربائي و تخفيف عبىء على ميزانية الدولة اللبنانية و تلعب أدوارا إقتصادية ، إجتماعية و بيئية.

منشآت النفط:

يوجد في لبنان منشأتين للنفط واحدة في البدواي و الثانية في الزهراني ، و حسب وزير الطاقة جبران باسيل إن “قدرتنا التخزينية تبلغ اليوم 350 ألف متر مكعب فقط تشغلهم المنشآت لتخزين النفط، وللقطاع الخاص قدرة بحوالي 500 ألف متر مكعب،

و تكلفة هذا المشروع في الزهراني وطرابلس فقط 60 مليون دولار أميركي لترميم خزانات جديدة وتأهيلها وإنشائها، عندها تصبح قدرتنا الإجمالية من التخزين مليون ونصف متر مكعب، إستثمارها وتأجيرها ومدخولها بالحد الأدنى هو 50 مليون دولار أميركي سنويا، وهذا يعني أن هذا المشروع الذي سيكلفنا 60 مليون دولار نستطيع أن نسترد ثمنه في 13 أو 14 شهرا على الأكثر، وبعدها نستطيع أن نؤمن دخلا يبلغ 50 مليون دولار سنويا.

و يوجد في المنشأتين حوالي 426 موظفا و ذلك يعد عبآ على الدولة إن لم نفعلهم و ننشطهم.

كما و أن تكلفة إعادة تشغيل الأنابيب و التكرير و التوزيع حوالي 6 مليارات دولار و هي تعطينا دخلا فقط للإستهلاك الداخلي حوالي ملياري دولار و ذلك بغض النظر عن الوظائف التي سوف تؤمنها هذه المنشأة في طرابلس.

كما و إن تمكنا من التصدير للخارج هناك دراسة توضح أنها تعطي  دخلا حوالي 6 مليارات دولار سنويا.

و طبعا هناك كثير من التساؤلات أنه من أين سوف نتمكن من دفع هذه المبالغ لإعادة تشغيلها و الجواب هو أن هناك العديد من الشركات إقترحت بإعادة تشغيلها و تعطي فترة سماح للدولة و من بعدها تسترد أموالها من الأرباح.

و السؤال ما هو الرابط بين منشآت النفط و الكهرباء؟

نحن كلبنانيين ندفع فاتورة كبيرة بسبب أننا لسنا دولة نفطية و لكن من خلال هذا المشروع سوف نخفف عبآ من غلاء أسعار النفط في لبنان كما و أننا سوف نخفف من تكلفة الفيول و الغاز علينا مما يؤثر بشكل مباشر على تخفيف التكلفة  و العجزعلى الدولة اللبنانية و بالتالي الإهتمام بالصيانة بشكل أوسع .

 

 

 

الطاقة البديلة

إن الطاقة البديلة أو النظيفة تعد الحل الأنسب اليوم و ذلك لأسباب إقتصادية و بيئية و إجتماعية ، فواجب على الدولة ترشيد و تفعيل و تحفيز إستعمال هذه الطاقة لأنها سوف تمكننا من تخفيض القاتورة الكهربائية و الإقتصادية و البيئية على المواطن اللبناني و سوف تمكننا من السير نحو 24 كهرباء للمواطن اللبناني.

فتنعم الطبيعة علينا بهذه الطاقة وهي الطـاقة الريحية والتي تتـــــراوح سرعتها ما بين 4m/s و 12m/s وتتجاوز في العديد من الأماكن ال “18m/s” في فصل الشتاء يتميز بها لبنان وبعض الدول العـــــربية كما تتميز بها أوروبا وهي تكفي اذا ما اســــــتغلت مع الطاقة الشـــمسية حاجة لبنان ،أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا من الطاقة الكهربائية على مدار السنة .

الطاقة الهوائية :

– تعطي التوربين الأولوية لشحن البطــاريات ويتوزع انتـــــاج الكــــهرباء المباشر من التوربين ما بين شحن البطاريـــات وتزويد الشبكة بالتيار الكــهربائي220VAC ، بعد أن ينتــهي شحن البطـاريات يتحول انـتـــاج الكهرباء المباشر من التوربين نحو شبكة المنزل تعاونه البطاريـــــات للمحــــــافظة على قوة التيار فـــي حال انخفاض سرعة الرياح أمــــا فائض انتاج الكهرباء أو Dump Load وذلك يحــصل عندما يخف ضغط الاستهلاك عن الشبكة فسيتحول تلقائيــــــا الــــى حــرارة لتسخين المياه او الى الخلايـــا الحرارية في التدفئة المركزية.

هذه العملية تختلف قليلا عن أنظمــــــة البطاريات”UPS,APS” ففي هذه الانظمة يكــون الاعتمـاد الاساسي علــى في في كلا الطاقتين الشمسية والهوائية يكون الاعتماد الاساسي علـــــــى الخلايا الشمسية وعلــى التوربين الهوائية في انتاج الكهرباء بينما تلعب البطاريات دورا ثانويا في دعم الطاقتين في حــال انخفاضهما أي انخفاض أشعة الشمس أو سرعة الهواء، ودورا اساسيا في حال فقدان الاثنان معا.

من هنا نستنتج لماذا تطول خدمة البطاريات في هذه الأنظمة والسبب بسيط وهو أنها تجهد أقل من البطاريات التي تخدم أنظمة ال “UPS,APS”.

فيجب تحفيز المزارعين و الصناعيين على إستعمال هذه الطاقة و بالتالي نكزن وقفنا إلى جانبهم و إلى جانب كافة الشعب اللبناني ، كما و أن وزارة الطاقة أصدرت دراسة حول الطاقة الهوائية و لم نأتي حتى الآن بمحطة وطنية.

الطاقة الشمسية :

تعمل بنفس المبدأ للطاقة الهوائية حيث تكون هناك بطاريات ولكنها تشحن بالخلايا الشمسية التي تحول ضوء الشمس الى تيار كهربائي.

الطاقة المائية:

إن لبنان ينعم بثروة مائية هائلة و المياه سوف تكون بترول مستقبلي و الدول اليوم تتناحر و تجري حروب لأجل إكتساب المياه و نحن ننعم بذلك و لكن نستفيد منها… فيجب البدء بإستراتيجية بناء السدود  بطريقة منجة و ليست شكلية لأننا من الممكن أن نستفيد من المياه على صعد عدة و منها توليد الطاقة.

طاقة أمواج البحر:

أول من طبقها مونسيور جيرارد عام 1799 ، لقد إستفاد من حركة أمواج البحر لتزويد الطاحونة بالطاقة ، و هي تطبق في بلدان عديدة ، فهي آمنة و من أفضل المصادر للطاقة

أما الطريقة الثانية:

فهي لا تعتمد اطلاقا على البطاريـــات لكنها تعمل بالتوازي مع شبكة الكهرباء العـــــــامة حيث ستقوم التوربين أو الألـــــواح الفوتوفولطية Photovoltaic Panels بضخ الكــــهرباء 220VAC مبــــاشرة الى شبكة المنزل الكـــــــهربائية لتخفيض مصروفك الشهري من شبكة الكـــــــهرباء العامة فاذا كـــــان مصروفك للكهرباء أقل من الكهرباء المنتجة من نظامك البيتي الشمس – هوائي فانت لست بحاجة الى استيراد الكهرباء من الشبكة العامة أما اذا ما زاد مصروفك عن الكهرباء المنتجة محليا فانت ستقوم باستيراد الفرق من شبكة الكهرباء العامة  كما وأنك تستطيع تصدير فائض انتاجك من الكـــهرباء الى الشبكة العـــــــامة عندما لا تكون بحاجة اليه واسترجاعه عند الحـاجة وهذا يحصل مثلا عندمـــا تغيب أشعة الشمس وينقطع تدفق الهواء فيتوقف عندها انتاج الكهربـــــاء لذلك ستصبح بحــــاجة الى استرداد ما بعته أثناء النهار الـى شبكة الكهربـــــــاء العامة ليعود ويزودك بالطـــــــاقة الكهربائية المجانية أو المدفوعة سلفا أثناء الليل وهذا يحصل بالطبع اذا كان منزلك مجهّز بالعدادات الذكيّة التي تعمل بالاتجاهين أما اذا كـــــان لديك عداد كهرباء كلاسيكي فانت لن تستطيع استرداد ما صدّرته الــى الشبكة الكـهرباء العامـــة وعليك شراء مـــــــا تحتاجه من الطاقة الكهربائية

هل تستطيع الطاقة الهوائية والطاقة الشمسية أن تعمل مع بعض ؟ :

بالتأكيد فعندما ينقطع تدفق الرياح كليا تصبح الشمس المصدر الوحيد لتوليد الطاقة فيتوقف شحن البطاريات من الطاقة الهوائية ويستمرعمل الطاقـــة الشمسـية والعكس صحيح ففـي الطقس العــــاصف تضعف أشعة الشمس وتتولى الطاقة الهوائية انتاج الكهرباء أما عندمــا يتوفر الاثنين معا فتزداد قوة الطاقة الشاحنة وتعمل الطاقتان بالتوازي على شحن البطاريات وتزويد الشبكة بالكهرباء.

الجدوى الاقتصادية :

بالطبع ان الطـــــــاقة الهوائية والشمسية هي الأوفر لانتاج الكهرباء فنحن لسنا بحـــاجة لشراء الــوقود لتشغيل مولد كهربائي فالرياح والشمس هي الطاقة المجانية التي يمكنك الاعتماد عليها .

وان معظم المستثمرين يتجهون اليها اليوم لأنها أكثر ربحا وضمانة مقارنة مع الاستثمار في الطاقة الأحفورية فالتنقيب عن النفط مثلا يكلف أموالا طائلة وفي بعض الأحيان تكون النتائج سلبية ويذهب المــــــال سدا أما في الطاقات المتجددة فنتائجها مضمونة 100% ويكمن مردودها في العديد النقاط :

  • ان تكلفة انشاءات الطــــــــــاقــة المتجددة هي أقل بكثير من انشاءات الطاقة الأحفورية أو آبار النفط.
  • ان تنائج الاستثمــــــــــار في الطاقات المتجددة هي مضمونة 100% وليست مغامرة أو مخاطرة في المجهول.
  • تستطيع انتاج الطاقة المتجددة اينما وجدت و يستطيع تملكها أي فرد أو شركة في العالم وهي متاحة للجميع وليست حكرا على أحد كما وانها ليست حقلا نفطيا لايمكنك امتلاكه أو استثماره على مستوى فردي أو نقله الى مكان تواجدك.
  • ان الطـــــاقة النظيفة لا تحتاج الى التكرير كما وانها لا تحتاج الى استثمار اموالا طائلة فـي انشاءات المصافي لاعادة تكريرها فهي بكل بساطة نظيفة.
  • بالرغم من ارتفاع اسعــــــــار الطاقة المتجددة قليلا عند تأسيسها مقارنة مع الطاقة الاحفورية تبقى الاكثر ربحا اذ ينسى بعض الاشخاص انهم اصبحوا يمتلكون الطاقة ولا يشترونها بالاضافة الى الغاء كلفة نقل الطاقة اليهم التــــــي كانت تتضمن كلفة الشحن بالصهريج ( مازوت وغيره…) من الموزع وكلفة الشحن من البلد المصدر عبر حاويات النفط .
  • لا تحتاج الطاقة النظيفة الى امدادات برية وبحرية وجوية لانتاجها كما هو الحاصل اليوم مع المولدات الكهربائية التي تعمل بالطاقة الأحفورية كما وانها لا تحتاج الى وسائط نقل باهظة التكاليف كحاويات النفط أو الطائرات المزودة للوقود أو الصهاريج فهي تصلك الى مكان تواجدك مجانا وبدون وسائط كما وأن نقل الوقود اليك يبقى محفوفا بالمخاطر ويصعب ايصاله الى الاماكن الوعرة والحصول عليه ساعة ما تشاء فالطاقة المتجددة تستطيع الاعتماد عليها حيث لا يمكنك الأعتماد على النفط وقد ازدادت اهميتها اليوم  لانها صامتة ولا تصدر ضوضاء ، كما وأنها لا تصدر دخانا مرئيا ولا رائحة.
  • تقوم العديد من الشركـــــات العقارية اليوم بالاستثمار في الطاقة المتجددة لتحسين سعر العقار فالأمر أصبح كمن يشتري قطعة أرض تحتوي على ثروات معدنية ( ذهب، فضة، نحاس… ).

فالطاقة المتجددة تستطيع تحويل أرض قاحلة لا يساوي فيهــــا سعر المتر المربع شيئا الـــى عقار قد يساوي آلاف لا بل ملايين الدولارات .

  • ان الاتجاه الحديث في هندسة الكهرباء هو انتاج الطـــــاقة بالقرب من مراكز استهلاكها والتخلي عن الخطأ السابق في مجال انتاج الكهرباء حيث كانت معامل الانتاج الحرارية تبعد مئـــــــات الأميال عن الاماكن المراد تغذيتها وكان الهدرالحاصل عند نقلها من ابرز المشاكل التي كانت تعترضها ولا ننسى تكاليف جرّها من كوابل وعواميد كهربــاء ومحولات اذ أن وسائل الانتاج الحديثة من مصادر الطاقـة النظيفة كالشمس والهواء لم تكن متاحة من قبل والخيار كان ضيقا.

أما الربح الأهم من الربح المادي هو أن الطاقة المتجددة هي طاقة صديقة للبيئة، ربما ارتفاع حرارة كوكب الأرض بسبب الأفراط باستخدام الطاقة الأحفورية وزيادة نسبة الكربون فــي الغلاف الجوي لا يعني شيئا لدى البعض لكنه يعني الكثير بالنسبة للعديد من الأشخاص الذين يسكنون المناطق الحارة حيث بـاتت الحرارة تتخطـــى ال”75″ درجة مئوية فـــي بعض البقع من العالم والأمر أصبح أشبه بغلاية لا يستطيع الأنسان العيش بداخلها ناهيك عن التلوث وأضراره المباشرة علـــى صحة الأطفال والمسنين من جراء الدخان المشبع بالكربون المتصاعد من مداخن المصانع والسيارات.

لذلك فإن أرادة الدولة فعليا حل مشكلة الكهرباء في لبنان و نعلم جميعا أنها تحتاج إلى قرار سياسي ممكن أن تبدأ عبر إعادة دور المؤسسة و تفعيلها و تفعيل المحاسبة و المساءلة فيها و ضبط الفساد الذي ينخرها .

كما و في نفس الوقت يجب أن تعمل على إيماء الطاقة البديلة جزءا أساسيا من خطة حل المشكلة لأننا كما رأينا أنها أقل كلفة على الدولة و على المواطن ، و هي مراعية للبيئة  و لصحة المواطن.

و يجب أن لا ننسى موضوع منشآت النفط التي لها دورا أساسيا في إعادة إحياء الطاقة في لبنان و دورها أساسي في تخفيض كلفة إنتاج الطاقة.

الخصخصة

لا يوجد مفهوم دولي متفق عليه لكلمة الخصخصة، حيث يتفاوت مفهوم هذه الكلمة من مكان إلى اخر ومن دولة إلى أخرى.ولكن لو اردنا تعريف هذه الظاهرة التي أصبحت موضوعا رئيسيا يتم استخدامه في معظم الدول، فانها فلسفة اقتصادية حديثة ذات استراتيجية، لتحويل عدد كبير من القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية التي لا ترتبط بالسياسة العليا للدولة، من القاع العام إلى القطاع الخاص. فالدولة، في المفهوم الاقتصادي الحديث، يجب ان تهتم بالامور الكبيرة كالامور السياسية والادارية والأمنية والاجتماعية التي ترتبط بسياستها العليا, اما سائر الامور الأخرى فيمكن تامينها من قبل القطاع الخاص وذلك في اطار القوانين والأنظمة الت تضعها الدولة وتنظم من خلالها عمل هذا القطاع.

كان حجم القطاع العام  في لبنان ، عشية اندلاع الحرب في لبنان محدوداً ، اذْ لم تتجاوز حصته من الناتج المحلي الاجمالي الـ 15 في المئة ، ولم تشكل الاستثمارات العامة ، كمتوسط سنوي ، خلال الفترة الممتدة من العام 1964 لغاية 1970 اكثر من 18 في المئة من مجموع الاستمثارات.

في هذا الاطار تم طرح مسألة الخصخصة ، اي في سياق البحث في سبل اعادة بناء هذه المرافق وهيكلتها من ناحية التمويل ، بعدما خاب الامل المعقود على تدفق مساعدات خارجية ، ومن ناحية الاصلاح الاداري حيث الخيبات مزمنة بسبب الاعتبارات الطائفية والفساد السياسي المتجذر .

لعل اول طرح رسمي لمسألة الخصخصة كان في قــرار مجلس الوزراء ( حكومة الرئيس عمر كرامي ) بتاريخ 11/3/1992 القاضي بتكليف لجنة خبراء وضع ” تصور عام لخطة عمل اقتصادية مالية لمعالجة الضغوطات التي يتعرض لها الاقتصاد الوطني وتقديم مقترحات لتحقيق الاستقرار التدريجي وتدعيم النهوض الاقتصادي ” . وقد دعا تقرير اللجنة الى ” ضرورة تخصيص ( خصخصة ) بعض الأنشطة العائدة لقطاع الدولة مثل خدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية وجمع النفايات وغيرها من الانشطة العامة “. وقد بررت اللجنة اللجؤ الى الخصخصة بعدم توفر الشروط المؤاتية لاجراء اصلاح اداري  حقيقي من جهة ، ومن جهة اخرى لتشجيع اجتذاب مدخرات اللبنانيين في الداخل والخارج ، الامر الذي يشكّل اداة تسريع لقيام سوق مالية نشطة .

في العام 1992 اوصى خبراء البنك الدولي ” حيال اهتراء الوضع الاداري العام للحكومة وفي المؤسسات العامة “ومحدودية قدرة القطاع العام على التمويل ، ان يتولى القطاع الخاص تشغيل بعض المشاريع التي يتم تأهيلها وصيانتها ، وان يلعب دوراً رئيساً في تطوير البنى التحتية في المرحلة الاولى من خطة اعادة الاعمار . كما اوصى الخبراء ، لاسباب تتعلق بالفعالية والتمويل ، بتخلي الدولة عن عدد من المصالح في القطاع العام ، بينها قطاع الاتصالات وقطاع الطاقة ، وايلاء امر تطويرها بصورة كاملة للقطاع الخاص .

وفي تقرير لاحق لخبراء من البنك الدولي جرى وضعه في العام 1995 أضيف ، في معرض تبرير اللجوء الى الخصخصة ، الى مسّوغَي التمويل وتعذر الاصلاح الاداري ، مسوّغات اخرى : زيادة الفعالية المرتجاة من اداء المرافق العامة ، وتفرّغ الحكومة لقضايا وأنشطة لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها ، وتوسيع فرص الاستثمار لموارد القطاع الخاص .

الخصخصة ممكن أن تلعب دورا إيجابيا و لكن إن أردنا أن تكون كذلك من خلال وضع المصلحة العامة قبل المصلحة الخاصة. و للأسف هذا غير موجود في لبنان مما يؤدي إلى هدر أموال الشعب اللبناني و إلى إحتكار القطاعات المخصخصة.

إن أردنا أن ننظر اليوم إلى موارد الدولة اللبنانية التي تخصخص مثل : لم النفايات و قطاع الإتصالات الخلوي فتعتبر غير مبنية على أساس المصلحة العامة فلبنان كلفة المخابرة فيه عالية جدا و لا يوجد فيه سوقا تنافسيا بل نحن في زمن إحتكار لهذا القطاع مما يؤشر إلى وجود محاصصة و تقاسم الأرباح فيما بين الساسة.

ما يجب أن نفعله هو وضع هيئة ناظمة للخصخصة مهمتها إختيار المناقصة الأفضل و إبرام العقود التي تصب في مصلحة الدولة اللبنانية و من بعد ذلك متابعة تنفيذ هذه العقود، مما يؤدي إلى تنافس أكبر فيما بين الشركات و إلى تأمين خدمة أفضل بالسعر الأرخص. فهذا أمر ضروري في حال أردنا تبني الخصخصة.

و ممكن إنشاء شركات مساهمة ، يتمكن المواطن اللبناني من شراء أسهم فيها و يكون دور هذه الشركة أن تتنافس مع الشركات المسموح لها بخصخصة أي قطاع و ذلك لتمكين المواطن اللبناني أيضا الإستفادة من الأرباح التي ستجنيها الشركات . و ذلك يدفع إلى التنافس بين الشركات و القضاء على الإحتكار الحاصل و تمكين المواطن اللبناني من الإستفادة من الأرباح الناتجة عن الخصخصة، مما يحفزه في متابعة الملفات في القطاع العام و ذلك يؤدي إلى إردياد الشفافية في الدولة.

تجارب كثيرة حول العالم توضح أنّ خصخصة قطاع الكهرباء لا تؤدّي دائماً إلى تحسين أدائه وجعله مربحاً. البرازيل وولايات أميركيّة وكنديّة وبلدان و في أفريقيا اكتشفت أنّ العمليّة مكلفة اقتصادياً واجتماعياً.
في لبنان قطاع الكهرباء لم يذق نكهة الاستثمار العام طيلة عقد من الزمن، بسبب ضعف سياسات التوجيه. والآن مع ضعف الإنتاج مقارنةً بالطلب المتزايد تزداد الحاجة بقوّة إلى استثمارات تعوّض النقص الحاصل، الذي يزداد باطّراد.
وفي دراسته التفصيليّة عن وضع الكهرباء في لبنان (انتهى من إعدادها في كانون الأوّل عام 2008) يقول البنك الدولي إنّ حاجة لبنان من الكهرباء سترتفع بنسبة 60 في المئة بحلول عام 2015 لتبلغ 20598450 ميغاوات ساعة، ما يعني زيادة الطاقة الإنتاجيّة بواقع 1500 ميغاوات ساعة. أي ما يعادل استثمارات قيمتها مليار دولار، وفقاً للدراسة نفسها.

بأيّ شروط ستجري خصخصة قطاع الكهرباء في لبنان؟
وهنا تكمن عقدة أساسيّة يزداد تجاهل مفاعيلها. فالبنك الدولي يشير في دراسته المذكورة إلى أنّ تطوير القدرة الإنتاجيّة عبر استثمارات القطاع العام يؤدّي إلى كلفة تبلغ 6.58 سنتات للكيلووات ساعة، فيما ترتفع تلك الكلفة إلى 8.19 سنتات عبر استثمارات القطاع الخاص… فإذا لجأ القطاع العام إلى الاستثمار حالياً، ولم يخصخص، سيوفّر على الشعب أعباءً مستقبليّة لها تبعات اجتماعيّة كبيرة.

اهمية المنافسة

إنكلترا وويلز: فسح المجال للمنافسة على صعيدي البيع بالجملة والمفرق، اذ تم فصل توليد الطاقة عن النقل، وتمت خصخصة القطاع (عام 1990)، ووضعت ضوابط لتشجيع المنافسة والحد من استغلال المحتكرين، الامر الذي ادى الى تنزيل النفقات الحقيقية لوحدة الطاقة (كيلواط ساعة) بنسبة نحو 50%، في حين انخفضت اسعار تجمع الطاقة Pool Prices)) بنسبة 20% (6).في العديد من الدول الاخرى

(تشيلي، النروج، فنلندا، هولندا…)، التي اتبعت النموذج الانكليزي، نجحت الخصخصة، وبخاصة في مجال المنافسة.

ولم يغفل قانون تنظيم قطاع الكهرباء في لبنان اهمية المنافسة، فلحظ في المادة الثانية عشرة – الفقرة الرابعة منه: “تأمين المنافسة”

فان للخصخصة مساوئ تختلف بحجمها ونتائجها ايضاً من بلد الى بلد. ولعل هيمنة الشركات العملاقة العالمية ورأس المال الخارجي وعدم قدرة الشركات ورأس المال المحلي على المنافسة، هما ابرز هذه المساوئ. اضف الى ذلك، الخشية من ضعف دور الجهاز المنظم وفاعلية الهيئة الوطنية لتنظيم قطاع الكهرباء (Regulatory Body)، وبالتالي دور ال%D

خطر التسرب المدرسي في لبنان و وصولنا إلى حافة الهاوية

يشهد كل موسم خريفي فصلاً جديداً من قصة التسرب المدرسي. هي قصة للأطفال، لكنها لا تسرّ أحداً، بل تفتح الواقع على احتمالات تناهز الخيال:الضياع، البطالة، الدخول المبكر إلى سوق العمل وبطريقة عشوائية تؤدي إلى انخراط من يفترض أن يكونوا على مقاعد الدراسة، ودروب الحلم بالمستقبل، في أعمال لا تتناسب مع أعمارهم وأوضاعهم الجسدية والنفسية.

بات التسرب المدرسي ظاهرة تطال معظم القرى والعوائل الفقيرة والمتوسطة على حد سواﺀ. ورغم تشدد القانون اللبناني نحو هذه الظاهرة وذلك بهدف العمل على محو ظواهرها السلبية على المجتمع إلا انه كان للواقع كلام مغاير و كارثي.

فمبدأ  تطبيق الزامية التعليم وبالتالي مجانيته يلغيان ٪٨٠ من الأسباب التي تحول دون الالتحاق المدرسي لدى الأطفال في لبنان، ومن بينها تلك العائدة الى عدم رغبة الأهل بذلك وعدم وجود مدرسة رسمية وكلفة التعليم المرتفعة هذا اذا صحت فرضية ان الفقر هــو وراﺀ رغبة الأهل في ايقاف الدراسة”.

فهناك اسباباً مادية تقف عائقا اساسيا في تعليم الأولاد، كما يدفع الرسوب فــي الـــمـــدارس كسبب اضــافــي التلامذة الــى تــرك الــدراســة في غياب توجيه مهني يصحح اوضاع الراسبين، مع الاشارة الى ان مقدار التسرب الكبير يحصل مــا بين المرحلتين الابتدائية والمتوسطة، كما ان النسبة الاكبر من الأطفال غير المسجلين في المدارس هم اما من الأولاد الفقراﺀ او من الأطفال الــمــعــوقــيــن الــذيــن يهمشهم المجتمع”.

فتشير الفقرة “ب” من مقدمة الدستور اللبناني والمادة العاشرة مــنــه، الـــى اقــــرار لــبــنــان بــأولــويــة التعليم، الا ان الــواقــع لا يبدو كذلك، فمبدأ مجانية التعليم في المرحلة الابتدائية، وان كان قد ذكر في المرسوم الاشتراعي رقم ١٣٤ تاريخ / ١٢ / ٦ ١٩٥٩ ثم في وثيقة الوفاق الوطني () ١٩٨٩، كذلك أكد المجلس النيابي على الإلزامية والمجانية في التعليم الابتدائي، في القانون رقم ٦٨٦ الصادر بتاريخ / ١٦ / ٣. ١٩٩٨ وفي الحالتين التشريعيتين، صيغ هذا المبدأ بمادة وحيدة من دون أي تفاصيل. ولم يصدر أي مرسوم لتحديد دقائق تطبيق الأحكام المنصوص عليهما، كما لم تتخذ الحكومات المتعاقبة أي تدابير في هذا المجال.

وفي منتصف عقد التسعينات، اعتمدت هيكلية جديدة للتعليم في لبنان أدرج فيها للمرة الأولى تعبير “التعليم الأساسي” على أنه تعليم يمتد على تسع سنوات دراسية ويغطي مرحلتي التعليم الابتدائي والمتوسط ولا تقتصر على المرحلة الابتدائية فقط كما هي الحال في القانون الحالي، التي هي شبه محققة في لبنان من دون تدخل مباشر.

اضــافــة الـــى الــحــاجــة للعمل والمساهمة فــي تحسين دخل الأســـرة بخاصة فــي الـــدول التي تعاني من الأزمات كلبنان، فإن من مسببات التسرب المدرسي، النظام التعليمي وتخلفه عــن مواكبة المعارف الجديدة والتطوير في المناهج وطرق التعليم الحديثة، وعــدم توفير التدريبات اللازمة للمعلمين والأساتذة، الخلل في تــوزيــع الــمــدارس فــي المناطق والأديان والقرى النائية والاعتماد على المدن ومراكز السكن، واخيراً ولــيــس آخــــراً عـــدم وجـــود خطة نــهــوض اجــتــمــاعــي اقــتــصــادي تبنى عليها البرامج والمشاريع التربوية التعليمية ذات الجدوى الاقتصادية الاجتماعية.

“ان المستوى التكميلي او الحلقة الثالثة مــن التعليم الأساسي تعاني من خلل تربوي، كما ان الحد الأدنى المقبول والذي يتخطى معه الفرد خطر الوقوع في الأمية بعد تركه المدرسة، طبقا للمستوى الدراسي ضعيف جدا”. ودقت شرارة ناقوس الخطر من خلال أرقام ومعلومات رسمية لبنانية حديثة منها على سبيل المثال ان ٪١٣ هي نسبة الرسوب المتكرر، كما ان النمو المتكرر للرسوب هو ٪١، اضافة الى رقم مرعب كما تشير الدراسة يفيد ان ٪٣٥ من الرسوب في المرحلة الأساسية “واذ تحذّر شــرارة من مغبة المضي في هذا الاتجاه ومن آثاره القاتلة على الناس والمجتمع والمؤسسات، تطالب بوجود خطة نهوض اجتماعية وطنية شاملة.

و مع ازدياد الازمة السياسية الاجتماعية الاقتصادية يطل برأسه التسرب المدرسي ليتحول مشكلة تبقى فيها الحلول نظرية حتى الساعة..

فالتسرب بالغة الخطورة بما تحمله من اهدار لأعمار الاولاد واعادة تغذية المجتمع بمرشحين محتملين للسقوط في الأمية واحباط خطط التنمية البشرية ورفع الكلفة الفعلية للتعليم. ويرى ان الترفيع الآلي الميسر الذي اعتمد في المناهج الجديدة لم يؤد الى حل المشكلة بل عمل الى ارجائها سنوات.
وتزيد نسب التسرب خصوصا في المراحل الانتقالية، وهي في ارتفاع ملحوظ منذ العام 2000 – 2001 وهي أشد تفاقما لدى الذكور منها لدى الاناث. كما سجلت نسبة التسرب مستوى عاليا قارب 4 في المئة في صفوف الحلقة الثانية من التعليم الاساسي (الرابع والخامس والسادس) للعام 2005 – 2006 وارتفعت هذه النسبة الى 8,1 في المئة في الصف السابع أساسي و6,8 في المئة في الصف الثامن وتناهز 19 في المئة في الصف التاسع. غير ان هذه النسبة الاخيرة تشير الى الذين خرجوا من مسار التعليم العام وتشمل بالضرورة المتسربين الفعليين بالاضافة الى الذين اختاروا الالتحاق بالتعليم المهني اذ يسمح النظام التعليمي بالتحاق عدد من الراسبين في امتحانات الشهادة المتوسطة في اطار التعليم المهني. لكن تبين ان 25 في المئة من التلامذة يتسربون من المدرسة قبل الوصول الى التاسع الاساسي.
أما الاسباب التربوية المدرسية فتشمل عدم تتابع مراحل المدارس الرسمية من الروضة حتى الثانوي بشكل كلي (في 1394 مدرسة رسمية في لبنان) كما تفتقر الابنية الى مواصفات البناء الملائم للمنهاج الجديد (ملاعب – مختبرات – مكتبات – غرف تدريس – مياه شرب ومراحيض ملائمة – مرشد صحي – مرشد تربوي). أما الكفاءة فلا تعتمد كمعيار غالب او وحيد لاختيار مديري المدارس.
فابرز العوامل المؤدية الى التسرب وتقسمها فئات عدة علما انها لا تشكل في ذاتها أسبابا حتمية للتسرب. فمن العوامل ذات المصدر السياسي والاداري غياب الزامية التعليم، ومحدودية الموازنة المخصصة للتربية، والفساد، والاهدار، وعدم مواءمة المباني المدرسية للمعايير العالمية.

ومن العوامل ذات المصدر التعليمي – التعلّمي، الصعوبات التعليمية المتأتية من عوامل فيزيولوجية مثل التعسر في القراءة والكتابة، والتعسر في الحساب، والحركة الزائدة، والبطء، والتأخر الدراسي وايضا طرائق التدريس، وادارة الصف، وخلفية المعلم التربوية والنفسية، وتصورات التلميذ عن المادة. أما العوامل ذات المصدر النفسي – العلائقي فتشمل الاضطرابات النفسية (كالاكتئاب، والقلق، والانطوائية) وانعكاساتها (كالغش، والكذب)
فلكي نتمكن من نهضة قطاعنا التربوي و محاربة التسرب المدرسي يجب أن نطبق الحلول التالية :
ـالعمل على إلزامية و مجانية التعليم

تجهيز المدارس الرسمية بكافة المستلزمات والاحتياجات البيئية والصحية والتعليمية والترفيهية (بناء، ترميم، أجهزة كومبيوتر، مختبرات، مكتبات، مولدات كهربائية، ماكينات تصوير…).
ـ تعريف الأطفال على حقوقهم ورفع مستوى الوعي لديهم وزيادة مشاركتهم في الحياة العامة.

تعديل طريقة التعليم و إعتماد الأسلوب التشاركي و ليس التلقيني

إختيار الشخص المناسب في المكان المناسب و خصوصا المدراء

تأمين حقوق الأساتذة و رفع دخلهم و ذلك لكي نولد أكثر إنتاجية
ـ إنشاء مكتبة عامة خاصة بالشباب والأطفال.
ـ إنشاء نادٍ للأطفال لتفعيل النشاطات التربوية والترفيهية مخيمات، رحلات، جلسات توعية وتثقية. و تفعيل روح التطوع عند الطالب
ـ ضرورة وجود اختصاصي صحي واجتماعي في المدارس لدراسة قضايا وأوضاع الأطفال الاجتماعية والأسرية والتربوية.

أخيرا، إن القطاع التربوي يعد القطاع الرئيسي في الوطن، لأنه هو بناة الأجيال القادمة و من خلاله نؤسس مستقبل الوطن و من خلاله نعزز ثقافة مواطنينا و نعزز مواطنيتهم و لا يمكننا بناء إقتصادنا و تعزيز إستقرارنا من دون الإهتمام بقطاعنا التربوي و الإهتمام بأجيالنا المقبلة . فعلى الدولة أن ترفع ميزانية وزارة التربية و أن تعد خطة إستراتيجية لأجل حماية وطننا و رفعة إسمه عاليا دائما و أبدا. و لكن المشكلة ليست فقط عند الدولة بل هناك دور كبير يجب أن يلعبه المجتمع المدني الناشط منه و هناك أيضا دور للمواطن و ذلك لنكون واقعيين و لكي نمكن نهضة قطاعنا التربوي في أسرع وقت.

استهلاك المخدرات في لبنان ازداد خصوصاً في صفوف الشباب

التعريف في اللغة
أطلق اسم المخدر على كل ما يستر العقل و يغيبه .
التعريف العلمي
المخدر مادة كيميائية تسبب النعاس و النوم أو غياب الوعي المصحوب بتسكين الألم. و كلمة مخدر ترجمة لكلمة (Narcotic) المشتقة من الإغريقية (Narcosis) التي تعني يخدر أو يجعله مخدراً .
التعريف القانوني
المخدرات مجموعة من المواد التي تسبب الإدمان و تسمم الجهاز العصبي و يحظر تداولها أو زراعتها أو تصنيعها إلا لأغراض يحددها القانون و لا تستعمل إلا بواسطة من يرخص له بذلك .
المخدرات أو العقار بمعنى أدق هي مواد ذات طبيعة كيماوية تؤثر على العقل أو الجسم البشري ، و مع الاعتياد على التناول يصبح هناك ما يسمى بــ ( التحمل ) و هو حالة فسيولوجية مكتسبة تتميز بقدرة الجسم على تحمل العقار ما يؤدي إلى الحاجة إلى أخذ جرعات متزايدة للحصول على التأثير نفسه الذي كان متاحا في الأصل بجرعات أقل .

الفرق بين الإدمان والتعود :

المخدرات في مجملها تؤثر على المخ وهذا سر تأثيرها والكثير منها يتسبب في ضمور ( موت ) بعض خلايا الجزء الأمامي لقشرة الدماغ ( Cortex ) .

وهناك مخدرات تسبب اعتمادا نفسيا دون تعود عضوي لأنسجة الجسم أهمها : القنب ( الحشيش ) ، التبغ ، القات ، وعند توفر الإرادة لدى المتعاطي فإن الإقلاع لا يترك أي أعراض للانقطاع .

وبالمقابل هناك مخدرات تسبب اعتمادا نفسيا وعضويا أهمها : الأفيون ، المورفين ، الهيروين ، الكوكايين ، الكراك وكذلك الخمور وبعض المنومات والمهدئات والإقلاع عن تعاطي تلك المخدرات يتسبب في أعراض انقطاع قاسية للغاية تدفع المتعاطي للاستمرار بل وزيادة تعاطيه .

لذلك فإن الانتباه لعدم الوقوع في شرك المخدرات هو النجاة الحقيقة ، و يجب المبادرة إلى طلب المشورة والعلاج مهما كانت مرحلة الإدمان حيث تتحقق المكاسب الصحية لا محالة .

مراحل الإدمان :

يمر  المدمن ، أو من يتعاطى المخدر بصورة دورية ، عادة ما يمر بثلاثة مراحل هي :

1.مرحلة الاعتياد ( Habituation )

وهي مرحلة يضطر يتعود فيها المرء على التعاطي دون أن يعتمد عليه نفسيا أو عضويا وهي مرحلة مبكرة ، غير أنها قد تمر قصيرة للغاية أو غير ملحوظة عند تعاطي بعض المخدرات مثل الهيروين ، المورفين والكراك .

2.مرحلة التحمل ( Tolerance )

وهي مرحلة يضطر خلالها المدمن إلى زيادة الجرعة تدريجيا وتصاعديا حتى يحصل على الآثار نفسها من النشوة وتمثل اعتيادا نفسيا وربما عضويا في آن واحد .

3.مرحلة الاعتماد ، الاستبعاد أو التبعية ( Dependence )

وهي مرحلة يذعن فيها المدمن إلى سيطرة المخدر ويصبح اعتماده النفسي والعضوي لا إرادي ويرجع العلماء ذلك إلى تبدلات وظيفية ونسيجية بالمخ . أما عندما يبادر المدمن إلى إنقاذ نفسه من الضياع ويطلب المشورة والعلاج فإنه يصل إلى مرحلة الفطام ( Abstentious ) والتي يتم فيها وقف تناول المخدر بدعم من مختصين في العلاج النفسي الطبي وقد يتم فيها الاستعانة بعقاقير خاصة تمنع أعراض الإقلاع ( Withdrawal Symptoms )  .

تصنيف المخدرات

يمكن تقسيم المخدرات وتصنيفها بطرق مختلفة عديدة نختار منها التالي :

1-    مخدرات طبيعية  وأهمها وأكثرها انتشارا : الحشيش والأفيون والقات والكوكا

2-    المخدرات المصنعة وأهمها المورفين والهيروين والكودايين والسيدول والديوكامفين والكوكايين والكراك

3-    المخدرات التخليقية وأهمها عقاقير الهلوسة والعقاقير المنشطة والمنبهات والعقاقير المهدئة

أسباب تعاطي المخدرات :

1.ضعف الإيمان :

إن جميع الأديان السماوية تمنع تعاطي المخدرات

2.أصدقاء السوء:

فالصحبة السيئة ورفاق السوء كثيرا ما يكونوا سببا في تعاطي المخدرات للرغبة في التقليد

3.توفر المال مع وقت الفراغ :

قد يكونان عاملان أساسيان في إقبال الشباب على تعاطي المخدرات إذا لم يجد التوجيه السليم لقضاء وقت الفراغ بما هو نافع ، في مقابل عدم وجود التوعية الرشيدة لطريقة الإنفاق المالي ومصاريفه .

4.الاعتقاد الخاطئ بأن المخدرات تزيل الشعور بالقلق والاكتئاب والملل ، وتزيد في القدرة الجنسية .

5.الإهمال الأسري للجوانب التربوية ، وكثرة المشاكل الأسرية بما يسهل انحراف الأبناء

6.حب الاستطلاع والفضول لفئة من الناس في تجربة أشياء غير مألوفة دون مبالاة لآثارها فيسقط في هاوية الدمار والهلاك .

7.استخدام المواد المخدرة للعلاج استخداما سيئا لا يتبع فيه إرشادات الطبيب مما يسبب له الإدمان .

8.الصراع السياسي بين بعض الدول وسعيها للحصول على أسرار الآخرين ، فالمخدرات هي البوابة السليمة لمثل هذه الصراعات .

أضرار المخدرات:

الأضرار الاجتماعية والخلقية :

1.انهيار المجتمع وضياعه بسبب ضياع اللبنة الأولى للمجتمع وهي ضياع الأسرة .

2.تسلب من يتعاطاها القيمة الإنسانية الرفيعة ، وتهبط به في وديان البهيمية ، حيث تؤدي بالإنسان إلى تحقير النفس فيصبح دنيئا مهانا لا يغار على محارمه ولا على عرضه ، وتفسد مزاجه ويسوء خلقه .

3.سوء المعاملة للأسرة والأقارب فيسود التوتر والشقاق ، وتنتشر الخلافات بين أفرادها .

4.امتداد هذا التأثير إلى خارج نطاق الأسرة ، حيث الجيران والأصدقاء .

5.تفشي الجرائم الأخلاقية والعادات السلبية ، فمدمن المخدرات لا يأبه بالانحراف إلى بؤرة الرذيلة والزنا ، ومن صفاته الرئيسية الكذب والكسل والغش والإهمال .

6.عدم احترام القانون ، والمخدرات قد تؤدي بمتعاطيها إلى خرق مختلف القوانين المنظمة لحياة المجتمع في سبيل تحقيق رغباتهم الشيطانية .

7.الأضرار الاقتصادية:

1.المخدرات تستنزف الأموال وتؤدي إلى ضياع موارد الأسرة بما يهددها بالفقر والإفلاس .

2.المخدرات تضر بمصالح الفرد ووطنه ، لأنها تؤدي إلى الكسل والخمول وقلة الإنتاج .

3.الاتجار بالمخدرات طريق للكسب غير المشروع لا يسعى إليه إلا من فقد إنسانيته .

4.إن كثرة مدمنيها يزيد من أعباء الدولة لرعايتها لهم في المستشفيات والمصحات ، وحراستهم في السجون ، ومطارة المهربين ومحاكمتهم .

8.الأضرار الصحية :

1.التأثير على الجهاز التنفسي ، حيث يصاب المتعاطي بالنزلات الشعبية والرئوية ، وكذلك بالدرن الرئوي وانتفاخ الرئة والسرطان الشعبي.

2.تعاطي المخدرات يزيد من سرعة دقات القلب ويتسبب بالأنيميا الحادة وخفض ضغط الدم ، كما تؤثر على كريات الدم البيضاء التي تحمى الجسم من الأمراض .

3.يعاني متعاطي المخدرات من فقدان الشهية وسوء الهضم ، والشعور بالتخمة ، خاصة إذا كان التعاطي عن طريق الأكل مما ينتج عنه نوبات من الإسهال والإمساك ، كما تحدث القرح المعدية والمعوية ، ويصاب الجسم بأنواع من السرطان لتأثيرها على النسيج الليفي لمختلف أجهزة الهضم .

4.تأثير المخدرات على الناحية الجنسية ، فقد أيدت الدراسات والأبحاث أن متعاطي المخدرات من الرجال تضعف عنده القدرة الجنسية ، وتصيب المرأة بالبرود الجنسي .

5.التأثير على المرأة وجنينها ، وهناك أدلة قوية على ذلك . فالأمهات اللاتي يتعاطين المخدرات يتسببن في توافر الظروف لإعاقة الجنين بدنيا أو عقليا .

6.الأمراض النفسية كالقلق والاكتئاب النفسي المزمن وفقدان الذاكرة ، وقد تبدر من المتعاطي صيحات ضاحكة أو بسمات عريضة ، ولكنها في الحقيقة حالة غيبوبة ضبابية .

7.تؤدي المخدرات إلى الخمول الحركي لدي متعاطيها .

8.ارتعاشات عضلية في الجسم مع إحساس بالسخونة في الرأس والبرودة في الأطراف .

9.احمرار في العين مع دوران وطنين في الأذن ، وجفاف والتهاب بالحلق والسعال .

10.تدهور في الصحة العامة وذبول للحيوية والنشاط .

طرق الوقاية من المخدرات :

1.لاشيء يعين المرء على تحقيق مآربه إلا بالإيمان فمن تسلح بها نجح ومن سار على الجادة وصل وأن يكون كل قصده هو التقرب إلى الله بترك محرماته .

زرع الوازع الديني لدى الأطفال في الصغر .

2.على المتعاطي أن يتذكر كلما عزم على أخذ المخدر أن مخدره هذا سيزيد مشكلاته تعقيدا.

3.كتابة أخطار تعاطي هذه المحرمات بخط واضح ووضعها في مكان بارز ، وقراءتها بين آونة وأخرى حتى تتجدد العزيمة .

4.ملاحظة الحالة الصحية وتطورها ، وعدم التذمر عند الشعور بآلام الرأس والعضلات ، فعليه بالارتياح كون هذه الآلام إشارة إلى تخلص أعضاء الجسم مما تراكم فيها من السموم .

5.مزاولة الرياضة بالشكل السليم .

6.الانقطاع عن الأماكن التي اعتاد أن يتناول فيها تلك المواد ، وكذلك الأصحاب الذين يتعاطونها .

7.إشغال وقت الفراغ بما ينفع في الدنيا والآخرة .

8.عقد صداقة دائمة مع الأبناء .

9. زرع الثقة المتبادلة بين الأهل والأبناء وتوطيد العلاقة القوية بينهم .

المخدرات الطبيعية

هي مجموعة من النباتات الموجودة بالطبيعة والتي تحتوي أوراقها أو ثمارها أو مستخلصاتها على عناصر مخدرة فعالة ، ينتج عن تعاطيها فقدان جزئي أو كلي للإدراك ، كما أنها قد تترك لدى المتعاطي اعتمادا وإدمانا نفسيا أو عضويا أو كلاهما وأهمها :

       نبات القنب الهندي ، الحشيش أو الماريهوانا .

       نبات الخشخاش أو الأفيون .

       نبات القات .

       نبات الكوكا .

أولا : الحشيش ، القنب الهندي ، الماريهوانا ( CANNABIS )

القنب الهندي ( Cannabis Sativa ) نبات عشبي ينمو فطريا أو تتم زراعته ، يسمونه في الهند ( بهانج أو تشاراس ) ، ويسميه الصينيون ( Ma – Yo )  أو الدواء ، بينما يسميه الأمريكيون ( الماريهوانا ) ومعناها السجن أو العبودية ، ويعرفه العرب باسم الحشيش . وأوراقه مسننة وعدد فصوصها فردى وهو نبات منه نبتة مؤنثة وأخرى ذكرية .

إن التعاطي عن طريق التدخين ( الاستنشاق ) سواء من خلال السجائر ، السيجار ، الغليون أو النرجيلــــــــة ( الجوزة ) مخلوطا بالتبغ أو التمباك أو ( المعسل ) وهو أسلوب خطر للغاية حيث يصل الدخان إلى الرئتين مباشرة ومنها إلى الدم ثم المخ والجهاز العصبي ليبدأ تأثيره خلال دقائق ويمتد لحوالي 3 – 4 ساعات . والخطورة الكبرى تكمن في أن تدخينه يقتضي مواصلة التدخين بسرعة حتى لا يحترق الحشيش في الهواء أو هكذا يحرص المدمنون .

يصف العلماء الحشيش بأنواعه كمخدرات تتسبب في اعتماد نفسي دون عضوي لأنسجة الجسم غير أن مدمن الحشيش عادة ما يلجأ لاستخدام وتعاطي مخدرات أخرى معه أو ما يعرف ( بنظرية التصاعد ) ويتفق الأطباء على أن الحشيش لا يتسبب عادة في إصابة المتعاطي بالغيبوبة مثل الكثير من المخدرات الأخرى ، والإقلاع عن تعاطي الحشيش لا يترك أعراضا إنقطاعية أو ما يسمى بمتلازمة الحرمان ( Withdrawal Symptoms ) .

آثار ومخاطر تعاطي الحشيش

أعراض مباشرة مؤقتة

       النشوة وهي حالة من الشعور الوهمي بالرضا ، الراحة ، المرح والسعادة تزول بعد ساعات لتترك أعراضا عكسية لدى المتعاطي .

        فقدان التوازن الحركي والدوار .

       زيادة ضربات القلب مما يعرض المتعاطي للأزمات القلبية أو الذبحة الصدرية بصورة مفاجئة .

       انخفاض ضغط الدم مما يؤدي لبرودة الأطراف .  * الشعور بالغثيان وأحيانا القيء .

       تقلصات ورعشة بالعضلات .

مضاعفات التعاطي وأعراض الإدمان

* تأثر أنشطة  المخ ، رجفة الأطراف ، صداع مزمن وتدني القدرات الحسية كالسمع والإبصار .

* ضعف الشخصية ، الاكتئاب ، الانطواء ، القلق ، اضطراب النوم .

* خداع الحواس ( illusion ) ، الهلوسة ، ضعف الذاكرة واضطراب التفكير .

* عدم تناسق الأفكار ( Mental Confusion ) وتضخم الشعور بالذات ( بارانويا ) .

* الهزال ، الضعف ، سوء الهضم والإمساك .

* التهابات رئوية متكررة .

* نقص المناعة الطبيعية نتيجة لتضرر الكريات الدموية البيضاء .

* الضعف الجنسي وظهور أعراض أنوثة نتيجة انخفاض معدل هرمون الذكورة ( التستيستيرون ) إلى ما دون 400 نانو غرام لكل 100 ملليمتر من الدم بينما المعدل الطبيعي يجاوز 740 نانوغرام / 100 ملليمتر .

* ضعف القدرة على الإنجاب لانخفاض عدد الحيوانات المنوية بنسبة تزيد عن 60% .

* آثار خطرة على الأجنة والمواليد للأمهات المدمنات .

* التدهور الاجتماعي والاقتصادي وفقدان القدرة على العمل والإنتاج .

ثانيا : الأفيون ، الخشخاش ( Opium )

الأفيون هو العصارة اللزجة المستخرجة من ثمار الخشخاش بعد تشريط جدرانها الخضراء قبل نضجها ، وهذا العصير الأبيض يجفف ليصبح مادة كريهة الرائحة ، شديدة المرارة ، تحتوي على ما يزيد عن 25 مادة مختلفة أهمها المورفين ، الناركوتين ، الكودايين ، البابا فيرين وأخرى . بيد أن المورفين هو العامل الأساسي في الإدمان والذي ترجع إليه تأثيرات الأفيون المختلفة .

إن تأثير الأفيون يكوم عاما على الجسم ويؤثر بصورة أساسية على المخ والجهاز العصبي والعضلات وتظهر الأعراض على متعاطيه ، خلال فترة وجيزة لا تزيد عن نصف ساعة من تعاطيه ، تختلف آثار الأفيون على جسم الإنسان من الناحية الكيمائية ، الفسيولوجية والنفسية تبعا لنوع الأفيون ، درجة نقاوته وتركيزه ، طريقة تحضيره وتعاطيه والجرعة . والأفيون له تأثير عضوي على أنسجة الجسم يدفعها إلى الإدمان بشراسة وعند الانقطاع أو الإقلاع فإن أعراضا قاسية تبدأ بعد مضي 12 – 16 ساعة من آخر جرعة وتسمى بمتلازمة الحرمان ( Withdrawal Symptoms )  وأهمها التوتر ، تقلصات العضلات ، ارتفاع ضغط الدم ، فقدان التوازن ، ارتفاع معدل السكر بالدم مع إفرازات غزيرة من الأنف والعينين والعرق إضافة إلى التبول والإمناء لا إراديا . ودون التقليل من مخاطر الأفيون الخام ، فإن الأخطار تزداد عند تعاطي مشتقاته المصنعة خاصة المورفين والهيروين .

ينشأ الإدمان على الأفيون عند تناول جرعة منه ( مهما كانت صغيرة ) لعدة أيام قليلة ، بعدها يبدأ المتعاطي في زيادة الجرعة سعيا وراء الشعور بالنشوة ، وكلما استمر في التعاطي استمرت حاجته إلى زيادة الجرعة وبعدها لا يمكنه التوقف عن التعاطي لفترة تزيد عن 12 ساعة تقريبا ، بعدها يعاني من أعراض التوقف المفاجئ وعادة ما تنتهي حياة المدمن في مصحات الأمراض العقلية أو بالموت في سن مبكرة .

ثالثا : القات ( Cathaedulis )

القات يحتوي ثلاثة قلويات هامة وهي : ( القاثيين ) ، ( القاثيدين ) ، و ( القاتين ) وكلها لها تأثير مباشر منبه على المخ والجهاز العصبي وتأثير مباشر يتسبب في ضيق الأوعية الدموية وبالتالي زيادة ضغط الدم .

يتم تعاطي القات بمضغ الأوراق الصغيرة مضغا بطيئا ثم تخزين هذه الكتلة الممضوغة بالشدق مدة طويلة مع استحلابها من وقت لآخر ويعتمد المتعاطي إلى شرب كميات من المياه المثلجة مرارا وبعد فترة يلفظ المتعاطي كتلة الأوراق ويعاود مضغ أوراق جديدة ، التعاطي أو التخزين يتم في جلسات أو مجالس بطقوس غريبة ، حيث يتلاصق المتعاطون في أماكن مغلقة بحثا عن الدفء نظرا لأن التعاطي يسبب إحساسا بالبرودة .

أثناء التعاطي يمنح القات شعورا بالسعادة والراحة والتحلل من المسئولية وإحساسا زائفا بالقدرة والرضا ، غير أن الإدمان على تعاطي القات يسبب اعتمادا نفسيا إضافة إلى أعراض صحية أهمها ضعف في حركة المعدة ، سوء الهضم ، الهزال ، شلل الأمعاء ، تليف الكبد والخمول الجنسي .

أيضا فإن المدمنين يعانون من اضطرابات في الجهاز العصبي وهم بصورة عامة كسالى ويعانون من تدني مستوى إنتاجيتهم وقدراتهم على العمل .

والإقلاع عن تعاطي القات لا يترك عادة أعراضا إنقطاعية ( Withdrawal Symptoms )  والقات هو واحد من المواد المدرجة ضمن عقاقير الإدمان وفقا لتصنيف منظمة الصحة العالمية .

رابعا : الكوكا

ولأوراق الكوكا أثر منبه حيث توفر للمتعاطي نشاط في وظائف المخ ، عدم الرغبة في النوم وعدم الشعور بالتعب ، غير أنها آثار مؤقتة تزول لتترك المتعاطي منهك الجسد ، مشتت التفكير إضافة إلى تأثيراتها غير المستحبة على بعض غدد الجسم وخاصة الغدد الجار كلوية .

المخدرات المصنعة

هي مجموعة من المواد المستخلصة أو الممزوجة أو المضافة أو المحضرة من نباتات موجودة في الطبيعة تحتوى على عناصر مخدرة فعالة ( مخدرات طبيعية ) ، ينتج عن تعاطيها فقدان جزئي أو كلي للإدراك ، كما أنها قد تترك لدى المتعاطي اعتمادا وإدمانا نفسيا أو عضويا أو كلاهما وأهمها :

       المورفين .

       الهيروين .

       الكودايين .

       السيدول .

       الديوكامفين .

       الكوكايين .

       الكراك .

أولا : المورفين ( Morphine )

يعتبر المورفين من أشهر مشتقات الأفيون المصنعة ، ويمثل حوالي 15% من مكونات الأفيون الخام ، وعرف لأول مرة في القرن السادس عشر غير أن الوثائق الطبية تشير إلى عام 1804 ميلادية عندما ذكر العالم .

تتم صناعة المورفين عن طريق تحليل مادة الأفيون الخام كيميائيا وباستخدام التسخين لإنتاج مسحوق أبيض عديم الرائحة ، مر المذاق يمكن تسويقه صلبا أو مذابا في سوائل خاصة ، كما يمكن إنتاجه في صورة أقراص .

يصف العلماء المورفين كمخدر يتسبب في اعتماد نفسي ، واعتماد عضوي لأنسجة الجسم والإقلاع عن التعاطي يترك أعراضا إنقطاعية ( Withdrawal Symptoms )   قاسية تستدعي علاجا ورعاية صحية .

يتفق العلماء بأن المورفين هو عقار طبي له استخداماته الخاصة في بعض الأحيان ، غير أنه بالتأكيد مركب خطر يسبب إدمانا سريعا وشديدا وربما كان ذلك مدعاة ما اتخذ من إجراءات صحية حازمة تحد من استخدام الدواء وصرفه وتسويقه ، وتنحصر استخداماته حاليا في بعض حالات السرطان المتقدم ،جلطة القلب الحادة ،الحروق الشديدة، الصدمات العصبية نتيجة النزف الشديد وبعد بعض العمليات الجراحية ويتم وصفه بجرعات محدودة ولفترات قصيرة للغاية .

عند الإقلاع عن تعاطي المورفين يواجهه المدمن مجموعة من أعراض الإقلاع ، خلال فترة تتراوح بين 24 – 48 ساعة واهم تلك الأعراض التوتر ، الهياج، الأرق، حكة شديدة بالجسم ، إفراز العرق بغزارة والرغبة الجامحة في البحث عن جرعة جديدة ويصف المدمنون شعورهم خلال تلك المرحلة بآلام جسدية متفرقة ، وكثيرا من المدمنين يلجئون إلى تناول جرعات متزايدة تزيد عن 100 ملليجرام من المورفين قد تصبح مميتة خلال فترة تتراوح بين 6 – 12 ساعة .

وقد رصد العلماء أن العديد من مدمني المورفين عن طريق الحقن يصابون بالتهابات شديدة تحت الجلد أو تجلط بالأوعية الدموية إضافة إلى معدلات متزايدة من الأمراض المتناقلة عن طريق الحقن الملوثة وأهمها مرض فقدان المناعة المكتسبة ( الإيدز ) .

مضاعفات التعاطي وأعراض الإدمان أعراض مباشرة مؤقتة
* للمورفين آثار منبهة على مدمنيه ، تتميز بالغثيان ، القيء تقلص العضلات . * النشوة والشعور بالرضا وغياب أي آلام جسدية .
* الهياج العصبي الشديد ، الأرق والتوتر. * الهدوء والتكاسل والرغبة في النوم .
* الإسهال المزمن  .
* ارتفاع ضغط الدم .
* اضطراب معدلات السكر بالدم . * إفرازات غزيرة بالأنف وجفاف الفم .
* اضطرابات التبول والضعف الجنسي .
* التدهور الاجتماعي والاقتصادي وفقدان القدرة على العمل والإنتاج . * شعور بالحكة في مختلف أنحاء الجسم .

آثار ومخاطر تعاطي المورفين

ثانيا  الهيروين ( Diacetylmorphine )

هو أحد أخطر مشتقات المورفين وأكثر العقاقير المسببة للإدمان شراسة وتأثير ، يتم تحضيره صناعيا من المورفين بعمليات كيميائية ، وفعاليته تتراوح ما بين أربعة إلى عشرة أضعاف تأثيرات المورفين ، وهو عبارة عن مسحوق أبيض عديم الرائحة ، ناعم الملمس ، مر المذاق قابل للذوبان بالماء وجاءت تسميته من كلمة ( Heroisch ) الألمانية ومعناها الدواء القوي التأثير .

الإقلاع عن تعاطي الهروين يتسبب في أعراض شديدة ( Withdrawal Symptoms )  لا تترك للمتعاطي أي فرصة للتراجع نتيجة الاعتماد العضوي لأنسجة الجسم ، خاصة وأن تأثيره يبدأ فورا عند تعاطيه ويستمر مفعوله لفترة تتراوح بين 4 – 6 ساعات يجد المدمن نفسه بعدها في حاجة إلى جرعات إضافية . وتقدر السلطات الأمريكية عدد مدمني الهيروين في الولايات المتحدة الأمريكية بحوالي 3 مليون تتراوح أعمارهم بين 20 – 30 عاما وهو رقم معلن رسميا .

إن الصورة المأساوية لإدمان الهيروين تكمن في التبعية الجسدية والنفسية السريعة والقوية ، والتي ترغم المدمن على تناول جرعات متزايدة والبحث بصورة جنونية على تأمين المخدر بأي طريقة ويكون المدمن غير قادر على السيطرة على رغبته مما يدفعه إلى سلوك إجرامي أو عدواني لإشباع حاجته وما لم يتم تدارك تلك الحالات بالعلاج النفسي والاجتماعي والطبي بصورة عاجلة فإن الانتحار عادة ما يكون نهايتها المحتمة ، غير أن علاج إدمان الهيروين باهظ الكلفة ولا يتوفر سوى في مراكز قليلة متخصصة ، وربما كان ذلك واحدا من أسباب الخطورة البالغة للهيروين .

آثار ومخاطر تعاطي الهيروين

مضاعفات التعاطي وأعراض الإدمان أعراض مباشرة مؤقتة
* خلل في أنشطة المخ والإدراك الحسي . * النشوة والشعور بالاسترخاء والتحليق في وهم وخيال التميز والنجاح .
* الهزال الشديد والضعف العام . * فقدان الإحساس بالألم باللمس ، بالسخونة أو البرودة .
* تدمير خلايا الكبد وتليفه . * بطأ ضربات القلب .
* ضعف عضلة القلب . * انخفاض ضغط الدم .
* اضطراب التنفس . * ارتخاء جفون العينين وضيق حدقة العين واحتقان الملتحمة .
* الضعف الجنسي .
* الشعور بالنقص والاكتئاب الذي قد يدفع المدمن إلى الانتحار .
* الولادة المبكرة للحوامل المدمنات وإصابة 90% من أطفالهن بضعف المناعة ونقص النمو وتصل نسبة الوفاة بينهم إلى 30 – 70% تقريبا .
* التدهور الاجتماعي والاقتصادي وتدني القدرة على العمل والإنتاج .

ثالثا : الكودايين

يمثل الكودايين حوالي 2% من مكونات الأفيون ولقد تم تصنيعه واستخراجه من المورفين لاستخدامه كمسكن للألم وكانت البداية في عام 1822 ميلادية ونم تطويره ليستخدم كمهبط للسعال ( الكحة ) نظرا لتأثيره على بعض مراكز المخ ، غير أن ذلك قد ساهم في انتشار إدمانه نظرا لتوفره في عديد من أدوية السعال ومضادات الإسهال خاصة إنه كان غير مقيد ضمن عقاقير لوائح المخدرات وكان المدمنون يسعون إلى تأثيره المسبب للاسترخاء والهدوء ، والذي سرعان ما يتحول مع إدمانه إلى الشعور بالهياج العصبي والرغبة المستمرة في زيادة الجرعة وهو ما دفع دول عديدة إلى وضع ضوابط رقابية تنظم صرف وتداول الأدوية التي تحتوى مكوناتها على الكودايين ودولة الكويت واحدة من تلك الدول .

رابعا : السيدول

وهو مزيج من المورفين ومكونات أخرى أهمها السكوبولامين والسبارتين وقد تم تصنيعه كعقار ضد الآلام وقبل العمليات الجراحية وسرعان ما استخدمه المدمنون بطريق الحقن ومع استمرارية تناوله يترك إدمانا وتبعية نفسية وجسدية لدى المدمن وقد سارعت عديد من دول العالم من بينها الكويت إلى تقنين وتنظيم صرف وتناول هذا العقار .

خامسا : الديوكامفين

وهو مزيج من الكودايين والكافور والبلادونا وبالتالي يرجع مفعوله إلى محتواه من المورفين ، وقد تم تصنيعه كعقار مسكن للآلام ومهدي للتوتر وسرعان ما عمد المدمنون إلى تعاطيه سواء في صورة أقراص أو بحقنه تحت الجلد وهو كجميع مشتقات المورفين يترك تبعية جسدية ونفسية لدى المدمن وإن كان ذلك أقل تأثيرا من المورفين ، ولقد سارعت الدول المتقدمة ومن بينها دولة الكويت إلى تقنين وتنظيم صرف وتداول هذا العقار .

سادسا : الكوكايين Cocaine

في عام 1860 نجح نيما  ( Niemann )  في استخراج مادة فعالة من أوراق الكوكا ، وخلال أقل من 10 سنوات أصبحت تستخدم كمخدر موضعي ممتاز ، إضافة إلى استعمالات طبية أخرى ولم يلبث الكوكايين أن أصبح من أحد المخدرات المنتشرة بين طبقات المجتمع الراقية خاصة وأن ( سيغموند فرويد ) العالم النفسي قد كتب عن متعة تناوله ، ومازال الكوكايين حتى الآن أحد أكثر المخدرات انتشارا في الأمريكتين وتشير تقديرات ( المعهد الوطني الأمريكي لسوء استخدام العقاقير ) إلى أن يقارب 15 مليون أمريكي يتعاطون الكوكايين بصورة منتظمة .

أثناء التعاطي يمنح الكوكايين إحساسا مؤقتا بالقوة والسعادة نظرا لتأثيره المنبه على الجهاز العصبي ( Stimulant Sympathetic ) مما يؤدي إلى زيادة في نشاط المخ ، عدم الرغبة في النوم ، عدم الشعور بالتعب ، اتساع حدقة العين وزيادة ضربات القلب . غير أن الإدمان على الكوكايين يسبب اعتمادا نفسيا وعضويا ومضاعفات صحية أهمها فقدان الإحساس بالأطراف ، الهلوسة وأخطرها هو السلوك العدواني والإجرامي إضافة إلى تدهور حاد بالتوازن النفسي والقدرة على العمل وكثيرا ما ينتهي الأمر بالمدمنين إلى إصابتهم بأرق مزمن ونوع من الجنون يصعب علاجه إضافة إلى الضعف الجنسي . إن الإقلاع عن تعاطي الكوكايين يترك أعراضا إنقطاعية شديدة أو ما يسمى ( Withdrawal Symptoms ) .

سابعا : الكراك

في عام 1983 نجح تجار المخدرات في كاليفورنيا في ابتكار الكراك وهو مركب مستخرج كيميائيا من الكوكايين ، والكراك مادة بالغة الخطورة ، مخدر قوي المفعول وقاتل سريع ، تظهر آثاره خلال 10 ثوان فقط من تعاطيه ليمنح المتعاطي شعورا بالنشوة واللذة وسرعان ما يزول ليصاب المدمن بحالة الاكتئاب الشديد .

المخدرات التخليقية

المخدرات التخليقية :

هي مجموعة من المواد الاصطناعية سواء من العقاقير أو غيرها مصنعة من مواد أولية طبيعية أو غير موجودة في الطبيعة ، ينتج عن تعاطيها فقدان جزئي أو كلي للإدراك ، كما أنها قد تترك لدى المتعاطي اعتمادا وإدمانا نفسي أو عضوي أو كلاهما وأهمها :

       عقاقير الهلوسة .

       العقاقير المنشطة ، المنبهات ( الأمفيتامينات ) .

       المنومات .

       العقاقير المهدئة .

       المذيبات الطيارة والأصماغ .

أولا : عقاقير الهلوسة ( Psychedelics )

مروجو المخدرات ضالتهم في هذا العقار وبدأ تصنيعه في أمريكا ، فرنسا والمكسيك ليشهد موجة رهيبة من إدمان المراهقين رافقتها ظواهر غريبة من الجرائم وحالات الانتحار ومعدلات عالية لمراهقين يلقون بأنفسهم من المباني الشاهقة إضافة إلى مواليد مصابين بتشوهات خلقية وتنبه العالم إلى أن السبب يعود أساسا إلى إدمان هذا العقار .

يقوم مروجو المخدرات بتصنيع هذا العقار في صورة سائل ويتم تعاطيه بتناول نقطة واحدة بالفم سواء مخلوطا بالسكر أو الشراب وسرعان ما طوره البعض ليستخدم عن طريق الحقن بالوريد ، والجرعة الواحدة من عقار

( إل . إس . دي ) تترك المتعاطي في حالة هلوسة لمدة تتراوح بين 4 – 18 ساعة .

المهلوسات أو عقاقير الهلوسة تم تعريفها علميا في مؤتمر الطب النفسي المنعقد بواشنطن 1966 على أنها

( مركبات تؤدي إلى اضطراب النشاط العقلي ، واسترخاء عام وتشوش في تقدير الأمور كما أنها مولدة للأوهام والقلق وانفصام الشخصية ).

لم يتوقف الأمر على إنتاج عقار ( إل.إس .دي ) بل صنعت المختبرات الطبية مركبات أخرى تزيد خطورة عنه منها عقار ( المسكالين Mescaline  ) وعقار آخر أكثر خطورة وهو ( S.T.P)  اختصارا لكلمات ثلاثة هي

( الصفاء والهدوء والسلام ) والذي وجد طريقه إلى مدمني المخدرات .

وفي عام 1968 عرفت شوارع سان فرانسيسكو عقارا أخرا خرج من الاستخدام الطبي ليتلقاه مروجي وتجار المخدرات وهو ( حبة السلام ) أو عقار ( الفينسيكليدين P.C.P  ) وقائمة لجنة المخدرات التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي بالأمم المتحدة تضم ما يزيد عن 27 عقارا مختلفا مسببا للهلوسة .

مضاعفات التعاطي وأعراض الإدمان أعراض مباشرة مؤقتة
* اضطراب الإدراك الحسي . * هلوسات بصرية ملونة ورؤية أشكال وهمية .
* فقدان الشهية الهزال . * هلوسات سمعية وسماع أصوات خيالية .
* الشعور بالفزع الاكتئاب والرغبة في الانتحار . * الشعور بالتحليق والسباحة في الفضاء .
* خلل بالكروموسومات وولادة أطفال مشوهة. * زيادة ضربات القلب
* الغثيان والقيء .
* زيادة معدل الإصابة بسرطان الدم ( اللوكيميا ) . * صداع ، دوار وقشعريرة .

ثانيا: العقاقير المنشطة ، المنبهات ( Psychotoniques)

هي مواد ترفع القدرة الجسمانية والذهنية لمن يتعاطاها بوصفات طبية محددة  وقد استخدمت هذه العقاقير طبيا في علاج بعض الأمراض والحالات أهمها تقليل شهية المصابين بالسمنة البالغة ، علاج الشلل الرعاش ( مرض باركينسونيان ) ، علاج بعض حالات الاكتئاب النفسي ، علاج إدمان الخمور ، بعض أنواع الصرع وعلاج التبول اللاإرادي ( السلس الليلي) ، غير أن هذه العقاقير وجدت طريقها إلى مدمني المخدرات ولعل أشهر هذه العقاقير هو ( الماكستون فورت ) وساهم بعض ضعاف النفوس من الأطباء والصيادلة بصرفها إلى الراغبات في الرشاقة ، الطلبة أثناء الامتحانات ، وسائقي الشاحنات ، ولم يلبث العالم أن أدرك بأن هذه المركبات الطبية تحول متعاطيها إلى حالة إدمان مؤسفة وأن لها أخطارا صحية جسيمة . تتوافر الأمفيتامينات على شكل أقراص مختلفة التركيز يتم تعاطيها عن طريق البلع أو بإذابتها في الماء والعصائر ، كذلك هناك مستحضرات يتم تعاطيها بالحقن بالوريد ، كما صنع مروجي المخدرات أنواعا يمكن للمدمنين استنشاقها .

تعاطي المنشطات يؤدي إلى مجموعة من الأعراض المباشرة المؤقتة أهمها الشعور باليقظة والانتعاش وزوال الإرهاق إضافة إلى شعور بالثقة والقوة الذهنية ، ويصاحب ذلك فقدان للشهية وبطء في نبضات القلب بينما يرتفع ضغط الدم . غير أن الإدمان عادة ما يتسبب في أعراض خطرة أهمها التغيرات النفسية التي تحول المدمن إلى إنسان شكوك ، يعيش حالة من التوتر والقلق والعصبية مع تشوش ذهني كبير وفقدان بالغ للوزن .

رصد العلماء مضاعفات أخرى أهمها حالات متقطعة من الهيجان العصبي والتشنجات وعادة ما يشكو المدمنون من رعشة مستمرة بالأطراف ، ولقد أثبتت الأبحاث أن تناول الحوامل لتلك العقاقير في شهور الحمل الأولى عادة ما يتسبب في إصابة الأجنة بالتشوهات الخلقية وقد أشارت الإحصائيات الطبية إلى أن ما يقارب 40% من مدمني المنشطات يميلون إلى الشكوك العدواني والعنف وأن 70% منهم يعيشون حياة أسرية مفككة نتيجة لشعورهم الدائم بالشك والخوف .

ثالثا :المنومات ( Narcotics )

المنومات هي مجموعة من العقاقير التي تسبب النوم والنعاس في جرعاتها البسيطة ، غير أن الأبحاث الطبية أثبتت خطورتها البالغة في إحداث الإدمان لدى متعاطيها . وهناك مجموعة واسعة من تلك العقاقير أهمها مجموعة الباربيتورات ( Barbitarates )   والتي يبلغ عدد مركباتها ما يزيد عن 2500 مركب منها حوالي 50 مركبا يستخدم طبيا ، تضم تلك العقاقير أيضا مركبات أخرى مثل الماندركس ، البروميدات ، الكلورال هيدرات ، البارالدهيد وغيرها ، والتي تتوافر في أشكال دوائية عديدة منها الأقراص ، الشراب والحقن .

تستخدم المنومات طبيا في علاج الأرق ، الصداع الشديد ، القرحة المعدية ، عسر الطمث ، قبل وبعد العمليات الجراحية ، بعض حالات التشنجات والصرع وتستخدم أيضا ضمن أساليب التحقيق الجنائي بواسطة السلطات الأمنية .

إن معظم تلك المركبات تؤثر مباشرة على قشرة المخ ( Cortex )   ورصد العلماء مجموعة من المضاعفات التي تصيب المدمنين أهمها اختلال القوى العقلية ، الاكتئاب ، فقدان الاتزان ، التلعثم في الكلام إضافة إلى الشحوب وبطء الحركة . لاحظ العلماء أيضا ارتفاع معدلات الانتحار بين هؤلاء المدمنين ، كما أن زيادة الجرعة تؤدي مرارا إلى الغيبوبة والوفاة . إن الإقلاع عن تعاطي هذه المركبات يؤدي إلى أعراض أكثر قسوة من الهيروين وتبدأ هذه الأعراض عادة خلال 24 ساعة بعد التوقف عن تعاطي العقار وتشمل نوبات من الهذيان ، الضعف العام ، نوبات من التشنج والصرع ، عدم القدرة على الحركة باتزان وتشير الإحصائيات الطبية إلى أن هذه الأعراض تسبب الوفاة في 7% من الحالات . ولعل ذلك ما يحتم ضرورة علاج هؤلاء المدمنين في مصحات عالية التخصص ، ولقد كان من بين ضحايا تلك العقاقير كثير من نجوم السينما ورجال الأعمال الذين ظنوا أن هذه العقاقير تساعدهم في مواجهة نمط حياتهم المتواتر وانتهى الأمر بهم إلى الموت .

ويؤدى  الانقطاع عن هذه المنومات إلى ما يعرف بمتلازمة الحرمان وأهم أعراضها :

نوبات من الهذيان ,الضعف العام  ,نوبات من التشنج والصرع , عدم القدرة على الحركة باتزان ,  الوفاة في 7% من الحالات .

رابعا :العقاقير المهدئة (  Depressants )

المهدئات هي مجموعة مختلفة من العقاقير لها تركيب كيميائي متباين ، غير أنها تشترك في مفعولها في تخفيف أو إزالة الاستثارات الانفعالية ، ضمن هذه المجموعة مركبات البنزوديازيبات مثل الفاليوم والليبراكس ومركبات الميبرومات والليبريوم والأتيفان وغيرها ، وجميع تلك المركبات تستخدم طبيا في علاج الإضطرابات النفسية والتوتر والقلق ، بعض من تلك العقاقير تعتبر أدوية لعلاج الصرع ، الرعاش العصبي وضمن التخدير العام للعمليات الجراحية وأمراض عضوية عديدة .

تؤثر هذه المركبات على مراكز وقنوات النخاع الشوكي وبعض مراكز قشرة المخ ( Cortex )   وعلى الرغم من أن تأثيرها أقل ضررا من المنومات إلا أنها وجدت طريقها إلى المدمنين الذين يستخدمونها عادة بالإضافة إلى مخدرات أخرى ولقد رصد الأطباء العديد من المضاعفات لدى مدمني هذه المركبات أهمها وهن العضلات ، الدوار ، هبوط الضغط الشرياني ، الاضطرابات النفسية والعقلية ، كما أن بعض هؤلاء المدمنين يصابون بحالات من الهياج العصبي ، أما زيادة الجرعة فقد تؤدي إلى الغيبوبة والوفاة في بعض الحالات .

إن خطر تعاطي وإدمان هذه المركبات المتوفرة في صورة أقراص وحقن يمكن في أعراض الإقلاع ( Withdrawal Symptoms )  والتي تبدأ خلال 24 ساعة بعد التوقف عن التعاطي وتشمل نوبات من الهذيان ، التشنج ، الصرع ، فقدان الاتزان ، الانهيار الجسماني والتشوش العقلي إضافة إلى التعرق بغزارة والغثيان والقيء .

إن هذا الاعتماد أو الإدمان العضوي يستدعي بالضرورة علاج هؤلاء المدمنين في مصحات متخصصة وهي معالجة باهضة الكلفة ولعل ذلك يوضح خطورة وصعوبة ظاهرة إدمان هذه المركبات في الدول النامية والفقيرة .

لقد بادرت العديد من دول العالم إلى تطبيق إجراءات صحية بالغة الدقة لتنظيم صرف هذه الأدوية غير أنه وبكل أسف لازالت هناك بعض الدول التي يسهل فيها الحصول على مثل تلك المركبات ، ومن الممكن التأكيد وبثقة بأن الكويت لديها نظم رقابية صارمة تنظم صرف مثل تلك العقاقير للاستخدام الطبي .ويؤدى الانقطاع  عن إدمان المهدئات  إلى ما يعرف باسم متلازمة الحرمان وأهم أعراضها نوبات من الهذيان ,التشنج ,الصرع ,فقدان الاتزان ,الانهيار الجسماني والتشوش العقلي ,الغثيان والقيء .

خامسا : المذيبات الطيارة والأصماغ (  Solvents )

تعتبر هذه المجموعة من أخطر أنواع الإدمان نظرا لتوفر هذه المركبات وتنوعها  ،حيث أنها تمثل مواد أولية ضرورية تدخل ضمن الاستخدام العادي للمجتمع ومن الصعب تقييد استخدامها ، كما أن أسعارها رخيصة نسبيا وفي متناول الأحداث .

وقد وجد فيها الأحداث وسيلة للحصول على لحظات من النشوة والاسترخاء والهلوسة البصرية ، ضمن تلك المركبات البنزين ، السولار ، الأسيتون ، الأيثير ، الكلوفورم ، الورنيش ، الأصماغ ، غاز الولاعات ، المركبات المزيلة للألوان وبعض الأصماغ مثل ( الباتكس ) . هناك طرق عديدة للتعاطي تعتمد على الاستنشاق للأبخرة والروائح المتطايرة من تلك المواد سواء في حالتها الأصلية أو عند تسخينها .

يشعر المتعاطي عادة بالنشوة والدوار وفقدان الشعور وحس يشبه الحلم ، يصاحب ذلك غثيان وقيء وتعرق غزير وحالة من التلبد الحسي . ولقد رصد العلماء عديدا من مضاعفات الإدمان على تعاطي تلك المواد أهمها الوفاة الفجائية نتيجة توقف القلب أو التنفس ، أما على المدى الطويل فإن هذه المواد تترك أثرا ساما على خلايا المخ ، الكبد ، الرئتين ، ونخاع العظام مما يصيب المتعاطي بتلف المخ ، بتلف الكبد ، الالتهابات المزمنة للرئتين انتفاخ الرئتين ، فقر الدم الشديد إضافة إلى السلوك العدواني والإجرامي للمدمن .

الوفاة الفجائية نتيجة توقف القلب أو التنفس .

مضاعفات إدمان المذيبات الطيارة والأصماغ .

       تلف المخ .

       تلف الكبد .

       الالتهابات المزمنة للرئتين .

       انتفاخ الرئتين .

       فقر الدم الشديد .

       السلوك العدواني والإجرامي للمدمن .

لبنان و تعاطي المخدرات

ان لبنان ليس من الدول الرئيسية التي تنتج المخدارت او تتاجر بها، لكنه لاحظ ان انتاج القنب لا يزال مستمرا، وان استهلاك المخدرات قد ازداد وخصوصا في صفوف الشباب.
ونسب الى مسؤولين كبار في قوى الامن الداخلي ان “مكافحة المخدرات يأتي في المرتبة الثانية في اولوياتهم بعد مكافحة الارهاب”، وان أكثر انتاج القنب والافيون في سهل البقاع قد اتلف، معتبراً ان هذا تطور مهم لانه خلال الفترة بين 2005 و2007 لم تقم الحكومة اللبنانية باي عمليات جدية لاتلاف المخدرات لانشغال قوى الامن الداخلي والجيش في مواجهة تحديات أمنية ناتجة من حرب 2006 والقتال في نهر البارد.

وتعود الزيادة النسبية في انتاج القنب في لبنان الى 2005 والى اقتناع منتجيه بان الحكومة لن تتلف ما يزرعونه. “وفي المناطق النائية في شمال البلاد حيث تتوفر خيارات اقتصادية محدودة للناس، لا يزال زرع نبات المخدرات الممنوعة خيارا جذابا”.

«استهلاك المخدرات في لبنان ازداد خصوصاً في صفوف الشباب».

هذه العبارة وردت في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية عن مكافحة المخدرات في العالم لعام 2009. والتقرير وإن كان لحظ ما يمكن للخارجية الاميركية أن تعتبره إيجابياً، وهو أن «لبنان ليس من الدول الرئيسة التي تنتج المخدرات أو تتاجر بها»، غير أن هذا التقرير وضع الإصبع على جرح لم يفلح البلد الصغير في معالجته موضعياً، فراح يتسع إلى أن تفاقم الأمر حتى يكاد لا يمر يوم يخلو من أخبار عن توقيف تاجر مخدرات أو عن ضبط محاولة تهريب للمادة إلى البلد أو منه.

واللافت أكثر من ذلك، هو التطور الدراماتيكي للظاهرة التي باتت تنذر بما هو أسوأ، انطلاقاً من تزايد حوادث إطلاق النار المتبادلة بين مروجي المخدرات في عدد من المناطق، وبين المتعاطين أنفسهم أو بينهم وبين الآخرين، مع ما يشكله ذلك من خطر على السلامة العامة.
وإذا أرفقنا ما ورد بتكرار حوادث وفاة شبان دون الـ25 سنة إثر تعاطيهم كميات كبيرة من المخدرات، مضافاً إليه صرخات بعض السياسيين والجمعيات الأهلية والمؤسسات المعنية بإرشاد المدمنين وتأهيلهم، فإن هذا يدل صراحة على أن البلد يقف تماماً فوق الخط الأحمر لسلامة بنيته الاجتماعية وأمنه ومستقبله…

«ثلاثة أرباع الذين يقصدون تجمع «أم النور» في لبنان لتلقي العلاج من الإدمان تقل أعمارهم عن 24 سنة»، هذا ما قالته قبل أسابيع عدة لإحدى الإذاعات منى اليازجي رئيسة تجمع «أم النور» وهو مركز غير حكومي لتأهيل المدمنين (فلبنان لم يشهد حتى الساعة انشاء مركز لمعالجة المدمنين على رغم لحظ قانون المخدرات ذلك).

التجمع هو الوحيد المتخصص في لبنان بمعالجة ضحايا الإدمان وتأهيلهم، لذلك فإن أي إشـــارة خطر تصدر منه تدل على خطر حقيقي يضرب المجتمع. فتدني سن المدمنين، اختلافاً في المواصفات الاجتماعية التي كان يحملها مدمنو الماضي، ومدمنو الحاضر. و «قبل نحو عشرين سنة، كان الأشخاص الذين يقصدون المركز للعلاج هم ممن حملوا السلاح خلال الحرب الأهلية واضطروا الى الانضمام الى الميليشيات وغيرها. الآن الأمر تغير، وصار بين المدمنين طلاب مدارس وجامعات إناث وذكور». وأضافت: «عندما أقول عن شخص ما إنه مدمن في عمر الـ24، فهذا يعني أنه يتعاطى المخدرات من عمر 12 أو 13 سنة».

صغر سن المدمنين الذي تحدثت عنه اليازجي يؤكده أيضاً استطلاع للرأي أجرته شركة «الدولية للمعلومات» بين طلاب توزعوا على سبع جامعات خاصة في لبنان وصدر في أيار (مايو) الماضي. وكشف الاستطلاع أن «نسبة تقبل فكرة تعاطي المخدرات ترتفع لتبلغ ذروتها لدى الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 22 و24 سنة (35 في المئة)»، وأن «36 في المئة من الطلاب المستطلعين جربوا الحشيشة ولو لمرة واحدة، مقابل 23 في المئة جربوا الماريجوانا، وأن نسبة الطلاب الذكور الذين جربوا المخدرات أعلى من نسبة الإناث. ونحو نصف الطلاب (48 في المئة) الذين تم استطلاع آرائهم يصفون طريقة الحصول على المخدرات في جامعتهم بأنها سهلة وأن 51 في المئة يعرفون مروجاً للمخدرات».

مكتب مكافحة المخدرات

كلام الرجل لا يبدو منطقياً بالنسبة الى رئيس مكتب مكافحة المخدرات العقيد عادل مشموشي الذي يؤكد بحسب خبرته أن «الحشيشة هي من اخطر المخدرات، لأن لها مضار مباشرة على الخلايا الدماغية، كما أنها المدخل الحتمي الى الهيرويين». وهو وان كان يؤكد أن ظاهرة تفشي الإدمان على المخدرات تستدعي قلق المسؤولين، يقول لـ «الحياة» إن هناك تضخيماً للأرقام، وإن نسبة الطلاب المدمنين تقارب الـ6 في المئة (من عدد الموقوفين في جرائم المخدرات والبالغ عددهم 2881 موقوفاً).

ويرى مشموشي أنه من الطبيعي وجود طلاب في عداد المدمنين لأن «المستهدفين عادة هم الشباب الذين من المفترض أن يكونوا في الجامعات والمدارس»، مشيراً الى أن «الذين يجرون الاستطلاعات يقعون عادة ضحية مبالغة الشباب. فقد يخجل الشاب من القول أمام رفاقه إنه لا يتعاطي المخدرات، بينما في الحقيقة هو لا يتعاطى». لكن مشموشي يؤكد أن «زيادة أعداد المدمنين طبيعية بسبب زيادة عدد السكان في لبنان. غير أنه ثمة زيادة في النسبة أيضاً سببها زيادة نسبة المتعاطين في العالم، وان كانت في لبنان اقل منها في دول متقدمة». ويرد على القائلين بأن نسبة النساء المدمنات في لبنان تفوق نسبة الذكور، بالقول: «نسبة المتعاطين بين النساء الموقوفات تقل عن أربعة في المئة. في السابق لم نكن نرى نساء متعاطيات، لكن مع الوقت ومع انتشار المفاهيم التحررية بدأت نسبة النساء اللواتي يتعاطين المخدرات ترتفع».

وينتقد مشموشي تضخيم الحديث عن انتشار حبوب الـ «اكستاسي» والـ «كبتاغون» في المدارس والجامعات، معلناً أن «6.4 في المئة من الموقوفين فقط يتعاطون الحبوب. قليلون جداً يتعاطون «اكستاسي»، أما البقية فيتعاطون الـ «ترامال» والأدوية التي تحتوي على مواد منبهة أو مخدرة».

طريق المخدر

أما طريقة دخول المخدرات الى لبنان، إن «تهريب الكوكايين الى لبنان يتم عبر مسالك عدة. بعضها يأتي من دول أميركا الجنوبية عبر أوروبا الغربية، وصولاً الى لبنان. البعض الآخر من دول أميركا الجنوبية الى تركيا فسورية فلبنان. أو من الدول الأفريقية التي صارت معتمدة دولاً لإعادة تهريب المخدرات، وأيضاً من دول أميركا الجنوبية ثم الأردن براً الى سورية ثم لبنان، وبعضه يأتي مباشرة الى سورية ثم براً الى الأراضي اللبنانية عبر الحدود التي تصعب مراقبتها. وبعض المحاولات تتم مباشرة الى لبنان عبر مرفأ بيروت أو المطار أو المداخل الأخرى»، و هناك  «بعض المحاولات التي تتم عبر البريد وان كانت بكميات قليلة، لكنها متكررة. أما الهيرويين فيتم تهريبه من أفغانستان براً من طريق تركيا وسورية فلبنان، وعادة تتخذ إجراءات لازمة في مراكز العبور للحد من التهريب
إن لبنان «في الآونة الأخيرة اعتمد دولةَ عبور لبعض أنواع المخدرات وتحديداً لحبوب الكبتاغون التي قمعنا محاولات لتهريبها الى دول الخليج وتحديداً السعودية». ويؤكد أن «ليس عندنا صناعة مخدرات في لبنان»، مضيفاً: «في لبنان تتفشى ظاهرة زراعة المخدرات، أما التصنيع فبدائي. ليس عندنا تصنيع معقد كما في الخارج، ربما لأن المخدرات المنتجة في لبنان مثل الحشيشة لا تحتاج الى إجراءات تصنيع معقدة. فقط كبسها وتوضيبها لحمايتها من تبخر الرطوبة او الزيت. وبالنسبة الى الهيرويين الـ «باز» فيقتصر على صناعة الهيرويين من المورفين في شكل يدوي وبدائي، واحيانا تحويل الهيرويين والمورفين من «باز» الى بودرة. لأن التعاطي يتم اما بحرق الـ «باز» واستنشاق البخار المنبعث منه أو عبر شم البودرة».

وعن تصنيع الحبوب، «في لبنان لا يمكننا أن نقول إن عندنا صناعات من هذا النوع، لأن الدول التي تصنع هذا النوع من الحبوب يكون عندها خبرة في هذا المجال في شكل عام. ولكن في السنتين الماضيتين ضبطنا محاولتين، تمثلت الأولى بجهاز لتصنيع الحبوب في منطقة وادي خالد الواقعة على الحدود اللبنانية – السورية حيث يتواجد عدد من تجار المخدرات الضالعين بتهريب المخدرات الى السعودية وتحديداً الكبتاغون. كما أحبطنا محاولة تركيب مختبر لتصنيع المواد الكيماوية التي تصنع منها الحبوب في منطقة بعلبك المجاورة للحدود اللبنانية – السورية».

حين يقعون في قبضة القانون

إذا وقع متعاطي المخدرات في قبضة عناصر المكتب، فالقانون اللبناني يميّز بين الضالعين بجناية المخدرات أي الذين يبغون من نشاطهم الكسب المادي وبين متعاطي المخدرات، و أود أن أشير أن «المشرّع جعل عقوبة الزراعة والصناعة والتجارة تصل الى الأشغال الشاقة وأحياناً الى الإعدام فيما لو اقترنت باستعمال السلاح، في حين أن التعاطي جنحة عقوبتها من ثلاث اشهر الى 3 سنوات». مشموشي.

اذ جعل الملاحقة الجزائية تهديداً أو وسيلة ضغط على مدمن المخدرات، بحيث رهن الملاحقة وتنفيذ العقاب في حقه بقبوله العلاج»، ويوضح: «اقر المشرّع اللبناني إنشاء لجنة الإدمان على المخدرات وأولى لها دراسة أوضاع المتعاطين (الموقوفين) وتقرير من هو المدمن بينهم. وبعدما تقرر اللجنة أن هذا الشخص مدمن، تخيّره بين الرضوخ الى العلاج أو الملاحقة. فإذا قبل العلاج توقف الملاحقة. وأيضاً يمكنه بعد صدور مذكرة الملاحقة بحقه، إذا عاد من تلقاء نفسه وطلب أو قبل عرض الرضوخ الى العلاج توقف الملاحقات وبالتالي لا يحاكم. وأيضاً بعد محاكمته وإصدار العقوبة بحقه، بمجرد أن يقبل بالعلاج توقف العقوبة بحقه».

وأما المدمنين داخل السجون، «فالمدمنين داخل السجون قلّة، لأن المتعاطين يتركون بعد تعهد منهم أو من الأهل بخضوعهم للعلاج في مؤسسة علاجية. لكن قد يكون هناك بعض المتعاطين الموقوفين بجرائم أخرى، وهؤلاء يحالون الى السجن. وهناك رعاية خاصة يتلقونها».

و هناك «ضرورة إنشاء مراكز للعلاج والرعاية خاصة بالدولة اللبنانية، لأن الوضع الحالي يقتضي أن نبادر الى تخصيص بعض الأسرة حتى لو في المستشفيات الحكومية أو الخاصة لعلاج المدمنين ومجاناً، لأنه لا يمكن أن نترك من لا يملك المال للعلاج يعاني ويموت».

فالمادة 673 من قانون المخدرات لحظت إنشاء هذه المراكز الحكومية ونحن ندعو الى المبادرة الآن الى إنشاء مركز على الأقل على مستوى بيروت وجبل لبنان و الشمال يحال إليه المتعاطون من المناطق كافة، ثم يصار فيما بعد وضمن الإمكانات المتاحة الى انشاء مركز على مستوى كل محافظة»، كما و أوجب «القانون بإنشاء هذه المراكز بل أوجب اعتماد عيادات نفسية ومراكز اجتماعية للعلاج النفسي للمدمن على مستوى كل محافظة. وهناك إمكانية لذلك الآن من خلال المستوصفات العائدة للدولة أن نعتمد على الاقل عيادة في كل من هذه المراكز الصحية الرسمية للعناية الطبية النفسية للمدمنين. الى ذلك لحظ القانون إنشاء ما يسمى المراكز العلاجية الاجتماعية التي تعنى بمتابعة المدمنين لإعادة دمجهم في المجتمع منعاً لعودتهم الى عالم الإدمان».

«فبسبب غياب المراكز العلاج التابعة للدولة قام القطــاع الخاص وبالتحديد المؤسسات التطوعية بسد بعض الثغرات التي تبقى غير كافية»، «فالمؤسسة المتخصصة الوحيدة بعلاج المدمنين «أم النور» إمكاناتها محدودة. وقدرة استيعابها لا تزيد عن 70 أو 80 سريراً، وهذا غير كافٍ».
طريقة العلاج

عند الحديث عن علاج الإدمان ،لابد من إدراك أن هذا الأمر ليس سهلا، ويجب أن يتم تحت الإشراف الطبى المباشر ،وفى مكان صالح لذلك ،كالمصحات النموذجية والقرى الطبية المخصصة لعلاج الإدمان حيث يتم علاج كل مدمن بالطريقة المناسبة للعقار الذى أدمن عليه ، وبما يتناسب مع شخصيته وحجم إدمانه ومداه .

فيما يلي بعض الأهداف الأساسية لبرامج العلاج والتأهيل :

تحقيق حالة من الامتناع عن تناول المخدرات وإيجاد طريقة للحياة أكثر قبولاً .

تحقيق الاستقرار النفسى لمدمن المخدرات بهدف تسهيل التأهيل وإعادة الاندماج الاجتماعي .

تحقيق انخفاض عام في استعمال المخدرات والأنشطة غير المشروعة .

1ـ تدابير العلاج

وتتضمن هذه عادة ما يلي :

مواجهة آثار الجرعات الزائدة .

مواجهة حالات الطوارئ المرتبطة بالانقطاع عن تناول المخدرات المسببة للإدمان .

الحالات الطبية العقلية الطارئة الناجمة عن استعمال المخدرات .

إزالة تسمم الأفراد المدمنين على استعمال مخدرات معينة .

تعاطي الأدوية المضادة فسيولوجبا للمخدرات والتي تفسد تأثير مشتقات الأفيون وتجعل تعاطيها لا طائل من ورائه .

مساعدة المدمنين على تحقيق وجود متحرر من المخدرات على أساس العلاج في العيادة الخارجية .

2 ـ وسائل التأهيل وإعادة الاندماج الاجتماعي

وفي حين أن هذه التدابير تختلف من بلد إلى بلد ، فإن التدابير التالية هي الأكثر شيوعاً في التطبيق :

برامج لرفع مستوى المؤهلات التعليمية والمهارات للمتردد على العيادة حتى يمكن أن يؤهل إما للتعليم اللاحق أو للتدريب المهني .

تدريب مهني .

مشاريع إعلامية في مجتمع يضم مدمنين على المخدرات .

تشغيل بيوت إقامة وسيطة لمساعدة المترددين من الانتقال تدريجياً من محيط المؤسسات العلاجية إلى الحياة المستقلة .

خطوط إرشادية لتخطيط العلاج

من المهم قبل الشروع فى برامج العلاج أن نضع فى الاعتبار بعض القضاياً التى تؤثر على تصميمها وتنفيذها ، ويمكن أن يؤدي تحديد هذه العوامل إلى برامج أقل تكلفة وأكثر فعالية لتحقق أفضل استخدام للقوى العاملة والمنشآت القائمة فى المجتمع.

الهدف المباشر للعلاج

يتمثل الهدف المباشر للعلاج فى الإقلال من المضاعفات الطبية والنفسية المرتبطة بالاستعمال غير المشروع للمخدرات.

العوامل التى تؤثر على محصلة العلاج :

أن جهودا مثابرة مطلوبة لحفز المعتمدين على المخدرات على بدء العلاج كما قد يتطلب الأمر حفز أسرة المريض هى أيضاً بهدف التأثير عليه ليشرع فى العلاج أو يستمر فيه .

يعتقد البعض أن إزالة التسمم من المخدرات كافية للشفاء ، لكن يتعين حفز المرضى لمواصفة العلاج وإعادة التأهيل .

وعلى هيئة العلاج أن تبذل كل ما تستطيع لدعم وتعزيز رغبة المريض فى أن يظل متحرراً من المخدر ، وقبوله بسهولة إذا ارتد للمخدرات وعاد للبرنامج.

إن اتباع اسلوب الوعظ والإرشاد فى إبلاغ الشخص المعتمد على المخدرات كم هو مخجل وضار استخدام المخدرات لن يحقق الكثير.

إذا استطاعت هيئة العلاج أن تفهم ما يعنيه استعمال المخدرات بالنسبة للفرد، فإنها ستكون فى وضع أفضل لمساعدة المدمنين المزمنين على الرجوع لطريقة الحياة الطبيعية.

ربط العلاج بالتأهيل وإعادة الاندماج الاجتماعي

إن العلاج وحده قدرته محدودة على مساعدة المعتمدين على المخدرات فى الوصول لحالة تحرر من المخدرات وأن يعودوا لطريقة حياة مثمرة وأكثر إنجازا . والعلاج فى هذا الإطار ، هو خطوة مبكرة فى عملية أطول ، وينبغي ربط برامج العلاج منذ البداية بتلك التدابير الأوسع نطاقاً والتى تشكل تدابير تأهيلية مع غيرها من التدابير للمساعدة على استعادة الصحة . وإذا وضع هذا الاعتبار فى وضع السياسات ، فإن البرامج ستكون أكثر نجاحاً.

طرق بديلة للحياة

يكمن جانب من برامج التأهيل فى تعلم الخبرات النفسية السوية والأفضل والأكثر دواماً من خبرات تعاطي المخدرات . وأحد طرق تعلم الخبرات النفسية السوية يكون من خلال تعلم خبرات بديلة. وسيختلف هذا من شخص لآخر فقد يتعلم البعض مهارات سلوكية جديدة ، أو ينهمكوا فى الرياضة والأنشطة التى تتم فى الخلاء ، وقد يجد آخرون متعة فى الموسيقى أو الفن .

وقد يهتم بعض الشباب بتطوير وعى أكبر بالذات. ويهتم آخرون بتطوير وعي أكبر بالآخرين. وقد يبدي البعض اهتماماً كبيرا بالنواحى الدينية ودروس العلم… وكل ذلك يتم من خلال البرامج التأهيلية المعرفية.

دور النهج السيكولوجية والسلوكية وغيرها

أن الجوانب الطبية فى العلاج لا يجب أن تغنى عن النهج الأخرى التى يمكن أن تساعد المريض على تعديل إدراكه لذاته ، وإدراكه للآخرين ولسلوكه. فعلى سبيل المثال ، ينبغي النظر لإزالة التسمم، كمقدمة لهذه النهج الأخرى

الطرق الطبية للعلاج

إذا أفلتت فرصة الفرد من الوقاية فعلينا أن نتشبث بفرصة العلاج لتكون الحل الأخير., سواء للوصول إلى تخليص الفرد من تلك الأضرار الصحية المدمرة ، أم لإنقاذه من معاناة وآلام مرحلة الانسحاب على حد سواء . وعلاج الإدمان له مراحل متتالية ، لا يمكن تجزئته بالاكتفاء بمرحلة منه دون أخرى ، أو تطبيق بعضه دون بعض ، لأن ذلك مما يضر به ويضعف من نتائجه ، فلا يجوز مثلاً الاكتفاء بالمرحلة الأولى المتمثلة فى تخليص الجسم من السموم الإدمانية دون العلاج النفسي والاجتماعي ، لأنه حل مؤقت ولا يجوز الاكتفاء بهذا وذلك دون إعادة صياغة علاقة التائب من الإدمان بأسرته ومجتمعه ، ثم دون تتبع الحالة لمنع النكسات المحتملة التى تمثل خطراً شديداً على مصير العملية العلاجية ككل.

وكما أن العلاج وحدة واحدة ، فإنه أيضاً عمل جماعي يبدأ من المدمن ذاته الذى يجب أن تتاح له الفرصة ليسهم إيجابياً فى إنجاحه ، ويصدق هذا القول حتى ولو كان العلاج بغير إرادته كأن يكون بحكم قضائي أو تحت ضغط الأسرة ، بل إن مشاركة الأسرة ذاتها ضرورة فى كل مراحل العلاج ، ويحتاج الأمر أيضاً إلى علاج مشاكل الأسرة سواء كانت هذه المشاكل مسببة للإدمان أو ناتجة عنه.

ومن الضروري ألا يقتصر العلاج على كل ذلك ، بل يجب أن تتكامل التخصصات العلاجية وتتحدد وصولاً إلى النتيجة المطلوبة ، وهى الشفاء التام وليس الشفاء الجزئي أو المحدود ؛ ذلك أن الشفاء الحقيقي لا يكون مقصوراً فقط على علاج أعراض الانسحاب ثم ترك المدمن بعد ذلك لينتكس ، إنما يجب أن نصل معه إلى استرداد عافيته الأصلية من وجوهها الثلاثة ، الجسدية والنفسية والاجتماعية ، مع ضمان عودته الفعالة إلى المجتمع ووقايته من النكسات فى مدة لا تقل عن ستة أشهر فى الحالات الجديدة ،أو سنة أو سنتين فى الحالات التى سبق لها أن عانت من نكسات متكررة .

وعلى العموم فإنه كلما ازداد عدد النكسات وزادت خطورة المادة الإدمانية يجب التشدد فى معايير الشفاء حتى فى الحالات التى يصحبها اضطراب جسيم فى الشخصية أو التى وقعت فى السلوك الإجرامي مهما كان محدداً .

دور الدولة

يحمل القانون رقم 673 الصادر في 16 آذار (مارس) 1998، والمتعلق بالمخدرات والمؤثرات العقلية، الحل لمشاكل كثيرة تتعلق بمجرمي المخدرات وعلاج المدمنين عليها ويمتد الى تأمين المساعدة لعائلاتهم. في حال تم تطبيق.
وتنص المادة 205 منه على تشكيل المجلس الوطني لشؤون المخدرات الذي يرأسه رئيس الحكومة ويكون نائب رئيس الحكومة نائبه في المجلس ويضم وزراء العدل والصحة والداخلية والتربية والزراعة والمالية والشباب والرياضة والشؤون الاجتماعية والخارجية.

وتنص المادة 199 منه على «تأليف لجنة الادمان على المخدرات بقرار من وزير العدل»، في حين تقضي المواد 200، 201، 202، و204 بـ «إنشاء مصح لمعالجة المدمنين»، «انشاء او اعتماد وزارة الصحة عيادات نفسية اجتماعية لمعالجة المدمنين من الارتهان النفساني للتعاطي»، و «انشاء او اعتماد وزارة الشؤون الاجتماعية مؤسسة او اكثر واشخاصاً طبيعيين تتوافر لديهم الكفاءات لرعاية الاشخاص المدمنين بعد شفائهم من الارتهان للمخدرات»، و «منح اسرة المدمن اعانة شهرية، اذا تبين للجنة الادمان ان وجود المدمن في المصح يترك اسرته بغير موارد مالية».

أخيرا إن للأسف تستعمل المخدرات و تروج لأغراض مافياوية و تبييض للأموال و للإستفادة الفردية فلو استخدمت الإنسانية 20% من الأموال المتداولة بتجارة المخدرات الدولية لاختفت الأمية من العالم ؟؟

أما 40% من تلك الأموال فهي كفيلة بمكافحة الجوع نتيجة ( التصحر ) في كل أرجاء العالم و 60% من تلك الأموال تقضي على الفقر في 27 دولة هي الأكثر فقرا من بين دول العالم .لكن ( كارتيلات ) تصنيع المخدرات لم تكن أبدا لتنتظر إلى حقائق إنسانية ، بل كانت تحرص على جني المزيد من الأرباح والأموال الملوثة بدماء ضحاياها في كل مكان . والمخدرات التخليقية جاءت وبكل أسف لتمثل تحالف العلم مع العقول الشيطانية ، بدلا من تسخير قدرات العلماء لإنتاج أدوية أو أغذية تفيد البشرية ، جاءت تلك المخدرات لتضيف بعدا أكثر مأساوية ولتوقع بالمزيد من الضحايا بصورة قاسية للغاية .

فأتمنى من الشباب اللبناني أن يعوا مخاطر تعاطي المخدرات و أن يسعوا لتفادي هذا السم الذي ممكن أن يعطل ثروتنا أي الأدمغة في لبنان و يقتل أولادنا و يدمر ثقافتنا و هذا بغنى عن ما يعرضه صحيا و إجتماعيا.

فلنعمل جميعا جاهدين لأجل تفادي هذه الآفة المدمرة

مفهوم التنمية المستدامة


 

يبدو أن التنمية المستدامة هي التي تصيغ اليوم الجزء الأكبر من السياسة التنموية المعاصرة وقد كان للعمومية التي اتصف بها المفهوم دورا في جعله شعارا شائعا وبراقا مما جعل كل الحكومات تقريبا تتبنى التنمية المستدامة كأجندة سياسية حتى لو عكست تلك الأجندات التزامات سياسية مختلفة جدا تجاه الاستدامة، حيث تم استخدام المبدأ لدعم وجهات نظر متناقضة كليا حيال قضايا بيئية مثل التغير المناخي والتدهور البيئي اعتمادا على زاوية التفسير، فالاستدامة يمكن أن تعني أشياء مختلفة، بل متناقضة أحيانا، للاقتصاديين، وأنصار البيئة، والمحامين، والفلاسفة. ولذا يبدو أن التوافق بين وجهات النظر تلك بعيد المنال.

فهي نظرية في التنمية الاقتصادية و الاجتماعية تجعل الإنسان منطلقها و غايتها . الشرط الأساسي لتحقيقها هو الطاقات المادية . هدفها ليس فقط الزيادة في الإنتاج و إنما تمكين الإنسان من العيش في حياة أفضل و أطول. و حاجات الإنسان ليست كلها مادية بل كذلك معنوية و اجتماعية نجملها في: التعليم و الثقافة و توفر فرص لممارسة النشاطات الخلاقة و حق المشاركة في تقرير الشؤون العامة و حق التعبير و الحفاظ على البيئة لأجيال لاحقة.

وتقوم على أربعة عناصر أساسية هي :

– الإنتاجية ( قدرة الإنسان على الإنتاج)

– المساواة ( تكافؤ الفرص دون تمييز )

– الاستدامة ( عدم إلحاق الضرر بالأجيال اللاحقة)

– التمكين (التنمية تتم بالناس و ليس من أجلهم فقط أي: الناس فاعلون) هكذا تعزز التنمية قدرة الإنسان على تحقيق ذاته فيصبح هدفا و وسيلة في آن واحد ، انتقلت في الستينات من القرن العشرين إلى حقل السياسة لتهتم بتوجيه البلدان نحو الديمقراطية لمسايرة الدول الصناعية ، و زادت تطورا لتشمل حقل المعرفة و الرفع من مستوى الثقافة فظهرت تنمية اجتماعية و بشرية لدعم قدرات الفرد من أجل تحسين أوضاعه في المجتمع و قياس مستوى معيشته.  فالإنسان سيد الطبيعة هوالذي له الحق في تغييرها لصالحه .

فشهد العالم خلال العقود الثلاثة الماضية إدراكا متزايدا بأن نموذج التنمية الحالي (نموذج الحداثة) لم يعد مستداما، بعد أن ارتبط نمط الحياة الاستهلاكي المنبثق عنه بأزمات بيئية خطيرة مثل فقدان التنوع البيئي، وتقلص مساحات الغابات المدارية، وتلوث الماء والهواء، وارتفاع درجة حرارة الأرض(الدفء الكوني)، والفيضانات المدمرة الناتجة عن ارتفاع منسوب مياه البحار والأنهار، واستنفاد الموارد غير المتجددة، مما دفع بعدد من منتقدي ذلك النموذج التنموي إلى الدعوة إلى نموذج تنموي بديل مستدام يعمل على تحقيق الانسجام بين تحقيق الأهداف التنموية من جهة وحماية البيئة واستدامتها من جهة أخرى. ولذلك فإن شيوع فكرة التنمية المستدامة في أدبيات التنمية السياسية منذ منتصف ثمانينات القرن العشرين مثل في جزء منه محاولة لتجاوز إخفاق النظرية السلوكية في مجال التنمية، التي تبنت نموذج الحداثة، والبحث عن نموذج جديد يعمل على التوفيق بين متطلبات التنمية والحفاظ على بيئة سليمة ومستدامة.

أما على المستوى السياسي فقد بدأ المجتمع الدولي، منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي، يدرك مدى الحاجة إلى مزيج من الجهود السياسية والعلمية لحل مشاكل البيئة وعندها أصبح مفهوم التنمية المستدامة يمثل نموذجا معرفيا للتنمية في العالم، وبدأ يحل مكان برنامج “التنمية بدون تدمير” Development without Destruction الذي قدمه برنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP في السبعينات ومفهوم “التنمية الإيكولوجية” Ecodevelopment الذي تم تطبيقه في الثمانينات.

وتحاول حركة الاستدامة اليوم تطوير وسائل اقتصادية وزراعية جديدة تكون قادرة على تلبية احتياجات الحاضر وتتمتع باستدامة ذاتية على الأمد الطويل، خاصة بعدما أتضح أن الوسائل المستخدمة حاليا في برامج حماية البيئة القائمة على استثمار قدر كبير من المال والجهد لم تعد مجدية نظرا لأن المجتمع الإنساني ذاته ينفق مبالغا وجهودا أكبر في شركات ومشاريع تتسبب في إحداث مثل تلك الأضرار. وهذا التناقض القائم في المجتمع الحديث بين الرغبة في حماية البيئة واستدامتها وتمويل الشركات والبرامج المدمرة للبيئة في الوقت نفسه هو الذي يفسر سبب الحاجة الماسة لتطوير نسق جديد مستدام يتطلب إحداث تغييرات ثقافية واسعة فضلا عن إصلاحات زراعية واقتصادية.

مشكلة الدراسة

ففي النصف الثاني من القرن العشرين تبنت غالبية الدول الصناعية المتقدمة طريق التقدم المتنامي في العلم، والتقنية، وأساليب الإنتاج مما أدى إلى بروز ما أصبح يعرف بمجتمع المعلومات أو المجتمع ما بعد الصناعي الذي لم يعد يعتمد على نشاط الأفراد ولا على المجتمع ككل بقدر اعتماده على فرضية قدرة البشر على السيطرة على ذلك التقدم. وقد أرتبط تدشين مجتمع المعلومات هذا في الدول الصناعية المتقدمة بهيمنة فكرة “التفاؤل التقني”” التي بشر بها نموذج الحداثة التنموي والتي  تفترض أن بزوغ فجر عصر التقنية يمثل إيذانا بعصر خال من المشاكل سواء في المجال الاجتماعي أو الاقتصادي، فضلا عن المجالات الأخرى ومن بينها المجال البيئي. إلا أن التطورات غير المنضبطة المصاحبة للتقدم الصناعي قد أسهمت من جانب أخر في تنامي سلسلة من المشاكل ذات الطابع البيئي، حيث أضحت قضايا التدهور البيئي، والتصحر، والفقر، وعدم المساواة الاقتصادية، والدفء الكوني، والانفجار السكاني، وتزايد معدلات انقراض الكائنات الحية بشكل مخيف، والأمطار الحمضية، واستنفاد طبقة الأوزون، وتلوث الماء والهواء والأرض تمثل واقعا مؤلما ملازما للحياة في العصر الحديث وخاصة مع تعزيز نموذج الحداثة المعولم والتقنيات المتطورة لقدرة البشر على الأضرار بالبيئة وببعضهم البعض بوتيرة لم يسبق لها مثيل.

وبسبب تعاظم خطر تلك المشاكل من جهة وتقلص نسبة الموارد على الأرض وإضعاف قدرتها على تجديد ذاتها من جهة أخرى فإن هناك حاجة ملحة لترشيد التعامل الإنساني وذلك لأن نموذج الحداثة القائم الذي يعمل على الإيفاء بالاحتياجات المادية الحالية مع تجاهل تام للبيئة وللمستقبل لم يعد ملائما ولا كفؤا على المدى الطويل.

نموذج الحداثة والتدهور البيئي

يشير التدهور البيئي الذي حدث معظمه خلال القرن الماضي إلى أن النموذج الاقتصادي المهيمن (الليبرالية الرأسمالية) هو “اقتصاد استخلاصي” يستنفد الموارد غير المتجددة، ويستغل الموارد المتجددة بدرجة أكبر من قدرتها على البقاء، ويتسبب في تغيير كيمائية الأرض وتشويه النظم البيئية عليها متسببا في حدوث أضرار لا يمكن إصلاحها لكل من الأرض والماء والهواء.  ولذا يمكن القول أن الاستغلال المفرط والتدمير المصاحب للتنمية هما نتاج للمجتمع الصناعي الحديث، وبخاصة منظومة قيمه ومعتقداته وبناءه السياسي. فبرغم أن لهذا النسق الاعتقادي “الحداثة” إنجازات عديدة إلا أن له جانبه المظلم أيضا متمثلا في الظلم الاجتماعي وإفساد البيئة، إلا أن معظم الناس منغمسون جدا في نموذج الحداثة هذا إلى درجة أنهم غير قادرين على إدراك أن “البناءات والعمليات التي تقوم عليها الحياة اليومية هي السبب في الدمار البيئي والظلم الاجتماعي”.

1- Homo Economicus  / أي أن الأولوية فيه تكون للرفاهية الاقتصادية التي ستقود إلى تحقيق الرفاهية في مجالات الحياة الأخرى.

2- النزعة التقدمية/ أي أن التقنية ستجد حلولا لكل المشاكل وأن الحالة الإنسانية سوف تتحسن بالتدريج من خلال الوفرة.

3- النزعة التصنيعية/ أي أن الإنتاج على نطاق واسع سيؤدي إلى تحقق الوفرة والتي بدورها ستؤدي إلى خلق نزعة استهلاكية.

4- النزعة الاستهلاكية/ إي أن استهلاك السلع المادية هو مصدر السعادة البشرية.

5- النزعة الفردية/ التي تشير إلى التنافس على المنفعة الفردية وإعطاء المصالح الفردية أولوية على المصالح العامة .

ويعكس هذا التحيز المتأصل المعتقدات التي دفعت نحو الاستعمار، والتنمية الصناعية والاقتصادية، فضلا عن طريقة الاستجابة للمشاكل الاجتماعية والبيئية الناتجة عن ممارساتها. وضمن هذا النموذج المتمركز حول الإنسان (الأوربي غالبا) نظر إلى الأرض على أنها مجرد مصدر وافر وغير ناضب للسلع، وركزت عملية التقدم بشكل أعمى على تحويل الموارد الطبيعية (بوساطة التقنية) إلى سلع استهلاكية تتحول بشكل سريع جدا إلى نفايات. وبالفعل فإنه ينظر للاقتصاد المزدهر على أنه “اقتصاد متوسع” ينتج سلع مادية كثيرة لتستهلك ومن ثم يتخلص منها. وأعتبر الإبداع الإنساني من خلال التقنية قادرا على حل كل المشاكل مما يمكن التقدم من الاستمرار بدون توقف.

وبالرغم من حدة وكثافة الانتقادات لذلك النموذج وتنامي الاهتمام الشعبي بالقضايا البيئية إلا أن الناس بشكل عام وكذلك الشركات والحكومات مازالوا يفتقرون لأي دافع لأخذ تلك القضايا على محمل الجد ومن ثم لم ينخرطوا في عمل فعال باتجاه ممارسات مستدامة. وفي ظل غياب رؤية بديلة فإن الاعتقاد في التميز والتقدم والإبداع التقني الإنساني يسهم في خلق مجتمع راض عن/ أو يقبل بالاستغلال البيئي والاجتماعي.

ولذا فمن الضروري الاعتراف بأن القضايا البيئية هي قضايا اجتماعية وثقافية وأنه في ظل غياب التحليل النقدي للمعتقدات الأساسية والأطر السياسية الاجتماعية للمجتمعات الصناعية لن يكون هناك مبادرات ناجحة تجاه العدالة الاجتماعية والبيئية، ولن يصبح المجتمع الحديث في وضع يسمح له بالتكيف مع رؤية عالمية بديلة وبناء سياسي وثقافي واجتماعي قادر على دعم بروز مجتمع مستدام بيئيا وتنمويا.

ومن الواضح أنه لا يمكن إيجاد مجتمع عادل بيئيا واجتماعيا عندما تكون الحياة الاجتماعية فيه واقعة تحت هيمنة وتأثير قوى السوق، والربح، والنمو الاقتصادي، ومعايير الرفاهية المتنامية، كما أن النزعة الاستهلاكية غير المقيدة تؤدي إلى استغلال غير مقيد. وبناء  عليه فإن معالجة تلك القضايا يتطلب تفكيرا جديدا يعترف بالعلاقة المتداخلة بين الإنسان والبيئة في ظل التنمية المستدامة التي توازن بين التغير الإبداعي والتقدمي، والمحافظة على البيئة، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز سعادة الأفراد، والمجتمع، وتستطيع المعايير والمؤسسات العامة فيها الحفاظ على نوع من التضامن الاجتماعي الذي يمكن من خلاله المساهمة في سعادة وخير الجميع.

محور اهتمام التنمية الاقتصادية المستدامة فيتمثل في تطوير البنى الاقتصادية فضلا عن الإدارة الكفؤة للموارد الطبيعية والاجتماعية.

والقضية هنا أن تلك المجالات الثلاثة للتنمية المستدامة تبدو نظريا منسجمة لكنها ليست كذلك في الواقع الممارس. كذلك فإن المبادئ الأساسية هي الأخرى مختلفة فبينما تمثل الكفاءة المبدأ الرئيس في التنمية الاقتصادية المستدامة تعتبر العدالة محور التنمية الاجتماعية المستدامة، أما التنمية البيئية المستدامة فتؤكد على المرونة أو القدرة الاحتمالية للأرض على تجديد مواردها.

وتتعلق رابع خاصية مشتركة بالتفسيرات المتعددة للتنمية المستدامة. فمع أن كل تعريف يؤكد على تقدير للاحتياجات الإنسانية الحالية والمستقبلية وكيفية الإيفاء بها، إلا انه في الحقيقة لا يمكن لأي تقدير لتلك الاحتياجات أن يكون موضوعيا، فضلا عن أن أية محاولة ستكون محاطة بعدم التيقن.

ومن أهم تلك التعريفات وأوسعها انتشارا ذلك الوارد في تقرير بروندتلاند (نشر من قبل اللجنة عبر الحكومية التي أنشأتها الأمم المتحدة في أواسط الثمانينات من القرن العشرين بزعامة جروهارلن بروندتلاند لتقديم تقرير عن القضايا البيئية)، والذي عرف التنمية المستدامة على أنها “التنمية التي تلبي احتياجات الجيل الحاضر دون التضحية أو الإضرار بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها”

ومع أن هناك شبه إجماع نظري بأن المساواة (سواء بين أفراد الجيل الحالي من جهة أو بين الأجيال المختلفة من جهة أخرى) تعتبر عنصرا أساسيا للمفهوم إلا أن مضمون تلك المساواة لا يزال غامضا.

وبينما يصف تعريف بروندتلاند بغموض شديد الإجماع العام حول تعريف الاستدامة، إلا أن هناك جدلا واسعا حول وسائل ضمان استقرار الأجيال القادمة. فالتفسيرات المتعلقة بكيفية تنفيذ “التنمية المستدامة” تتباين ما بين تلك التي تتبنى التركيز الضيق على الاقتصاد أو الإنتاج إلى تلك التي تدعو إلى استيعاب واسع للثقافة والبيئة فضلا عن أن هذا التعريف قد أعتبر منحازا إلى نموذج إرشادي تنموي محدد (يتمركز حول الإنسان) ولذلك رفض وانتقد من قبل كثير من الكتّاب.

الاستدامة الضعيفة أو الضحلة (المتمركزة حول الإنسان):

تزعم حركة الاستدامة الضعيفة التي عرفت إيضا “بالبيئية الضحلة” “shallow environmentalism” بأن هناك حاجة لتوسيع نطاق المخزون من الموارد وأن هذا يمكن تحقيقه من خلال تطوير موارد متجددة، وإيجاد بدائل للموارد غير المتجددة، والاستخدام الأمثل للموارد الحالية و/أو البحث عن حلول تكنولوجية لمشاكل من قبيل نفاد الموارد والتلوث. وفي القلب من هذا الخطاب يكمن تفاؤلا ضمنيا يتمثل في الثقة بأن البشر سيجدون حلا لكل مشكلة بيئية تبرز على السطح، كما سيكونون قادرين على تعزيز مخزون الموارد وذلك لأن التقدم التقني كما يفترض سيمكن البشر من التحكم في الأرض لتلبية مطالبهم المتنامية. ومن ثم فإن أي مشكلة تظهر ستحل من خلال التطور التقني. ويجادل أنصار هذا الموقف بأن أسباب الأزمة البيئية التي يعيشها كوكب الأرض لا تكمن في قيم نموذج الحداثة المهيمن المتمركز حول البشر ولا في معاييره أو مؤسساته وممارساته بل أن تلوث الماء والهواء ونفاد الموارد الطبيعية وتناقص التنوع البيئي والفقر وحالات عدم المساواة هي نتيجة للجهل والجشع والممارسات الحمقاء في التعامل مع البيئة. ومن ثم:

يمكن كبح مثل هذه الممارسات الحمقاء الملامة خلقيا عبر سن تشريعات وتغيير السياسة العامة، وزيادة التعليم، وتغيير القوانين الضريبية، وإعادة الأراضي العامة إلى مالكيها ……، والتأكيد على الإلزامات الخلقية نحو الأجيال المستقبلية، وتشجيع الإدارة الحكيمة للطبيعة وتشجيع آخر لاستخدام رشيد للموارد الطبيعية (زيمرمان 2006 ص. 20).

كما أنهم متفائلون بشكل عام حيال قدرة الإنسان على حل أي مشكلة يمكن أن تظهر فيما يتعلق بنفاد الموارد. وينبع هذا التفاؤل من الاعتقاد بأن الخبرة العلمية والتقنية في المجتمع الصناعي الحديث ستردم الفجوة بين الطلب والموارد من خلال التحكم في مخزون الموارد – للإيفاء باحتياجات المجتمع. ومن ثم يزعم أنصار الاستدامة المتمركزة حول الإنسان أنه ليس هناك حاجة لتحويل أو تعديل الخطاب السائد حول الطبيعة والبيئة والتقدم الاقتصادي والتنمية والذي ينظر للطبيعة في الغالب كمورد للبشر حق الهيمنة عليه واستغلاله فضلا عن الاعتقاد بأن التقدم الاقتصادي يعتبر معيارا شرعيا للتقدم.

وبرغم التفاؤل الذي يسود بين أنصار هذا التوجه من أن أحدى أهم النتائج المترتبة على تنامي تطور علاقة الإنسان التبادلية مع الطبيعة في ظل ظروف مجتمع المعلومات أو المجتمع ما بعد الصناعي تتمثل في العملية التي تعرف بـ dematerialization (تقليص الاعتماد على الموارد المادية) والتي تعني الحصول على نفس النتائج أو نتائج أفضل بقدر أقل من استهلاك الموارد المادية من خلال تحويل المنتجات إلى خدمات لدعم وتبرير العمليات الإنتاجية الصديقة (غير الضارة) للبيئة، ونشر التغيرات البنائية المصاحبة لها، إلا أن النسق الاقتصادي الآخذ في التبلور نتيجة لتلك الإبداعات يعاني كما يقول ليفين  Levin  من عدة تشوهات. فعلى سبيل المثال يلاحظ أن فروع الإنتاج المعلوماتي تتميز بنمو متسارع مما قد يتسبب في حدوث عواقب وخيمة، وعندها يمكن الحديث عن ما يعرف بتأثير فقاعة الصابون بالنسبة لهذا القطاع من الاقتصاد التي تعني أن حدوث أدنى قدر من التغيرات في الحالة السياسية والاقتصادية قد يحدث موجات عديدة من التوتر في سوق الأسهم على مستوى العالم كله (Levin, 2006:66).

أما فيما يتعلق بمصطلح dematerialization ذاته فلا يبدو أنه ملائم كعلامة للعمليات القائمة حيث أن أهداف الاستهلاك الإنساني لا يمكن إحلالها كليا بنظائرها الافتراضية. ورغم أن الميزة المحددة للتطور التقني في مجتمع المعلومات تتمثل في الإحلال التدريجي للمتطلبات المادية للاستهلاك بأخرى افتراضية، إلا أن هذه النزعة لا يمكن أن تشمل تماما كل مجالات الاستهلاك، كما أن الاستهلاك غير المادي يظل خطيرا على البيئة التي يعيش فيها الإنسان. فقد أعتقد كثيرون أن تطور أنظمة الاتصال مثلا سيقضي بالتدريج على الروابط القائمة بين الناس، والحاجة إلى الاتصال الشخصي، أو حتى أن الحركة المكانية ستتقلص، حيث سيتم تنفيذ معظم العمليات التي تعتبر سلوكا معتادا للإنسان المتحضر- مثل التسوق، والخدمات البنكية، والعمل- من بعد من خلال أجهزة الحاسوب، ومن ثم يمكن القضاء على واحدة من أكبر الأزمات البيئية المتمثلة في تلوث الهواء الناتج عن عوادم السيارات فضلا عن الازدحام السكاني (Levin 2006: 67).

ومع أنه في ظل هذه الظروف يستطيع الناس أن يقابلوا بعضهم بعضا “افتراضيا”، إلا أنه لا يمكن القيام بكل أشكال النشاط الإنساني بهذه الطريقة ويبقى اللقاء الشخصي هاما. وهذا يؤدي إلى زيادة كبيرة في معدل المسافة التي يقطعها كل شخص أو معدل الرحلات الشخصية. و لا يزال مثل هذا الأمر قائما حتى في الدول المتقدمة. فضلا عن ذلك يجب ألا ننسى عامل أخر لا يقل أهمية فيما يتعلق بمزيد من التطور في المواصلات “الحقيقية”: فمع انتشار الناس وتوزعهم على “قرى الحاسوب” ستزداد المسافة بين المنتج للسلع والمستهلك لها كما هو ملاحظ في تجربة البلدان الأكثر تقدما في هذا المجال. وحيث أنه لا يمكن لثلاجة منزلية مثلا طلبت عن طريق الانترنت أن ترسل عبر الفاكس أو الحاسوب فإن حركات الناس عبر المكان تتزايد بنفس معدل تزايد الاتصالات الاليكترونية بينهم.

وهناك أثر أخر لا يقل أهمية لتطور تقنيات الاتصال يتمثل في تنامي استهلاك الطاقة في البلدان المتقدمة. فكل منزل في البلدان المتقدمة تقريبا لديه الكثير من الأجهزة المصممة لكي تستهلك قدرا مطردا من الطاقة. فالأجهزة التي تعمل ليلا ونهارا بدون توقف تعتبر أمرا معتادا كما هو الحال مع أجهزة الحاسوب، ولا يبدو أن مثل هذه النزعة لاستهلاك المزيد من الطاقة في طريقها للتقلص في المستقبل القريب بل أنها تشهد تناميا مطردا، بل أن الأمر سيتطلب إنتاج قدرا أكبر من الطاقة عندما يتم تطبيق الخطط من أجل ما يعرف “بالبيوت الذكية” التي يتم التحكم في كل وظائف الحياة اللازمة فيها عن طريق الأتممة الذكية. وعندما نأخذ في الاعتبار أن القدر الأكبر من كهرباء العالم يتم توليده من خلال محطات الكهرباء الحرارية (التي تستخدم أساسا الوقود الاحفوري كالنفط الخام أو الغاز الطبيعي)نجد أن فرض مثل ذلك العبء الإضافي يمكن أن يقضي على كل الجهود الهادفة إلى إنجاز تنمية مستدامة.

وهناك اتجاهان يتمتعان بشعبية متزايدة ضمن أدبيات هذا الاتجاه. أولهما: ما يشار إليه أحيانا “التحديث الإيكولوجي” “Ecological Modernization (see for example:    Roberts 2004; Mol 1999 ) ، الذي يزعم أن الممارسات الاقتصادية الحالية متجذرة بشكل عميق في نموذج الحداثة ومرتبطة بالمؤسسات العلمية التقنية الحديثة. وبناءا عليه فإن ” المؤسسات المهيمنة تستطيع بالفعل أن تتعلم وأن تعلمها يمكن أن ينتج تغيرا مفيدا” (Hajer, 1996: 251). ومن ثم يرفض هذا الاتجاه النظرة القائلة بأن قوى السوق قد أدت في الماضي إلى التدهور البيئي أو أنها يمكن أن تتسبب في أزمة بيئية في المستقبل ويزعم بأن الأزمة البيئية ليست إلا نتيجة للجهل والجشع وقلة البصيرة وهو ما يمكن كبحه من خلال تطوير التعليم وسن التشريعات وترشيد استخدام الموارد(زيمرمان 2006أ: 20). وبرغم أن هذا الاتجاه يقدم فهما معقدا للمجتمع ما بعد الصناعي إلا أن فكرته الأساسية تتمحور حول الإبداع التقني. فبعكس الاتجاهات البيئية الأخرى، التي ترى أن التطور التقني يمثل معضلة مما يستدعي كبح الرأسمالية أو عملية التصنيع بهدف حل الأزمة الإيكولوجية، يزعم أنصار التحديث الأيكولوجي أن استمرار التطور التقني والتصنيع يقدم أفضل خيار ممكن للتخلص من الأزمة الإيكولوجية في الدول المتقدمة.

كما يجزم أنصار هذا الاتجاه بأن التوقعات بحدوث ضغوط كبيرة على الناس أو الموارد البيئية أمر غير دقيق، بسبب إغفال قدرة البشر على إيجاد حلول لمشكلات الندرة من خلال إيجاد البدائل وتحسين كفاءة النمو الاقتصادي حتى يستخدم موارد طبيعية أقل وتقليص الاستهلاك (Anderson & Leal 1991:2)، فضلا عن رفض إحداث تغيير جذري في مسار التطور الاقتصادي ومطالب البشر تجاه الأرض. وفي هذا السياق يزعم  Dryzek  أنه  “يمكن النظر للتدهور البيئي كمشكلة بنائية يمكن حلها فقط من خلال الإلمام بكيفية تنظيم الاقتصاد ولكن ليس بطريقة تتطلب نوعا مختلفا تماما من النظام السياسي الاقتصادي” (Dryzek 1997: 141). ولذلك يحاول اتجاه التحديث الإيكولوجي التوفيق بين حتميات السوق والالتزامات الإيكولوجية وهذا يعني ضمنا “شراكة تتعاون فيها الحكومات والشركات وأنصار البيئة المعتدلون والعلماء لإعادة صياغة الاقتصاد السياسي الرأسمالي وفقا لأسس بيئية يمكن الدفاع عنها (Ibid:145).

و يعتبر التحديث الأيكولوجي، كما هو الحال بالنسبة للتنمية المستدامة، مفهوما مطاطيا يفهم ويطبق بطرق مختلفة لكنه يذهب أبعد من التنمية المستدامة في زعمه بأن التوفيق بين البيئة والتنمية ليس فقط ممكنا ولكنه مفيد لقطاع الأعمال أيضا. ويحاول اتجاه التحديث الأيكولوجي أن يأخذ التنمية المستدامة خطوة إلى الأمام لكن في اتجاه مختلف بشكل كبير. فهو يؤكد على أن المجتمع الصناعي لن يكون بمقدوره البقاء فقط بل أنه يستطيع التكيف جيدا وبشكل مثمر مع الضغوط البيئية حيث يزعم أن التحكم المسئول في الضغوط البيئية يمكن أن يكون جيدا لقطاع الأعمال، فالتلوث يعكس عدم الكفاءة وبالتالي يضيف مزيد من التكاليف لقطاع الأعمال. وفي هذا السياق يؤكد  Hajer 1995 “أن التحديث الإيكولوجي يستخدم لغة قطاع الأعمال ويصور التلوث البيئي كنتيجة لانعدام الكفاءة بينما يعمل ضمن حدود التكلفة والفعالية والكفاءة البيروقراطية”(Hajer 1995:.31). ولا ينكر أنصار هذا التوجه حدة وخطورة المشاكل البيئية لكنهم بدلا من تبديد جهدهم في إنكارها يفضلون الاستثمار في حلها لأنهم يدركون أن معالجة مثل تلك المشاكل يمكن أن ينتج عنه نتائج إيجابية اقتصاديا وسياسيا وبيئيا. أي أن الحماية من التلوث والاستثمار في تقنيات جديدة مجدي اقتصاديا، كما أن النظر للطبيعة كمورد ثمين بدلا من مكب نفايات يعني أن تلويث البيئة مكلف بالمعايير الاقتصادية والبيئية. باختصار يمكن القول أن اتجاه التحديث الإيكولوجي يمثل أساسا اقتراب حداثي وتكنوقراطي للبيئة يرى أنه يمكن إيجاد حلول تقنية ومؤسساتية للمشاكل القائمة، وأن الافتراض الأساسي لهذا الاتجاه يتمثل في أن القيم الاقتصادية والإيكولوجية هي /أو يمكن أن تكون متوافقة، وعندما يتحقق مثل هذا التوافق يتم تحويل المبادئ الإجرائية (مثل التنمية المستدامة) إلى معرفة اجتماعية ومؤسساتية.

ومع ذلك فهناك من ينتقد الافتراضات النظرية ونتائج صنع السياسة لاتجاه التحديث الإيكولوجي (وخاصة الجانب الأضعف منه) باعتباره مجرد نموذج “للرأسمالية الخضراء”، حيث يزعم كل من Connelly and Smith  أن التحديث الأيكولوجي، الذي تم تبنيه في كثير من الدول الصناعية المتقدمة وضمن أجندة التنمية المستدامة التي تبنتها الوكالات الدولية، يبرر الوضع القائم ونمط التصنيع الغربي من خلال إعاقة المواقف الأكثر ثورية للاستدامة من الظهور وعدم الاستغلال الكامل للامكانات الثورية لمفهوم التنمية المستدامة وترسيخ النموذج المعرفي المتمركز حول الإنسان والتقنية (Connelly and Smith, 1999:57-59) . كما يتهم هذا الاتجاه بتهميش القضايا البيئية وإخضاعها لاعتبارات الاقتصاد أو إدارة الموارد. ففي صياغة الأجندة البيئية أستخدم التحديث الإيكولوجي لغة قطاع الأعمال التي تنظر للبيئة بمعايير نقدية ولم يهتم بها إلا عندما تحقق عوائد اقتصادية مثل توفير التكاليف أو تحقيق ميزة تفضيلية. وهذا التركيز حال دون أن يتضمن اتجاه التحديث الإيكولوجي الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية الأوسع التي تعتبر ضرورية في التحول تجاه مزيد من الاستدامة (Christoff 1996: 485). كذلك ينتقد هذا الاتجاه لاستناده على معايير وقيم للتقدم تتبناها النظرية السائدة للتنمية كقيم الحداثة والعقلانية مما جعل “الخطاب الرسمي” الحالي تجاه صنع السياسة البيئية المتبني للتحديث الإيكولوجي يستبعد بشكل كبير المواقف المختلفة للاستدامة التي تشمل اهتماما أكبر بالحساسية الاجتماعية والثقافية، وتعزيز المشاركة السياسية، وتبني استراتيجيات فرعية -إقليمية ومحلية- للاستدامة ويصفها باللاعقلانية (Gibbs 2000: 9-17). وينتقد الاتجاه أيضا لكونه يمثل مسارا أحاديا للحداثة الإيكولوجية مما يجعله مفضلا في أوساط التوجه الرئيس للنظرية التنموية الذي يعتبره بمثابة المرحلة الضرورية القادمة من العملية التطورية للتحول الصناعي، وهي المرحلة التي تتسم بهيمنة العلم والتقنية الغربيين فضلا عن سيادة ثقافة الاستهلاك(Christoff 1996:487-488) .

أما الاتجاه الثاني الذي يشار إليه أحيانا “بالعدالة البيئية” Environmental Justice وأحيانا “الحركة الخضراء” فيمثل مظلة تستخدم لوصف المنظمات التي تحاول تعزيز العدالة الاجتماعية والمساواة نظرا لحالات عدم العدالة التوزيعية الناتجة عن السياسة البيئية. ويزعم هذا التوجه أن هناك ارتباطا وثيقا بين الجودة البيئية والمساواة الاجتماعية، فحيثما يحدث تدهور للبيئة يكون ذلك مرتبطا في معظم الأحوال بقضايا العدالة الاجتماعية والمساواة، والحقوق ونوعية حياة الناس بشكل عام. ويرى أنصار هذا الاتجاه أن من الظلم تحميل تبعات المخاطر البيئية على كاهل أطراف لم تكن مسئولة عن التسبب فيها وخاصة الفئات الهامشية في المجتمع كالفقراء (Wenz 1988; Low & Gleeson 1998). وفي هذا السياق يزعم (Agyeman 2002: 77-90) أن هناك ثلاثة أبعاد مرتبطة بهذه القضية، أولا: يلاحظ أن البلدان التي لديها توزيع أكثر عدالة للدخل، وقدر أكبر من الحريات المدنية والحقوق السياسية، ومستوى أعلى من التعليم تميل لأن تتمتع ببيئة ذات جودة أعلى مما عليه الحال في البلدان التي تسجل معدلات أقل في مجالات توزيع الدخل والحريات والتعليم. ولا يقتصر هذا الأمر على المستوى العالمي بل يتكرر أيضا على المستويات الإقليمية والمحلية. ثانيا: يتحمل الفقراء العبء الأكبر من تبعات المشاكل البيئية من تلوث الهواء والماء بينما يستطيع الأغنياء ضمان الحصول على بيئة وصحة أفضل لهم ولأطفالهم. ومما يفاقم هذا التوزيع غير العادل للمشاكل البيئية حقيقة أن الفقراء دوليا وقوميا ليسوا المتسببين الرئيسين في التلوث حيث أن معظم التلوث والتدهور البيئي ناتج عن تصرفات الدول الغنية ذات الاستهلاك المرتفع وخاصة الجماعات الثرية فيها. وهذا الوضع هو الذي دفع إلى بروز حركات العدالة البيئية في الولايات المتحدة. أما البعد الثالث فيرتبط بالتنمية المستدامة التي تبنتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية منذ قمة ريو 1992م والتي تركز بدرجة أكبر على ضمان الحصول على نوعية حياة أفضل بأسلوب عادل ومتساو مع العيش ضمن حدود النظم الإيكولوجية الداعمة.  إلا أن هذه الاستدامة وبرغم أهميتها ليست كافية، فالمجتمع المستدام حقا هو ذلك الذي تكون فيه القضايا الأوسع مثل الاحتياجات الاجتماعية والرفاه الاجتماعي والفرص الاقتصادية مرتبطة بشكل تكاملي مع القيود البيئية المفروضة (Agyeman. 2002:87).

ولذلك يؤكد اتجاه العدالة البيئية على قدرة النمو الاقتصادي على الاستمرار ولكن مع التأكيد على إعادة توزيع المنافع والتكاليف بطريقة أكثر عدالة مما يجعله وسيلة للتوفيق بين أجندة التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية. ويرتبط هذا بالتأكيد على ضرورة توفر قدر أكبر من العدالة كهدف اجتماعي مرغوب وعادل جوهريا بإدراك أنه بدون نضال المجتمع من أجل قدر أكبر من المساواة الاجتماعية والاقتصادية ضمن المجتمع وبين الدول فإنه من غير المحتمل ضمان تحقيق هدف الوصول إلى مجتمع عالمي أكثر استدامة. وينتقد أنصاره النماذج الأقوى من الاستدامة لتجاهلها الآثار السلبية الناتجة عن حركة استدامة رأس المال البيئي على المساواة الاجتماعية، فضلا عن فشل الحركات البيئية والباحثين في مجالها عن إدراك المظالم في الأنماط الحالية للحصول على السلع البيئية من جهة والتعرض للمخاطر البيئية من جهة أخرى. ولذا ينظر للعدالة البيئية كوسيلة لتجاوز تلك المشاكل من خلال إعادة صياغة العلاقة بين المجتمع والطبيعة لكي لا تكون مبنية فقط على معايير اقتصادية، ولتسليط الضوء على الأبعاد الاجتماعية الهامة للأطر والمشكلات البيئية.  ويعترف أنصار هذا الموقف بالروابط المباشرة وغير المباشرة بين حماية الموارد الطبيعية وصحة أفراد المجتمع، حيث يدركون أن للبيئة النظيفة أثرا ايجابيا على الصحة العامة للسكان، كما يدركون أيضا أن توزيع خدمات الموارد الطبيعية بين الشعوب لم يكن عادلا. ولذا يزعمون أن الحكومة مسئولة عن حماية الموارد الطبيعية بطريقة تستوعب وجهات نظر واحتياجات الأفراد والحيوانات الأكثر عرضة للضرر حتى يستطيع كل فرد الاستمتاع بمنافع الموارد الصحية والخدمات البيئية.  كذلك يعمل أنصار هذا الموقف على إعادة تشكيل الثقافة السياسية العالمية ما بعد الحرب الباردة في علاقتها بالعولمة الاقتصادية. حيث يركز خطابهم على دور الشركات عبر القومية وسياسات الدولة “النيوليبرالية” في علاقتها بقضايا مثل الاحترار العالمي، وقطع الغابات، وفقدان التنوع البيئي، وانقراض الكائنات الحية، وتلوث الهواء والماء(see: Athanasiou 1996; Korten 1995). ويؤكد هذا الخطاب على وجود علاقة وثيقة بين العولمة النيوليبرالية وحالة عدم المساواة وبين الخطر البيئي والعدالة الاجتماعية وذلك لأن العولمة وسياسات تحرير التجارة المنبثقة عنها تعمل على تسريع وتفاقم الخطر البيئي الذي يحول معظمه وبطريقة ظالمة على لفئات المهمشة الأقل استعدادا لتحمله. ولذلك أعلن أنصار هذا الاتجاه عداءهم للعولمة النيوليبرالية الموجهة من قبل الأقوياء لصالح القلة واتهموها بتهديد البيئة وتحطيم المجتمعات واستغلال موارد العالم الثالث، والتسبب في الحروب وإضعاف الديموقراطية(see for example: Starr 2000).

الاستدامة القوية(المتمركزة حول البيئة):

مع أن الاقترابات الاقتصادية للاستدامة الأضعف لم تطرح مسألة انسجام التنمية المستدامة مع النمو الاقتصادي حيث ركزت بشكل أساسي على النمو الاقتصادي، إلا أن محدودية الفضاء والموارد الطبيعية فضلا عن القدرة المحدودة للغلاف الجوي لاستيعاب وتخزين الغازات الدفئية يجعل التنمية المستدامة التي تتطلب نموا لا محدودا تبدو مستحيلة. ولذا ينظر أنصار الاستدامة القوية(المتمركزة حول البيئة) للأرض كمورد ناضب غير متجدد ومن ثم يزعمون أنه ليس هناك مستقبل بيئي ممكن إلا إذا تم تعديل جذري على جانب الطلب من المعادلة من خلال إعادة التفكير في موقفنا تجاه الطبيعة فضلا عن فكرتنا عن التقدم الاقتصادي والتنمية (see for example the works of: Goldsmith et al. 1995; Henderson 1999).

ولذلك تؤكد وجهة النظر هذه المعروفة أيضا “بالإيكولوجية العميقة”deep ecology” ” أو المذهب الإيكولوجي (التبيئو) ecologism (الذي يهتم بدراسة العلاقة بين الكائن الحي والبيئة التي يعيش فيها) “المتمركزة حول البيئة” “ecocentric” بأنه لابد من حدوث ثورة في النموذج الإرشادي المهيمن إذا ما أريد إنقاذ كوكب الأرض من الفساد البيئي. وتبعا لذلك فإن هذه النظرة ترى أنه لابد أن نعمل على تكييف أنفسنا للحفاظ على الطبيعة المهددة بالفناء بدلا من تكييف الأرض لتناسب احتياجاتنا. وقد تسبب إصرار أنصار هذا الاتجاه على إحداث تغير بنائي وثقافي في إثارة مخاوف كل من قطاع الأعمال والساسة وأولئك الناس الذين كانوا يرغبون في حلول جزئية للمشاكل البيئية. وقد مثل هذا التوجه حركة الرفض ضد سياسات وممارسات الشركات والحكومات المتعلقة بالبيئة في الدول المتقدمة.

ونتيجة لذلك يركز أنصار الجانب الأقوى للاستدامة على تغيير المطالب تجاه الأرض ويتبنون فهما مختلفا للتنمية المستدامة، حيث يعمدون إلى التأكيد على الاستدامة الإحيائية (البيولوجية) كشرط أولي لأي تنمية، بدلا من التركيز على التأثير الإنساني على استراتيجيات التنمية، ومن ثم ينظر للتنمية المستدامة كوسيلة لتحسين نوعية الحياة الإنسانية مع العيش ضمن حدود القدرة الاحتمالية للأنساق الحيوية للأرض.[1]

ويندرج تحت حركة الاستدامة القوية هذه عدة فروع للفلسفة البيئية ومنها الفلسفة الإيكولوجية العميقة  deep ecologyالمتمركزة حول المجال الحيوي(biocentrism) ، والفلسفة الإيكولوجية النسوية (ecofeminism) التي تعبر عن تنمية مستدامة (متمركزة حول المرأة).

وتعود جذور الإيكولوجية العميقة إلى الفيلسوف النرويجي آرني نايسArne Naess  الذي ركز على نقد حركة الاستدامة المتمركزة بشريا التي اهتمت بنظره أساسا بالتلوث واستنزاف الموارد. وتؤكد هذه الفلسفة على اعتبار البشر جزءا مكملا للنسق البيئي الذي يعتبر أعلى وأكبر من أي من أجزائه ومن ضمنهم البشر ومن ثم تضفي قيمة أكبر على الكائنات الحية والأنساق والعمليات البيئية في الطبيعة.

ويعتبر مبدأ نايس Naess’s doctrine of biospheric egalitarianism للمساواة في المجال الحيوي، الذي يزعم أن لكل الكائنات الحية الحق نفسه في الحياة والازدهار، المبدأ الأساس للإيكولوجيا العميقة. ويتكون هذا المبدأ الذي يعتبر “قلب هذا التوجه” من ثمان نقاط هي:

1-            إن سلامة واستمرار الحياة البشرية وغير البشرية على الأرض تمثل قيمة بحد ذاتها مستقلة عن نفع العالم غير البشري للاستهلاك البشري.

2-                             أن ثراء وتنوع أشكال الحياة يسهمان في تحقيق هذه القيم، ولهما قيمة في حد ذاتهما أيضا.

3-                             لا يحق للبشر إنقاص هذا التنوع إلا من خلال تلبية الحاجات الحيوية الأساسية.

4-            يتوافق استمرار الحياة البشرية وثقافاتها، وكذلك الحياة غير البشرية، مع عدد أصغر من السكان على الأرض.

5-                             أن الاستغلال البشري الحالي للطبيعة مفرط جدا ويزداد الوضع سوءا.

6-                             يجب أن تتغير تلك السياسات لأنها تؤثر في البنى الأساسية الاقتصادية والتقنية والإيديولوجية.

7-                             لابد أن يكون التغيير الأيديولوجي الرئيس من النوع الذي يثمن نوعية الحياة أكثر

أخيرا ، يا ليتنا نتمكن من إحداث إستراتيجية طويلة الأمد لنعمل على إحداث التنمية المستدامة و تطويرها و تفعيلها ، لكي نحمي أجيالنا المقبلة و لنطور مجتمعاتنا و نعزز الإزدهار الإقتصادي و بالتالي العمل على محو الفقر و الحرمان .


 

أهمية المبادرة الإجتماعية و الإقتصادية و تأثيرهم في سياسات الدول

إن تفعيل المبادرة والقيادة لدى الطالب من خلال نظريات القيادة الحديثة وسمات الشخصية الحديثة، وتنمية شخصية الشباب بإتجاه روح التفاعل مع المجتمع وسوق العمل، وإيجاد بيئة للإبداع تجعله قادراَ على إتخاذ القرار الصحيح، وتفعيل روح المبادرة ضماناَ للإستقرار والنجاح.

كما إن أعدادا كبيرة من الحاصلين على شهادات التعليم العالي ،لا تجد منافذ لسوق الشغل، بسبب التباعد الحاصل بين التكوينات المدرسة، وحاجيات سوق العمل

المبادرة الإجتماعية :

يعتبر العمل التطوعي في هذه المرحلة مزدهرا وفي أوج قوته، إلا أن العمل التطوعي يواجه تحديات منها إيجابية وأخرى سلبية، فالإيجابية منها هو مشاركة أكبر عدد من المواطنين والمؤسسات في العمل الأهلي التطوعي مما يشجع على التنافس والتطوير وإثراء المجتمع بأفكار متميزة لتنمية المجتمع ودخول دماء جديدة للعمل التطوعي، و إنخراط الفرد في العمل العام يمتن الديمقراطية و يبني شخصية الفرد.

ولكن في الناحية السلبية منها شكوى العديد من الجمعيات الكبرى حول تشتيت العمل التطوعي وتجزيئه الى مؤسسات صغيرة قد لا تحظى بالموارد المالية والبشرية الكافية لتفعيل مشروعاتها التطوعية واستدامتها، كما و أن هناك مشكلة جزرية في المجتمع المدني أي أن البعض منها دخل الفساد بدلا من أن يحاربوا الفساد.

المبادرة الإقتصادية :

إن المبادرة الإقتصادية و الإجتماعية مرتبطين بشكل جزري بينهما البعض و أعتبرهم أنهم متكاملين لأنني أعتبر أن كلاهما يدعما البعض بسبب إرتباط التطور الفكري و الإداري خلالهما.

إن روح المبادرة في ظل التباطؤ الاقتصادي، إمكان المشروعات الفردية الخاصة على دفع وتحفيز التنمية الوطنية، بالإضافة إلى كيفية استطاعة الدولة تشجيع المشروعات الفردية الخاصة، والعوائق التي تحول دون ذلك، إضافة إلى كيفية أن يتعاون القطاعان العام والخاص للمساعدة في التغلب على هذه المعوقات.
فوصول أصحاب المشروعات الفردية الخاصة إلى رؤوس الأموال في عالم مقيد مالياً، وأفضل وأنجح الطرق التي يجب استكشافها من أجل تحقيق الازدهار والرخاء الاقتصادي، فالأزمة الاقتصادية أثرت على الجميع، وننظر نظرة إبداعية اجتماعية لحلها عن طريق الجمع بين الأفراد والشركات، وهو أمر لابد من حدوثه”.

فليس كل شخص مهيئاً لاتخاذ المبادرات في العمل. لكن من المؤكد أن يتخذون المبادرات يكونون دوماً في الطليعة. امتناع الكثير من الناس عن اتخاذ المبادرات ليس مرده لامكانياتهم المحدودة وإنما لاعتبارات اجتماعية وتكوين نفسي خاص. حب المبادرة موجود بالفطرة لدى كل الناس لكن لا بد من افساح المجال أمامه كي يأخذ مجاله.
فالانسان بطبعه يحب اكتشاف كل شيء جديد ويحب أن يجرب بنفسه لكي يقتنع بكثير من الأمور. مثلاً، جميع الناس يحبون السياحة والسياحة هي بشكل ما مبادرة لاكتشاف شيء مجهول يبدو أنه جميل وممتع
لماذا إذا يمتنع الكثير من الناس عن المبادرة في العمل؟ هناك عدة أسباب:
الخوف والخجل من الخطأ هو العامل الأساسي الذي يمنع معظم الناس من المبادرة

تحمل مسؤولية المبادرة له دور كبير في الابتعاد عنها
العمل تحت اشراف رئيس غير منفتح يسد كل امكانيات المبادرة
العمل في مجال لا يحبه الانسان يجعله غير قادر على المبادرة
بالطبع هناك أسباب أخرى تتعلق بحالات خاصة لا مجال لذكرها هنا. لكن بالمحصلة لاتخاذ المبادرة لا بد أن يعمل الانسان في مجال يحبه تحت اشراف شخص يقبل المبادرات. أما الخوف من الفشل والخجل من الأخطاء التي يمكن أن يرتكبها الشخص فهو أمر يمكن التخلص منه بالتجربة.
بالمقابل إذا كانت البيئة المحيطة من حيث نوع العمل أو طبيعة من نعمل معهم لا تسمح بالمبادرة فالتجربة لن يكون لها نتائج ايجابية.
في كل الأحوال تشير نتائج الدراسات المتعلقة بالنجاح العملي أن من يتخذون المبادرات هم فقط القادرون على الوصول إلى أعلى المراتب المهنية. إذا كانت طموحاتك كبيرة فلا بد لك من أن تدرب نفسك على المبادرة.

فالمبادرة تسمح بنمو الاستثمار الخاص، وتوفر فرصة اجتماعية سيكون لها عائد اجتماعي ومادي، فالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة لا يوجد لديها طريق سهل للحصول على القروض والتسهيلات المالية، مؤكدة على أنه لا يمكن تسهيلها إلا عن طريق تغيير الأنظمة المصرفية في بعض الدول.
يجب على الرواد تحمل المخاطر، إن الأزمة الاقتصادية لم تكن متوقعة وكل يوم تقدم لنا مفاجآت جديدة ويجب على الدول أن تتوحد لمواجهتها”، فقطاع التصنيع والإنتاج يعد قطاعاً مزدهراً.

أخيرا، لكي نؤمن مبادرة سليمة و ناجحة علينا الإلتزام باللنود التالية :

  • برنامج تدريب الريادة
  • خلق مناخ لتسليط الضوء على الممارسات السليمة لتعليم رواد الأعمال المستقبليين ومساعدة الشركات على إعداد حلول اجتماعية جماعية للمشكلات المتعلقة بالفساد
  • تشجيع روح المبادرة الاجتماعية وإطلاق مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات
  • إعداد مبادرات لتشجيع روح المبادرة الاجتماعية وثقافة الأعمال الخيرية الذكية المستدامة لدى شركاء الأعمال للمساعدة على إعادة تعريف نماذج الأعمال بما يخلق تأثيراً اجتماعياً إيجابياً.
  • منح قروض ميسرة و مدروسة لرواد الأعمال
  • تحفيز الدولة على المبادرة الإجتماعية و الإقتصادية
  • تسويقها من خلال الإعلام و البرامج المدرسية
  • حوار بناء للسياسة العامة، استضافة حوارات أعمال/ استثمار لتوضيح القضايا والتحديات ذات الأولوية لدى أوساط الأعمال والاستثمار كأداة لتحفيز الإصلاح ومساعدة الجهات المنظمة على تحديد الأولويات. وحوكمة الشركات، العمل مع الجهات المنظمة ومجالس إدارات الشركات على تعزيز بنى المساءلة.

سياسة إحتكار القطاع الخاص تؤدي إلى رفع نسبة الفقر و الحرمان

خلال الحرب الأهلية المديدة، ورغم سيطرة الميليشيات على معظم أرض لبنان، ورغم الاحتلال الإسرائيلي وسيطرته على أجزاء واسعة من الأرض، فإن سلطة الدولة المركزية انحسرت كثيراً ولم تسقط نهائياً.

لقد بقي مجلس النواب الذي تم انتخابه في أوائل السبعينيات قائماً حتى بداية الثمانينيات من القرن الماضي، دون تجديد شرعيته عبر انتخابات عامة، بالرغم من كل المتغيرات السياسية والعسكرية والاقتصادية التي مرّ بها لبنان.

وكانت الحكومات المتتالية تجدد ولاية المجلس النيابي، ويجدد المجلس النيابي شرعية الحكومة، بعيداً عن هموم الجماهير ومتغيرات السياسة وموازين القوى الداخلية والخارجية. وبقيت الحكومات المتتالية تدفع رواتب وأجور موظفيها العاملين وغير العاملين، من عسكريين ومدنيين، مَن كان منهم فوق الأرض اللبنانية أو خارجها. وبقيت الطبقة الحاكمة، المتمثلة سياسياً بمؤسسات السلطة القائمة ورموزها، بفكرها وتوجهاتها الاقتصادية والاجتماعية، وكأنها خارج إطار الصراع الداخلي أو الصراع ضد العدو المحتل.

إن الطبقة الحاكمة تاريخياً في لبنان والمتمثلة بالمجلس النيابي الذي تلون كثيراً وتمايل مع متغيرات الرياح السياسية في ظل الحرب الأهلية والاجتياح الإسرائيلي، أعادت تجديد النظام اللبناني ذاته، وبإشراف وتدخل قوى إقليمية ودولية عملت على وضع حد للحرب المديدة، وذلك في مؤتمر الطائف.

فالتعديلات الدستورية التي أدخلت على النظام اللبناني كانت تمثل فعلاً فكر ومصالح الطبقة الحاكمة اللبنانية، ضمن تبدل موازين القوى الطائفية، أكثر مما مثلت إرادة القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في المؤتمر.

وبعد استقرار نسبي في الوضع الداخلي اللبناني، وبعد إعادة توحيد المناطق اللبنانية التي تشظت، وربما كادت تتبلور ككيانات طائفية في ظل حكم الميليشيات، تم تجديد الطبقة الحاكمة بانضمام شرائح برجوازية كبيرة إليها، بنت ثرواتها بأشكال مشبوهة خارج لبنان في قطاعات الخدمات والمقاولات والسمسرات، أو في داخله عبر سلطة الميليشيات أبان الحرب الأهلية. لم تكن هذه الشرائح الجديدة غريبة عن فكر وارتباطات شرائح الطبقة البرجوازية الحاكمة، بل كانت منسجمة كل الانسجام معها، وسرعان ما احتلت مواقع أساسية في الحكومات أو في مجلس النواب. وأصبح بعض رموزها من ثوابت السلطة اللبنانية الحاكمة.

فالطبقة الحاكمة في لبنان كانت تدعو دائماً إلى رفع كل العقبات أمام التجارة الخارجية خاصة- ما عدا بعض القطاعات الاحتكارية للإنتاج في الداخل مثل الإسمنت والكابلات- كما تدعو إلى خفض الضرائب المباشرة أو إلغائها على الأرباح والمداخيل الرأسمالية والريعية. وكانت هذه الطبقة، وما زالت، ترفض رفضاً قاطعاً فرض ضريبة على الثروة، تلك الضريبة التي كثيراً ما تلجأ إليها الدول التي تتفاوت فيها المداخيل والثروات بشكل واسع، وخاصة بعد الحروب، لتعيد توزيع أعباء الحروب بشكل عادل. وتجربة ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية مثال جيد على ذلك.

وكانت هذه الطبقة وما زالت ضد قطاعات الإنتاج السلعي، وخاصة الزراعة والصناعة، إذ يمكن لنمو هذين القطاعين أن يقلص من أعمال وأرباح أصحاب الوكالات الحصرية في الاستيراد ولو على المدى المتوسط والقصير. فلبنان “جمهورية التجار” كما سماه “ألبرت حوراني”، يقوم على “الأعمال في الخارج وعلى العلاقات مع الخارج” كما رءاه وأراده ميشيل شيحا، وليس على الإنتاج المحلي.

كانت المصارف التجارية وما زالت تحتل موقعاً أساسياً ومهيمناً في “جمهورية التجار”. ففي الثلاثينيات من القرن الماضي “كان بنك فرعون وشيحا… يمثل سلطة المال الفعلية في المدينة (بيروت)، كما يمول الحملات الانتخابية للكتلة الدستورية، إلى حد أن اسكندر الرياشي اتهمه بأنه يعين ثلاثة أرباع المجلس النيابي تعييناً، ويسيطر على كتلة من 24 نائباً يتقاضون منه جميعاً المرتبات الشهرية. كما اتهم الرياشي نفس المصرف بأنه كان المسيّر الفعلي لسياسة الدولة الاقتصادية، ومقرر تشريعاتها الضريبية، أيام تولي بشارة الخوري رئاسة الحكومة في الثلاثينيات” كما يذكر فواز طرابلسي. وفي الستينيات من القرن الماضي، احتل بنك أنترا موقعاً مماثلاً في الحياة السياسية والاقتصادية اللبنانية، قبل أن يعلن إفلاسه القسري بأمر وتحريض من قوى فاعلة أجنبية. فقد كان هذا المصرف يدفع رواتب شهرية لأكثر من 65 نائباً ووزيراً.

طور ربحية المصارف وأموالها الخاصة خلال التسعينيات

(بملايين الدولارات)

السنة 1993 1994 1995 1996 1997 1998 1999
ربحية المصارف السنوية 99 182 206 314 429 503 437
الأموال الخاصة 260 410 718 1252 1958 2400 2660

هنا نرى الأرباح التي تجنيها المصارف و التي يحميها الساسة من خلال عدم وضع نظام ضرائبي يمكن المواطنين جميعا الإستفادة من هذه الأرباح و ذلك من خلال إستثمارها في إنماء الوطن، إنني مع أن نرى قطاعاتنا تنهض و تزدهر و تربح و لكن في الوقت عينه يجب وضع قسم من هذه الأرباح لأدل التنمية و مساعدة الفقير … و لكن إرتباط مصالح السياسيين بالإقتصاد الداخلي جعلهم يتغاضون النظر عن هذا القطاع.

نسبة الإنفاق (بالمئة) على بعض الوزارات من مجمل الإنفاق الحقيقي

(مجمل الإنفاق ناقص خدمة الدين)

السنة 1993 1995 2001
وزارة الزراعة 0.293 0.479 0.602
وزارة الصناعة 0.029 0.039 0.052
وزارة الداخلية 12.601 12.027 9.637
وزارة الدفاع الوطني 27.341 28.99 23.017

إن الإنفاق على قطاعي الزراعة و الصناعة ضئيل جدا و هذا ما يعزز الإتجاه إلى القطاعات الأخرى و إضعاف الإنتاج الداخلي و ذلك يعزز بقاء لبنان في الإعتماد على القطاع الخدماتي و ذلك لا يكفي فلبنان بحاجة إلى إستراتيجية إقتصادية تعزز مختلف القطاعات و ذلك يؤدي إلى تعزيز فرص العمل و إلى تطوير قطاعاتنا الزراعية و الصناعية و يخفف من المشاكل الإجتماعية الموجودة لدينا و من الهجرة الداخلية.

أين الإنماء المتوازن؟؟

(بالدولار الأميركي)

المحافظة الاستثمار المقدر الاستثمار المصحح نسبة التصحيح (بالمئة)
بيروت 1515.5 2183 +44
ضواحي بيروت 1948.3 1365.1 -31.2
جبل لبنان 1460.8 1526.2 +4.5
الشمال 1647.5 1408.3 -14.5
الجنوب 1861.1 1419.2 -23.7
النبطية 2391.9 1719.9 -28.1
البقاع 2117.1 1609.1 -24
لبنان 1770.6 1544.3 -12.78

هنا نرى عدمية الإنماء المتوازن و التركيز على محافظات من دون أخرى مما يؤدي إلى الفقر و الحرمان في بعض المناطق و إلى إزدهار مناطق أخرى على حساب المناطق المهمشة، و ذلك من أسبابه إرادة بعض الساسة في مركزي و الإزدهار و التحكم بالإقتصاد اللبناني.

تحكم الساسة بالإقتصاد الوطني

ختاما، للأسف لقد إندمج الإقتصاد في لبنان مع المصالح السياسية مما يؤدي إلى هيمنتهم عليه و هذه الهيمنة تلعب دورا في تفقير و تجويع الناس، نطالب الحكومة اللبنانية بالوقوف أكثر إلى جانب الفقير و إلى فصل المصالح الشخصية و الآنية عن مصلحة الوطن العليا الإقتصادية و السياسية و الإجتماعية.

يجب أن تعامل كافة القطاعات بالتساوي و ذلك حسب مصلحة الوطن ، و نرفض سياسة  إحتكار الموارد، نريد بقاء أدمغتنا في وطننا الحبيب و ليس تصديرهم إلى الخارج.

تفعيل روح المواطنية هي الحل في لبنان

لا يزال مفهوم المواطنية في الدول العربية مفهوما “هلاميًا” تحيط به الضبابية الكثيفة ، فالمفاهيم تتكون و تتبلور عبر تراكم التجارب الإنسانية، و هي تخضع لقانون تطور المجتمعات و الثقافات، و هي ترتبط بشكل مباشر و عضوي بمنظومة القيم و الأعراف السائدة فيها ، علاوةعلى بنية النظام السياسي الخاص بكل دولة و مجتمع .

فرغم أنّ مفهوم المواطنية يخضع لتفسيراتٍ عدّة، ويحتمل كاصطلاحٍ غير تعريف، فهذا المنهاج التدريبي سيقدّم تعريفاً عملياً لمفوم المواطنية، وكذلك بضعة أمثلة عن سبل تفعيلها ضمن النظام الديمقراطي.

تشير المواطنية إلى عضوية الفرد في مجموعةٍ أو مجتمع، على نحوٍ يؤهّله إلى التمتع ببعض الحقوق وإلى تحمّل بعض المسؤوليات. فالمواطنية، والحال هذه، تدلّ في آنٍ واحد على وضعية ومسيرة ارتباط هذا الفرد بالعالم الاجتماعي. أما المواطنية كمفهومٍ، فتعود جذورها إلى فكرة “المواطن العالمي” أو، بكلّ بساطة، إلى فكرة الفرد الذي يشارك في مؤسسات صنع القرار في الحياة العامة.

ويقوم مفهوم المواطنية على ثلاثة عناصر أساسية. يتناول أولى هذه العناصر المواطنية كوضعٍ شرعي، تحدده الحقوق المدنية والسياسية والاجتماعية. فالمواطن، في هذا السياق، يرمز إلى شخص قانوني، يحق له أن يتصرف بحرية وفقاً لأحكام القانون، وأن يطالب بحماية القانون ضمن الجماعة؛ بينما يتناول العنصر الثاني المواطن كفاعل سياسي، يشارك في المؤسسات السياسية العاملة ضمن المجتمع، ويؤثّر، أو قل يحاول التأثير، على قيم المجتمع المحلي. أما العنصر الثالث، فيشير إلى المواطنية على أنها حسّ الانتماء إلى جماعةٍ سياسية، تحمل هوية تميزها عن سائر الجماعات. إلا أن هذه العناصر التي تعكس جوانب نفسية واجتماعية معاً، تبقى دوماً موضعَ تفاوض ما بين أبناء المجتمع المحلي على مرّ الزمن.

زِد على أنّ عناصر المواطنية الثلاثة هذه تتفاعل مع بعضها البعض. فعلى سبيل المثال، تحدد الحقوقُ التي يتمتع بها المواطن، نوعاً ما، مختلفَ النشاطات السياسية المتوافرة التي يمكنه أن يشارك فيها. ونسجاً على المنوال نفسه، يمكن للهوية المدنية القوية أن تشكل، بحدّ ذاتها، حافزاً يحثّ المواطنين على المشاركة بشكل ناشط في الحياة السياسية ضمن مجتمعهم.

و هناك أسباب عديدة تزعزع فكرة المواطنية و هي :

المواطنية والطائفية:
إن معالجة مفهوم المواطنية في مجتمع طائفي، تُعد من أعقد الأمور لا سيما في الدول التي تشهد تنوعًا عرقيًّا ودينيًّا ومذهبيًّا كلبنان..، فالتصوّر السائد عن الطائفية فيها يُعد مكمن الفساد، لأنه يُكرس مفهوم أن الطائفية داخل الدولة هي انعكاس للطائفية داخل المجتمع، وعلى الأفراد القبول بالتعايش داخل الدولة مع ممارسات طائفية عديدة، الأمر الذي أدَّى مع مرور الوقت إلى شرعنة قيام الدولة الطائفية نفسها، بوصفها حتميّة اجتماعية أو تعبيرًا عن خصوصية محلّية لا يمكن التجاوز عنها، من دون ارتكاب مخاطر السير في اتجاه اقتسام غير عادل للسلطة والثروة المرتبطة بها.
هذه المعطيات أفرزت حكومات تخلَّت عن مسؤولياتها في بناء دولة حديثة حقيقية قوامها مفهوم الحق والقانون، وأصبح دورها محصورًا في تقاسم السلطة بين نخب الطوائف وأرباب الكراسي والعشائر القائمة، كما أدّى إلى رفع الممارسات الطائفية عن طاولة النقد واصبحت “الطائفية ” ذلك “اللاهوت المحرم” الذي ينبغي ألا نقترب منه، وهذا التصور وَحَّد تمامًا بين منطق عمل الدولة ومنطق عمل المجتمع الأهلي، ملغيا بذلك أي إمكانية لبناء دولة سياسية ديموقراطية.

لذلك يجد المحلل نفسه أمام إشكالية معقدة ومركبة ومتشعبة في آن، فمعالجة موضوع المواطنية يرتبط قبل كل شيئ بمسألة الهوية عند الكائن الانساني نفسه والخلفية الثقافية والحضارية، كما يرتبط بالديمقراطية والحريات من جهة أخرى.
وكثيرا ما يدور التساؤل حول التناقض بين ثقافة المواطنية و وجود طوائف ومذاهب، وفي واقع الأمر لا يوجد اي تناقض بين المواطنية والطوائف شرط توسيع المجال العام والقضايا المشتركة و توحيد الهمّ والأهداف الوطنية وتحييد الخصوصيات وعدم تسليط الضوءالسلبي على الاختلافات الثقافية، لأن تعدد الثقافات يثري التجربة الإنسانية، فالمواطنية طرح يحتوي الطوائف والتيارات الفكرية جميعها و يتجاوزها في آن من خلال توسيع مجال المشترك العام بين ابناء الوطن الواحد.

لذلك فإن عملية تكوين المواطنية الحقيقية في مجتمع متعدد، تبدأ من إيجاد صيغة ثقافية وتربوية قائمة على أسس فلسفية إنسانية تؤدي الى صهر الطوائف في بوتقة الوطن الواحد دون تلغي دور الأديان في حياة الأفراد، او ان تمس بالحريات الفردية للأشخاص.

فالطائفية السياسية هي ليست مجرد شعور عدائي لأفراد من طائفة نحو طائفة أخرى، بل هي أيضًا استراتيجية موازية تستخدمها بعض فئات النخبة السياسية في التنافس على السلطة أو سياسة منهجية تتبعها سلطة معينة في سبيل تأمين قاعدة اجتماعية شعبية او إثنية أو مذهبية تعزز مواقعها الاستراتيجية وهو ما تعمد إليه “الأحزاب الطائفية المؤدلجة في لبنان “لتكريس الطائفية كحتمية اجتماعية وتاريخية لا ترد.

ويزعم”ملوك الطوائف” اليوم أنهم يريديون تطبيق اتفاق الطائف، بالرغم من ان اتفاق الطائف ليس “مقدسًّا ” وبالرغم من أنه كرّس التمثيل الطائفي في الفئات الأولى، فاتفاق الطائف يطالب ب” إلغاء الطائفية “وفق صيغة نُقلت إلى الدستور اللبناني بعد تعديله بناءً على مضمون وثيقة الوفاق الوطني.
وذلك عبر المادة 95 من الدستور التي ورد فيها:” إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء الفئة الأولى من الموظفين وما يعادل الفئة الأولى، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة مع التقيّد بمبدأ الاختصاص والكفاءة“.
و في المادّة نفسها ورد ايضًا: “على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية وتشكيل هيئة وطنية برئاسة رئيس الجمهورية، تضم بالإضافة إلى رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء شخصيات سياسية وفكرية واجتماعية. مهمة الهيئة دراسة واقتراح الطرق الكفيلة بإلغاء الطائفية وتقديمها إلى مجلسي النواب والوزراء ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية“.

هذه الهيئة لم تشكَّل حتّى الآن، و هذه النصوص لم توضع موضع التطبيق بعد اكثر من سبعة عشر عامًا على إعلان اتفاق الطائف، وفي هذا مخالفة للدستورمع العلم أنه كان من الواجب تشكيلها من اوائل التسعينيات وكان بالامكان تجاوز الحالة الطائفية واعتبار هذه الهيئة مرجعية و منبراً للحوار المنتظم في كل شأن وطني، وتسخير السياسات التربوية والانمائية لها.

الديموقراطية والمواطنية الحرة في ظل المتغيرات العصرية:
ساهمت القفزة النوعيّة في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصال السريع، الى زعزعة ممالك الأنظمة الشمولية التوتاليتارية المنتشرة في العالم لا سيما العربي منه، وفتحت الأفاق أمام الشعوب في الاطلاع على المعلومات كافّة بما فيها السياسية بطبيعة الحال، فلم تعد الأنظمة الرسمية هي مصدر المعلومات الوحيد، بل على العكس فإن وكالات الانباء الرسمية في هذه الانظمة لم تعد تلقى أي متابعة شعبية على الاطلاق.


فأركان المواطنية ومكوناتها هي:


يمكن ان نستخلص العلاقات المكونة للمواطنية ونحصرها بنقاط أهمها:


العلاقة المكانية: المرتبطة بالأبعاد الجغرافية والتاريخية للوطن.
العلاقة الإنسانية المجتمعية: المتعلقة بالأفراد الذين يعيشون في هذه البقعة الجغرافية.
العلاقة بالسلطة التي ترعى الشؤون العامة في هذا المكان ومع هؤلاء الرعايا الذين ينتمون ويعيشون فيه.
وبالرغم من أهمية العلاقات تلك الا ان المكون الأساسي للمواطنية يبقى مكونًّا فكريًّا قبل كل شيئ يرتكز في الخلفية الذهنية المنغرزة في اللاوعي المجتمعي.


ولعل أهم أركان المواطنية تتحدد بالتالي:


المواطن هو مصدر السلطة وهو الذي يمنحها الشرعية لذلك فهي مرتبطة بالديموقراطية الفعلية قبل كل شيئ.
أن المواطن هو المستند الشرعي للحكومة والقوانين التي تصدر عنها.
يتمتع جميع المواطنين بنفس الحقوق كما يتساوون تمامًا بالواجبات، ودون تمييز سواء كان تمييز عشائري ام طبقي ام مذهبي ام ديني، وذلك وفق المعايير التي حددها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و وفق معايير المواثيق الدولية.

أمام العناصر والمعطيات الآنفة الذكر نجد ان هناك خللا فادحًا ، في بنية الأنظمة القائمة فالمواطن الحالي “غير تامّ”، سواء على المستوى النظري او في مجال التطبيق والممارسة العملية والعلاقات.
فالسلطة في مجتمعاتنا الطائفية العنصرية منبع قيم سلبي، والمواطن حاليًّا لا مكان له في السلطة التشريعية على الاطلاق لان هذا الامر موكل لأفراد يعملون على تملق الزعيم ووضع القوانين التي تلاءمه وتشرع وجوده وتمنحه الإستمرارية، فالدساتير والقوانين مفصّلة على مقاس المسؤول”…لذلك فإن الاصلاحات الدستورية ووضع قانون إنتخابات عادل يؤدي الى ديموقراطية حقيقية تضمن التنوع الثقافي وأطياف الشعب كافة تعد من أولى الأولويات.

اما على صعيد العلاقة الحالية بين المواطن بالسلطة فهي علاقة مأزومة تاريخيا، ومفهوم المعارضة مرتبط في الاذهان بالطامعين، وهو مفهوم خاطئ، علما ان المعارضة في الدول العصرية لا علاقة لها بالطمع على السلطة، فالمعارضة في الدول الحديثة هي جزء من مكونات المنظومة الديموقراطية والعمل المؤسساتي الذي يضمن الحق القانوني للمواطن بالمسائلة والمحاسبة على المشاريع التي تتبناها الحكومة، ومعالجة قضايا الرشوة والهدر والفساد.. فالمعارضة لا تعني الطمع بالسلطة لان مفهوم الدولة مرتبط بالتداول أصلا ولا وجود لسلطة ابدية.

بعض الاجراءات العملية:

بناء الثقة وعدم التخوين بين أفراد الشعب الواحد:
هذا يتطلب قبل كل شيئ بناء ذاكرة جماعية وطنية تنبذ العنف والعنصرية وتحذر من مخاطر الانقسام وفوائد التضامن، و التحذير من خطورة تكرار التجارب العبثية والحروب الأهلية بحيث يتولد عند الأجيال ” توبة ” تجاه الصراعات الدموية. من خلال ترسيخ المبادئ العامة للحريّات وحقوق الانسان وحمايتها وان يضمن ذلك الدستور كما اقرته المواثيق الدولية وشرعة الأمم المتحدة.
وان يُصاحب كل ذلك توسيع الأمل وترسيخ ايمان عميق بضرورة التغيير والاصلاح والقدرة والارادة الكامنة بأن الوضع ليس ميؤس منه.
ويساهم في ذلك إعادة قراءة جادة للسياق التاريخي الحضاري للمجتمع والوطن من خلال امتدداته الثقافية ومن منطلقات انسانية تدافع عن الانسان وحقوقه وحريته ويُعد لبنان مثالا رائعا وغنيًّا لتاريخ الحريات.

ثقافة المواطنية والديموقراطية:
إن الديمقرطية السليمة هي أكثر من أبنية ومؤسسات، إنها تعتمد بالدرجة الأولى على الخلفية الفكرية والثقافية المنبنية على تطوير ثقافة ديمقراطية ومواطنية، وفي هذا السياق فإن الثقافة المقصودة بالمعنى العام فهي ليست مجموع الاداب والموسيقى والفن… وإن كانت هي امور تعد من الثقافة، بل تعني كافة التركيبات الثقافية والمرتكزات المؤسسة للسلوك والتصرف والممارسات والأعراف التي تتبلور من خلالها قدرة الأفراد الناس على أخذ قراراتهم و حكم أنفسهم بأنفسهم وتحمل تبعات ذلك، فالثقافة بهذا المعنى تعني الوعي المجتمعي والخلفية الذهنية والفكرية المحركة للسلوك عند الأفراد والمجتمعات..

لذلك نجد ان الانظمة التي تكرس سياسة العقل الواحد انما تشجع الثقافة قائمة على الإذعان والخنوع والطاعة العمياء لما يسمى ب”الزعيم ” او “ولي الأمر”..، وذلك بهدف تنشئة أفراد تسهل قيادتهم ويكونوا طيعين فنجد ان القمع مرتكز أساسي في التربية والقيم داخل تلك المجتمع مستخدمين لأجل تكريسه كل المفاهيم المؤدلجة بما فيها النصوص اللاهوتية.
فالأطفال يتربون على القمع بحجة التأديب والمرأة تُقمع بحجة الدين وطاعة ولي الأمر، والرجل يُقمع من قبل مسؤوليه وهكذا في سلسلة لا متناهية من تكريس ثقافة العصا وان كانت هذه العصا معنوية..

وعلى نقيض ذلك فإن ثقافة المواطنية في مجتمع ديمقراطي تشكل بالفعل النشاطات التي تنمي عملية صنع القرار عند الأفراد من جهة وتحترم خياراتهم من جهة اخرى. فالمواطنون في مجتمع حر يعملون لتحقيق أهدافهم ويمارسون حقوقهم ويتحملون مسؤولية حياتهم و خياراتهم إنهم يقررون بأنفسهم من ينتخبون في صناديق الاقتراع وهم يعون ابعاد البرامج التي يطرحها المرشح الذي ينتخبونه ومن ثم فهم يحاسبوه على ما انجز من التزامات تجاه من منحوه أصواتهم.
لذلك فإن الديموقراطية والمواطنية متلازمة بشكل مباشر مع قانون محاسبة المسؤول على كافَّة الصُعد، وهي متلازمة مع مبدأ تكافؤ الفرص، لذلك فإنها تتلازم مع تمثيل شعبي حقيقيّ، وما تنتجه الانتخابات الحالية نظامًا شبه أوتوقراطيّ، تكون قرارات السلطة التشريعية أو السلطة التنفيذية فيه رهن باتفاق أصحاب المحادل الانتخابية.

فالمواطنية هي من صميم الإرادة الحرة والحرية الفردية وهي بشكلها البراغماتي اتقان مهارة صنع القرار؛ وهو أمر تربوي ثقافي يبدأ منذ الصغر في المناخات البيتية والمدرسية ويمتد الى سائر مؤسسات المجتمع التي تعتبر ان الاختلاف حق مشروع للكائن وان خيارات انسان بحق نفسه ليست خيارات ملزمة بحق الآخرين، وفي هذه المجتمعات يكون “الدين ” هو مجرد علاقة روحية حميمية بين الانسان وربه لا يتدخل فيها أحد، و من حق كل كائن أن يعبر- أو لا يُعبر – بها على طريقته وبالشكل الذي يختاره ويريحه…ويصبح دور المرجعيات الدينية دور تنويري يحترم الاختلاف ويعزز الحريات الدينية…في أجواء تسود فيها الديموقراطية الروحية أو حريّة الروح كما أحب ان اسميها.
الديمقراطية والعملية التربوية:
إن العملية التربوية هي عنصر حيوي لأي مجتمع خصوصًا المجتمع الديمقراطي، فإن هدف التربية في في نظام الديموقراطي الحر،هو إيجاد مواطنين مستقلين يتميزون بنزعة المساءلة والتحليل في نظرتهم للأمور، و يتحلون بفهم عميق لمبادئ وممارسات الديمقراطية وذلك بخلاف الانظمة التي تسعى الى تمجيد قائد تذعن له الافراد في كل الاوقات.

إذن فالعملية التربوية من الاهمية بمكان، ان لم تكون المحور الأساس التي من خلاله يتم ترجمة فلسفة المواطنية الى مناهج تعليمية تنمي مهارات التحليل النقدي وتساهم في ارساء الممارسات الديموقراطية وتساهم في صهر ابناء الوطن الواحد، فالمؤسسة المدرسية هي التي تجعل أنواع المعرفة وطبيعة القيم والمبادئ التي يتوقع أن يحملها الناشئ قابلة للترجمة والتحقيق على ارض الواقع، وذلك وفق اعتماد مناهج تربوية وطنية تراعي كافة الشروط المتعلقة بمستويات نمو الناشئة وطبيعة الحياة المدرسية والوسائل التعليمية المتاحة وغير ذلك
فالعلاقات التربوية القائمة يجب ان تنبني على الحرية وتلقائية مرسّخة بالحوار الهادف الحر والمسؤول، واعمال العقل والفكر فيما يتعلمه التلاميذ ضمانًا لتحقيق الوئام وتبادل التقدير داخل المجتمع الصغير. لأن ذلك من شأنه أن يعزز في نفوس التلاميذ الإيمان بحق الاختلاف والتنوع كما يرسخ مبادئ الحوار وجدواه وقيمة التواصل الحضاري مع الآخر ويساهم في التبادل المعرفي المجرد من كل تعصب وأنانيةأو انغلاق او ادعاء مبرم بامتلاك الحقيقة
فالتربية على المواطنة تبدأ من هذه النقطة وتتأسس عليها. ولا يمكن للعلاقات التربوية المدرسية التلقينية المنغلقة على نفسها واللامبالاة بالآخر وبحقوقه وبثقافته أن تدّعي القدرة على التنشئة الحضارية والسياسية التي نسعى تحقيقها.
إن إثارة الأمل والطموح لدى التلاميذ المواطنين الصغار يؤثر في تعزيز صورة الذات الوطنية لديهم، كما يؤثر في مستوى طموحاتهم المستقبلية وذلك من خلال تنشئة تعتمد بث روح المسؤولية وإحاطة الفرد بالمثل العليا والنماذج الوطنية المشرفة.
كما ان تعزيز الاحترام لاختيارات التلاميذ وأذواقهم، وقبول الاختلافات يساهم في خلق أجواء التسامح في فصولنا الدراسية، فالتربية على التسامح لا تعني قبول ان يكون الفرد مختلف  بل أن يقبل تفرد غيره واختلاف الآخرين معه، بحيث يكون منفتحًا عليهم ومدافعًا عن حقهم في الاختلاف.

محاربة التعصب:
التعصب هو ترجمة لاتجاه شعوري نفسي جامد تصاحبه مواقف انفعالية، ويتبلور من خلال إطلاق الأحكام المسبقة على الآخرين، والادعاء المبرم بامتلاك الحقائق المطلقة؛ والتعصب نقيض الديمقراطية وآفة المواطنية لأنه شعور مرَضي يفتك بالمجتمع ويدمر فيه روابط الألفة والمحبة والتعايش.
فالوضع السياسي والثقافي القائم حاليًّا،يساهم في اشاعة مناخات نفسية مشحونة بالبغضاء تجاه عدو” او اعداء قد يكونوا حقيقين او مُتخَيلين، وترويج أحكام مسبقة ضد أشخاص أو أفكار دون أن تقوم تلك الأحكام على حجة معقولة أو سند منطقي مقبول.
وكثيرًا ما يتعلم الأطفال التعصب من ذويهم والمجتمع المحيط فيهم، فالفضائيات التي تنقل خطابات الساسة المتشنجة وحين لا نبدي احترامًا للأفراد ولاختيارات الآخرين، ينتقل هذا الأمر الى الاطفال فيشوّه براءتهم.
ترسيخ فلسفة الصفح والتسامح :
إن الصفح ليس فكرة طوباوية، بقدر ماهو قوة روحية كامنة في شيفرة تراكم سيرورة الروح الانسانية في رحلة حياتها، ويكمن دور الكائن الانساني في تحويل تلك القوة الكامنة فيه أصلا من وجود كامن الى وجود بالفعل، وترجمة قدرات الروح الصفحية والتسامحية الى سلوك ظاهر يتجلى من خلال انفتاح حتى على من يُصنف انه “عدّو”، وليس مصادفة أن تصل الثقافات العالمية الكبرى في مجرى تطورها إلى الانفتاح الداخلي والخارجي، لأنها تدرك بفعل منطق التطور الروحي إلى ضرورة تجاوز الحدود التي تفرضها نفسية الغريزة، أو ما كانت بعض الفلسفات القديمة تطلق عليه اسم القوة الغضبية.
إن هذه الحالة لا تبلغها إلا الحضارات المزدهرة دون شك، لأنها تكون قد ارتقت في ذروة إدراكها الروحي حيث يصبح الصفح جزء من حقيقة منظومة تكامل الانسان.
بطبيعة الحال لا يمكن الارتقاء الى هذا المستوى من التسامح بين ليلة وضحاها ما لم يتم تعزيز ذلك بالتربية ومؤسسات المجتمع المدني كافّة.
وترسيخ هذه الفلسفة يكون عبر تقوية النزعة الروحية لحقيقة تساوي الكائنات امام المكون وامام الكون وذلك عبر ترسيخ الآداب الرفيعة والفنون الراقية ولا يمكن ان نغفل دور الفن والتمثيل والمسرح…في تعزيز ثقافة التسامح والرقي بالكائن من طور الغريزة والانانية والجشع إلى مصافي الابداع الروحي والعطاء الوجداني

الأسس الثقافية والفكرية لبناء المواطنية في مجتمع متعدد:
بناء الهوية الوطنية: فالمواطنية هي في الواقع سؤال الهوية، والهوية هي في الحقيقية سؤال الثقافة والحضارة، لذلك لابد من الارتكاز على فلسفة إنسانية وجودية منفتحة قوامها المحبة والسلام والعدل والانفتاح وقبول التنوع واحترام الاخر، وعندها يكون الدين هو مجرد علاقة خاصة بين الانسان وربه أما علاقة المواطن بأخيه فيحددها الانتماء الوطني.

الانفتاح والتسامح هي الخصائص الأساسية للموقف الوطني الجامع، وذلك ينبي من خلال حريّة الفكر ويشتمل على الاعتراف بحق الآخر في تبني أفكار وحقائق قد تكون مخالفة لحقائقنا وأفكارنا. فالرؤية الوطنية للطوائف هي رؤية متسامحة بحيث إنها تتخطى مجال الخلافات وتجعلها تتحاور وتتصالح، ليس فيما بين المذاهب والاديان وحسب بل حتى مع سائر التيارات العلمانية والفكرية.

ترتكز ثقافة المواطنية على مرتكز اساسي مفاده أنه لا يوجد فضاء ثقافي منزه يمكن من خلاله إطلاق الحكم على الآخرين ولا يجوز الحكم على ثقافة ما او فئة ما، لذلك فإن ثقافة المواطنية تقف موقف منفتح إزاء الأديان جميعها و تحترمها.

إن الأخلاق التي تؤسس لمواطنية حقة هي التي تستنكر كل موقف رافض للحوار وللمناقشة، سواء أكان رفض الحوار ذو منشأ سياسي أم حزبي ام عقائدي أم فلسفي…. فالحياة المشتركة تنبني عن توسيع القضايا المشتركة العامة والفهم المشترك المنبني على الاحترام المطلق لكافة التنوعات الاثنية والدينية للجماعات والافراد والتي تجمع فيما بينها الحياة المشتركة على الأرض الواحدة نفسها

المواطنية محورها الإنسان لذلك فهي تقتضي صياغة سياسة اقتصادية تكون في خدمة الكائن الانساني لا العكس، فالاقتصاد ينبغي ان يكون لحماية البشر من خلال تبني فلسفة اقتصادية تحترم الفرد ومتطلبات الشعب.

المواطنية الحقة تقتضي الاعتراف بحق المواطن في اختيار دينه او تغييره  ومن واجب الدولة تأمين نظام مدني للمعاملات لأولئك الذين لا يرغبون باللجوء الى المرجعيات الطائفية في معاملاتهم الخاصة.

إن فلسفة المواطنية تفترض ذهنية منفتحة بعيدة عن التصورات النمطية والاحكام المسبقة عبر اعتماد رؤية ترتكز على نسبية الموضوعية والحقائق فلا يوجد شيئ مطلق من شأنه أن يستبعد الآخر ويقصيه.

فلسفة المواطنية تقوم على الإعتراف بوجود مستويات متعددة للحقائق وأبعاد متعددة القيم وللواقع ايضا، وان كل مستوى قد يحكمه أشكال متنوعة من المنطق، و بناء عليه كل محاولة لاختزال الواقع إلى مستوى واحد ومصادرة الحقائق ببعد واحد من شأنه ان يقوض مفهوم المواطنية نفسه.

كل محاولة لاختزال المواطن الإنسان بدينه او انتمائه او مذهبه وتحويله إلى مجرد رقم انتخابي طائفي وإلى تقليصه في بنى شكلانية، أياً كانت، تتناقض مع مفهوم المواطنية.

الطروحات العملية للاسس النظرية:
بناء الوسائل العمليّة لدعم المشاعر الوطنية المشتركة بين جميع الطوائف والأعراق والمذاهب والتيارات والأحزاب، تكون بمثابة الحصن الثقافي الحامي لمبدأ المواطنية ووعاء قابل لاستيعاب التبعات القانونية والسياسية للمواطنة.

دعم التنوع الثقافي وحرية الرأي والتعبير، فالوحدة الوطنية تكون بدعم التعددية  بوصفها إثراء للتجربة الانسانية.

هذا الأمر يحتاج لآليات تترجم عمليا من خلال إعداد قادة ونخب فكرية ومراكز بحوث ودراسات تساعد في ارساء المفهوم الكوني المنفتح للانسان.

دعم الخطاب الاعلامي المنفتح وتشجيع الكتّاب والمفكرين والأدباء الذين يتبنون افكار تساهم في ارساء فلسفة التسامح والانفتاح.

إنشاء مراكز ثقافية وطنية تهتم بالأطفال والشباب وبناء مكتبات عامة تعني بالمواطنة وتنظيم ندوات وفعاليات تعزز الانتماء الوطني.

المساهمة في توجيه طلاب الدراسات العليا لاختيار أبحاث علمية ودراسات ميدانية تعزز الانتماء الوطني وتساهم في تقديم افكار مبتكرة وآليات لتعزيز مبادئ الديموقراطية والحرية ونبذ العنف.

محاولة تحييد وعزل الخطابات الانعزالية التي من شأنها تكريس العنصرية والطائفية والدعوات المغرضة التي تقضي على وحدة النسيج الوطني وترفض قبول الآخر وذلك من خلال تهميشها إعلاميا ومحاولة محاصرتها وتسليط الضوء على أضرارها.

إعداد خطة تربوية لتنقية الكتب الدراسية من كل ما من شأنه إثارة النزعات الطائفية والمذهبية دون ان يمس بحرية التعليم، أو يحط من شأن طائفة معينة و يطعن فى معتقداتها، مع ضرورة تسليط على تاريخ الليبراليات والحريات والديموقراطية في محاولة لبناء تربية مستدامة قوامها المشاركة العامة والتعاون وبناء الوطن.

التنسيق مع المراجع الدينية والطائفية كافة لبناء خطاب وطني خالي من شحنات التحريض والكراهية ضد الآخر، و استبعاد كل ما يدعو فيه إلى التعصب، وضرورة إحداث تجديد في مستوى الخطاب الديني ، وليس المقصود هنا الخطاب المعلن في المنابر والكنائس وحسب بل الخطاب المؤسِّس للممارسات الدينية، فتجديد الخطاب الديني يعني إعادة قراءة النصوص اللاهوتية المؤسسة للأفعال وتقديم رؤية منفتحة تتلاءم مع العصر الراهن.

جعل مادة حقوق الإنسان فى الكليات الدينية المسيحية والإسلامية والحوزات العلمية مادة الزامية، وتوضيح العلاقة بين مبادئ حقوق الإنسان والعقائد الدينية.

استغلال المناسبات الوطنية العامة والاعياد لتعزيز الوحدة الوطنية:مثل عيدالاستقلال وعيد العلم وعيد الجيش…كما يمكن استحداث مناسبات لها علاقة بالبيئة والاخوة والوحدة والمحبة.

دعم جمعيات المجتمع المدني التي هدفها التنوير، وتوفير الفرصة في الإعلام للمتنورين ودعاة التنوير والانفتاح.

في الختام نود الاشارة الى أن كل الطروحات المذكورة هي طروحات انتقالية بهدف الوصول الى مرتكزات دولة علمانية كاملة و قوامها الديموقراطية وحرية الكائن الانساني و احترام حرمته وحقوقه بغض النظر عن الاعتبارات الاخرى

أما الحقوق التي يجب أن يتمتع بها المواطن فهي كالآتي:

الحقوق المدنية؛ والسياسية؛ وكذلك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

الحقوق المدنية:

– الحق في الحرية والتعبير عن الرأي قولاً وكتابة

– الحق في الحرية طالما أنّ ممارستها لا تخالف القوانين ولا تتعارض مع حرية الآخرين

– الحق في حرية التنقل واختيار مكان الاقامة داخل حدود الدولة ومغادرتها والرجوع اليها

– الحق في الملكية الخاصة

– الحق في العدالة والمساواة أمام القانون والحق في الحماية القانونية

– الحق في الحياة وعدم إخضاع المرء للتعذيب ولا للمعاملة السيئة أو العقوبة القاسية واللاانسانية

– الحق في التجمّع السلمي

– الحق في الهوية والانتماء واكتساب الجنسية

– الحق في المحاكمات العادلة والأمان وعدم الاعتقال أو التوقيف التعسفي

الحقوق السياسية:

– الحق في الترشح والانتخاب دون ضغط أو اكراه

– الحق في المشاركة في تكوين السلطة التشريعية والسلطات المحلية تشريعاً وتصويتاً

– الحق في الاشتراك مع آخرين في جمعيات سلمية

– الحق في الانتساب إلى الأحزاب وتنظيم تحركات وتجمّعات ومحاولة التأثير على القرار السياسي

وأشكال اتخاذه

– الحق في التجمّع السلمي

– الحق في تقلّد الوظائف العامة في الدولة

الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية:

– الحق في الأمان الاجتماعي والاقتصادي والثقافي

– الحق في مستوى معيشي لائق

– الحق في الضمان الاجتماعي

– الحق في العمل وفي ظروف منصفة

– الحق في الحماية من البطالة

– الحق في الأجر العادل

– الحق في الصحة والراحة والرفاهية

– الحق في التعليم

– الحق في الخدمات الاجتماعية الضرورية

– الحق في تشكيل النقابات والمشاركة الحرة فيها والحق في الإضراب

– الحق في المشاركة في الحياة الثقافية

– الحق في الغذاء الكافي

– الحق في بيئة نظيفة وغير ملوّثة

– الحق في التنمية المتوازنة

و لكن كما لدينا حقوق فعلينا واجبات تجاه الدولة و هي :

–         التعاطي مع الموظفين بإحترام و تهذيب على أساس أنهم يؤدون خدمة عامة تتطلب درجة عالية من المسؤولية و هي ذات مردود وطني شامل.

–         عدم اللجوء إلى إستغلال النفوذ أو الجوء إلى وسائل و أساليب ضغط على الموظفين لتجاوز القوانين و الأنظمة، أو الرشوة  أو دفع مبلغ غير متوجب عليه على سبيل الرشوة، أو أن يدلي بتصاريح ملغوطة، أو يقدم مزورة أو أن يشجع موظفا من خلال  بدل أو هدية ، أو وعد أو منفعة، للقيام بما هو مناف للوظيفة العامة.

–         فضح أي مخالفة أو عملية إحتيال أو فساد حتى لا يكون متواطئا في أداء الإدارة العامة و هدر المال العام.

–         دفع كل الضرائب و الرسوم حسب القوانين و الأنظمة، و تقديم الوثائق و المستندات المتعلقة بمعاملاته كافة ، و تسهيل عمل الموظفين في القيام بواجباتهم الوظيفية. كما عليه واجب التقيد بقوانين و أنظمة الإدارة العامة، و إحترام المهل المحددة لتقديم الطلبات أو التصاريح، و تسديد الرسوم المتوجبة عليه.

–         المساهمة في تخفيف الأعباء المالية عن الإدارات العامة من خلال حرصه على الملكية العامة و المال العام و حست إستعماله للمنشآت العامة و تقيده بقواعد السلامة العامة و البيئة و الصحة العامة، و المساهمة مع مؤسسات المجتمع المدني و الجمعيات الأهلية و وسائل الإعلام في تعبئة الجهود ، للحؤول دون التعدي على الملكيات العامة.

في النهاية كان واجب المسؤولين أن يعملوا بعد إنتهاء الحرب الأهلية على تطبيق مبدأ المواطنة لكي نتمكن من الحفاظ على دولة المؤسسات و بناء دولة حضارية سيادية مستقلة مبنية على مبدأ المواطنة و ليس التطرف و العصبية المذهبية ، و ذلك فقط لأجل المحافظة على مواقع الساسة. فلنضع المصلحة العامة قبل المصلحة الشخصية.

أمواج البحر أفضل مصدر للطاقة

إن الطاقة الكهربائية لها مصادر عدة و لكن ما هو مهم المصدر الذي يولد طاقة أكبر بكلفة أقل و ما هو مهم أيضا الطاقة التي تحافظ على البيئة .

يستفيد اليوم علماء الطاقة من أمواج البحر، ويصنعون معدات خاصة تمكنهم من وضعها على سطح الماء حيث تقوم الأمواج برفعها وخفضها باستمرار. وهذا يؤدي إلى توليد حركة ميكانيكية يمكن تحويلها إلى طاقة كهربائية تُنقل عبر أسلاك للاستفادة منها.

إن أول من خطرت بباله فكرة الاستفادة من الأمواج هو رجل فرنسي يدعى Monsieur Girardحيث حاول مع ابنه عام 1799 الاستفادة من حركة الأمواج في إمداد الطاحونة والمضخة بالطاقة.

طاقه الامواج الداخليه:

المدّ. ويعتبر هذا المصدر للطاقة المتجددة من المصادر النظيفة والآمنة. وتستخدم التقنية مراوح أو توربينات تثبت تحت سطح البحر وتدور بسبب تيارات المد، وبالتالي تتحول فيها الطاقة الميكانيكية التي تولدها الأمواج إلى طاقة كهربائية يمكن الاستفادة منها.

ويعتقد العلماء بأن هذا المصدر أفضل من طاقة الرياح، بسبب انتظام الأمواج وإمكانية دراستها بشكل جيد وتوقع حجمها وطاقتها، مما يتيح تصميماً أفضل للتوربينات المولدة للطاقة الكهربائية.

إن قطر المروحة هو 20 متراً، وتثبت على مسافة تحت سطح الماء بـ 30 متراً. وقد بلغ استهلاك الطاقة الكهربائية بالوسائل المختلفة في بريطانيا عام 2001:

الطاقة الكهربائية من مصادر متجددة نسبة 2 بالمئة. أما الطاقة الكهربائية من الفحم فقد بلغت نسبة 33 % والطاقة الكهربائية من الغاز الطبيعي 37 % والطاقة الكهربائية النووية 22 %.

فكرة جديدة لإنشاء مراوح أو توربينات تعمل على توليد الطاقة الكهربائية والاستفادة من التيارات تحت سطح البحر.

مستقبل هذا المصدر الجديد:
1 تعتبر هذه الطاقة آمنة وليس لها أية مخاطر.

2- طاقة أمواج البحر أكبر بكثير من طاقة الرياح.

3- طاقة أمواج البحر ثابتة على مدار 24 ساعة وطيلة أيام السنة تقريباً، بينما طاقة الشمس يستفاد منها أثناء النهار، وطاقة الرياح يستفاد منها في فترات متقطعة.

4- الكهرباء الناتجة عن طاقة الأمواج أكثر ثباتا.

تعتمد الطاقة التي تحملها الموجة على طولها وارتفاعها وسرعتها وكثافة الماء الذي تحمله. وهذا يتعلق بسرعة الرياح ودرجات الحرارة فوق سطح الماء.

الطاقه الناتجه عن اختلاف الحراره:

لقد استفاد من هذه الظاهرة المهندس الفرنسي George Claudeحيث صنع وحدة لتوليد الكهرباء استطاعتها 22 كيلو واط وذلك عام 1929 بالاستفادة من فارق درجات الحرارة بين سطح البحر وبين عمق محدد.

يقول الباحثون اليوم: إن موجة طولها ارتفاعها 15 متراً وزمنها 15 ثانية، سوف تحمل طاقة تقدر ب 1700 كيلو واط لكل متر مربع من جبهتها. وأن طاقة الأمواج أكبر بكثير من طاقة المد والجزر.

طاقه تيارات المحيط:

إذا ما نزلنا تحت سطح البحر وبدأنا نغوص شيئاً فشيئاً، فإننا نرى عالماً يعجّ بالحركة والأمواج والتيارات، وهنالك تيارات حتى في أعمق نقطة من البحر! وهذا ما دعى العلماء لمحاولة الاستفادة من هذه الأمواج.

وتتم الاستفادة من هذه الطاقة المجانية والنظيفة من خلال وحدات تتوضع تحت سطح البحر، وهي عبارة عن توربينات توضع على أعماق مختلفة تحت سطح البحر، وتدور بسبب التيارات المتولدة تحت سطح الماء. وتتميز هذه التوربينات بصغر حجمها مقارنة بالتوربينات الهوائية، وذلك بسبب أن كثافة الماء أكبر ب 835 مرة من كثافة الهواء.

تعتبر الطاقة المتوافرة في البحر والمحملة على أمواجه من أفضل أنواع الطاقة الطبيعية، فهي آمنة ونظيفة ولا تنضب وليست مهددة بالنفاذ مثل البترول مثلاً،

فالبحر اللجي هو العميق، وفيه موج داخلي من فوقه موج على السطح من فوقه سحاب.

الطاقه الزرقاء:

وهي الطاقة المتولدة في مصب النهر في البحر، حيث تتدفق كميات كبيرة من المياه العذبة في مياه البحر المالحة، ويمكن الاستفادة من هذه الطاقة في توليد الكهرباء.

التلوث الناتج عن وسائل توليد الطاقة التقليدية

أخيرا إن الطاقة المولدة من أمواج البحر هي تعد من أفضل المصادر للطاقة ، فيا ليت يأتي يوما و نتمكن من توليد هكذا نوع من الطاقة في بلدنا الحبيب لبنان …. فهذه المشكلة التي نعاني منها منذ عقد من الزمن .