مقالات

دراسة حول حاجيات الفيحاء

. طرابلس هي تعريب لكلمة   Tripolis     اليونانية والتي تعني المدن الثلاث. ويعود الاسم حيث أُسس على أرضها أول اتحاد من نوعه في عالم ذلك الزمان، لثلاث من مدن فينيقيا القديمة: صور وصيدا وارواد،نشأت عنه مدينة فينيقية بثلاثة أحياء عمرانية وهي “محلاتا”، “مايزا” و “كايزا”. شكلت تلك المدينة فيما بعد بأحيائها العمرانية الثلاثة النواة الأساسية التي قامت عليها طرابلس اليوم.كما عرفت المدينة بأسماء مختلفة عبر العصور. فبرسائل تل العمارنة سميت “دربلي”. في أثار أخرى سميت “أهلية” أو وهلية. وبمنحوتات انتصارات الغزو الاشوري للمدينة، سيمت “مهالاتا”، “مهلاتا”، “مايزا” و”كايزا

تقع طرابلس على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، وتربط المدن الساحلية بمدن سوريا الداخلية، وبالتالي بمدن العراق والخليج عن طريق ممر “طرابلس- حمص” الطبيعي الذي لعب دورا ً مهما ً عبر العصور. أما بيروت واللاذقية فكلتاهما تفصلهما عن الداخل سلسلة جبلية تعيق حركة النقل وخاصة أثناء الشتاء، لذلك تعتبر طرابلس منفذا ً لسوريا الداخلية والعراق والخليج العربي على البحر المتوسط.

هي مركز محافظة لبنان الشمالي، والعاصمة الثانية للبنان بعد بيروت التي تبعد عنها حوالي 85 كلم نحو الشمال، وتبعد عن الحدود اللبنانية-السورية الشمالية نحو 30 كلم ،تبلغ مساحتها حوالي 15 كلم2، بما فيها الميناء. وتقع أمام ساحلها مجموعة جزر صغيرة أهمها: جزيرة الرامكين وجزيرة النخل وجزيرة سنني. وقد أعلنت جميعها عام 1993 محمية طبيعية بحرية تعرف باسم محمية جزر النخل. وأقيمت منارة لهداية السفن على الجزيرة الأولى.

تشرف طرابلس على سلسلة جبلية ترتفع قممها إلى ما فوق 3000م تكسوها غابة الأرز والثلوج الدائمة، وتنتشر على سفوح تلك السلسلة المصايف ذات المناظر الخلابة، والمياه العذبة والهواء العليل.

نهر أبو علي

يخترق طرابلس نهر يتدفق من مغارة قاديشا في أعالي جبل المكمل، يعرف محليا ً بنهر أبو علي نسبة إلى “أبو علي بن عمار” أحد ولاتها من أسرة بني عمار الذين حكموا طرابلس في نهاية القرن الحادي عشر الميلادي. يشطر نهر “أبو علي” طرابلس شطرين، شرقي وغربي، يصل بينهما الجسر الجديد الذي أقيم حديثا ً بعد طوفان النهر عام 1956، وهو يغذي تربتها ويروي بساتينها التي تغطي سهلها الخصيب.

أما طرابلس الحالية مدينة حديثة، بناها السلطان المملوكي المنصور قلاوون، بعد فتحه لطرابلس القديمة، وتحريرها من أيدي الصليبيين. وطرابلس، بموقعها، باب آسيا نحو حلب ودمشق وبغداد وبلاد الخليج العربي. لذلك بقيت عدة قرون تسمى بطرابلس الشام. كذلك فلموقعها أهمية خاصة، لكونها قريبة من غابات الأرز، حيث كانت أخشاب تلك الغابات تستغل في صناعة السفن في ميناء المدينة، وغدت بذلك من المدن الحربية الصناعية الهامة، إذ كانت ترسانات السفن تقوم على الأخص عندها. والمدينة بأحيائها القديمة، صورة مصغرة عن القاهرة، بأزقتها، بأسواقها، ومساجدها ومدارسها، وحماماتها وخاناتها، التي بناها المماليك، وقد تركوا فبها نحو 360 مدرسة وزاوية ومسجدا وبذلك عرفت بمدينة العلم والعلماء. وهي بآثارها هذه تعتبر ثاني مدينة مملوكية بعد القاهرة.

و لكن للأسف اليوم طرابلس واقعها مغاير جدا فهي أصبحت متقهقرة جدا و وضعها مأساوي:

فلا يمكن لسبب واحد أن يكون وراء هذا التقهقر الذي شهدته المدينة خلال أقل من قرن من الزمن. نعلم أن طرابلس لم تكن المدينة المحظية أيام عهد الإنتداب، ومن يقرأ الصحف التي كانت تصدر في عشرينات وثلاثينات القرن العشرين يلمس أن طرابلس كانت تعاني من الإهمال وصحف تلك الحقبة تعكس العديد من المطالب التي لم تتحقق حتى اليوم. في تلك الآونة الانتدابية بدأ يتكون الشعور بالحرمان والإهمال، وقد أصبح هذا الشعور من طبائع أهل المدينة ومع ذلك فإن النشاط التجاري والعمراني استمر.

استطاعت طرابلس خلال النصف الأول من القرن العشرين أن تحافظ على سماتها الرئيسية وأن تنمو بفعل موقعها ودورها كعاصمة تجارية لأقضية الشمال وللساحل السوري. وكانت أول الصدمات المؤلمة والمؤثرة على المدى البعيد، حصول القطيعة الاقتصادية بين لبنان وسوريا عام 1950. خسرت طرابلس دورها كعاصمة اقتصادية للساحل السوري، ولعلها لم تستشعر أثر ذلك بشكل مباشر، فقد عوضت جزئياً بازدياد حاجة الأقضية إليها. ومع ذلك فإن بداية الخمسينات شهدت بداية انتفاء دور طرابلس، وظهر أثر ذلك على التل الذي تراجعت أماكن الترفيه فيه وأغلقت الفنادق تباعاً أبوابها، ومع الستينات أصبح التل ملحقاً بالاقتصاد الداخلي للمدينة.

والمحطة الثانية في التراجع كانت مع فيضان نهر أبي علي، في نهاية عام 1955. هذا الحدث الطبيعي أدى إلى خسائر مباشرة في الأرواح والممتلكات ولكن آثاره البعيدة كانت أشدّ فداحة. فمشروع توسيع مجرى نهر أبي علي كان الكارثة الكبرى التي حلّت في المدينة. فقد أدى إلى تدمير منظم لجزء أساسي وهام من نسيجها العمراني التاريخي دون تفكير بالعواقب على الإطلاق.

أما المحطة الثالثة في تدهور أحوال المدينة فكان مشروع معرض طرابلس الدولي، الذي كان يجدر به أن يكون نعمة على المدينة فتحول إلى نقمة. لقد قضى هذا المشروع على الجزء الرئيسي من ثروتها الطبيعية والريعية المتمثلة ببساتين الليمون التي أعطت لطرابلس هويتها وإسمها الفيحاء.

والمحطة الرابعة من تدهور المدينة كانت مع سنوات الحرب، فتعرضت مناطق مثل القبة والتبانة إلى تدمير مباني كثيرة ما زالت تنتظر إعادة الإعمار حتى هذه اللحظة.

هذه المحطات تعاقبت على إضعاف طرابلس وإفقارها. أما طرابلس القديمة التاريخية المملوكية – العثمانية فإن التصدع والإهمال قد خربها منذ زمن بعيد.

فمن هنا نستلخص أن المدينة يوجد لديها إمكانيات و لكن الزمن لعب دور كبير في إضعافها مما أدى إلى تهميشها و تقهقرها .

قلعة طرابلس

فطرابلس لها ميزات سياحية و إنتاجية كثيرة لكن لم تعرف مدينة طرابلس في يوم من الأيام اهتماما سياحيا رسميا من قبل وزارة السياحة او الجهات المعنية في الدولة التي كانت تعتبر ولا تزال أن السياحة اللبنانية تنتهي عند مدخل محافظة الشمال، وتحديدا عند لافتة: «مدينة جبيل تشكر لكم زيارتكم»…

لذلك فان العاصمة الثانية تكاد تكون غائبة كليا عن برامج الوزارة ومنشوراتها و«كليباتها» التي توزع في المطار وتعرض على رحلات طيران «الميدل إيست»، متجاهلة في ذلك أن طرابلس هي المدينة اللبنانية الضاربة في عمق التاريخ والقائمة منذ أكثر من أربعة آلاف عام. وان الفيحاء هي المدينة المملوكية الثانية في العالم بعد القاهرة، والمتحف الحي المتنوع بالآثار الصليبية والمملوكية والعثمانية والمتمثل بأسواقها التراثية القديمة وحاراتها وأدراجها وعقباتها التي ما تزال تنبض بتفاصيل الحياة اليومية لاهالي المدينة.

ولا شك في ان الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية التي تعيشها المدينة، وبلغت ذروتها خلال السنوات الثلاث الماضية، قد عمقت تهميشها سياحيا وحالت دون قيام السياح الأجانب والعرب بمبادرات شخصية لزيارتها، فغابت عن ورشة التطوير السياحي، ولم تدخل الى الهيكلية السياحية اللبنانية الجديدة، وبقيت خارجها رغم كل الامكانيات الهامة التي تختزنها.

أمام هذا الواقع لم تتوان الجهات المعنية والمجتمع المدني والأهلي في طرابلس على مدار السنوات الماضية عن اقتحام عدد من الوزارات والمؤسسات الرسمية لتثبيت حق طرابلس في العملية التنموية الشاملة التي تشكل أحد مرتكزات الدور السياحي الفاعل، وفي إعداد البرامج والخطط لدفع العجلة السياحية والعمل من خلالها على تنشيط الحركة الاقتصادية والتجارية والاستفادة من عوامل الجذب الكثيرة الموجودة بين جنبات الفيحاء.

ومن هذا المنطلق ثمة تركيز أساسي على بناء دور جديد لطرابلس لا سيما على صعيد السياحة الثقافية والبيئية، بعد ان فقدت دورها التاريخي كقطب في تجارة الترانزيت في منطقة الشرق العربي.

والفيحاء مشهود لها بأنها المدينة اللبنانية المحافظة التي لا تعتمد في سياحتها على الملاهي وحياة الليل، ما يعطيها فرصة كبيرة في جذب السياحة العائلية وذلك بعد اكتمال البنى التحتية السياحية فيها، والمتمثلة بكثير من المشاريع التي تأخذ طريقها حاليا نحو التنفيذ وبدأ بعضها يبصر النور.

ويأتي مشروع الحفاظ على الارث الثقافي في مقدمتها، ويشمل إعادة تأهيل وإحياء المناطق الأثرية المحيطة بنهر أبو علي، وعدد من الاسواق الداخلية، وخان العسكر، إضافة الى مشروع الحكومة التركية تأهيل التكية المولوية، وتأهيل محيط قلعة طرابلس، فضلا عن بروتوكولات التعاون ألتي انجزتها البلدية مع عدد كبير من المدن العربية والاوروبية من اجل إقامة المشاريع المشتركة والاستفادة من الخبرات في تحسين صورة المدينة وتحويلها الى مدينة سياحية ذات اختصاصات محددة لها روادها.

لا يختلف اثنان على أن طرابلس هي المدينة اللبنانية الأغنى بالآثار المملوكية والعثمانية، فهي تختزن 136 معلما أثريا مصنفا في مديرية الآثار، ومئات المعالم المهملة وغير المصنفة التي تحتاج الى إعادة اكتشاف وتأهيل، فهي مدينة الأبراج السبعة الممتدة على ساحلها، والجزر السبع القائمة على شاطئها. ويخترق نهر ابو علي الذي ينبع من مغارة قاديشا في بشري المدينة الأثرية ليقسمها إلى قسمين، وهناك مدينة المأكولات الشرقية والحلويات العربية الشهيرة وصناعة الصابون التي تنتشر جميعها في كل أصقاع العالم حاملة معها اسم طرابلس، وهي مدينة الاسواق المتخصصة والخانات والحمامات، ومدينة المساجد والمآذن والكنائس والتكايا والزوايا والمدارس ومزارات الأولياء، ومدينة المعرض الدولي وصناعة المفروشات والنحاسيات والدباغة والمقاهي الشعبية، فضلا عن كونها المدينة المضيافة بامتياز بتقاليد وعادات أهلها.. وطرابلس هي «أم الفقير» التي تتميز بأسعار منخفضة عن كل المناطق اللبنانية الأخرى، تطال السلع والمنتوجات والبضائع على اختلاف أنواعها.

كما تتميز الفيحاء بأحياء داخلية فريدة عن احياء المدن اللبنانية والعربية الأخرى، بما تحويه من كنوز أثرية للعمارة من عصر المماليك والعصر العثماني، كما لا تخلو من بعض مخلفات الصليبيين.

ويشير عدد من المؤرخين الى ان طرابلس إذا ما حافظت على آثارها وعرفت كيفية الاستفادة منها فانها ستصبح من كبريات المدن السياحية في العالم العربي وقبلة أنظار الاجانب والعرب.

تستعد طرابلس بقوة للسياحة الرمضانية حيث تشكل المقاهي الشعبية التراثية في أحيائها الداخلية وخصوصا في منطقة الحدادين، وانتشار افران الكعك ومصانع الحلويات عامل جذب كبيرا للزوار الذين يقصدونها من كل حدب وصوب.

ولا يمكن لزائر طرابلس أن يسهو عن المقومات السياحية الأثرية في المدينة.

قلعة طرابلس

تتميز طرابلس بقلعتها الأثرية التي بناها قائد الحملة الصليبية ريموند سان جيل في العام 1100م ، وكانت في البداية حصنا صغيرا، ثم أكمل بناءه القائد الصليبي وليم جوردان، وبعد سلسلة مواجهات عسكرية تهدم قسم كبير من هذا الحصن الى ان قدمت جيوش المماليك بقيادة السلطان قلاوون في العام 1289م وعمل على توسيع الحصن وتحويله الى قلعة تشرف على كل أرجاء المدينة، وتضم 25 برجا وعقود حجرية وقاعات وسراديب ونواويس وكثير من المنشآت الحربية.

جامع طينال

المساجد والمدارس

  • الجامع المنصوري الكبير: يعد من أعظم المساجد الجامعة في طرابلس. وهو أوّل معلم معماري يقام في طرابلس المملوكيّة.
  • جامع العطار: من أكبر جوامع طرابلس وثالثها من حيث الأهمية. أسسه “بدر الدين بن العطار” أحد عطاري طرابلس الأثرياء عام 751 هـ. على نفقته الخاصة فنسب إليه.
  • جامع البرطاسي: يعرف بجامع ومدرسة البرطاسي أو البرطاسية، وقد سمي نسبة إلى مؤسسة “عيسى بن عمر البرطاسي”.
  • جامع الأويسي: حمل اسم مشيّده “محي الدين الأويسي” الذي بناه عام 865 هـ. هناك ضريح لمحمود بك السنجق، صاحب المسجد المعروف باسمه في التبّانة.
  • جامع التوبة: يقع على الضفة اليسرى لنهر أبي علي حيث الجسر الجديد في محلّة الدباغة بالقرب من خان العسكر. عرّضه موقعه لأضرار بالغة أثناء فيضانات نهر أبي علي التي حدثت في طرابلس مرات عديدة، جُدّد إبّان العهد العثماني على يد الأمير ”حسين بن يوسف سيفا“ .

جامع طينال: شيده نائب السلطنة الأمير “سيف الدين طينال الحاجب” سنة 736 هـ. يأتي ثانيا ً بعد الجامع الكبير.       يتمتع بطراز هندسي إسلامي مميز يلفت الانتباه بقبابه الأربع المختلفة الأشكال والأحجام، وبمئذنته المربعة

الكنائس

يقول عدد من المؤرخين ان طرابلس كان يطلق عليها اسم وادي الكنائس لا سيما خلال عهد الصليبيين، لكن هذه الكنائس ما لبثت أن تهدمت خلال الحروب التاريخية، ما يجعل كنائس طرابلس حديثة العهد يعود عمر أقدمها الى نحو مئتي عام، وتعود لمختلف الطوائف وهي:

مارونيا: السيدة القبة (بنيت عام 1889)، سيدة النجاة الميناء (1889)، ومار مخايل القبة (1926) مار مخايل طرابلس (1930) مار مارون (1955).

أرثوذكسيا: مار نقولا طرابلس (1816) مار جاورجيوس الميناء (1835) مار الياس الميناء (1861) مار جاورجيوس طرابلس (1862)، مار يعقوب الميناء (1871)، السريان الأرثوذكس الميناء (1910) الانجيلية المعمدانية (1940)

الكاثوليك: مار جاورجيوس (1835) السريان الكاثوليك (1890)

التكية المولوية

هي اشهر امكنة التصوف للدراويش المولويين في العهد العثماني، وتقوم على سفح محلة أبي سمراء على ضفة نهر أبو علي، ويعود بناؤها الى اكثر من ستمئة عام، وقد استمرت حتى منتصف القرن العشرين حيث كان يرتادها نحو عشرين درويشا بإشراف الشيخ شفيق المولوي وكانوا يقيمون فيها حفلات الفتلة وكان آخرها تلك التي أقيمت بناء لطلب رئيس الحكومة الراحل رياض الصلح عام 1948، ويشرف على التكية حاليا رياض مولوي وهي تخضع لمشروع إعادة تاهيل على نفقة الحكومة التركية.

ساعة التل

ساعة طرابلس

بناها العثمانيون في ساحة التل في طرابلس عام 1902 بأمر من السلطان عبد الحميد الثاني لمناسبة مرور 25 عاما على توليه الخلافة العثمانية، وهي مؤلفة من خمسة طوابق يعلوها برج بداخله ساعة من أربعة وجوه، وقد رممت مؤخرا على نفقة قنصل تركيا الفخري صبحي عكاري.

الحمامات

يقول عدد من المؤرخين انه لم تكن بيوت السكن في طرابلس على درجة عالية من الرفاهية، وكان معظمها خاليا من الحمامات، لذلك كان الناس يقصدون حمامات السوق وهي كانت تبنى بالقرب من الخانات التي تستقبل النزلاء من المسافرين والاغراب ليسهل عليهم ارتيادها، ومن الحمامات المعروفة والتي لا تزال قائمة لكنها لا تعمل حمام عز الدين، حمام النوري، الحمام الجديد، إضافة الى حمام العبد الكائن في سوق البازركان وما زال يعمل ويستقبل المواطنين والسياح.

خان الصابون

الخانات

هي فنادق أيام زمان بعضها أنشئ في عهد المماليك وبعضها الآخر في عهد العثمانيين وجميعها مؤلفة من طابقين وتتوسط كلا منها باحة واسعة لوضع دواب وعربات المسافرين، ومن أشهر الخانات في طرابلس: خان الصابون الذي نال شهرة عالمية واسعة بفعل صناعة الصابون التي تشرف عليها مؤسسة بدر حسون الذي نجح خلال فترة قياسية من تعميم منتوجات طرابلس من صابون زيت الزيتون والبلدي المعطر والمعزز بالأعشاب الطبيعية الى اكثر من خمسين نقطة بيع في الدول العربية والعالم.

إضافة الى خان الخياطين وهو يدل على عراقة طرابلس في صناعة النسيج وقد جرى ترميمه مرتين، الاولى على نفقة الحكومة الألمانية والثانية على نفقة الحكومة الاسبانية وهو لا يزال محافظا على مهنة الخياطة ويضم سلسلة محال لبيع الألبسة التراثية.

وخان العسكر ويدخل ضمن مشروع الحفاظ على الارث الثقافي، وخان المصريين ويستخدم لبيع الصابون والاواني التراثية، وخان التماثيل في الميناء الذي وضعت دراسات لاستملاكه وإخلائه على نفقة سعد الحريري، وتحويله الى مقصد سياحي، وخان المنزل وخان البرنس، والخانقاه وهي مكان لاقامة الأرامل والفقراء وتشرف عليه مديرية الاوقاف الاسلامية.

جزيرة الرامكين

السياحة البحرية

يتميز ميناء طرابلس بسبع جزر موزعة قبالة شاطئها، وفي مقدمتها ثلاث جزر هي: الأرانب، سنني والرامكين، وتشكل مجتمعة «محمية جزر النخل» وتفتح خلال شهريّ تموز وآب من كل عام، وتعتبر محطة راحة بالنسبة للطيور المهاجرة النادرة، وتلك المعرضة لخطر الانقراض، ويعتبر شاطئها الرملي من المواقع القليلة المتبقية على

الشاطئ اللبناني لتفريخ السلاحف البحرية. كما تختزن نباتات طبية وتنفرد بأنواع خاصة، كما تعتبر أرضها المغمورة بالمياه او المعشبة او الرملية مكانا فريدا من نوعه لتفريخ الاسماك وتكاثر الأسفنج.

ويجري العمل على تفعيل السياحة في محمية جزر النخل من خلال سلسلة مشاريع سياحية استثمارية لا تزال حبرا على ورق بانتظار إيجاد التمويل اللازم في وقت تتقدم فيه فكرة إنشاء جزيرة اصطناعية قبالة شاطئ بيروت وإقامة المشاريع عليها، دون الاستفادة من المحمية الطبيعية، أو من الجزر الأربع المحيطة بها والمفتوحة على مدار السنة امام رواد السباحة والصيد وهي جزر: عبد الوهاب، والبلان، والرميلة، والعشاق.

و لكن أهميتها لا تلغي واقعها المأساوي و الإهمال الموجود فيها فالمدينة بحاجة إلى الكثير من الإنماء.

و لا شك أن الحرب الأهلية في لبنان قد زادت واقع الانعزال الطائفي المناطقي الذي ما زلنا نعيش مفاعيله في كافة المجالات الحياتية في طرابلس، كما وفي كافة التوجهات السياسية الكبرى في البلاد.

إن الفرز الطائفي قد خسر طرابلس الكثير من ارتباطاتها التقليدية بمحيطها باعتبارها عاصمة الشمال. ولقد زاد هذا الوضع في عزلتها وفي طغيان اللون السكاني الواحد فيها.

لقد تحولت طرابلس إلى عاصمة لا تستطيع استقطاب محيطها كله، خصوصاً وأن الحرب والفرز الطائفي قد أديا إلى تنامي التمدين في بعض المناطق الريفية في محيط طرابلس.

لقد جعلت الحرب أيضاً طرابلس مدينة غير مسيطرة إجتماعياً ومجالياً على التجمعات السكانية فيها خصوصاً بعد أن زادت بينهم هوة التمايز الاجتماعي الطبقي والتمايز الثقافي المعيشي، أمر انتج فرزاً مجالياً وصل اليوم حتى مستوى التشظي المجالي بين:  أقسام المدينة، بين نمط العيش فيها، بين نوع الخدمات المؤمنه لها، بين مستوى الحماية الاجتماعية لسكانها، وبين مستوى التعليم لأبنائها…

لقد بينا أن مدن الفيحاء قد عانت منذ بدايات الحرب الأهلية في لبنان، كما غيرها من مناطق هذا البلد، الكثير من المشاكل، خصوصاً على صعد التهجير وصعيد تراجع دورها كعاصمة فعلية لكافة مناطق الشمال. هذا التراجع ما زلنا حتى اليوم نعاني من ارتدادات مفاعيله السلبية، حتى بعد انتهاء الحرب بقرابة الثلاثة عقود. لكن وبالرغم من كثرة سلبيات الحرب على مدن الفيحاء، كان هناك حالة ظاهرة لا بد من رصدها عرضاً. فلقد عاشت  طرابلس ومرافقها (المرفأ، المطار) حالة اقتصادية لافته في ذلك الزمان، زمان الحرب، نتيجة تفلتها من واقع تبعيتها لبيروت، خلقت فيها نمواً اقتصادياً مرحلياً، عاد ليتقلص مع عودتها لتبعيتها للعاصمة.

و لكن الشيء المهم الذي يجب أن نعلمه هو حالة الديموغرافيا في المدينة لأن الديموغرافيا بالنسبة إلى المساحة تدل على معلم كثيرة و منها مدى النمو الموجود في المدينة.

المنطقة العقارية

المساحة بالهكتار

عدد الوحدات السكنية

عدد السكان  2001

عدد السكان  2006

عدد السكان  2008  ْ

الكثافة السكانية 2008

الرمانة

3.8

276

1.490

1.614

1.660

437

الحديد

5.3

267

1.442

1.561

1.605

303

النوري

8.4

620

3.348

3.624

3.726

444

المهاترة

5.9

351

1.895

2.051

2.109

357

الحدادين

35.9

2.988

16.135

17.467

17.959

500

زيتون طرابلس

11145.8

15.876

85.730

92.813

95.430

83

التل

51.6

3.088

16.675

18.052

18.561

360

الزاهرية

13.2

8.5

4.347

4.707

4.840

367

السويقة

13.9

1.164

6.286

6.805

6.997

503

التبانة

21.2

1.436

7.754

8.394

8.631

407

القبة

38.8

1.796

9.698

10.499

10.795

278

بساتين طرابلس

695.6

11.196

60.458

65.453

67.299

97

مجموع طرابلس

2039.4

39.863

215.26

233.040

239.611

117

الميناء 1

23.3

1.821

9.833

10.645

10.945

470

الميناء 2

41.5

2.605

14.067

15.229

15.658

377

الميناء 3

38.6

1.690

9.126

9.880

10.159

263

بساتين الميناء

270.3

3.278

17.701

19.163

19.703

73

مجموع الميناء

373.7

9.394

50.728

54.917

56.465

151

البداوي

553.3

6.389

34.501

37.351

38.404

69

اتحاد بلديات الفيحاء

2966.4

55.646

300.488

325.308

334.48

113

و لكن المدينة اليوم بحالة سيئة جدا و وصفت في السنين الماضية للأسف بأنها منظقة الإرهاب و لكن حسب وجهة نظري و هذا غير واقعي لأنه يوجد بعض الإرهابيين للأسف و لكن ليس المدينة بأكملها. و لكن هنا السؤال لماذا أتى الإرهاب ؟

– قدر معدل عدد السكان في الوحدة السكنية بـ 5.4 واستناداً لذلك احتسب عدد السكان وفق المعادلة التالية: عدد السكان= عدد الوحدات السكنية x 5.4

–  تقدير عدد السكان في الفيحاء حسب نمو سكاني 1.6% وهي النسبة المقدرة من 2001 وحتى 2006 حسب معادلة: عدد السكان 2006= عدد السكان 2001x (1+ 0.016) ْ

–  حسب إحصاءات وزارة الشؤون الإجتماعية قدرت نسبة النمو السكاني للسنوات الخمس القادمة 2006 ولغاية 2011 بـ 1.4 %

–   عدد سكان 2008= عدد سكان 2006x  (1+ 0.014)2

فالخصوبة في مجتمعات الفقر عموماً وفي مدن الفيحاء على وجه الخصوص

غالباً ما نفسر واقع الخصوبة في المجتمع أو في جماعة اجتماعية بعوامل الدين، الثقافة، الاقتصاد، العزوة (السياسة)، وكلها من العوامل التي ما زال لتأثيرها دور كبير في تفسير قوة الخصوبة ضمن الفئات الاجتماعية الفقيرة في مدن  الفيحاء. لكن لا بد من أن نضيف لهذه العوامل عاملاًًن جوهريان فاعلاًن هما عاملا الحماية والرعاية الاجتماعية، اللذان لا أحد يستطيع التغاضي عن تأثيرهما عند “هذه الجماعة” الموصفه حياتها بصفة عدم الاستقرار مقارنة بغيرها من الفئات الاجتماعية المدينية في مدن الفيحاء.

لو قرأنا واقع الفقر في مدن الفيحاء بكل ما فيه من تعقيدات على مستوى: الصحة، التعليم، العمل، عمالة أطفال، المسكن، الغذاء،… (مواضيع سأعرضها لاحقاً)، لوجدنا أن ارتباط الأسرة بمنطق الهبة القائمة على مبدأ التبادل في المساندة الاجتماعية بين الأهل والأولاد هو السائد، إذ أن رعاية وحماية الأولاد (وفق القدرات ووفق واقع الحياة الاجتماعية في مجتمعات الفقر) في الطفولة بإنتظار “رد” هذه الهبة وقت الحاجة إليها، وفق منطق التعاضد والتساند الاسري الاجتماعي، هو المنطق المتجذر في التكوين الاجتماعي وفي الثقافة الدينية، خصوصاً عند هذه الفئات الاجتماعية.

إن تطبيق منطق الهبة[1] في العلاقات الاسرية نجده في كافة الأسر، وهو أمر جلي في ثقافتنا العربية، لكن تطبيقه عند الفئات الفقيرة يخلق عادة بعضاً من التوازن خصوصاً وأنها تعاني من عدم استقرار حياتي في معيشها اجتماعياً واقتصادياً ونفسياً.

إن هذا الفهم لواقع الهبة، برأينا، هو الذي يفسر بشكل كبير مسألة الخصوبة الزائدة في أسر مجتمعات الفقر المحتاجة، لضيق امكانياتها، إلى التكاتف الاجتماعي فيما بينها لتأمين أسس العيش.

فمدن الفيحاء متفاوته في نسب الخصوبة الأسرية وفق تقسيماتها السوسيو اقتصادية

لو نظرنا لواقع الخصوبة في الأسرة وفق المناطق في مدن الفيحاء نتبين  احصائياً تفاوت نسب الخصوبة بين منطقة واخرى.

وإن كنا قد صنفنا مدن الفيحاء بالمجتمعات الفتية، فالأدق توصيفاً هو أن مناطق الفقر والمناطق الشعبية هي التي تمثل واقعياً المناطق الفتية في المدينة، في حين أن المناطق التي يطغى فيها أسلوب العيش المتوسط والراقي، هي مناطق، قئاتها الاجتماعية هي الأكثر شيخوخة في التركيبة السكانية.

الأسرة في مدن الفيحاء

إن مدن الفيحاء هي شديدة التنوع في التركيبة الاجتماعية خصوصاً على مستوى التمايز الطبقي الاجتماعي والتمايز الثقافي التعليمي، وحتى على مستوى المتمايزات “الثقافية” التي طبعت تاريخياً وما زالت “ثقافاتها” المناطقية المعيشية، لا يمكننا أن نقارب موضوع الأسرة: سن الزواج، عدد الأولاد … إلا من خلال وعينا إلى أن هذه التركيبة المجتمعية المتنوعة قد تسببت في إنتاج أنماط متنوعة وأحياناً متناقضة من أشكال الأسر في مجتمعنا الحالي.

‌أ.        سن الزواج

لقد ارتفع معدل سن الزواج في مدن الفيحاء بشكل عام. ولقد وصل بمعدله لسن ال 29 إناث و33.6 ذكور[2]. أما العوامل التي تسببت بهذا الارتفاع فمتعددة منها: تعليم

المرأة، خروجها للعمل، احتكاك النوعين في الخارج وما سببه من عملية اختلاط نوعي، وبالتالي من عملية معرفه الآخر والتعود عليه  التي بدأت تعوض الكثير من معطيات العلاقة الجنسية التي لم تكن متوفرة، في السابق، إلا من خلال مؤسسة الزواج[3].

لقد ساهم، في هذه التحولات، مسألة التطور التكنولوجي، الواقع الاقتصادي ومشكلة تأسيس أسرة في مجتمع الاستهلاكي بات يخلق أدوات وابتكارات ما تلبث أن تتحول وبسرعة إلى احتياجات ضرورية لا يمكن الاستغناء عنها. هذا عدا أن مشروع الزواج بحد ذاته بمستلزماته الآنية والمستقبلية، أصبح يشكل كابوساً اقتصادياً كبيراً على عاتق الشباب.

بالرغم من هذه التحولات، فلقد بينت دراسة لواقع الزواج في مناطق الفقر أن معدل سن الزواج هو 21 للذكور و17 للإناث[4] إن هذا الأمر يفسر أيضاً قوة الخصوبة في هذه الأسر. أما الاسباب فمتعددة نذكر منها:دخول الشاب سوق العمل بسن مبكر. الضبط الاخلاقي في مسكن وبيئة تعانيان الكثافة السكانية، عمر المراهقة وصعوبه ضبط متطلباته في بيئة تقليدية التكوين، سكن الشاب مع العائلة في كثير من الأحيان: أمر يخفف الأعباء الاقتصادية المباشرة للزواج.

‌أ. عدد الأولاد

إن الطب بتطوراته الحديثة في حقل الإنجاب قد أثر بشكل كبير على مسألة الخصوبة الأسرية . لكن في مجتمعات الفقر هناك العديد من الأزواج ما زال يعتبر أن التدخل في هذه الأمور هو تدخل في

مشيئة الخالق، وأن الولد يولد ويولد رزقه معه. ليس لدينا تقديراً دقيقاً لواقع استخدام وسائل منع الحمل. سنورد جدول وزارة الشؤون الاجتماعية بالنسبة لإستخدام وسائل منع الحمل في لبنان:

الاستخدام الحالي / نوع الوسيلة

محافظة الشمال

لا تستخدم حالياً

32.3

تستخدم أي وسيلة

67.7

إجمالي

100

يستخدم أي وسيلة حديثة

35.6

حبوب

13.4

لولب

14.2

واقي ذكري

3.0

واقي أنثوي

0.0

حقن

0.0

حاجز مهبلي

0.0

تعقيم أنثوي

5.0

يستخدم أي وسيلة تقليدية

24.8

فترة الأمان

4.3

العزل

20.0

الرضاعة

0.4

أخرى

0.1

غيرمحدد

7.2

جدول 2: الاستخدام الحالي لوسائل منع الحمل (وزارة الشؤون الاجتماعية)

في متابعة لقراءة حجم الأسرة وعدد الأولاد فيها يأتي الرسم البياني التالي ليبين هذا الواقع بشكل أدق.

رسم بياني 6: عدد الأولاد في الأسرة (المصدر: بنية المجتمع الطرابلسي)

4ْ. الديموغرافيا المدينية والهجرة الريفية

في الدراسة الاحصائية التي قدمت في مؤتمر المدينة العربية [5]، عند سؤال الأسر عن

أصل الوالد فيها، جاءت الاجابات كالآتي:

رسم بياني 8: يظهر أصول الأب في الأسر (المصدر: بنية المجتمع الطرابلسي)

إن قراءة النسب في الرسم البياني تبين:

أن الخزان البشري من المهاجرين في مدينة طرابلس غالبهم من أصول ريفية منتمية لمنطقتي عكار والضنية.

ما زالت التجمعات السكنية الطرفية في المدينة هي التي تستقطب النسب الأعلى من المهاجرين الريفيين (القبة وأبو سمراء)، تليها مناطق الفقر.

لا توجد منطقة في طرابلس خالية اليوم من الفئات الريفية المهاجرة إلى المدن سعياً لتحسين أوضاعها الاجتماعبة والحياتية والخدماتية.

نسبة كبيرة من أبناء الريف هي من الفئات التي يتوافق نمط عيشها مع طابع الأحياء الشعبية قي المدينة، لكن هناك مدينيون من أصول ريفية مقتدرة اقتصادياً، أو/ و ثقافياً أو/ و إجتماعياً وهم فاعلون في حياة المدينة وفي مرافقها المختلفة.

مدن الفيحاء ومجتمعها الفتي

إذا كنا نعتبر أن مجتمع مدن الفيحاء هو مجتمع فتي ونعلم أن الشبان سيتقاسمون قريباً مصادر المدينة مع غيرهم من الرجال البالغين وكبار السن، نجد أننا فعلياً أمام مشكلة وخصوصاً وأن واقع نمو طرابلس الاقتصادي ضئيل يبلغ أل 2% وفق مصادر البنك المركزي.

طرابلس

بقية لبنان

بيروت الكبرى

بيروت

2%

8%

7%

83%

جدول 4: نسب النمو

رسم بياني9: الفئات العمرية في المجتمع الطرابلسي  (مصدر: وزارة الشؤون الاجتماعية)

6ْ. المجتمع الفتي والتنمية المستدامة

عندما نتحدث عن مجتمع فتي نتطلع على المستوى المجتمعي لما يمكن تسميته بالتنمية المستدامة في كافة القطاعات: التعليمية تنمية الامكانيات والقدرات وخلق مجالات جديدة تتوافق مع كافة حاجات وطاقات الشباب.

كذلك التنمية على المستوى الصحي، السكني، البيئي، الأمني، الغذائي، الانتاجي، السياسي، الثقافي،….. بمعنى آخر نتطلع لتنمية قدرات المدينة لتتوافق والزيادة الديموغرافية الفتية فيها وواقع تطلعات مستقبلهم في ظل حراك تغييري سريع في العالم حولهم على كافة الصعد والمستويات.

لا شك أن قراءة واقع مدن الفيحاء عامة بكافة طبقاتها الاجتماعية، وبكافة قدرات شبابها، يبين عجر المدن الثلاث فيها عن تلبية طموحات الشباب على كافة الصعد. غالبية الشباب المتعلم لا يجد فرص عمل تتوافق وطموحاته فيهاجر إلى العاصمة أو إلى الخارج.

لا توجد احصاءات دقيقة في هذا المجال لكن المراقب الدقيق لهذا الواقع يستطيع تبينه لوسع انتشار هذه الظاهرة في المدينة التي كانت تطال الهجرة فيها الشباب فقط بهدف العمل وباتت تطال اليوم، وإن بنسب أقل الفتيات المتعلمات اللواتي تضيق بهن حدود مدن الفيحاء . لا ننسى واقع الثقافة وواقع النظام الأبوي الذي ما زال متشدداً في هذه المسائل بالنسبة للفتيات.

نضيف هنا أن الشباب في مجتمعنا ما زال مرتبطاً بشكل كبير بأسرته. هو لا يستقل فعلياً عنها (شاباً كان أو فتاة) إلا بهدف الهجرة للعمل أو بسبب الزواج، وذلك ضمن كافة الفئات إن كانت الامكانيات المادية أو الظروف الاجتماعية تسمح بذلك وإلا حتى بعد الزواج يظل في البيت الأسري. إن هذا الواقع يبين مدى هيمنة السلطة الأبوية في التركيبة الاجتماعية في مدن الفيحاء مهما كان واقع المستوى الاجتماعي.

المسألة الثانية التي من المهم لحظها في مجتمعنا الحالي تتمثل في تكاثر الفئات الشبابية المحدودة القدرات المعرفية نتيجة تسربها المبكر من التعليم لسوق العمل (مسألة سنبينها بالأرقام لاحقاً). إن هذه الفئة التي يزداد عددها خصوصاً في مجتمعات الفقر تمثل اليوم بذاتها حالة تحتاج للمعالجة إن على مستوى المعرفي أو على مستوى تحسين ظروف العمل، أو على مستوى البطالة فيها (ينقصنا الاحصاءات الدقيقة لواقع البطالة في مدن الفيحاء).

لا شك أن التعاضد الأسري يخفي الكثير من حالات البطالة، ولا شك أن البطالة المقنعة بعدم توفر العمل الدائم عند فئة كبيرة من فقراء المدينة هي واسعة الانتشار، لا شك أيضاً أن هذا النوع من البطالة يشمل عمل المرأة في المنزل بدون مردود مادي. إن هذه الأمور جميعها تفسر معنى حاجة هذه الفئات الاجتماعية لتعميق الروابط الاسرية وحتى العائلية. هذه الروابط التي فيها الكثير من التعاضد والمساندة، وهو أمر وإن كان له ايجابياته الكبيرة لكنه في الوقت نفسه يعمق حالة الفقر ويزيدها لتحمل العامل في الأسرة عبئاً كبيراً بمدخول مادي قليل.

الواقع المزري في طرابلس

العيش الاجتماعي / الاقتصادي

قلنا أن مجتمع مدن الفيحاء متنوع العيش الاقتصادي/ الاجتماعي. لا بد من أن نوضح أننا عندما نتحدث عن الفقر في المدينة نحاول قياس واقع الفقر بالنسبة لمتطلبات العيش من مسكن، غذاء، كساء، تعليم، صحة، خدمات عامة (مياه، كهرباء، مجارير) ترفيه، بيئة طبيعية واجتماعية.

في تطلع سريع لواقع المعيش في مدن الفيحاء،  ومن خلال عرضنا لكل بعد اجتماعي نتمكن أن نتبين مدى عدم الاستقرار précarité التي يعيشها الفقراء في كافة المجالات مقارنة بغيرهم من الفئات الاجتماعية.

1ْ. المستوى الاجتماعي الاقتصادي للأسر في مدن الفيحاء.

إن أهم مؤشر للتمايز الاجتماعي/ الاقتصادي هو مستوى الدخل.

رسم بياني رقم 10 : مستويات الدخل

1ْ. الخيارات في أولويات العيش ضمن مجتمع استهلاكي

إن الملاحظة الميدانية لمدن الفيحاء عموماً وخصوصاً لطرابلس والميناء يلاحظ مدى انتشار محلات السلع الاستهلاكية الشعبية التي تدخل حتى الفئات الفقيرة في دوامة الاستهلاك، ودوامة صعوبة تحديد أولوياتها في العيش. فالفقير لم يعد هو المستهلك السئ كما كان يصنف، لقد بات مستهلكاً مع قدرة شرائية بسيطة حتى لحاجات لم تكن يوماً في السابق من أولوياته.

إن مسألة التفاضل بأهمية الاشياء في مجتمع باتت الحدود فيه مفتوحة على مغريات كثيرة هو من الأمور التي من الصعب ضبطها. لهذا نجد في احيان كثيرة التفاضل بأشياء في الحياه تخرج عن قياس المنطق. إن هذا الواقع يزيد من احساس الفقير بفقره، ويزيد من التناظر الاجتماعي بين الطبقات، قد تترجم أحياناً بردات عنفيه مجتمعية تجاه الآخر.

الفقر

أ. قياس الفقر: مسألة نسبية

لم يعد مفهوم الفقر مرادفاً لمعنى الحرمان من وسائل العيش التي تؤمن فقط إمكانية البقاء. لقد بات يستعمل أيضاً في التعبير عن الحرمان من الوسائل التي تؤمن ما يوصف اليوم بنوعية العيش. إن هذا القياس هو الذي سيتم الارتكاز عليه لقياس واقع الفقر في مدن الفيحاء، وذلك في كافة مجالات العيش الاجتماعي الاقتصادي.

‌ب. فقراء الفيحاء والمجتمع الاستهلاكي.

لو نظرنا لواقع مناطق الفقر والمناطق المصنفة بالشعبية جغرافياً في مدن الفيحاء لوجدنا أن فيها تنامي واضح لتجارة السلع الاستهلاكية الرخيصة نسبياً، المصنعة والمستوردة من الصين، الهند، تايوان… هذا طبعاً إضافة لتنامي تجارة البيع المفرق للبضاعة “البالة” stokes الجديدة والمستعملة، ولمحلات “البالة” المنزوعة “لماركة” تصنيعها dégriffés.

إن تنامي هذا النوع من التجارة في مدننا هو مؤشر أساسي أيضاً لنوعية السكان الاجتماعية/ الاقتصادية التي تتزايد، كما بينا، بشكل لافت في طرابلس والميناء.  وهي مؤشر واضح أيضاً لدخول هذه الفئات الاجتماعية الفقيرة ومحدودة الدخل لعالم الاستهلاك الذي يميز مجتمعاتنا الحالية.

إن إشارتنا لهذه المسألة هدفها أن نبين أيضاً مجال الاغراءات السلعية التي باتت متاحة اليوم حتى للفئات الفقيرة في المجتمع. وهذا الأمر يزيد طبعاً من الحاجات ويدخل حتى هذه الفئة الاجتماعية حقل الاستهلاك بكافة ابعاده، فيزيد من حاجاتها ويزيد من عرضه لمغريات سلعية يمكنها أن تحلم بإقتنائها.

إن الاشارة لهذا الواقع هو بهدف أن نبين التالي:

تحسن واقع الفقراء المعيشي بالنسبة لعلاقتهم بالعالم المادي المنتج والمصنع، وهو أمر يمكن ملاحظته من خلال التحسن النسبي لمظهر ودلالات الفقر المادية في مدن الفيحاء

زيادة إدخالهم في حلقة الاستهلاك، وبالتالي زيادة حاجاتهم وزيادة احساسهم بمحدودية امكاناتهم.

مجالات العيش الاجتماعي/ الاقتصادي في جغرافية المدينة

إن المتتبع لتاريخ مدن الفيحاء عموماً ولتاريخ طرابلس خصوصاً يتبين كيفية الفرز المجالي لهذه المدن المركزية التكوين في أساس بنائها. هذا الفرز التدريخي الذي جاء بشكل غير مبرمج، يتجلى عبر تغير في الوجه الاقتصادي والسكني من المنطقة لمنطقة أخرى.

1ْ. البطالة والبطالة المقنعة

لا  بد، وقبل الحديث عن موضوع البطالة والبطالة المقنعة، من أن نعود قليلاًً لموضوع الاحصاء في مجتمعنا.

للأسف الشديد لا توجد، كما أشرنا، احصاءات دقيقة يمكن الارتكاز عليها فعلياً في عرض الدراسات، وهو أمر يظهر بوضوح في جدول مؤشر البطالة الصادر عن إدارة الاحصاء المركزي، وزارة الشؤون الاجتماعية، الدراسة الوطنية للأحوال المعيشية للأسر للعام 2004-  2005(أنظر اتحاد بلديات الفيحاء، مركز رصد البيئة والتنمية .- طرابلس –لبنان- شباط 2008) خصوصاً وأن مؤشر النمو في محافظة الشمال هو أقل نسبه على مستوى المحافظات اللبنانية)

المحافظة

1997

2001

2004

بيروت

7.7

14.4

10

ضواحي بيروت

8.2

12.8

8.5

جبل لبنان ما عدا الضواحي

7.1

10.7

لبنان الشمالي

10.3

9.5

5

لبنان الجنوبي

8.4

8

8.5

النبطية

8.7

11.2

9.6

البقاع

10

12.9

5.5

مجموع لبنان

8.6

11.5

7.9

جدول 5 البطالة في الشمال

لا بد من التوقف قليلاً في قراءتنا لموضوع البطالة في مجتمع مدن الفيحاء مع مسألة واقع المرأة وواقع عملها في هذا المجتمع.

في موضوع الفقر في مدن الفيحاء

إن مقاربة الفقر في مدن الفيحاء تحتاج إلى قياسات مرتكزة على المسائل التالية:

-الامكانيات

– القدرات المالية

– المعرفة

– الفرص.

ولتغيير الواقع الحالي في مدن الفيحاء من المفيد أن تتوفر شروط موضوعية يتم العمل لتحقيقها من قبل قيادات وفاعلين، وتتوفر لها حالة امنية مناسبة.

ان الفقر ليس له هوية، فهو منتشر في جميع الأماكن، غير ان الفقر هو اقل وطاة على ابن الريف منه على ابن المدينة، بسبب المتطلبات الحياتية المختلفة.

لمكافحة الفقر في مدن الفيحاء، من المفيد  اتباع خطة تنموية مناطقية تتخطى حدود تلك المدن لتطال محيطها الريفي.

من المفيد اللجوء الى وسائل للضغط على الدولة لاجبارها على القيام بمشاريع في طرابلس من أجل ايجاد فرص عمل فيها. ومهم مطالبة القطاع الخاص في المدينة القيام بتدابير للمساهمة في حل مشكلة الفقر.

هناك الكثير من المشاريع التي تقام من قبل جهات عدة. لم يتم بعد الاعداد لخطة تنمية محددة، لامركزية، من الوزارات المعنية. مما يسبب تضارباً في الخطط الحالية، ومما يسبب أيضاً هدراً بالمال.

إن غالبية أبناء طرابلس هم مستعدون للقيام بمشاريع واستثمارات خارج طرابلس، ولا يحاولون تنمية مدينتهم.

ان القطاع الخاص مهمل وغير عامل في مدينة طرابلس خاصة من ناحية المتمولين واصحاب المصانع الذين أغلقوا مصانعهم وتوجهوا الى مدن أخرى.

إن للنظام المركزي في لبنان دور في تردي مدن الأطراف.

إن مشروع الخطة الاستراتيجية تعالج اليوم آثار الفقر وليس أسبابه.

مشكلة انجاب الكثير من الأطفال ضمن الأسر الفقيرة بالرغم من معاناتهم للفقر.

إن الفقر هو فقر العقل والفكر. وللأسف هناك عجز لدى المسؤولين في اختراق هذه الحواجز

إن طرابلس قد فقدت تنافسيتها لاستقطاب مشاريع تساهم في تنميتها إقتصادياً. مؤكدا ان لدي هذه المدينة خزان كبير من عمال، كما ولديها طبقة مثقفة من كل المستويات، لكن كل هذه الطاقات لا يتم استثمارها حاليا.

هناك احتكار للاستثمار في طرابلس ضمن قطاع تنموي معين وهو البناء الذي يفوق حالياً الاستثمار فيه كافة الاستثمارات في القطاعات التنموية الاخرى في طرابلس.

هناك مشكلة أمن. والمدينة فقدت تنافسيتها. لو ان الدولة موجودة كما ينبغي لما كان هناك مشكلة امنية ولما فقدت طرابلس دورها أو مكانتها.

هناك ذوبان للطبقات الوسطى في المدينة.

هناك جمعيات حالية في المدينة تقوم بالحماية والرعاية التي يجب أن تقوم بها الدولة.

إن اهالي مدينة طرابلس هم من يعاقبونها وإن السياسيين فيها هم من يستغلون الفقر بطريقة سيئة لأنهم يستفيدون من تفقير الشعب لاخضاعه. فلقد تم زرع ثقافة الفقر من قبل بعض السياسيين في المناطق الفقيرة في المدينة. فالفقراء اليوم  يعتاشون من قبل الاعانات التي تنهال عليهم خلال  المناسبات السياسية.

هناك غياب لدور النقابات التي كانت تقود الحركات التغييرية في المناطق.

إن طرابلس غير مضيافة للاستثمار الاقتصادي بسبب الصورة الشائعة عنها. فصورة المدينة السيئة في محيطها على انها بلاد الارهاب والفئات المسلحة وعدم الانضباط، هي التي تهرب الاستثمار.

إن التنمية في مدن الفيحاء ربما لا تكون اليوم في إنشاء المصانع

إن القطاع السياحي غير مستغل كما يجب في طرابلس

إن غرفة التجارة لديها مشروع خطة أولية. وهي ممثلة للقطاع الخاص الذي لديه دور مكمل للقطاع العام وهو بحاجة لتشجيع. إن هذه الخطة  تخضع للقرار السياسي والسلطة السياسية المركزية. المعاناة تأتي في مسألة التنمية  من عدم اقرار اللامركزية التي هي الحاجة الضرورية والحيوية لتنمية طرابلس ولتنمية كافة الضواحي المحيطة بها.

في الهجرة الداخلية والخارجية

في الهجرة الريفية

–  من الملاحظ،  ومن خلال الاحصاءات، أن الهجرة الى المدينة، في مدن الفيحاء، تاتي من مناطق أكثر تهميشا وصعوبة على المستوى الاجتماعي: كالمنية والضنية وعكار. وتراكم هذه الهجرة المزيد من الصعوبات في المدينة، إذ:

  1. لا يأتي اناس يعيشون بمستوى اجتماعي مقبول بل يأتون بالمزيد من الفقر نظرا لوضعهم الاجتماعي
  2. ان ثقافة هذه الفئات مختلفة عن ثقافة اهالي طرابلس أي أنهم ينتشرون في المدينة بشكل عشوائي مشابه للنمط الذي اعتادوا عليه في قراهم كما أن قمعهم يؤدي الى مشاكل عدة.
  3. إن مشكلة الهجرة الريفية لطرابلس يمكن لها شقين، الأول متعلق بالفقر، أما الثاني فثقافي.

إن مدينة طرابلس غير قادرة على استيعاب الهجرة وتقديم البيئة الملائمة لاستقطاب الاستثمارات المنتجة. كما ان سلوك القادم للمدينة نابع من عدم امكانية المدينة تقديم سلوك راق.

هناك محدودية قدرات مهنية للكثير من الريفيين المهاجرين إلى طرابلس. هناك تجمعات سكنية ريفية في المدينة أبناؤها هم من خارج طرابلس. وهم يعملون كسائقي تاكسي وكبائعي قهوة متجولين. وهؤلاء  ليس عليهم واجبات ولا ضرائب متوجبة يدفعونها في المدينة.

إن الهجرة الداخلية نحو المدينة هي مرتبطة بصورة ذهنية معينة للمدينة. ان العديد من الأشخاص يعتبرون ان الانتقال الى المدينة سيحل مشاكلهم وسيشكل نقلة نوعية بالنسبة لمستواهم المعيشي.  فيجدون، عند الانتقال، أن الواقع مختلف وهذا ما يزيد من حدة الأزمة.

أن فكرة نزوح ابناء الريف الى المدينة هي أمر طبيعي ولكن المشكلة الحقيقية تكمن في غياب دور المدينة وغياب قدرة استيعابها للنازحين وعدم إمكان هذه الأخيرة في ايجاد فرص العمل لهؤلاء النازحين.

المسكلة الأساسية في الهجرة الريفية أنه يقابلها هجرة الكفاءات الى خارج المدينة.

تم التساؤل عن دراسة مقارنة للهجرية الريفية بين بيروت وطرابلس، سيما وأن العاصمة أيضاً قد نمت وإزدهرت بسبب هذه الحجرة وبسبب دورها التنموي فيها.

إن ما يجب مناقشته يمكن تلخيصه بالسؤال التالي: كيف يمكن الحصول على تنمية مدينية بالحد الدنى مع غياب دولة ليس لديها رؤيا تنموية بالكامل.

الواقع التربوي في مدن الفيحاء

من الطبيعي أن تتفاوت المدارس في مدن الفيحاء بمستوياتها، بأنواعها، بمواقعها، بأهميتها. لن ندخل هنا بمقاربة لواقع النظام التربوي في مدن الفيحاء إلا من خلال علاقته التفاعلية مع الواقع الاجتماعي.

1ْ. طبقية التعليم في مدن الفيحاء

عندما نتحدث عن تمايزات اقتصادية كبيرة في المجتمع المديني ضمن مدن الفيحاء، من الطبيعي أن نتحدث عن تمايزات طبقية اجتماعية في كافة النشاطات والمجالات الحياتية المعاشة.

2ْ. بين زحمة الشعارات والواقع

إن الشعارات التي رفعت عالمياً ومحلياً كـ:” التعليم للجميع”، “بالتربية نبني” “مجانية التعليم” وغيرها كثر لا يمكن تطبيقها إلا من خلال بذل جهد تعليمي مضاعف للفئات التي لا تستطع أن تعطي أولادها، بالموروث الثقافي، المثال والانموذج في حقل التعليم.

رسم بياني رقم 13 الأمية في الشمال (المصدر: تقرير المرصد 2008)

نجد، عند ملاحظة الواقع، أن الجهد في تنمية المدرسة والتعليم فيها بكافة الأساليب والوسائل ما زال يبذلت للفئات التي لديها إمكانيات تخولها الانتقاء والخيار بين الأفضل لأبنائها.

الكل يعرف دور المدرسة الرسمية في نشر التعليم خصوصاً بين الفئات الاجتماعية ذات الدخل المحدود وبين الفئات الفقيرة. هناك أمور كثيرة لم تعيد بعد لهذه المدرسة دورها الريادي الذي وصلت إليه قبل الحرب الأهلية. لن نناقش هنا هذا الموضوع، ما يهمنا منه هو في واقع انعكاسه على الفئة التي تحتاج واقعياً لمجهود أكبر من غيرها في التعليم.

3ْ. الأمية والأمية المقنعة

لا شك أن واقع انتشار الامية في مجتمعاتنا عموماً، كما في مدن الفيحاء، هو في تراجع، لكن الذي لا شك فيه أيضاً أن هناك ما يمكن تسميته بالأمية المقنعة التي تزداد مع تزايد مشكلات التمايز الاجتماعي في المستوى التعليمي.

لا بد من الاشارة أنه حتى الآن:

لم تطبق إلزامية التعليم حتى للمرحلة الابتدائية بالرغم من إقرارها بالدستور.

إن نسب تسجيل الأولاد ترتفع أو تنخفض في كل سنة مدرسية وفق تبني أو عدم تبني احدى الجهات المحلية أو الاقليمية دفع القيمة التسجيلية لأبناء المدارس الرسمية.

إن عدم الاستقرار précarité الذي تعيشه الفئات الفقيرة في كافة مجالات حياتها، يبدأ أطفالهم يالتعود عليه ثقافياً ونفسياً وواقعياً منذ دخولهم المدرسة (التسجيل وفق إمكانيات الأهل). إن حالة عدم الاستقرار هذه هي التي تتجسد بشكل كبير في واقع مسارهم التعليمي

إن نسب التسرب وعمالة الأطفال هي الأكبر في مدن الفيحاء والشمال على مستوى لبنان  في الفئتين العمريتين: 10 ـ 12، و14 ـ 17

4ْ. الروضة وحلقات التعليم الابتدائي: أهميتها في التكوين الثقافي المعرفي للطفل

إن الرسم البياني رقم 20 يتبين أن الروضات لم تعط بعد حقها بالأهمية ولم يثمن بعد دورها التأسيسي للطفل في مجتمعاتنا بالرغم من أن التعليم فيها يجب أن يكون هو أيضاً، كما التعليم الابتدائي، إلزامياً، خصوصاً في البيئات الاجتماعية التي لا تستطيع تأمين البديل التربوي التأسيسي الثعليمي لأولادها.

لقد بينت دراسة ميدانية لرياض الأطفال في طرابلس[7] أن طلاب الصف الأول في المدارس الابتدائية، ممن اتيح لهم إتمام مرحلة الروضات، هم أكثر تكيفاً في النظام التعليمي في الصف الأول من أقرانهم الذين دخلوا مباشرة المدرسة في مرحلة هذا الصف.

5ْ. التسرب المدرسي: مراحله

في مرحلة التعليم الابتدائي: الصف الرابع هو الصف الذي يحدث فيه أكبر نسبة من التسرب المدرسي في البيئات الشعبية والفقيرة.

بالرغم من قيام العديد من الجمعيات الأهلية بدورات للمساندة المدرسية إلا أن هذه المشكلة ما زالت متفاقمة.

5ْ.      السبب الأكاديمي: تتوقف في هذه المرحلة حالة الترفيع الميسر للأولاد.

6ْ.      السبب الاجتماعي: لا يستطيع الأهل، بإمكانياتهم الثقافية، ًمساندة اطفالهم

7ْ.      السبب الاقتصادي: محدودية قدرة الأهل اقتصادياً في تحمل تكرار رسوب الطفل.

8ْ.      السبب النفسي: بداية دخول الطفل في التطلع للنماذج المثال حوله التي يتوافق حالها الثقافي مع تشجيعه “غير المباشر” على التسرب.

.      في مرحلة التعليم التكميلي: يتم التسرب في هذه المرحلة في الصف السابع أساسي بسبب عمر المراهقة وعدم قدرة الأهل تحمل تبعاته، كما وبسبب الواقع الاقتصادي خصوصاً عند السباب.

10ْ.  في مرحلة التعليم الثانوي: يتم التسرب في هذه المرحلة في الصف الأول ثانوي بسبب تفاوت قدرات التلاميذ. فيتسرب كل من لا تستطيع بيئته أو مشاكله الاجتماعية أو حتى قدراته في تكمله دراسته الثانوية. في هذه المرحلة ، قسم كبير ممن يتسرب من التعليم الاكاديمي، يدخل في المدارس والمعاهد التقنية.

11ْ. النوع والتمايز في التعليم

الولد والبنت في مرحلة تعليم الروضات والابتدائي: الأفضلية لتعليم الذكور في الأسر الشعبية والفقيرة.

الولد واسباب تسربه: غالباً ما يتسرب لعدم قدراته أو لمستواه الأكاديمي الذي لا يخوله متابعة المسار التعليمي الأكاديمي. أو بسبب حاجه الأهل لإدخاله في سوق العمل

الفتاة وأسباب تسربها: غالباً ما تتسرب لعدم قدراتها التعليمية أو للزواج.

تأنيث التعليم: إن الثقافة المحلية في المناطق الشعبية تفضل ترك الفتاة في حقل التعليم لأنه يمكن تقبل عملها إجتماعياً خصوصاً في الفئات الشعبية والفقيرة إلا في مواقع وظائف معينة غالبها يؤمن من خلال التعليم.

التعليم المهني وأهميته في مجتمع فتي

لم يأخذ التدريس المهني حقه بعد في هيكلية التعليم العام بالرغم من أهميته المفترضه بالنسبة للفئات الشعبية أو الفقيرة، أو للفئات التي لا تخولها إمكانياتها الفكرية من تكملة التعليم الأكاديمي.

ما زال هناك الكثير من الشبان الذين يتسربون من المدارس ليتعلموا الصنعة وفق النمط التقليدي للحرفة، أي مباشرة مع معلم الصنعة. بالرغم من هذا الواقع ما زلنا نشهد تنامياً كبيراً للمعاهد المهنية بمختلف مستوياتها إبتداءًا من الكفاءة المهنية، التكميلية المهنية، البكالوريا الفنية، الامتياز الفني، والمعاهد الجامعية الفنية. إن أهمية هذه المعاهد أنها تتيح بالمفترض فرص العمل المبكر للشبان والفتيات. وسيتم قريباً فتح معهدين تقنيين جديدين ومعهد ال CNAM (المركز الوطني للفنون والحرف).

المعهد

المنطقة

حرب للتجميل

الحدادين

التدريب المهني

النوري

الليسة المهنية للعلوم

النوري

معهد المنارة التقني

ش. لطيفة

معهد أركاتك

التل

المركز الحديث للتقنية والمعلوماتية

التل

المدرسة السويسرية اللبنانية

التل

معهد الشمال التقني

التل

معهد النورتون التقني

بساتين طرابلس

مركز الفيحاء العلمي

زيتون طرابلس

الرشيد النموذجية

التل

العناية الأهلية

ابو سمراء

روضة الزيتون

أبو سمراء

التأهيل المهني

زيتون طرابلس

معهد صراف

التل

معهد الجنان

ابو سمراء

معاهد الفوال التقنية

النوري

المركز اللبناني للعلوم والكمبيوتر

بساتين طرابلس

مهنية طرابلس ( رسمية )

القبة

مار الياس التقنية

الميناء

جدول 6:  المعاهد في مدن الفيحاء

أهمية طرابلس كمركز تعليمي

لقد خسرت طرابلس الكثير من مدراسها الخاصة التي انتقلت إلى الضواحي بسبب الاضطرابات الأمنية التي عاشتها المنطقة. إن هذا الواقع هو الذي تسبب بامتداد الكثير من المدارس الخاصة في المدينة التي حافظت على موقعها فيها.

بالرغم من أهمية المدارس الحالية في مدن الفيحاء وأهمية نتائجها التربوية على مستوى لبنان، إلا أن خسارة التنوع في أساليب التعليم هي خسارة توازي خسارة التنوع السكاني المناطقي الذي كانت تنعم به طرابلس ومدن الفيحاء قبل الحرب الأهلية. هذا التنوع الذي  كان يكسبها جذب الكثير من تنوع محيطها.

جبل النفايات

أما على صعيد البنية التحتية للمدينة:

–       في البناء و العمران:

–       يمتد المجال العمراني التابع لمدن الفيحاء على مساحة 30 كلم2، و يبلغ العدد الإجمالي للسكان حوالي 230 و ثلاثون ألف نسمة مع كثافة سكانية تقارب ال12 ألف نسمة في الكيلومتر المربع. يمتد النسيج المدني وفقا لمحورين: محور من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي يربط مدينة طرابلس بالميناء، و محور آخر من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي و يربط المدخل الجنوبي لمدن الفيحاء بالمدخل الشمالي.

–       يتواجد هذا النسيج المدني في معظمه في سهل طرابلس الساحلي المثلث الشكل. و يمتد فوق التلال الشرقية من جهتي نهر أبو علي ليشكل من جهة الجنوب حي أبي سمراء و من جهة الشمال حي القبة. أما نهر أبو علي فيخترق مدينة طرابلس من الجنوب إلى الشمال مرورا بالأحياء القديمة.

–       يتكون النسيج المديني من أحياء تعود إلى حقبات مختلفة لعل أهمها هي تلك تكون النواة التاريخية لمدينة طرابلس على جانبي النهر و هي تعود إلى العصور المملوكية و العثمانية و حقية الإنتداب الفرنسي.

–       أما البساتين، فقد كانت تشكل الجزأ الأكبر من مساحة المدن الفيحاء حتى نهاية القرن العشرين. و لقد بدأت تتراجع تلك المساحات الخضراء شيئا فشيئا منذ نهاية الحرب الأهلية ، بفعل الإستمداد العمراني و بسبب مشاريع الضم و الفرز و النمو السكاني. و يشكل مشروع الضم و الفرزفي الشقي الغربي المشروع الأبرز في مدن الإتحاد و الذي كان الهدف منه بناء طريق سريع يربط العاصمة بشمال لبنان مرورا بمحاذاة معرض رشيد كرامي الدولي.

–       و بسبب الحرب الأهلية تم بناء الجزء الجنوبي فقط من هذا الطريق السريع و يتم الآن إعداد دراسة ضم و فرز لمنطقة السقي الشمالي بهدف
إكمال هذا المشروع. و يشكل هذا الطريق السريع اليوم عائقا مهما داخل النسيج المديني كونه يقطع التواصل بين ضفتيه، عازلا بشكل كبير الأحياء الساحلية الجديدة عن الأحياء الداخلية.

–       و يجب الإشارة أخيرا إلى الجزر الصغيرة المنتشرة قرابة الشاطىء و التي حول البعض منها إلى محميات طبيعية.

–       الإمتداد العمراني

تاريخيا بدأ الإكتداد العمراني عند نهاية القرن التاسع عشر بين مدينتي طرابلس و الميناء. في بداية المنتصف الثاني من القرن العشرين أخذ هذا الإمتداد يتجه شمالا و جنوبا و شرقا متغذيا من هجرة العائلات الريفية إلى طرابلس أو من صعود بعض العائلات إلى تلة أبي سمراء للإصطياف و من ثم تحول هذه التلة إلى أحد الأحياء الطرابلسية.

و في نهاية القرن العشرين بدأت المدينة بالإمتداد بإتجاه منطقة السقي الغربي و زيتون أبي سمراء مستفيدة من مشاريع الضم و الفرز التي وضعت بتصرف متعهدي البناء مساحات شاسعة من الأراضي الصالحة للبناء دون أي خطة إسكانية و إقتصادية رسمية واضحة.

و من المنظر أن تتحول منطقة السقي الشمالي بدورها إلى أراضي صالحة للبناء في السنوات القليلة المقبلة بعد إتمام مشروع الضم و الفرز الذي يعد لها.

–       الحيز العام و المساحات الخضراء:

–       عندما يصل الزائر إلى طرابلس آتيا من بيروت ، يسجل فرقا كبيرا بين المدينتين لصالح الأولى من حيث ترتيب الشوارع و عرضها و تزيينها بالأشجار و الوسطيات الخضراء ، بالإضافة إلى الساحات المخططة و غيرها.

–       و لكن هناك من إشكالات و عوائق كثيرة يعرفها الحيز العام في المدن الفيحاء و هي بذلك لا تختلف كثيرا عن باقي المدن اللبنانية. يمكن تلخيص تلك الإشكالات و العوائق بالنقاط التالية:

–       غياب خطة سير للمشاة تمكنهم من الإنتقال بأمان و سهولة من حي إلى آخر دون عوائق. طبعا يمكن الإشارة في هذا الصدد إلى إنعدام ثقافة الحيز العام عند اللبنانيين و عدم إنتظارهم توقف السيارات عند الإشارة لعبور الطريق. إلا أن المشكلة تكمن أيضا في التخطيط فالأرصفة ليست متواصلة فيما بينها و ذلك يسبب غيابها في بعض الأحيان أمام مبنى قديم، أو ضيق عرضها. أو محتلة من قبل السيارات المتوقفة أو من قبل المحلات التجارية و البسطات. كما أن عبور الشارع للإنتقال من رصيف إلى آخر غير منظم بواسطة إشارات ضوئية أو علامات على الطريق. و المثل الأفضل الذي يمكن عرضه هو عدم قدرة الوالدة جر عربة طفلها بأمان و سهولة على الطرقات عندما تخرج من منزلها للتبضع أو التنزه.

–       إنتشار ظاهرة إشغال الحيز العام و الأملاك العامة بطريقة غير شرعية منذ عقود و إزدياد ذلك مع الوقت دون أية تدابير رادعة من قبل السلطات المعنية. و يبدو ذلك واضحا ز جليا في الأحياء القديمة، لا سيما على كورنيش نهر أبو علي.

–       غياب تنظيم جدي للحيز العام داخل الأحياء الفقيرة لا سيما في منطقة التبانة.

–       عدم وجود حملات توعية تحفز السكان على حسن إستعمال الحيز العام و المحافظة على النظافة و الأثاث المدني.

–       المساحات الخضراء:

–       حتى وقت غير بعيد ، لم تعرف طرابلس إلا حديقة المنشية في منطقة التل و التي يعود إنشاءها إلى أواخر العصر العثماني .

و اليوم تعمل البلدية على إنشاء و أنشأت حدائق عديدة و ذلك بسبب قلة الحدائق بالنسبة لمساحة المدينة و من هذه الحدائق: الوفاء، عزام شهال، الملك فهد، البيئة، المنار، طينال، شارع الأرز و غيرها. و هذا سيضاعف المساحات الخضراء في المدينة.

جمعية كشافة لبنان

المجتمع الأهلي:

–       فيما عدا العاصمة بيروت تتميز مدن الفيحاء عن غيرها من المدن و البلديات اللبنانية في كثير من الأمور. و هذا يفترض و هذا يفترض أن تعطيها دفع قوي في مجال تدعيم دورها المناطقي و تطوير و تحديث المجتمع المحلي في إطار التنمية و الديمقراطية.

–       من هذه الأمور:

–       الصحافة المحلية بوجود ما يقارب حوالي الخمس عشرة صحيفة محلية تصدر أسبوعيا من بينها أربع أو خمسة هي الأكثر قراءة. يساعد ذلك في إبقاء المواطنين بشكل منتظم في صورة الأخبار المحلية المختلفة و بتكوين رأي عام محلي. كما تشكل صفحات تلك الصحف مساحة الحوار و النقاش و السجلات المختلفة، مساحة تساهم فيها جهات عديدة ليس أقلها رؤساء و بعض أعضاء المجالس البلدية.

–       نقابات المهن الحرة بوجود فروع ثانية لنقابات المهن الحرة ( المهندسين، الأطباء، المحامين)

في طرابلس تساهم في جعل المدينة قبلة في محيطها المناطقي. كما يساهم وجود تلك النقابات بتفيل و تطوير الكثير من القطاعات المهنية و الإجتماعية و إقامة المؤتمرات العلمية.

–       الجامعات بوجود فروع لمعظم كليات الجامعة اللبنانية و لبعض الجامعات الخاصة. تلعب بعض تلك الكليات أو الجامعات دورا هاما في المجتمع المحلي. فهي تشكل أولا مرجعا علميا في الكثير من المجالات ، و تساهم في إنتاج الدراسات و الأبحاث المتعلقة بالإشكاليات الرئيسية المحلية. كما أن البعض منها، و بالتعاون مع البلديات ، يساهم بمشاريع إنمائية أو إجتماعية أو تجميلية.

–       الجمعيات الأهلية و اللجان و الهيئات و المؤسسات الخاصة العاملة في مدن الفيحاء عدة مئات. قسم قليل منها ينشط ميدانيا في الأحياء الحساسة المباشرة مع السكان أو من خلال المستوصفات أو مراكز إجتماعية ثابتة. تستفيد تلك الجمعيات الناشطة من المساعدات أو برامج إنمائية تمولها هيئات و مؤسسات دولية أو جهات سياسية محلية و غير محلية نافذة. إلا أن القليل منها يلعب دورا فاعلا في الحياة اليومية، و غالبا ما تكون تلك الجمعيات الفاعلة تابعة لجهات سياسية.

–       المراجع و المؤسسات الدينية، تحتل المراجع الدينية حيزا هاما في الحياة اليومية لمدن الفيحاء، لا سيما الإسلامية منها. و هي تنشط في الحياة العامة من خلال المؤسسات أو الجمعيات، كمديرية الأوقاف مثلا التي تملك الكثير من الأملاك المبنية و غير المبنية. كما لدار الإفتاء إحتراما واضحا لدى  المواطنين لما للمفتي من موقع و دور مرجعي و توفيقي بين أبناء الطائفة الواحدة و بين الطائفة الإسلامية و الطوائف الأخرى. من جهة أخرى تتعدد الجمعيات و الأحزاب ذات الطابع الإسلامي، بعضها فاعل في العديد من أحياء مدن الفيحاء ، دينيا أو سياسيا أو أمنيا أو حتى في المجالات الثلاثة كافة.

–       الأحزاب السياسية

تراجع دور الأحزاب كثيرا منذ قبل نهاية الحرب الأهلية لصالح عدة شخصيات سياسية طرابلسية. و الجدير ذكره هنا هو أنه و بإستثناء حزب البعث العربي الإشتراكي و حركة التوحيد الإسلامي ، لم يكن للأحزاب اللبنانية الأخرى يوما إمتدادا جماهيريا واسعا. أما اليوم فهناك تواجد حزبي مسلح تتفاوت أهميته و حجمه و ذلك في ثلاثة أحياء في طرابلس هم بعل محسن و أبي سمراء و الجميزات. كما أن هناك مجموعات مسلحة غير منتظمة في منطقة التبانة تخوض من حين إلى حين معارك عسكرية محدودة مع مسلحي الحزب المتواجد في بعل محسن. يجدر الإشارة أيضا إلى مجموعات بدوية أو مهجرة متواجدة في بعض أحياء مدينة البداوي ينتمي إليها عناصر تقوم بأعمال مخلة بالنظام العام و هذا يشكل إشكالية للسلطة المحلية. أخيرا و في البداوي دائما ، يقوم مخيم للفلسطينيين يضم ما يقارب السبعة عشر ألف لاجئا، و يضم العديد من الأحزاب و الحركات الفلسطينية. كجميع المخيمات الفلسطينية في لبنان، لا يخضع هذا المخيم للسلطة اللبنانية، كما يساهم الواقع الإجتماعي المأساوي في داخله في تردي الأوضاع الإجتماعية في محيطه العمراني.

المؤسسات الدولية

تلعب بعض المؤسسات الدولية دورا هاما في بعض القطاعات المحلية. فهي تمول مشاريع إنمائية إقترحتها هي و وافقت عليها الحكومة اللبنانية أو السلطة المحلية. و هي تشرف على إعدادها و تنفيذها وفقا لدفتر شروط يعتمد معايير دولية في أكثر الأحيان. و تقوم وفود تمثل تلك المؤسسات بزيارات ميدانية للتأكد من حسن سير الأمور و للضغط أحيانا لتسريع العمل و معالجة الإشكالات الطارئة. من أهم تلك المؤسسات : البنك الدولي، الوكالة الفرنسية للتنمية و وكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة.

–       القطاع الصناعي

لا يعتبر هذا القطاع فاعلا في إتحاد بلديات الفيحاء. لا بل هو قد تراجع كثيرا مما كان عليه قبل الحرب الأهلية. و لقد توقفت المنشآت الصناعية الثقيلة عن العمل و لم يعد هناك إلا نشاطات صناعية خفيفة و متوسطة. هذا مثلا حال مصفاة النفط في البداوي التي كانت تؤمن ، مباشرة أو غير مباشرة المئات من فرص العمل، و كانت تستقبل النفط العراقي الذي كان يعد لتصديره عبر مرفأ طرابلس. و إذا ما وضعنا جانبا الأسباب الإقليمية التي أدت إلى توقف وصول النفط، فإن المنشأة نفسها أصبحت قديمة و بحاجة إلى تحديث و تجديد. نضيف إلى ذلك توقف معظم المنشآت الصناعية التي كانت تعمل في منطقة البحصاص ما ساهم في تدهور المشهد المديني في تلك المنطقة.

بالنسبة إلى النشاطات الصناعية الأخرى، فهي متعددة و مختلفة و أهمها: بيع و صيانة المركبات، صنع المفروشات و صنع المواد الغذائية. شهدت تلك النشاطات تراجعا ملحوظا في عدد منشآتها في طرابلس. فبينما كانت تبلغ 3095 منشأة عام 1996، تراجعت عام 2004 إلى 2377 أي بفارق أكثر من 700 منشأة من جهة أخرى، لحظ المخطط التوجيهي العام لمدن الفيحاء الذي أقر عام 1971، عدة مناطق صناعية و لقد إصطفت جميعها بموازاة الشاطىء البحري بين المرفأ و مدينة البداوي، بالإضافة إلى منطقة البحصاص الخارجة إداريا عن نطاق مدن الفيحاء.

القطاع التربوي

يجمع الكثير من المختصين و المعنيين على أن دور طرابلس كمركز تربوي قد سجل تراجعا ملحوظا في العقدين الماضيين. الأسباب المباشرة غير واضحة نظرا لغياب الدراسات في هذا المجال.

القطاع الصحي

وفقا للموقع الإلكتروني لنقابة أصحاب المستشفيات الخاصة في لبنان، هناك عشر مستشفيات عاملة في طرابلس غالبيتها تؤمن الإقامة القصيرة. يضاف إلى ذلك مستشفيين حكوميين هما الأورانج ناسو و مستشفى طرابلس الحكومي.

القطاع الرياضي

يبلغ عدد المنشآت الرياضية العامة في مدن الفيحاء إثنتين هما الملعب البلدي و الملعب الأولمبي، و يقتصر الدخول إليهما على الفرق الرياضية و للجمهور الراغب بحضور المباراة الرياضية. و في موازاة ذلك، تعمل البلديات على إنشاء ملاعب رياضية صغيرة لعامة الناس بعضها ضمن الحدائق العامة. أما المدارس الرسمية فغالبيتها تفتقر إلى التجهيزات الرياضية ذات المعايير المقبولة . على صعيد القطاع الخاص ، هناك نوادي و قاعات رياضية أهمها مركز الصفدي و القاعة الرياضية التي لم تجهز بغد.

القطاع الثقافي

تفتقر مدن الفيحاء إلى النشاطات الثقافية ذات الطابع الوطني أو الدولي. و هي ضعيفة على الصعيد المحلي بعد أن كانت ناشطة أكثر في العقود الماضية بالرغم من ظهور كورال الفيحاء مؤخرا و وجود فرقة للدراويش.

أما على صعيد التجهيزات الثقافية ، تضم مدن الفيحاء مركزا ثقافيا بلديا في طرابلس و يجري العمل الآن على يناء مركزا آخر ضمن المبنى البلدي الجديد في الميناء.

أما في القطاع الخاص فهناك عدة مراكز أهمها مركز الصفدي الثقافي، مركز الرابطة الثقافية بيت الفن بالإضافة إلى المركز الثقافي الفرنسي.

القطاع السياحي

بالرغم من الأهمية الكبيرة للمواقع التراثية و الأثرية و الطبيعية العديدة في قضاء طرابلس و المناطق المحيطة، تشتكي الفعاليات الطرابلسية من إفتقار مدن الفيحاء إلى الحد الأدنى من التجهيزات السياحية . يظهر ذلك من خلال:

–       وجود فند واحد مؤهل لإستقبال السائح هو الكواليتي إن و يضم 112 غرفة و جناحا. و غالبا ما بتوجه السائح إلى الفنادق و المنجعات المتواجدة عند الضاحية الجنوبية لطرابلس عند تعذر الحجز في هذا الفندق.

–       غياب أي منتجع سياحي على شاطىء البحر.

–       الواقع المتواضع لمكتب السياحة التابع لوزارة السياحة، و عدم وجود مطبوعات سياحية ذات نوعية كدليل السائح أو الخرائط السياحية.

–       ندرة أو غياب التجهيزات الضرورية للسائح في الحيز العام كالمراحيض و نقاط الإستعلام و الإشارات التي تمكن السائح من معرفة وجهة سيره.

–       غياب سياسة سياحية فاعلة لإجتذاب السياح.

قطاع المياه

تشرب مدن الفيحاء اليوم من نبعي هاب و أبو حلقة و من 23 بئرا إرتوازيا تم حفرهم في مناطق مختلفة. إلا أن شبكة الشفة الموجودة لا تصل إلى جميع المناطق.

قطاع المياه المبتزلة و مياه الأمطار

يستعد مجلس الإنماء و الإعمار بإطلاق مشروع جديد لتأهيل شبكة المياه المبتزلة بقيمة 40 مليون دولار، و وصلها بمحطة تكرير، فالشبكة القديمة تخدم 70% من السكان فقط وفق المجلس ذاته.

بإنتظار أن يبدأ العمل بمحطة تكرير ، تصرف المياه المبتزلة اليوم عبر مجرى نهر أبو عليأو ترمى في البحر مباشرة.

قطاع الكهرباء

يعاني قطاع الكهرباء في لبنان من عجز هام في الإنتاج يقدر بأربعمئة ميغاواط. يترجم ذلك في تقنين كهرباء المشتركين، ما يدفع البعض هؤلاء للبحث عن طاقة بديلة للتعويض. يدير قطاع الكهرباء في الشمال شركة كهرباء قاديشا. و يتم تغذية هذه المنطقة بالكهرباء من محطة دير عمار لتوليد الطاقة. و يتم تغذية المشتركين بالكهرباء بواسطة شبكات هوائية منصوبة على أعمدة.

منذ عدة سنوات جهزت محطة دير عمار بتجهيزات جديدة لتعمل بواسطة الغاز بدل الفيول. إلا أنها لا تزال تعمل بالطرق القديمة بإنتظار وصول الغاز المصري بعد الإتفاق الذي أبرم بين الحكومتين المصرية و اللبنانية منذ فترة قصيرة. و لكن ذلك لن يوقف التقنين.

قطاع الهاتف

يدير قطاع الهاتف الثابت في لبنان شركة أوجيرو. عرف هذا القطاع تطورا كبيرا رافق إنتشار الهاتف الخليوي، و لقد تم تحديث معظم السنترالات و تأمين الهاتف لمعظم المناطق المأهولة. كما تم نشر غرف هاتف للعموم في شوارع الكثير من المدن و البلديات اللبنانية.  و تؤمن الشركة اليوم خدمات كثيرة منها الإتصالات الدولية المباشرة و خدمة الإنترنت.

في النهاية أود أن أقول ، أن طرابلس مدينة مهمة و لكن لا يوجد خطة جدية لإنمائها و تطويرها فكل سياسي يعمل لمصلحته الشخصية فإنني لست ضد السياسة و لكنني ضد المضي وراء السياسيين في كل ما يقولون يجب أن يكون لدينا مقدار من الإستقلالية و القول لا عند وجود أي خطأ و نعم عندما يكون العمل صحيح. عسى أن أصل يوما إلى سدة الحكم و أنتج التغيير و أقول للناس هذا هو الحكم الصالح.

و شكرا


[1] GODBOUT J.: Le don, la dette et l’identité : homo donator vs homo œconomicus.- La découverte (MAUSS) 2000

[2] معدل سن الزواج في محافظة الشمال  وفق المسح اللبناني لصحة الأسرة هو: . 29.0 إناث 33.6 ذكور.- المسح اللبناني لصحة الأسرة.- -وزارة الشؤون الاجتماعية، إدارة الاحصاء المركزي، جامعة الدول العربية.-2004

[3] مها كيال:  دراسة تحليلية لمتوسط سن الزواج في لبنان.- جمعية تنظيم الأسرة.- 2002

[4] إن هذا المعدل أخذ من عينة 1000 أسرة في مناطق التبانة والأسواق القديمة في طرابلس وهو يمكن اعتبارة مؤشراً وليس رقماً دقيقاً لأنه لم يأخذ بالاعتبار نسبة العازبين في المنطقة.

[5] يوسف كفروني: بنية الاجتماع الطرابلسي.- ورقة بحثية قدمت في مؤتمر المدينة العربية.- معهد العلوم الاجتماعية الجامعة اللبنانية.- 2009

[6] BOURDIEU: PASSERON:Les héritiers, les étudiants et la culture.- Paris.- ed. Minuits

[7] للتوسع في هذا الموضوع أنظر:

صباح القرق فنج: الروضات حلقة حضانة أم بناء معرفة في نظام التعليم الابتدائي: نموذج الروضة الرسمية في طرابلس. الحركة الاجتماعية.- و Save the children (Sweden).- 2009